الثلاثاء، 26 مايو 2020

بعد الغياب


إسم جديد على ساحة الفن اليمني 
مسلسل حاكت قصصه حياة وواقع الإنسان اليمني وقُدمت فيه صورٍ إيضاحية لمعلاجة الأخطاء المتراكمة للدراما اليمنية التي كانت أشبه بتحصيل حاصل وإلهاء ليس إلاّ وقصص ليس لها ذرّة من الواقع
واليوم ونحن نتابع المسلسل اليمني الشهير (بعد الغياب)  الذي نال إعجاب ومتابعة كثيرة من عامة أبناء اليمن الذين أنتظروا بشغف لمثل هكذا مسلسلات تحكي الواقع وتصلح ما أفسده التمثيل سابقاً إبّان الرأس فسادية
تابعت كغيري المسلسل وكنت لا أمل من القصص التي حواها وسردا تفاصيلها بدقة متناهية
إبتداء من البساطة التي كانت تعيشها القرية التي تمحورت حلقات المسسلسل حولها .

تطرّق إلى قظاياء عدة لتقبى أهمها ما يعانيه الشعب اليمني من حرب وحصار سعودي غاشم واعتداء سافر وإعتقال تعسفي للمسافرين والمغتربين والابرياء بتهم الاسماء والمناطق وكشف المسلسل يعانيه الاسرى والمعتقلين في سجون ادوات العدوان في مارب وهو ما ينطبق تماما في كل المحافظات والمناطق التي تقبع الإحتلال والسيطرة 
ومما تطرّق إليه المسلسل هو العشوائية في العمل الإداري للشركات والمؤسسات وعمل البعض من رجال الاعمال لمحاربة اصحاب التخصص والكفاءات.

وكذلك لا ننسى الأخطاء التي ترتكبها المختبرات في كشف النتائج المختبرية للفحوصات وكذا حالات بعض الأمراض حيث يُفتقد في بعض المستشفيات التنسيق بين الأطباء وكلاً يعطي النتيجة حسب رؤيته دون مشاورة الأخرين.
ومما كشفه المسلسل هي العشوائية والطمع لبعض المزارعين والذين يستبدلون المحاصيل الزراعية بزراعة القات ورش المبيدات التي قد تضرّ بالتربة وتجعلها تفقد طبيعتها وتُتلف عن الإنتاج.

ومما لفت إنتباه المشاهدين هي تلك القظايا التي نلمسها وللأسف الشيدي في الواقع اليمني والعربي وهي حرمان المرأة من حقها الشرعي الذي أختصّها الله ومنحها ورثاً شرعياً لا يُنازع عليه ولا يتهرّب منّه إلاّ فاسد ومجرم وظالم جاهلي. 

ومن أهم ما تطرّق إليه مسلسل (بعد الغياب) هو غياب الظمير الإنساني للمنظمات المدّعية بإنسانية والتي جعلت من وضيفتها غطاءً لتحقيق أهدافاً خبيثة تسنف مبادئ وقيم البشرية.

ومما تطرّق إليه المسلسل هو أهمية التكافل الإجتماعي وحرص الأهالي على الإهتمام ببعضهم واحتواء الأخرين
وكذلك الغطرسة التي شهدتها اليمن إبّان حكم الهالك عفاش وزبايته والأعمال الشيطانية الخبيثة التي أنتهجها ضد من يخالفه في الرأي ويعارض افكار عمالته من خلال الزج بهم في السجون وتضييعهم خلف القضبان لسنوات عدّة لإنتمائهم العرقي والطائفي
ولتبقى حادثة بيع الأسرى والمعتقلين من قبل المرتزقة للسعودية والإمارات من أهم ما تطرّق إليه المسلسل وهو يروي حادثة اختطاف عائدين من الغربة وبيعهم للإمارات بغرض مقايظة الدولة لاطلاق اسرى سعوديين وإماراتيين وهو حقيقة مايعيشه أسرى الجيش واللجان الشعبية ومعتقلون اخرين في سجون أدوات وأحذية العدوان. 

ولهذا يجد المتابع أهمية مثل هكذا مسلسلات ترسم الواقع المعيشي والعمل على معالجة الأخطاء والإشكاليات التي تواجه المجتمع اليمني منذُ عصور سابقة عاش فيها الفساد 
والتي كانت الدراما فيما مضى عامل مساعد لتفشى وإنتشار الفساد بشقيه المالي والإداري والأخلاقي ونحن من رأينا ومت زلنا نرى قنوات المجون تعرض مسلسات هابطة وضيعة مسيئة لمكارم وأخلاق المجتمع اليمني المحافظ .
وبالنسبة للمثلين فقد كانوا في الموعد
اجادوا الأدوار ببراعه وتفننوا وقدموها كصور واقعية نالوا الإشادة والإعجاب من المتابعين واصبحوا حديث الشارع اليمني لما يتميزوا به عن غيرهم فقد كانوا على أرقى مستوى وأظهروا الصورة الحقيقية للإنسان اليمني المحافظ على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف 
لهم التحية والإجلال ولكل العاملين والقائمين على هذا المسلسل الرائع كتّاب ومخرجين ومنسقين ونتمنى مواصلة هذا العطاء وإستمراية الأداء والنهج الفنى الجميل بعيداً عن الخيال وبعيداً عن الترّهات وخزعبلات الدراما التي اعتدناها في السابق والتي لم تكن تهدف لشيئ 
ونتمنى إستمرارية المسلسل في أجزاء قادمة مع إيضاح اكثر  للواقع اليمني في ظل الحرب والحصار الشعودي الأمريكي 
وتطلعات الشعب اليمني بمواصلة العطاء والزخم الثوري والجهادي لمقاومته وجهاده حتى تحقيق الإنتصار بأذن الله
الشكر موصول لقناة المسبرة قناة (صدق الكلمة) 


✍أبو يحيى الجرموزي 
 https://t.me/abuyahyea

الخميس، 21 مايو 2020

الشهيد المرتضى

الشهيد المرتضى 


وفي ليلة القدر يغادرُ بدراً يمانياً ليظيئ لنا درب الجهاد وطريق الإستشهاد 
غادر دنياه ليحجز مقعده في جنة الفردوس , التحق بركاب العظمى بعد أن تفرّع منه نجمين سطعاً في سماء اليمن وسبقاه إلى جنة الخلد شهداء برضوان من الله وجنة نعيم فيها ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت.
الوالد العزيز والمجاهد الصادق / علي محمد عبده المرتضى فاز وربُ الكعبة فاز بالشهادة ليلتحق بركاب الصادقين بسيفنة النجاة من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى
وبعد إن قدّم في سبيل الله شهيدين عظيمين هما / نجم الدين وعبد الحميد واللذان أرتقيا في سبيل الله في مواجهة قوى الطغيان ومقارعة الإستكبار 
هاهو الأب الفاضل يلحقهم منافساً في ميادين الجهاد بعد إن جاد , صال وجال وذاد بشجاعة حيدر والكرار في مختلف الجبهات وهو يتنقل من جبهة إلى اخرى حاملاً بندقيته وحلمه وبصيرته وذكريات جمعته بإبنائه الذين سبقاه في المقام بجوار الأنبياء والصادقين.
تعرّض لإصابة بليغه في جبهة الحدود لم تقعده الإصابة عن عمله الجهادي فعندما تماثل للشفاء عاد الى الجبهات عاد الى مكانه المفضلّ وعشقه الدائم عاد الى المحراب المقدّس مجاهداً في سبيل الله ومن خطوط النار والإلتماس مع العدو يرسل شواظاً من نيران بندقيته فيقتل ويُجرح ما رأته عيناه من الأعداء
ومع خظّم الأحداث وتطورّ مراحلها العسكرية وخياراتها الإستراتيجية في مواجهة تحالف الشر والإرهاب والسعودي
كان الشهيد والدا الشهيدين علي محمد المرتضى (ابو غالب) في طليعة الصادقين مجاهدوا الجيش واللجان الشعبية وفي مقدمة الصفوف وهو يُذيق الاعداء بأسه الهاشمي المرتضى الأصيل 
هاهى وللمرة الثانية تنال منه رصاصات الاعداء ومنافقوهم الأقزام في جبهة نهم ( عملية البنيان المرصوص ) الذي كان الشهيد ابو غالب المرتضى أحد رجالاتها مجاهداً مغواراً لا يُشق له غُبار وللمرة الثانية يُجرح
ولم تُقعده جراحه من القيام بما يمليه عليه واجبه الديني وضميره الإنساني الهاشمي الحيّ فسرعان ما تشافى وعاد مجدداً الى حيث عشقه الأزلي وحبّه الطاهر في خنادق المواجهة مع الكفر ورأس الشر والفساد وهي المرة في جبهة الجوف
خاض برفقة مجاهدوا الجيش واللجان الشعبية ملاحم بطولية في عملية ( فأمكن منهم) والتي من خلالها تم تحرير وإستعادة محافظة الجوف المركز والمحافظة ومع مواصلة التقدم ومطاردة ما بقي من اوكار المرتزقة في اطراف صحراء الجوف الى السياج الحدودي الرابط بين مملكة الإرهاب السعودي ويمن الحكمة والإيمان
هاهو وفي ليلة الـ27 من رمضان الذي يُرّجح بإنها ليلة القدر يغادر شهيداً حاملاً لواء غزوة بدر العصر حيدرياً ظرغاماً وبطلاً لا يُشق له غبار
وبدمه الطاهر ونفسيته المؤمنة والمطمأنة يغادرنا شهيداً إلى سماء الخلد والجنان بروحٌ ملؤها الإيمان وبقلبٌ ملؤه الصبر والعزيمة والإصرار لإحقاق الحق وإزهاق الباطل
غادرنا بجسدٍ ملؤه جرحاتٍ رأئحتها المسك
إنّه الشهيد السيد والوالد / علي محمد عبدالمرتضى الذي أصبح رسمياً في عداد الشهداء ليكون ثالث شهيداً من بيته بعد نجليه الشهيدين عبدالحميد ونجم الدين علي محمد المرتضى ليلحق بركاب عظماء آثروا التظحية والمعاناة مقابل عزّة وكرامة وحرّية ابناء شعب الحكمة والإيمان
من المؤمنين رجالٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا

تعازينا الحارة لإسرة الشهيد لوالديه لإخوته ولإبنائه ولزوجته الطهر البتول الصادقة المؤمنة المحتسبة الأجر والثواب من الله 
وهي خاصة للمجاهد والشبل من ذك المرتضى الأخ العزيز غالب علي المرتضى ابن الشهيد واخو الشهيدين نجم الدين وعبد الحميد,
سلام الله على الشهيد وعلى الشهداء يوم ولدا ويوم أنطلق مجاهداً ويوم أستشهد ويوم يُبعث حيّاً والسلام الرحمة والخلود من الله لكل شهداء الدين شهداء الجيش واللجان الشعبية النصر والعزة والتمكين والغلبة لشعبنا اليمني المجاهد, الخزي والذلة والعار لأشرار البشرية ومرتزقتهم الأنذال ولا نامت أعين المرتزقة ♢



✍أبو يحيى الجرموزي 

 https://t.me/abuyahyea


الى مقام الشهيد المرتضى

إلى مقام الشهيد علي محمد المرتضى (ابوغالب) 
نَمْ قرير العين
نَمْ هادئُ البال
نَمْ مطمئِنُّ النفس
نَمْ سيّدي يا شبل الكرام وأبى الكرام
نَمْ ابو غالب فلك وعليك من الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده الصالحين من الجنة والناس السلام والتحية والإكرام
نم شهيداً يمانياً بعنفوان وقوةّ إيمان غادرتنا
وتركت لنا حملاً ثقيلاً في مواصلة دربك الجهادي الذي سرت عليه أنت ومن سبقك من العظماء والصادقين مجاهدين غادرونا إلى شهداء أحياءٌ عند ربهم يُرزقون فرحين بما أتاهم الله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا من بعدهم ألاّ خوفٌ عليهم من النار ولا هم يحزنون
فرحين بمقدعهم عند مليكٍ مقتدِر
خصّهم الله بنعيم وعطاءٍ مابذلوه في سبيل الله ونصرة المستضعفين 
أنعيك مودّعاً
أنعيك شهيداً جاهد الكفر والظلال 
أنعيك بطلاً مغواراً أمات الاعداء والمنافقين قهراً وذلاً 
نَمْ أبو غالب المرتضى ومثلك لا يُحبّ الخنوع ولا يرظخ لظغوطات الأعداء وإن عظمت وتكالبت عليها الأمم
فأنت ذلك الشبل الهاشمي الذي ماعرف السجود والإنحناء إعظاماً إلاّ لله جل في علاه
ومثلك لا ينام لا يختبئ في البيوت ليموت بفناء منزله وداره الفانية
ومثلك يحق لنا أن نفتخر ونفاخر بك ونعانق السماء لشجاعتك وبسالتك وبأسك المحمدي الذي قهرت المرتزقة في مختلف الجبهات..
نم عزيزي الشهيد الحي علي محمد عبده المرتضى 
نم بسلام الله ماطلعت الشمس والقمر وما تعاقب الليل والنهار !!" 


✍أبو يحيى الجرموزي 
 https://t.me/abuyahyea



الأربعاء، 20 مايو 2020

نص المحاضرة الرمضانية السادسة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1441ُ

 
أعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

وتقبَّل الله منَّا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.

اللهم اهدنا وتقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تحدثنا في محاضرة الأمس على ضوء الآية القرآنية المباركة: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الأنفال: الآية34]، وعلى ضوء هذه الآية المباركة تبين لنا أشكال الصد عن المسجد الحرام، والأسلوب الذي يعتمد عليه الكافرون والمنافقون والمضلون في الاستغلال للعناوين الدينية، والاستغلال للمقدسات، والاستغلال للمساجد.

وتحدثنا على ضوء ذلك بما يفيدنا- إن شاء الله- في صناعة وعيٍ عن هذه المسألة، التي لا يعي الكثير حولها ما ورد في القرآن الكريم، وينخدعون، المسألة عندهم مسألة مسجد أي مسجد، وخطيب أي خطيب، ومنبر أي منبر، ومتحدث أي متحدث، وتأثروا به، فالقرآن الكريم هو يرفع مستوى الوعي لدى الإنسان، ويعطيه البصيرة الكافية؛ حتى يكون حذراً من كل مصادر الضلال، ومن كل أساليب الضلال والخداع.

والله -سبحانه وتعالى- قال أيضاً في القرآن الكريم: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ}[التوبة: 17-18]، فنلاحظ هنا أنه قدَّم معايير مهمة عن الذين يعمرون مساجد الله بشكلٍ صحيح، وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، وبما يتطابق مع تعليمات الله -سبحانه وتعالى-، ويؤدِّي الدور المطلوب لبيوت الله -سبحانه وتعالى- من خلال هذه المواصفات.

أمَّا الآخرون فأعمالهم قد حبطت، لا أجر لهم عليها، ولا فضل لهم فيها؛ لأنها مجرد أعمال استغلالية، وأعمال غير مقبولة عند الله -سبحانه وتعالى-، مهما فعلوا، مهما قدَّموا، مهما كانت: سواءً عمارة على المستوى المادي، يعني: قاموا ببناء مساجد ضخمة، ببنية ضخمة، بفراش وأثاث ممتاز، وخدمات معينة، أو كذلك قاموا بعمارتها بالتظاهر بأنها عمارة من خلال تفعيلها، ولكنها لا تخرج عن إطار الاستغلال الذي يساهم في المزيد من التضليل.

فالذي يعمر مساجد الله وفق توجيهاته وتعليماته، ويجعل لها الدور الذي أراده الله لها، هو من يمتاز بهذه المواصفات القرآنية المهمة: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ}، هذه العبارة القرآنية: {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ}، من أهم المواصفات التي ستميز من يعمر مساجد الله بالشكل الصحيح من غيره، فالذي يخشى غير الله، مثلاً: في هذا الزمان من يخشى أمريكا، من يخشى إسرائيل، من يخشى عملاء أمريكا وعملاء إسرائيل، سيحرص على أن يترك الكثير فلا يقدِّمه في بيتٍ من بيوت الله، بل يمنع البعض من الأشياء في بيتٍ من بيوت الله؛ لأنها قد تغضب أمريكا، أو قد تغضب إسرائيل، أو قد تغضب عملاء أمريكا وعملاء إسرائيل، فمثل هذا سيجعل من دور المسجد: إمَّا دوراً منقوصاً، وإمَّا دوراً سلبياً، سلبياً بشكلٍ أكبر، دوراً يدعم فيه الضلال والباطل بشكلٍ مباشر، وإما يدعمه بشكلٍ غير مباشر من خلال هذا الانتقاص من الدور المطلوب لبيوت الله -سبحانه وتعالى-.

فالله -جلَّ شأنه- قال عن هذه النوعية ذات المواصفات المطلوبة: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة: من الآية18]، فإذا كانوا من المهتدين سيقدِّمون الدور المطلوب للمسجد لبيت الله من خلال ما يقدِّمونه من هدى في بيت الله، يجعلون من منبره منبراً للهداية، يجعلون منه مسجدًا يؤدِّي دوره في تحقيق التقوى، في العمل على هداية الناس، في دفع الناس عملياً للاستجابة لله -سبحانه وتعالى-.

ثم يقول الله -جلَّ شأنه-: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأنفال: الآية35]؛ لأن تلك الممارسات ممارسات غير مقبولة، ممارسات أصبحت جزءاً من صدهم، ومن عصيانهم، ومن أعمالهم السلبية التي يذوقون عليها العذاب، ويعذِّبهم الله عليها.

ثم يقول -جلَّ شأنه-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال: الآية36]، يتحدث في هذه الآية المباركة أنهم: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وتعتبر جريمة الصد عن سبيل الله من أكبر وأخطر الجرائم على الإطلاق، ومن أكبر جرائم الذين كفروا، وجرائم المنافقين، وجرائم الضالين... كل أولياء الشيطان تعتبر من أكبر جرائمهم وأفظعها هي: جريمة الصد عن سبيل الله.

وطبعاً في الذهنية العامة للناس لا يتصورون هذا التصور، بل بعضهم لا يدرك، لا ينتبه، لا يسمع حتى ولا يثقف بهذا التثقيف: أنها جريمة كبيرة، وهي في مقدِّمة الجرائم الكبرى، والذنوب الرهيبة، جريمة الصد عن سبيل الله، ما هو الصد عن سبيل الله؟ هو ثني الناس وصرفهم عن الاهتداء بهدى الله، والتمسك به، والاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-، فمن يسعى لثني الناس، لصرفهم، لردهم عن الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-، عن الاتِّباع لهديه، والتمسك بهديه، فهو يصدهم عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-، سواءً كان جملةً أو تفصيلاً، كان على المستوى الجملي، يعني: بشكلٍ عام، يسعى عن صرف الناس كلياً عن نهج الله وهديه، وعن الاستجابة العملية له، أو جزئياً، أشياء أساسية من الدين، تفاصيل معينة من نهج الله -سبحانه وتعالى-، من هديه، من تعليماته، من هديه المبارك، ويسعى لصرف الناس عنها، فهذا من الصد عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-.

والصد له أساليب كثيرة، قد يكون الصد بالطريقة العسكرية: بمحاربة من يسعى لاتِّباع هدى الله، والتمسك بهدى الله، والاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-، قد يحارب عسكرياً، فيتجهون لتمويل عمل عسكري لاستهدافه، من خلال المال الذي يقدِّمونه لتجنيد الناس للحرب العسكرية، وشراء السلاح، وتمويل مثل كل تلك الإجراءات والعمليات التي يتحركون فيها عسكرياً، وقد يكون أيضاً بأساليب أخرى، قد تكون عملية الصد من خلال النشاط التضليلي، الحملات الدعائية، نشر الشبه، وهذا كانوا ينشطون فيه حتى في محاربة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، كانوا يشكِّلون نشاطاً واسعاً على المستوى الدعائي والإعلامي والتثقيفي، فينشرون الدعايات التي تقدِّم صورة مشوهة للحق وللقرآن، ويقدِّمون الردود على العقائد الأساسية في الإسلام: على عقيدة التوحيد، على عقيدة البعث... على كثيرٍ من العناوين المهمة في الإسلام، وأحياناً عن الرسالة بكلها، وعن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ومصداقيته في الرسالة.

ثم يستمر هذا العمل عبر الزمن في كل جيل، وهو كان كذلك يعني في عهد الأنبياء السابقين ما قبل رسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، فمن أبرز الجرائم الكبرى التي يتحرك فيها الذين كفروا وغيرهم، -سيأتي الحديث على نحوٍ تفصيليٍ أوسع- هي جريمة الصد عن سبيل الله، يتحركون عملياً بكل الوسائل وبكل الأساليب، وينفقون المال في تمويل أعمال كثيرة، الهدف منها: الصد عن سبيل الله، ثني الناس عن الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-، وعن الإتِّباع لهدى الله -سبحانه وتعالى-، فهم يتحركون في ذلك حركةً واسعة، وهذه جريمة خطيرة جدًّا، يأتي القرآن الكريم يتحدث عنها في آيات كثيرة: منها قوله -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا}[النساء: من الآية167]، ضلال بعيد، زادوا في ضلالهم، وابتعدوا في ضلالهم إلى درجةٍ كبيرة، عندما صدوا عن سبيل الله؛ لأنهم أضافوا إلى جريمة كفرهم جريمة الصد عن سبيل الله بكل فظاعتها وقبحها وعظيم جرمها.

يقول في آيةٍ أخرى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل: الآية88]، فالله -سبحانه وتعالى- يعتبر صدهم عن سبيل الله جريمةً إضافيةً كبيرةً تعادل كفرهم، فيقول أيضاً: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}؛ لأن هذا من الإفساد، الصد عن سبيل الله يعتبر من الإفساد.

في القرآن الكريم تحدث أيضاً عن هذه الجريمة فيما يتعلق بأهل الكتاب في آياتٍ متعددة، منها قوله -جلَّ شأنه-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا}[آل عمران: من الآية99]، {لِمَ}، تعتبر هذه جريمة رهيبة جدًّا يستنكرها عليهم استنكاراً كبيراً، ويعتبرهم في ذلك متعمِّدين، يريدون الاعوجاج، يريدون التحريف والتزييف والصد عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-.

من الجرائم البارزة والشنيعة جدًّا للمنافقين، ومن أسوأ ما يعملونه: جريمة الصد عن سبيل الله، قال عنهم في القرآن الكريم: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المنافقون: الآية2]، {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، من أسوأ أعمالهم، المنافقون من أسوأ أعمالهم أنهم يصدون عن سبيل الله؛ لأنهم يصرفون الناس ويثنونهم ويثبطونهم عن الجهاد في سبيل الله، عن الإنفاق في سبيل الله، عن العمل لإعلاء كلمة الله، عن إقامة الحق والعدل، عن أعمال مهمة، يتجهون لصرف الناس عنها، وثنيهم عنها، وتثبيطهم فيها، بل قال عنهم في آيةٍ أخرى بأنهم: {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}[التوبة: من الآية67]، وهذا من الصد عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-.

وهكذا يأتي الحديث عن هذه الجريمة الشنيعة الخطيرة، التي هي بنظر الكثير من الناس شيئاً طبيعياً، ليس في عداد الجرائم، في ذهنية الناس قائمة معينة للجرائم، مثلاً: القتل ظلماً، الزنا، شرب الخمر، الظلم... جرائم معينة: السرقة، في ذهنية الناس قاموس معين تحددت فيه مجموعة من الجرائم، وغابت مجموعة أخرى من أخطر وأسوأ الجرائم، ومن أهم ما نهتدي فيه بهدى الله -سبحانه وتعالى-: أن تكون لدينا فكرة متكاملة، ونظرة صحيحة، وأن يكتمل هذا القاموس، تضاف إليه هذه الجرائم الخطيرة؛ ليحذرها الناس، وليدركوا قبحها وجرم من يفعلها؛ لأن البعض من الناس قد يكون ممن يمارس هذه الجريمة: جريمة الصد عن سبيل الله، وقد يكون بنظر الناس إنساناً محترماً.

لاحظوا في القرآن الكريم- ومن أعجب ما يتفاجأ به الإنسان، ويستغرب منه الإنسان- يقول الله -سبحانه وتعالى- فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}[التوبة: من الآية34]، يخاطب مَنْ؟ الذين آمنوا: أنا، وأنت... كل الذين آمنوا، كل هذا المجتمع المسلم، {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية34]، ثم يقول عن هؤلاء بكلهم: الأحبار، الرهبان، الذين يمارسون هذه الجريمة، والكانزين للأموال: أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، الذين يمارسون هذه الجريمة، {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[التوبة: من الآية34]، نتأمل قليلاً في هذه الآية المباركة، الأحبار من هم؟ يعني: الذين هم بصفة علماء دين، من أسمائهم الأحبار، يعني: كبار علماء، وبصفة علماء دين، هذا الوصف خاصٌ بهم، من هم بصفة علماء دين، ثم يقول: {وَالرُّهْبَانِ}، من هم الرهبان؟ يعني: العبَّاد، الذين يتظاهرون بالنسك والعبادة، يحكي القرآن لنا ويؤكِّد لنا، {إِنَّ} هذه للتأكيد، معروف في اللغة العربية أنها للتأكيد، {إِنَّ}، ثم يقول: {كَثِيرًا}، وليست يعني حالات نادرة، بل هي حالة واسعة كثيرة، فالكثير من الأحبار، كثير ممن هم بصفة علماء دين، وكثيراً من العبَّاد: ممن هم يتظاهرون بالنسك والعبادة، هم على هذا النحو: {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}، يتحيَّلون لها بعناوين وأساليب؛ لكي يحصلوا عليها، {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، صدهم عن سبيل الله، يعني: يثنون الناس عن أعمال مهمة من دين الله، من تعليمات الله، من توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، من هدي الله تبارك وتعالى، فيثنون الناس عنها، ولربما صدهم هو من أخطر أنواع الصد؛ لأنه يأتي باسم الدين، صدٌ عن سبيل الله باسم الدين، وباسم التدين، وباسم العلم الديني والشرعي، وبالفلسفة الدينية، وبالخطاب الديني، وهذه قضية خطيرة جدًّا، تتطلب وعياً عالياً لدى الناس، لدى الذين آمنوا؛ حتى يتحصنوا، لماذا يقول الله هكذا؟ لأنه -جلَّ شأنه- الذي يهدي إلى سواء السبيل، هو الذي يريد لنا لكل الذين آمنوا أن يكونوا على درجةٍ عاليةٍ من الوعي، فلا يتأثروا بكل أساليب الصد عن سبيل الله، مهما كانت هذه الأساليب، ومهما كان مصدرها؛ لأن المصدر هنا بحد ذاته مصدر يشوش في الذهنية العامة، المصدر الذي هو عبارة عن عالم دين يمارس هذه الجريمة، بصفته عالم دين يؤثِّر على الكثير من الناس، يتقبل منه الكثير من الناس، قد يقدَّم على أنه من هيئة كبار العلماء، قد يقدَّم بعنوان معين من العناوين، وقد يأتي من يطبل له، من يمجده، من يعظمه، من يمدح علمه، وأنه كبير العلماء، وأنه يحتوي ويحوز حصيلة علمية كبيرة، وقد يكون لديه مكتبة ضخمة، ويحمل الكتب، ويتحرك تحت عنوان عالم الدين، وباسم العلم والعلماء، ثم يتحرك وهو يصد الناس، يثنيهم ويصرفهم عن أشياء مهمة من دين الله -سبحانه وتعالى-، هو يعارضها، له موقفٌ منها: إمَّا لأنه في صف الباطل يقف، أو لأنه لا ينهض بهذه الأعمال والمسؤوليات، ولا يتحرك فيها، ثم يسعى لتبرير موقفه بتخذيل الناس وصرفهم عن الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى- في ذلك، أو لأن لديه تأثيرات أخرى: حسد مثلاً، وهم يتحدثون عن الحسد بين الأحبار، الحسد، حتى من العناوين البارزة في الكتب: الحديث عن حسد العلماء وطبعاً لا نعني بذلك العلماء الربَّانيين، العلماء الصالحين، العلماء المتقين، العلماء المؤمنين، الذين أوتوا العلم ورفع الله لهم الدرجات، لا، لكننا نعني هذه المساحة الأخرى: الكثير الذين لهم اتجاهات مختلفة.

وكذلك الرهبان، البعض من الناس قد يكون متظاهراً بأنه يواظب على العبادة، وعلى صلاة الجماعة، ولديه مسبحة، ويتظاهر بالتدين والتعبد، ولكنه يثني الناس ويصرفهم عن أعمال أخرى من دين الله، أعمال مهمة، ويمارس التضليل في تقديم صورة مزيفة ومنقوصة عن هدى الله -سبحانه وتعالى-، عن دين الله، عن تعليماته -جلَّ شأنه-، وهو بذلك يقدِّم من حيث يشعر خدمةً كبيرةً لأعداء الأمة، يقدِّم صورةً ناقصةً عن الإسلام، فالكثير كما في القرآن الكريم: {إِنَّ كَثِيرًا}، كما قلنا ليست حالةً نادرة؛ ولذلك تستوجب أخذ الحيطة والحذر والانتباه، فلا ينخدع الإنسان لمجرد عنوان: عنوان عالم دين، أو هيئة كبار العلماء، أو عنوان العلماء؛ لأن الكثير يتحرك تحت هذا العنوان، لا يكفي العنوان، الكثير يتحرك تحت هذا العنوان لممارسة الصد عن سبيل الله باسم الدين، فقد يبررون باطلاً، وقد يصرفون الناس عن حق، وقد يخذلونهم عن مسؤولية مهمة من أهم مسؤولياتهم، يأتي في القرآن الكريم المئات من الآيات في الحديث عنها، فيصرفونهم عنها.

فجريمة الصد عن سبيل الله هي من أفظع وأخطر وأسوأ الجرائم، ولها تأثيراتها السيئة لدى الكثير من الناس، الذين يتأثرون بهذا الصد، فينصدون، وينصرفون، ويتجهون اتجاهات أخرى، ويتركون الكثير مما يأتي الصد عنه، والصد- كما قلنا- يأتي عسكرياً، يأتي أيضاً بوسائل الترهيب، يأتي أيضاً بوسائل التضليل، وسائل التضليل هي من أخطر وسائل الصد عن سبيل الله، الصد بوسائل التضليل، بالحملات الدعائية؛ لتشويه الحق، لتشويه المنهج الحق، لتشويه المسؤوليات المهمة، لتشويه الأعمال العظيمة، لتشويه من يتحرك ويدعو إليها، يأتي أيضاً النشاط التضليلي بالطابع الفكري والتثقيفي والتعليمي، يأتي أيضاً بطابع الخطاب الديني.

كم هناك اليوم في هذا العصر من قنوات مخصصة للصد عن سبيل الله: شيءٌ منها أو بعضٌ منها بأسلوب الخطاب الديني، بعضٌ منها بأسلوب الإفساد والتمييع، شيءٌ منها بأسلوب... ببرامج متنوعة ومتعددة تستهدف الإنسان، وتأتي له عن يمينه وشماله، ومن خلفه ومن أمامه، بكل أنواع الخطاب، وبكل وسائل التأثير، فجزء كبير ينصب في اتجاه صد الناس وصرفهم عن أعمال مهمة، ودفعهم في اتجاهٍ آخر، في الأعمال والمنهجية الأخرى التي هي خارج إطار منهج الله -سبحانه وتعالى- وهديه، ولماذا؟ لماذا ينفقون أموالهم أموال هائلة جدًّا ويمولون بها أعمالاً للصد عن سبيل الله بكل أشكالها وبكل وسائلها، لماذا؟ لأن الذين كفروا هم يرون في سبيل الله وسيلةً تحرر الناس من سيطرتهم، ومن استغلالهم، ومن استعبادهم، تعبِّد الناس لله، وتحرِّك الناس في إطار منهج الله -سبحانه وتعالى-، وتحررهم، وتنقذهم، وتخرجهم من حالة العبودية والاستغلال والهيمنة لأعداء الحق، لأعداء الله، للذين كفروا، وفي نفس الوقت هي تعارض ما هم عليه من ممارسات ظالمة، من باطل، من طغيان، من إجرام، من إفساد؛ لأن طريقة وسياسات ومنهجية الذين كفروا في هذه الحياة في كل زمن وفي كل عصر، هي: منهجية استعباد، واستغلال، وهيمنة، وسيطرة، ونشر للفساد، وممارسة للظلم والطغيان، والذي يحرر الناس من كل ذلك هو سبيل الله، هو هديه ونوره، وبالاستجابة العملية له، فهم ينزعجون من ذلك، إذا اتجهت الأمة على هذا الأساس: على أساس سبيل الله، إذا سارت في هذا الطريق؛ تحررت منهم، من هيمنتهم، من استغلالهم، ولم تعد مذعنةً لهم، وخانعةً لهم، وخاضعةً لهم، وتحررت من كل وسائل سيطرتهم؛ لأن لهم وسائل للسيطرة على الناس، هي عبارة عن سياسات على كل المستويات: سياسات في الجانب الاقتصادي، سياسات في الجانب السياسي، سياسات في الجانب الاجتماعي، وممارسات وتوجهات تساعدهم على السيطرة على المجتمع، فسبيل الله هو سبيل يحرر الأمة، يحرر الناس، يحرر المجتمع البشري، وينقذه من هيمنتهم، من هيمنة الطاغوت، من الاستعباد للطاغوت، من السيطرة والاستغلال من جانب الطاغوت، ويبني المجتمع البشري، يبني أي مجتمعٍ يتحرك على أساسه ليكون مجتمعاً حراً بكل ما تعنيه الحرية، يعني: لم يعد متأثراً ولا خانعاً ولا يعيش حالة التبعية للطاغوت ولأعداء الأمة في أي شأنٍ من شؤون حياته، يتحرر من التبعية لهم في كل وضعه، في كل واقعه، ويتجه لبناء واقع حياته في كل المجالات على أساسٍ من تعليمات الله، من هدي الله، من القيم والمبادئ الإلهية العظيمة، التي هي لصالح الناس أنفسهم.

للأسف الشديد غابت الصورة الحقيقية لمفهوم في سبيل الله، لمفهوم هدي الله، لمفهوم منهج الله، الصورة الجميلة والعظيمة والرائعة عن ذهنية الناس؛ لأننا أصبنا باتجاهين بمصيبتين بحربين بتشويه هذه الصورة:

جانب الذين كفروا وهم يحاربون الأمة، ويقدِّمون في كل حربهم الثقافية والإعلامية والتضليلية... بكل أشكالها، بكل وسائلها، بكل مناهجها، صورة تشويهية تهاجم هدى الله -سبحانه وتعالى-، تقدِّم صورةً عنه أنه حالة من التخلف، أنه حالة من الضعة والسقوط، أنه لا علاقة له بالحياة، ولا يصلح هذه الحياة، وليس في مستوى أن يبني هذه الحياة، وأن يعالج مشاكل هذا الإنسان، وأن يصلح واقع هذا الإنسان.

وصورة من الجهات التي تتحرك باسم الدين نفسه، لكنها تشوه هذا الدين، تشوه منهج الله -سبحانه وتعالى-، كما يفعله التكفيريون، وكما يفعله أمثالهم ممن يتجهون هذا الاتجاه التشويهي، الذي يقدِّم مفاهيم مغلوطة، وناقصة، وقاصرة، وملتبسة، ومتجزئة، ويحذف كل الجانب الحضاري من الإسلام، كل الجانب الحضاري والبنَّاء في هذه الرسالة الإلهية، في هذا المنهج الإلهي العظيم، ثم يقدِّمون صورةً متوحشة، وصورةً سلبية.

إنَّ سبيل الله، وإنَّ منهجه العظيم، وإنَّ هديه المبارك، هو أسمى وأعظم ما يمكن أن يعتمد عليه البشر لصلاح حياتهم، وأسمى وأعظم ما يمكن أن تُبنى عليه أرقى حضارة في الواقع البشري، ولا يماثله شيءٌ لصلاح حياة الناس، ولحل مشاكلهم في كل المجالات: على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الاجتماعي... في كل واقع حياتهم، وفي كل مجالات حياتهم، ثم هو أعظم ما يمكن أن يترك أثراً إيجابياً في الإنسان نفسه، في تزكية نفسه، في تنويره، في تزويده بالمفاهيم الصحيحة، بالرؤى الصحيحة، بالفهم الصحيح، بالنظرة الصائبة، بالحكمة، كما يقول في القرآن الكريم.

وإنَّ الأعداء من الطواغيت، من الذين كفروا، من الضالين، من المفسدين، يرونه يعارض ممارساتهم الظالمة، يعارض هيمنتهم الاستكبارية، سيطرتهم واستغلالهم للناس بما فيه ظلمٌ للناس، بما فيه إفسادٌ للناس؛ ولذلك هم ينزعجون منه، وينزعجون بشكلٍ أكبر بالجوانب الرئيسية الحسَّاسة في هذا المنهج الإلهي العظيم، في هذا الهدي المبارك في سبيل الله -سبحانه وتعالى-؛ فلذلك يحاربون تلك الأشياء الأساسية الرئيسية، ويحاولون على الأقل أن يحتووا هذا المنهج الإلهي، وأن يبغوه عوجاً، كما يتحدث في القرآن الكريم، أن يتحول إلى معوج، بعد أن يُدخلوا من خلال عملية التحريف والتزييف مفاهيم معوجة محسوبةً عليه، على أنها منه وليست منه، هي معوجة، ثم قد يتقبلها الناس على أنها منه وليست منه، فيعظم الاعوجاج، ويحصل الخلل، وتتم لهم عملية الصد بأساليب كثيرة، ممن يتفاعل معهم، يتقبل منهجهم.

لكن عندما يكون هناك من يتحرك، من يجد، من يعمل في الاتجاه الصحيح، فالله -سبحانه وتعالى- قد تكفل بأن يفشل وأن يبطل كل مساعي كل أولئك الصادين عن هذا المنهج الإلهي المبارك، فإنَّ الله سيفشل كل مؤامراتهم وكل مساعيهم.

في عصر الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- أنفقوا الكثير من الأموال، وتحركوا بكل الوسائل، وحاربوا، وجنَّدوا، ونشروا الشائعات، وتحركوا بكل وسائل التضليل، ولكنهم فشلوا، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا}، سينفقون ويمولون الكثير من الأعمال لهذا الهدف، ولهذا الغرض: للصد عن سبيل الله، ليجنِّدوا من سيتجند معهم على المستوى العسكري، على المستوى الإعلامي... في وسائل كثيرة، للأنشطة الاستقطابية، وأموال هائلة يقدِّمونها في ذلك.

{ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً}، هم كانوا يؤملون فيها، ويراهنون عليها، ويعتمدون عليها، ويظنون ويتوقعون أنها ستحسم المعركة لصالحهم، مستندهم واعتمادهم وارتكازهم على ما يمتلكونه من إمكانات مادية، فهم يتوقعون أنها ستضمن لهم أن يكسبوا معركتهم ضد سبيل الله؛ لأنهم يعتبرونها مصدر قوة ومصدر تأثير، فهم يراهنون عليها، يراهنون على ما بأيديهم من إمكانات مادية ضخمة، وأموال هائلة، ويعوِّلون عليها في كسب هذه المعركة، {فَسَيُنْفِقُونَهَا}، ويبددونها هنا وهناك، ويموِّلون هذا العمل، وهذه الخطة، وهذه الوسيلة، وهذا الأسلوب، تمويل هائل، {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً}، ثم بعد أن ينفقوا الكثير، ويبددوا الكثير، ويخسرون الكثير؛ يفشلون، ولا يصلون إلى نتيجتهم المرجوة، ويرون أنَّ كل مؤامرتهم باءت بالفشل، ويرون أنَّ كل مخططاتهم ورهاناتهم سقطت وفشلت، فحينها يتحسَّرون على تلك الأموال الهائلة التي قد أنفقوها، تلك الميزانيات الضخمة التي رصدوها لصالح تلك المؤامرات، وتلك الخطط، ويرون أنَّ كل تلك الجهود تبددت وتلاشت وفشلت، يشعرون بالحسرة والندم والأسف.

ليس هذا فحسب، أكثر من ذلك: {ثُمَّ يُغْلَبُونَ}، بعد الفشل، بعد سقوط تلك المؤامرات، بعد ضياع تلك الأموال الضخمة والميزانيات الهائلة: {يُغْلَبُونَ}، فيكون فشلهم مضافاً إليه الهزيمة وأن يغلبوا كارثة عليهم، ومصيبة كبيرة، وأكثر من ذلك: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}، وبعد ذلك جهنم، إنما في الدنيا أن يتحسروا ويشعروا بالخسارة فيما قد قدَّموه من أموال هائلة جدًّا، {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} على المستوى العسكري وغيره، ويفشلون فشلاً كاملاً، ويهزمون، وبعد ذلك في الآخرة: يحشرون إلى جهنم والعياذ بالله؛ لأنهم ارتكبوا هذه الجريمة وهي: الصد عن سبيل الله، جريمة رهيبة جدًّا، عن منهج الله الحق، الذي له الأولوية أن يتَّبعه العباد، وأن يهتدي به العباد، وأن يتمسك به الناس، فأتوا بباطلهم، بجرائمهم، بفسادهم، بظلمهم، بطغيانهم ليعملوا أن يحل هو محل سبيل الله، وبدلاً عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-.

عندما نلاحظ هنا في سياق الحديث عما ينفقوه الذين كفروا من أموالهم، إنفاق وبسخاء، أموال كبيرة وكثيرة، وميزانيات ضخمة، لماذا؟ {لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، هنا نعود إلى واقع الذين آمنوا والمسؤولية عليه أن ينفقوا في سبيل الله، فإذا كان {الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، بكل ما لذلك من آثار سلبية عليهم، بكل ما لذلك من نتائج وخيمة عليهم، وهي مجرد خسارة، ويتحمَّلون بها الوزر والإثم والذنب العظيم، فلماذا لا ينفق الذين آمنوا أموالهم في سبيل الله، بعد أن وعد الله بالأجر المضاعف، والفضل الكبير، والخير الكبير، وبما لذلك من نتائج مهمة في واقع حياتهم في الدنيا، وعواقب إيجابية وعظيمة في الدنيا والآخرة.

الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه المبارك: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: من الآية195]، أنفقوا في سبيل الله ولا تبخلوا وتمسكوا هذا المال عن الإنفاق، فيكون هذا البخل سبباً لأن تلقوا بأنفسكم إلى الهلاك، الأمة إذا بخلت ولم تنفق، وعطَّلت العمل في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله، والتحرك في سبيل الله؛ فهي تهلك نفسها، هي تمكِّن أعداءها منها؛ لأنها عندما تنفق في سبيل الله -سبحانه وتعالى-، فهي تنفق فيما فيه عزتها وكرامتها وقوتها، وفيما يساهم في دفع الخطر عنها، ودفع الشر عنها، ودفع الظلم عنها، وإنقاذها من هيمنة وسيطرة الطغاة والمجرمين والمستكبرين والظالمين.

الذين آمنوا لماذا لا ينفقون في سبيل الله، والله -سبحانه وتعالى- قد وعد بالأجر العظيم، وقدَّم أعظم ضمانةٍ على أن يعوِّضهم، على أن يخلف لهم، على أن يبارك لهم، عندما يقول -جلَّ شأنه-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: الآية245]، هل بعد هذا ضمانة: أن يسمي الله -سبحانه وتعالى- الإنفاق في سبيله قرضاً؟ {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ}، {يُقْرِضُ اللَّهَ- وهو الغني -جلَّ شأنه-- قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، يعوضك الله -سبحانه وتعالى- عوضاً مضاعفاً كثيراً وكثيراً في الدنيا وفي الآخرة، يعوضك الله حتى مادياً في الدنيا، وبأجرٍ واسع أهم حتى من الجانب المادي، في جوانب كثيرة، في نفسك وفي حياتك؛ أما في الآخرة فالجنة، الله -سبحانه وتعالى- حث على الإنفاق في سبيله حثاً واسعاً في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة، وما بعد هذا التعبير من ضمانة يقدمها الله -سبحانه وتعالى- للذي ينفق في سبيله، وكأنه أقرض الله، وكأنه قدم مبلغاً قرضةً لله -سبحانه وتعالى- سيبدله الله له، وسيعوضه الله له، قال -جلَّ شأنه-: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال: الآية60]، قال -جلَّ شأنه-: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}[البقرة: من الآية261]، لاحظوا جعل الأجر هنا، وجعل حجم ومستوى الإنفاق في سبيله بسبعمائة ضعف كحد أدنى، سبعمائة ضعف كحد أدنى، وإلَّا يمكن أن يضاعف الله أكثر، عندما قال: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}، يمكن أن يزيد أكثر وأكثر، بل قال -جلَّ شأنه-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: من الآية111]، فالذين آمنوا عندما ينفقون أموالهم في سبيل الله فهم ينفقون فيما هو في سبيل عزهم، وكرامتهم، وقوتهم، وحياتهم، ودفع الظلم عنهم، ودفع الشر عنهم، ودفع الهوان عنهم، وينفقون في سبيل من يضاعف لهم، من يجزيهم خير الجزاء، من يبارك لهم، من يعوضهم بأضعاف مضاعفة في الدنيا والآخرة، من يعطهم في مقابل ذلك الجنة، لا يليق بالذين آمنوا، ولإنفاقهم هذا الأجر وهذا الفضل، وله نتيجة تتحقق في الدنيا ببركةٍ من الله -سبحانه وتعالى-، نتيجة عظيمة فيها الخير، والفلاح، والقوة، والكرامة، والعزة، والخير المضاعف في الدنيا والآخرة، لا يليق بهم أن يمسكوا، أن يبخلوا، لا يليق بهم أن يقبضوا أيديهم في الوقت الذي ينفق الذين كفروا أموالهم بسخاء فيما هو ظلم، فيما هو صد عن سبيل الله، فيما هو إفساد، فيما هو نشر للضلال، فيما هو نشر للباطل، فيما هو دعم للشر، لا يليق بالذين آمنوا أن يكونوا أقل سخاءً في الإنفاق من أولئك الذين ينفقون ليصدوا عن سبيل الله؛ لأن عاقبة ما ينفقه الذين آمنوا عاقبةٌ حسنة، ليس حسرة، فوز، سعادة، عندما ترى ما أعد الله لك في الجنة، عندما تصل إلى ما جزاك الله به من الخير في الجنة، كيف ستكون سعادتك؟ تربح الجنة، تنفق وتربح الجنة، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}.

ثم يقول الله -جلَّ شأنه-: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأنفال: الآية37]، تأتي الآخرة، ويأتي اليوم الآخر، ويأتي الحساب في الآخرة، ويميز الله الخبيث من الطيب، كما أماز الخبيث من الطيب في الدنيا، فالخبيث في الدنيا صد عن سبيل الله، الخبيث في الدنيا أعرض عن نهج الله، الخبيث في الدنيا اتجه اتجاهاً آخر، والطيب هو الذي تمسك بسبيل الله -سبحانه وتعالى-، يأتي ما يميز الخبيث من الطيب في الدنيا؛ لأنها سنة الله -سبحانه وتعالى-، كما قال -جلَّ شأنه-: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]، فالله يميز الخبيث من الطيب في الدنيا، ويتبين من يتجه في سبيل الله -سبحانه وتعالى- وفق منهج الله وهديه، ومن يتجه اتجاهاً آخر، ومن يتجه للصد عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-، ثم يكون ما يميزهم به يوم القيامة هو المصير الذي يصير إليه كل طرف، مصير الخبيث مصيراً سيئاً جدًّا، مصير الخسارة الكبرى، يخسرون في الدنيا، ثم مصيرهم في الآخرة الخسارة الكبرى.

الفرز في الدنيا من خلال الاختبار (الغربلة للناس) في مواقفهم، في أعمالهم، في سلوكياتهم، وفي الآخرة الفرز من خلال الفصل بينهم والحكم بينهم، ثم من خلال الجزاء، قائمٌ على هذا التصنيف: {الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، وهو عنوانٌ مهم، هذا التصنيف فيه عنوانان مهمان جدًّا:

عنوان الخبيث: كيف يخبث الإنسان؟ الإنسان يخبث عندما يتلوث بما يدنس فطرته، بما يلوث زكاء نفسه وصلاحها، يخبث الإنسان حينئذ، يمكن أن تتلوث بما يدنس فطرتك بما تتقبله من ضلال، وبما تعمله من أعمال سيئة، وتصرفات سيئة، ومواقف سيئة، تعزز وترسخ الخبث في نفسك؛ لأن كل ضلالٍ يتقبله الإنسان يترك خبثاً في نفسه، وكل عملٍ سيءٍ يعمله الإنسان، وكل كلامٍ سيءٍ يتكلم به الإنسان يعزز في نفسه الخبث، يترك في نفسك نسبةً من الخبث، فإذا اتجه الإنسان الاتجاه السلبي في هذه الحياة، فالخبث يتراكم في نفسه، خبث على خبث على خبث على خبث؛ حتى يفقد زكاء نفسه، ويفقد الطيبة في نفسه، ويتحول إلى خبيث، خبيث بشكل كامل، بعد أن فقد الخير في نفسه، فقد الصلاح في نفسه، فقد الزكاء في نفسه، يتحول إلى خبيث؛ لأن الخبث تراكم في نفسه، بأعماله المتراكمة من الأعمال السيئة، بالضلال المتراكم الذي تقبله، فزادت نسبة الخبث حتى طغت عليه في واقعه وفي نفسه؛ فيتحول إلى خبيث، بعد أن يصل إلى هذه المرحلة، ويصل إلى هذا المستوى من الخبث الذي يتحول فيه إلى خبيث، يصبح من أهل جهنم، ويصبح بعيداً- بشكلٍ كبير- بعيداً جدًّا عن العودة إلى طريق الحق، لا يتقبلها، لم يعد عنده قابلية حتى في نفسه، يكره الحق، يكره أهله، يبغضهم، يكره الأعمال الصالحة، يتعقد منها ويبغضها، لا يطيقها نفسياً؛ لأن نفسه قد خبثت، لم تعد تنسجم مع الحق وأهله، ولم تعد تنسجم مع الأعمال المهمة، والأعمال العظيمة، الإنسان إذا خبث يصبح من حصة جهنم.

ولهذا كما قرأنا في قول الله -سبحانه وتعالى-: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، يميز الخبيث من الطيب من أين؟ من بين الذين آمنوا، بين الذين انتموا للإيمان، وقدموا أنفسهم على أنهم مؤمنون، وفيهم الخبيث، الذي نفسه خبيثة، أعماله خبيثة، أقواله خبيثة، تصرفاته خبيثة؛ فخبثت نفسه، الخبث يأتي حتى إلى الكلمة، يمكن أن يكون هناك كلمة خبيثة، {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} قال الله في القرآن الكريم {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}[إبراهيم: الآية26]، الخبث قضية خطيرة على الإنسان، قضية خطيرة على الإنسان، وهو يحدث نتيجةً للانحرافات في واقع الإنسان، عندما ينحرف حتى لو كان في صف الذين آمنوا، ومحسوباً منهم، لكن يتهاون، يستهتر، فيعمل الأعمال السيئة، فأعماله السيئة، أو خياناته إذا كان يخون، هي تترك نسبةً من الخبث في نفسه، تكثر هذه النسبة وتتعاظم حتى يتحول إلى خبيث.

في يوم القيامة يأتي التصنيف للبشر على أساس طيبٍ وخبيث، كيف يطيب الإنسان؟ بأعماله الزاكية، بأعماله الصالحة، باستجابته العملية لله -سبحانه وتعالى-، بتزكية النفس من خلال هدى الله -سبحانه وتعالى- الذي ينقي ويطيب مشاعرك من كل تلك المعاني السلبية: من حالة الحسد، من حالة الحقد، من حالة الكبر، من حالة الغرور، من حالة العجب، من حالة الميول للفساد... يزكي نفسك ويطيبك، تتحول نفسك إلى نفس زاكية، وتتحول أنت إلى طيب: أعمالك طيبة، كلماتك طيبة، تصرفاتك طيبة؛ تبتعد عن الأعمال الخبيثة، عن الكلمات الخبيثة، عن التصرفات الخبيثة، تتجنبها وتتركها.

في يوم القيامة يميز الله الخبيث من الطيب، كما قال هنا: {لِيَمِيزَ اللَّهُ}، يأتي الحشر، ويأتي الحساب، ويأتي الجزاء، ويجعل مصير الذين كفروا ومن سيلحق بهم ممن صد عن سبيل الله، أو سار في طريق الصد عن سبيل الله، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ}، يجمع في يوم القيامة كل الخبيث، خبيث الذين كفروا، وخبيث المنافقين، والخبيث من الذين آمنوا الذي لم يزكُ ولم يصلح وكان منتسباً إليهم، كله.

{بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ}، يجعل الخبيث {بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ }، نعوذ بالله من سخط الله! هذا يعبر عن سخط كبير من الله، حيث يجمع الكل، كل الخبثاء يوم القيامة، يجمعهم جميعاً، ويلقي بهم إلى جهنم بهذه الطريقة الرهيبة: {فَيَرْكُمَهُ}: يلقى ذلك الخبيث إلى جهنم مركوماً بعضه فوق بعض، {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} ليحترق بكله في نار جهنم؛ لأنه لا يمكن أن يدخل الخبيث إلى الجنة، حتى لو كان منتسباً للذين آمنوا، الجنة عالم للطيبين، لمن قد طابوا، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر: من الآية73]، تتوفاهم الملائكة طيبين، فالطيبين الذين قد زكوا في هذه الدنيا، صلحوا في هذه الدنيا، زكت نفوسهم في هذه الدنيا، يمكن أن يدخلوا الجنة، لو دخل الخبيث إلى الجنة لأفسد في الجنة، أفسد في الدنيا والدنيا ليست كالجنة، الأرض ليست في تصميمها، فيما فيها من الخيرات والمغريات كالجنة، لو دخل الخبيث إلى عالم الجنة وفيها المغريات العجيبة، كيف سيكون فساده، كيف سيكون سوؤه ؛ ولذلك الخبيث يتجه إلى النار.

{فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، نعوذ بالله، خسارة في الدنيا وخسارة في الآخرة، خسروا جهدهم، حياتهم، أعمالهم، ما عملوه وما أنفقوه في هذه الدنيا تحول إلى وبالٍ عليهم، وخسروا مستقبلهم الدائم والأبدي في الآخرة، وخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، واتجهوا إلى جهنم للعذاب فيها للأبد والعياذ بالله!

نكتفي بهذا المقدار...

ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

الاثنين، 18 مايو 2020

ويميز الله بين الخبيث والطيب

ويميّز الله بين الخبيث والطيّب


سنّة الله وقوانينه أن تكون الأحداث تمييزاً بين الحق والباطل , بين الخبيث والطيب
تمييزٌ بين الغث والسمين
أحداث الحروب والصراعات والأزمات التي يفتعلها الإنسان تجد هناك الفوارق بين طرفٍ واخر 
تجد الباطل بتحالف شراره يداهم الحق ويريد أن يفتك به إن أستطاع وشتّان بين الحلم والواقع ترى رجال الحق يذودون دفاعاً واستبسالاً عن حقٍ مشروع تكفله قوانين السماء والأرض.
لا تجد معركة واحدة أقيمت منذُ ان خلق الله الكون وأوجد البشرية في اكنافه وطرفيها الحق يصارع بعضه
لا لن تجد هذا أبداً مهما كانت أوجه الأختلاف ببعض أهل الحق فسرعان ما ما تعود المياه الى مجاريها,
لكنك قد تجد الكثير والكثير من المعاركة الطاحنة والإقتتال البربري بين الباطل نفسه
لانه باطل والباطل لا ينتج الا باطلاً 
وهو كما تحدث القرأن تمييزٌ بين الخبيث والطيب فيجعل الله الخبيث بعضه على بعضه بقتتل فيما بينه ويكون أتباعه حطب الحرب والإقتتال بلا أجر فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم وهم بباطلهم خاسرون في الدنيا والأخرة وإن تستروا تحت عناوين جذابه فما تلك إلاّ ويلاً يعذبهم الله بها ويخزيهم ويذلهم .
تجد اكثر الصراعات والحروب يقوم بها أهل الباطل لدوافع شريّرة مقيته ضد الحق 
مثلاً حرب الباطل الصهيوني على فلسطين بدافع الأرض الموعودة وهيكل سليمان
وبعدها حرب الباطل الأمريكي ضد الأفغان بدوافع الإرهاب
ومن ثم نأتي لحرب الباطل الأمريكي في حق العراق تجد العذر اقبح من الأعتراف وبدوافع التحرير وازاحة الدكتاتور صدام حسين وفيما بعد هل حصل العراق على الحرية الموعودة كذباً من الأمريكان
لا طبعاً لم يحصل العراق إلاّ على القتل والتدمير وصناعة القاعدة لتدمير الأرض وإماتة الهوية والعقيدة.
ولنا نظرة في حرب الباطل بكفره ونفاقه وأحذيتهم القذرة
من خلال الحرب السعودية الأمريكية على اليمن والتي أتت تحت مبررات متعددة لتكون إعادة الشرعية المزعومة ومحاربة التمدز الإيراني أبرز عناوين عاصفة الحزم التي كانت البداية من البيت الأبيض أمراً قراراً وإعلاناً.
ومع إستمراية الحرب خمس سنوات ودخلنا في السادسة
كم اختلق العدو العناوين فمابين الفترة والاخرى تجد سقف العناوين يرتفع من حيناً إلى اخر
ولم تكُن مفاجئاً لنا كيمنيين بعض تلك العناوين التي تصدر من إناس وأنظمة تُدين بالولاء لمن لا يقربون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمة من يتربصون بنا ويريدون أن نظل السبيل
فمن إعادة الشرعية ومنع التمدد الفارسي إلى الدفاع عن مكة والمدينة
صدقوني لن يجلس العدو خلف هذه العبايات فسيأتي يوماً بعناوين أفظع منها
وقد يصل به الأمر إلى أن عاصفة الحزم أتت للدفاع عن السماء من التمرد الحوثي اليمني
فهو لا يكل ولا يمل من إختلاق الاعذار وابتكار المسميات فهو يمتلك جدارة في النفاق والتزييف
طيب وبعد حربٌ دامت وما زالت للعام السادس توالياً هل حققت السعودية شيئاً أم أنّها ما تزال تلك ( البقرة الحلوب ) التي اسقاها ترامب من نفس العناوين التي زيفتها لعامة البشرية
إذا جئنا للنتائج التي حققتها الحرب دفاعاً عن تلك العناوين المعلن عنها سعودياً فهي لم يتحقق لها شيء 
وما تحقق هي تلك التي كانت تحت الطاولة 
قتل ممنهج لكل الإنسانية في اليمن وتدمير مدروس وحرب إبادة وخلق صراعات بين أبناء الشعب الواحد وإيجاد مساحات وتهئية ضروف الحرب القاتلة بين ادواتهم التي ظلت وما زالت تقاتل تحت رأية عاصفة الحزم,,
وما بين فترة واخرى تُفتعل الأزمات بين وسط المرتزقة وتشهد مناطقهم معارك حامية وفي كل مرة تشتد ضرواة
فالامارات اوجدت لها حذاء خاصة بها ( الإنتقالي والعفافيش) 
وكذلك السعودية فقد طبخت حذائها بنفسها ( الاخوان المسلين) بجناحيه السياسي والديني والعسكري 
 
والأن الحرب مستعرة بين طرفيّ الإرتزاق 
بين الإنتقالي والعفافيش من جهة الإمارات وبين الإخوان المسلمين من طرف السعودية. 
وهناك حربٌ خفيّ سيكون طرفيها العفافيش ضد الإنتقالي 
تقرباً وولاءً للإمارات 
صراع الأدوات والأذناب وإقتتالهم فيما بينهم لدوافع خسّة ودنيئة
ذك يقاتل إرتزاقاً بإسم فك الإرتباط
وذك يقاتل بإسم إعادة الشرعية
وكلاهما بالأمس وما يزالا تحت أجندة السعودية والإمارات في رباط النذالة والخيانة ضد وطنهم وأمتهم وبنفس الأعذار الذين يتقاتلون من أجلها 
باطلان ثالثهما ورابعهما شياطين الخليج ومن خافهم الموساد الإسرائيلي وجميعهم تحت لواء الشيطان يجاهدون محياهم ومماهم وسيُحشرون الى جهنم جثيّاً بما عملوا وبما اقترفوه.
وبما أن الله لا يصلح عمل المفسدين فهاهم الفاسدون يتقتتلون فيما بينهم وتراهم أشدّ عداوةً وبأساً على بعضهم وبشراسة خبيثة يقومون بعملية تصفيه وإنتقام فردي وجماعي لبعضهم
وسيعلم المرتزقة لمن عُقبى الدار ...


✍أبو يحيى الجرموزي 
 https://t.me/abuyahyea

الجمعة، 15 مايو 2020

محاضرة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الرمضاني ( الحاديه والعشرون)

المحاضرة الحادية والعشرون 

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ ألا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وتقبَّل الله منَّا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اللهم اهدنا وتقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
نواصل الحديث على ضوء الآيات القرآنية المباركة في سورة الأنفال التي عرضت لنا غزوة بدرٍ الكبرى، وضمَّنتها الكثير من الدروس والعبر المهمة جدًّا، والتي تستفيد منها الأمة في مواجهة كل التحديات والأخطار والأعداء.
يقول الله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال: الآية17].
تاريخياً: في معركة بدر بعدما التحم الجمعان، واشتبك الفريقان، مكَّن الله سبحانه وتعالى المؤمنين من إلحاق الخسائر الكبيرة في صفوف العدو، وقُتِل الكثير من مقاتلي العدو، بينهم قيادات بارزة، وبينهم أيضاً فرسان ومقاتلون أشداء، فكانوا قرابة السبعين قتيلاً، وكانت هذه نكاية كبيرة وموجعة للعدو، وساهمت في هزيمته الهزيمة الساحقة، وكان لها تأثيرها الكبير في ضرب الروح المعنوية للعدو فيما بعد ذلك.
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، يذكرون في كتب السيرة والتاريخ أنَّ رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله عندما اشتد القتال وحمي الوطيس- كما يقال في التعبير عن اشتداد المعركة أخذ في كفه الحصباء ورماهم بها، وقال: شاهت الوجوه، ودعا عليهم، مع تلك الرمية بدأت هزيمة الأعداء، وكأنه رمى عليهم بالكثير من الصواعق، أو القنابل، أو القذائف الفتَّاكة المدمِّرة، بمعنى: كان تأثيرها كبيراً عليهم على المستوى النفسي والمعنوي، فمع تلك الرمية بدأت هزيمتهم، وحصل انهيارهم فوراً، فكانت هذه الرمية العجيبة عند اشتداد المعركة من جانب النبي صلوات الله عليه وعلى آله رميةً مسددة من الله، أعطاها الله سبحانه وتعالى فاعليةً كبيرةً في التأثير على العدو، ولهذا قال هنا: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، فكانت رميةً إلهيةً مسددةً من الله سبحانه وتعالى، وبفاعلية عالية من الله جل شأنه.
{وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}، أمدَّ المؤمنين المجاهدين في تلك المعركة بمعونته، ورعاهم بجميل رعايته، بما أمدهم به، وبما أيدهم به، وبما أعانهم به، وبما وفقهم له في تلك المعركة، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فهو سمع نداء المؤمنين، واستغاثتهم، والتجاءهم إليه، ودعاءهم، وهو العليم بحالهم، بظروفهم، بمعاناتهم، بصدق نياتهم.
الدروس والعبر من هذه الآية المباركة:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ}:
أول درس هو: ثمرة الاعتماد على الله سبحانه وتعالى، والتوكل على الله جل شأنه، فالله جل شأنه يمنح من رعايته ومعونته وتأييده ما يمكِّن عباده المؤمنين في موقفهم الحق من إلحاق الخسائر الكبيرة بالعدو، بالرغم من محدودية الإمكانات على المستوى المادي والعسكري في يد المؤمنين، وما يمتلكه المؤمنون، ولكن الله يمكنهم فيعطيهم فاعلية عالية في المواجهة، ويمكنهم أيضاً من إلحاق خسائر حساسة وكبيرة، تصل أحياناً إلى قتل قادة من صفوف العدو أو في صفوف العدو، والقتل في صفوف العدو في المعركة العسكرية من أكبر ما يؤثِّر عليه، يؤثِّر عليه، ويسبب له الهزيمة، ويترك تأثيراً كبيراً عليه فيما بعد ذلك، ودائماً ما تحسب في مقدِّمة الخسائر العسكرية: القتلى؛ باعتبارهم في حساب الخسائر من أخطر الخسائر، ومن أكبر الخسائر العسكرية التي تترك تأثيراً كبيراً في ميدان القتال، والله سبحانه وتعالى يتدخل في هذا الجانب المؤثر أيضاً: التمكين من قتل الأعداء، من قتل قادتهم، من قتل فرسانهم وشجعانهم، فيمثل هذا نكايةً بهم، وتطهيراً للأرض منهم ومن شرهم؛ لأن العنصر البشري هو الأساس في المعركة وفي الصراع، العنصر البشري هو الفاعل، هو المؤثر، هو الذي يتحرك، فعندما يُضْرَب العنصر البشري للعدو، هذا يؤثر عليه، وهذا يفيد أيضاً في مهمة تطهير الأرض من المجرمين والأشرار، الذين يشكِّلون خطراً على البشرية في أمنها، واستقرارها، وصلاحها، وصلاح حياتها...إلخ.
الدرس الآخر هو درسٌ تربويٌ مهم، وهو: أنَّ الله سبحانه وتعالى يذكِّرنا بأنه -جل شأنه- الذي يمكِّن، لولا تمكينه، لولا تأييده، لولا معونته، لولا إمداده المعنوي، لولا تسهيلاته الكثيرة التي يحققها لعباده المؤمنين؛ لما تمكَّنوا من النكاية بالعدو بحساب إمكاناتهم المادية وقدراتهم البشرية، ولكن تأييد الله سبحانه وتعالى ومعونته كانت هي الحاسمة، والتي حققت هذه النتيجة، وبدونها لم يكن ذلك ليحدث، ولم تكن تلك النتيجة لتكون، فعلى المستوى التربوي يبقى الإنسان المؤمن معترفاً بالفضل لله -سبحانه وتعالى-، ويبقى مستشعراً فضل الله عليه، ونعمته عليه؛ حتى لا يصاب بالغرور، عندما تكون في ميدان المعركة، عندما يحقق الله على يديك البعض من النتائج، أو التنكيل بالعدو، أو القتل لقادة من قادة العدو، أو إلحاق نكاية شديدة بالعدو، لا تعش حالة الغرور والعجب بالنفس، وتتجه إلى نفسك فتحسب هذا إنجازك، وقدرتك، وخبرتك، وجدارتك... وهكذا تتجه إلى نفسك، بدلاً من التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، هذا أمرٌ خطيرٌ جدًّا، هو يبعدك عن التوجه بالشكر لله -سبحانه وتعالى-، فأنت بدلاً من الشكر لله، والاعتراف بنعمته، والإقرار بفضله، والتأثر بالإنشداد نحو الله -سبحانه وتعالى- بالتعظيم له، والمحبة له، تخسر كل هذا، وتتجه نحو نفسك لتعيش حالةً سلبية من تضخّم الذات، من التعظيم للنفس، من الاستشعار لعظمة النفس... وهكذا تجعل من نفسك صنماً تتجه إليه، تعظِّمه، تمجِّده، تكبر أنت في نفسك على نحوٍ سلبيٍ، تكبر فيك حالة الغرور، حالة العجب، وحينها تفترض لنفسك مقاماً عند الله -سبحانه وتعالى- أولاً، فترى أنَّ لك حقاً على الله، هذه حالة خطيرة ورهيبة جدًّا، حقاً عليه أن يمنحك، وأن يعطيك، وأن يمكِّنك، وأن يجعل لك موقعاً مهماً في هذه الحياة، وفي وسط الناس، وتفترض لنفسك في واقع الناس كذلك أن يكون لك مكانة مهمة، وموقع كبير، مثلاً: على المستوى القيادي، على مستوى الإمكانات، على مستوى المزيد من الاحترام والتقدير والتبجيل والتعظيم، فتتحول الحالة لديك إلى حالة سلبية خطيرة جدًّا، أنت تجاه الله تفترض منه أن يعطيك أشياء تحددها أنت عليه، أن يجعلك طالوت عصرك، أو داوود زمانك، أو يجعل لك شيئاً معيناً، أو يمنحك شيئاً معيناً، تصبح ناقد على الله سبحانه وتعالى، يعني: تعيش حالة الاستشعار بأنَّ لك حقاً عليه سبحانه وتعالى، وكذلك ناقماً على الناس، أنت تفترض منهم أشياء كثيرة بحقك، أن يروك كبيراً، أن يروك مهماً، أن يروك عظيماً، أن يقدِّموا لك إمكانات معينة، أن يعطوك ماديات معينة، أن يعطوك مناصب ومواقع معينة، فتفسد نفسيتك، وتتحول إلى صاحب أطماع وأهواء، وتتحول رغباتك في هذه الحياة وتوجهاتك محكومةً بهذا الهواء وبهذا الهوس، وقد يصل الحد بالبعض إلى أن يصاب بجنون العظمة، وبالتمحور والغرق في الذات، فلا يبقى مفكِّراً إلَّا في نفسه، وفي أهمية نفسه، وفي عظمة نفسه، وفي... وهكذا. وغارقاً في نفسه، ويبقى حسَّاساً جدًّا تجاه الآخرين بهذا الحساب، وبهذه النظرة، من هذه التقديرات: [كيف هم؟ هل هم يحترمونني جدًّا أم لا؟ هل يقرون بمكانتي ودوري أم لا؟ هل هم كذا أم لا؟]، فيحكم علاقته بالآخرين من خلال هذا الاعتبار الشخصي، ويغرق في الشخصنة، في شخصنة الأمور من حوله، المواضيع من حوله، الأعمال من حوله يطبعها بالطابع الشخصي، هو يريد من كل عمل أن يكسب به المزيد من الأهمية، المزيد من تعزيز الموقع والشخصية، فيفقد إخلاصه لله سبحانه وتعالى، ولاحظوا كم تكثر الآفات عندما يصاب الإنسان بمثل هذه الحالة: يفقد الإخلاص لله سبحانه وتعالى، يفقد الاستشعار للقربة إلى الله سبحانه وتعالى بما يعمل، يعيش حالة الغرور، يعيش حالة العجب، يعيش حالة الكبر، يتحول من المختالين، والله -سبحانه وتعالى- كما يقول في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء: من الآية36]، يصبح كثير الافتخار والاعتداد بالنفس، فيكثر من قول: [أنا وأنا وأنا... وأنا الذي فعلت، وأنا الذي صنعت، وأنا الذي حققت، وأنا الذي أنجزت]... وهكذا، وهذه حالة رهيبة جدًّا، يعالجها القرآن الكريم بهذه التربية الإيمانية، التي يعيش الإنسان فيها حالة الذوبان لله سبحانه وتعالى، وحالة الاستشعار لفضل الله، وهي الحالة الصحيحة، ليست مسألة مجاملة مع الله، هي الحالة الصحيحة والواقعية، أنَّك بدون الله لا شيء، لاشيء، أنَّك بدون الله أنت الضعيف، أنت العاجز، أنت الذي لا تمتلك لا في روحك المعنوية، ولا في واقعك العملي ما كان من الممكن أن تحقق ما حققه الله على يديك لولا رعاية الله لك، لولا أنه هو الذي هيَّأ لك على مستوى الواقع العملي، وأمدك في واقعك النفسي والمعنوي، وهكذا هيَّأ الأشياء الكثيرة، لاحظوا مثلاً في قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ}، الله سبحانه وتعالى هو الذي ربط على القلوب، الله سبحانه وتعالى هو الذي منح الطمأنينة والسكينة، وهذا العامل المعنوي هو الرئيسي في أن يتم الثبات أولاً، ثم أن يكون الموقف أكثر من الثبات موقفاً متقدِّماً: الله سبحانه وتعالى هو الذي يسدد في الضربات والرمي، الله سبحانه وتعالى هو الذي يقذف الرعب في قلوب الأعداء، ويوهن من كيدهم... وهكذا، لولا الله، لولا رعايته، لولا مدده وتأييده ومعونته لما تم شيءٌ من ذلك أصلاً، فالحالة الإيجابية: أن يتجه الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يستشعر القربة إليه فيما وفَّقه له، وأن يتخلَّص كلياً من كل هذه المشاعر السلبية.
هناك أيضاً درس على المستوى الأمني،لا يستحسن أن يتباهى الإنسان بقتل أشخاص مثلاً في صف العدو، فيصبح يتباهى أنه الذي قتل فلاناً، أو أنه الذي تمكَّن من قتل فلان، على المستوى الأمني يمكن أن يركِّزوا عليه شخصياً، وتتحول القضية إلى قضية شبه شخصية وثأر شخصي.
هناك درس أيضاً على المستوى الاجتماعي، وهو أنَّ البعض قد يكون من أسرة معينة، أو من منطقة معينة، أو من قبيلة معينة، والتباهي بقتله قد يورث الضغائن في نفس أسرته، في نفس أصحابه، في قبيلته، وتكون المسألة حسَّاسة، تترك تأثيراً سلبياً على المستوى الاجتماعي، البعض قد يكون من نفس مجتمعك الذي أنت تعيش فيه، فيكون لهذا آثار سلبية حتى على مستوى المستقبل، على مستوى المستقبل قد يؤثِّر على البعض في موقفهم، في هدايتهم، في صلاحهم، فلهذا دروس متعددة، هذا بعضٌ منها.
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، وكذلك يفيدنا كيف أنَّ الاعتماد على الله، والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والتحرك الجاد في موقف الحق يساعد على التسديد من الله سبحانه وتعالى، وإعطاء فعالية كبيرة جدًّا للأشياء الممكنة والمتاحة، حتى لو كانت بنظر الناس بسيطة، فتلك الحصباء التي رمى بها النبي صلوات الله عليه وعلى آله تحوَّلت إلى ذات تأثير كبير في نفوس الأعداء وعليهم، عندما يتحرك الناس في سبيل الله سبحانه وتعالى في موقف الحق، بإمكاناتهم وما يستطيعونه، وبتوكلٍ على الله سبحانه وتعالى، فالله سيعطيها الفاعلية العالية في مواجهة العدو.
هناك أيضاً درسٌ مهمٌ من قوله -جل شأنه-: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}، المؤمنون- والإيمان هو صلة عظيمة بالله سبحانه وتعالى عندما يتحركون في سبيل الله، عندما ينهضون في الموقف الحق ويتحملون مسؤولياتهم، فالله -سبحانه وتعالى- هو يوليهم من رعايته، من معونته، من تأييده، وهم في مثل هذا الظرف الصعب: وهم يخوضون المعركة، وهم يواجهون التحديات، يوليهم من رعايته، ومن فضله، ومن إحسانه الشيء العظيم والكبير والواسع، ويؤيِّدهم جل شأنه، هو يتدخل في الظروف الحسَّاسة والصعبة، ويواكبهم لحظةً بلحظة، فيمنحهم معونته وتأييده ورعايته العجيبة جدًّا، ولكن المهم جدًّا بالنسبة لنا أن نفهم أنَّ هذه الصلة التي تحظى الأمة من خلالها بمثل هذه الرعاية الإلهية، بمثل هذه المعونة من الله سبحانه وتعالى، بمثل هذا التمكين والتأييد الكبير من الله سبحانه وتعالى هي الإيمان، ولهذا يأتي العنوان هنا: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ}، فالإيمان هو الصلة الهامة والأساسية بالله سبحانه وتعالى، التي يحظى الناس من خلالها بمعونة عجيبة من الله، برعاية عجيبة من الله، بتأييد كبير من الله سبحانه وتعالى.
{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، يسمع للمؤمنين دعاءهم، نداءهم، استغاثتهم، التجاءهم، ويعلم بصدق نياتهم، وإخلاصهم، وجدهم، وجهودهم، وتضحياتهم، وعنائهم، وصبرهم، وأعمالهم، وعطاءاتهم، يعلم بكل ذلك، فيكافئهم في الدنيا، ويكافئهم في الآخرة، ويجزيهم خير الجزاء، ويعينهم، وما يعطي من نعمة، من تأييد، هو في نفس الوقت اختبار إيجابي، إذا تعامل الإنسان معه بالشكر، يزداد الفضل من الله، وتزداد الرعاية من الله سبحانه وتعالى.
{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}[الأنفال: الآية18]، {ذَلِكُمْ} ما ذكره من تأييده سبحانه وتعالى، من تمكينه من قتلهم في بدر، وما تحقق من النصر عليهم، {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}، الكافرون يعني هم أعداء الله، أعداء البشرية، أعداء الإنسانية، هم المشاقون لله، هو الذين يتحركون في سبيل الطاغوت، هم الذين يستهدفون المؤمنين؛ ليمنعوهم من أن يتحركوا أمةً مستقلةً على أساس منهج الله وهديه، فهم يقاتلون في سبيل الطاغوت، ويعتمدون على الكيد، على مستوى الخطط، وعلى مستوى الوسائل التي يرون فيها وسائل تساعدهم على ضرب المؤمنين، وعلى السيطرة على المؤمنين، وعلى سحق المؤمنين، فالله -سبحانه وتعالى- في تدخله هو يوهن كيدهم، {مُوهِنُ}، وجاء هذا التعبير: {مُوهِنُ}، اسم الفاعل كما يقولون، {مُوهِنُ}، ليبين أنها سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، وأنَّ الله جل شأنه مستمرٌ في ذلك وفي هذا النوع من التأييد لعباده المؤمنين في كل زمان، وفي كل معركةٍ وتحدٍ، طالما التزموا بأسباب نصره وتأييده، فهو سبحانه وتعالى يوهن {كَيْدِ الْكَافِرِينَ}: ما يعتمدون عليه من خطط، ومؤامرات، ووسائل، وإمكانات تمكِّنهم من السيطرة، تمكِّنهم من حسم المعركة، الله يوهنها، فيفقدها فاعليتها، ويفقدها تأثيرها، ويحد من مستوى فاعليتها، وهذا من أهم مظاهر التأييد الإلهي والمعونة الإلهية: أنَّ الله يحد ويضعف ويقلل من صلابتها وتأثيرها وفاعليتها، فتكون النتيجة كبيرة عليهم، تكون نتيجة الوهن التي تهيئهم للهزيمة، وتفشل عليهم في نهاية المطاف الكثير من خططهم، فتكون نجاحاتهم محدودة، وغير مؤثرة لصالحهم بالشكل الذي يحسم المعركة لصالحهم، وهذا يشمل كل المجالات: على المستوى العسكري، على المستوى الأمني، على المستوى الاقتصادي، إذا تحرَّكت الأمة معتمدةً على الله سبحانه وتعالى، وعززت الصلة الإيمانية بالله جل شأنه، واستجابت عملياً، وتحركت كما ينبغي، فالله سبحانه وتعالى يجعل جزءاً من معونته وتأييده لصالح المؤمنين يتجه إليهم كمدد معنوي، وتهيئة، وتسخير... وعوامل كثيرة، وجزءًا من التأييد يتجه إلى ضرب العدو في نفسه، مثل: قذف الرعب، أو أن يوهن كيدهم.
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال: الآية19]، {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}، هم خرجوا على أساس أن تحسم المشكلة بينهم وبين المسلمين، وأن يحسموا المعركة لصالحهم، وطلبوا من الله الفتح، وتظاهروا بأنهم هم في موقف الحق بالنسبة لقريش والجيش الذي خرج لمحاربة النبي صلوات الله عليه وعلى آله، وطلبوا من الله أن يهلك المبطل من الطرفين؛ فأهلكهم الله سبحانه وتعالى وضربهم، وكانت المعركة بتلك الظروف، بتلك الإمكانات، في تلك الوضعية بحد ذاتها، شاهداً على مصداقية النبي والمؤمنين على أنهم أهل الحق، كانت شاهداً للحق، كانت دلالةً على تأييد الله سبحانه وتعالى.
{وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، وهذه نصيحةٌ لهم ليكفوا عن محاربتهم، عن عدوانهم، عن إصرارهم على بغيهم، ومن المهم النصح للعدو والتذكير له بأن الخير له في أن يكف، يكف عن عدوانه، يكف عن استهدافه، يكف عن محاربته للحق، فهذا هو خيرٌ له وأسلم له؛ لأنه بإصراره واستمراره لن يحقق النتائج التي يسعى لتحقيقها، ولن يتكبد إلا المزيد والمزيد من الخسائر.
{وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}، عادةً يسعى العدو بعد هزيمة معينة، أو في معركة معينة، إلى أن يرتب من جديد ويهيئ من جديد ويستعد من جديد لخوض المعركة مرةً أخرى، في سياق إصراره وتعنته، أحياناً على مستوى المعركة في ظل حرب مستمرة، وأحياناً على مستوى حرب أخرى، في كلتا الحالتين الله سبحانه وتعالى يقدم تهديداً ووعيداً للعدو، ويقدم وعداً وطمأنةً لعباده المؤمنين الذين هم في موقف الحق، فإذا عاد العدو من جديد إلى المعركة، إلى معركة جديدة، أو إلى حربٍ جديدة، فإن الله سبحانه وتعالى يعود بنصره، بتأييده، بمعونته لعباده المؤمنين، وهذه طمأنه مهمة للمؤمنين.
أحياناً بعد أن تحسم معركة أو تنتهي معركة معينة حصل فيها التأييد والمعونة الإلهية، يعيش المؤمنون والمجاهدون حالة القلق من المعركة القادمة، عليهم أن يطمئنوا، أنهم عندما يستمرون في موقفهم الحق، ويعززون صلتهم الإيمانية بالله سبحانه وتعالى، ويستمرون في الأخذ بأسباب النصر المعنوية والعملية، فإن الله سبحانه وتعالى لن يتخلى عنهم، لن يتركهم في المعركة القادمة، الله سبحانه وتعالى هو القوي العزيز، ومعونته ونصره لعباده المؤمنين المظلومين في موقفهم الحق ليست فقط لمرة واحدة، لن يتعب، هو جلَّ شأنه لن يتعب، لن يقول: [مشكلتكم كبيرة، ومعارككم كثيرة، وكم عليّ أن أعينكم، وأساهم معكم، وأتدخل إلى جانبكم، كل يوم وهي معركة، أو كل شهر وهي معركة]. هو جلَّ شأنه القوي العزيز، لا يمكن أن يتعب، ولا أن يمل، ولا أن يتغير عليه حال جلَّ شأنه هو العلي العظيم، والقوي العزيز، والقاهر المهيمن فوق العباد.
ولذلك لإصرار الأعداء وتعنتهم على الاستمرار في موقفهم الباطل، الظالم، المعتدي، الباغي، ضد الحق وأهله، ضد المؤمنين، هنا الله سبحانه وتعالى سيمد عباده أكثر بالنصر والتأييد، كلما تعنت العدو أكثر، وكلما طغى أكثر، وكلما تجبر واستكبر أكثر؛ كلما سبب لنفسه سخطاً أكبر من الله سبحانه وتعالى، وكلما كان التأييد الإلهي أكبر، حتى كلما كبرت التحديات والأخطار؛ كلما كبر معها التأييد من الله والمعونة من الله.
المهم دائماً هو: تعزيز الصلة الإيمانية بالله، هذه أهم مسألة، والالتجاء الدائم إلى الله، والاستجابة العملية، والأخذ بأسباب النصر، هذه هي الأمور المهمة جدًّا؛ ولذلك على المؤمنين ألَّا يشعروا بالوهن، ألَّا يكترثوا وتكبر عليهم مسألة أن العدو يعد لمعركة جديدة، أو يريد شن هجوم مجدداً هنا أو هنا، أو يتحرك عسكرياً من جديد من هنا أو هنا، المهم هو أن يركزوا على تلك العوامل الأساسية للنصر، ولمعونة الله، ولتأييده، القضية المحورية والرئيسية جدًّا كيف نكون بحيث يكون الله معنا، بحيث يكون الله معنا، إذا كنا على النحو الذي يكون الله فيه معنا، فلا قلق في مواجهة أي تحديات مهما كانت، أي أعداء مهما كانوا ومهما كانت إمكاناتهم، أي مؤامرات من جانب الأعداء مهما كان حجمها، في كل المجالات، لكن الذي يجب أن نركز عليه جدًّا، وأن ننتبه له جيداً، وأن يكون محط اهتمامنا الكبير: كيف تكون صلتنا الإيمانية بالله -سبحانه وتعالى- قوية؛ حتى يكون الله معنا، أهم عامل وعنصر قوة: أن نكسب معية الله، أن يكون معنا.
فهو يقول: {وَإِنْ تَعُودُوا} أنتم الأعداء{نَعُدْ}، من؟ الله سبحانه وتعالى، الله القوي العزيز، الله العلي الكبير، الله القهار الجبار، وعندما يعود فهو الذي سيحسم المعركة لصالح عباده المؤمنين، {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ}؛ لأن العدو قد يعمد إلى التحشيد من جديد، وإلى أن يزيد من عديد قواته وزخمها البشري، أن يحشد المزيد والمزيد والمزيد من قواه العسكرية، ليشغلها ويحركها إلى المعركة، لو كثرت فئتكم ليست شيئاً؛ لأنه عندما يأتي الله سبحانه وتعالى، يتدخل الله سبحانه وتعالى، يعود الله -سبحانه وتعالى- بتأييده ونصره، فأنتم لا شيء أمام قوته وجبروته، {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}، وما أعظم هذه الآية المباركة{وَأَنَّ اللَّهَ}! الله سبحانه وتعالى بقوته، بتأييده، بمعونته، بنصره، هو القائل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}[آل عمران: من الآية160]، (فَلَا غَالِبَ لَكُمْ): ما أحد أبداً، لا أحد أبداً يستطيع أن يغلبكم، فهو مع المؤمنين، والمسألة المهمة هي هذه: تعزيز الصلة الإيمانية على كل المستويات: على مستوى الطاعة، الالتزام العملي، التقوى، التحرك وفق توجيهات الله سبحانه وتعالى، تعزيز الصلة الإيمانية، والالتزام الإيماني، والعلاقة الإيمانية بالله سبحانه وتعالى هو أهم شيء لكي يكون الله معنا.
ثم يأتي في الآية المباركة بعد ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال: 20-23].
هذه الآية المباركة (الثلاث الآيات المباركات) هي ركزت على موضوع مهمجدًّا، وجدنا مثلاً فيما سبق كثيراً من التوجيهات المهمة والأوامر المهمة من الله سبحانه وتعالى من أول السورة، في أول آيةٍ منها ثلاثة أوامر: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: من الآية1]، ثم تأتي البعض من الأوامر المهمة، والنواهي والتحذيرات المهمة، التوجيهات من الله -سبحانه وتعالى- هي توجيهات من منطلق رحمته وحكمته، وهو ربنا العظيم، ومن منطلق علمه بما هو الخير لنا، وكلها مهمة، ولها نتائج مهمة في واقع الحياة، ويترتب على الالتزام بها النتائج الإيجابية، من مثل هذه: المعونة من الله والتأييد من الله سبحانه وتعالى، وأكبر خلل، وأخطر خلل هو الخلل في الالتزام بمدى الطاعة العملية تجاه التوجيهات الإلهية، التوجيهات تأتي، والأوامر من الله سبحانه وتعالى نسمعها، ولكن المهم هو الالتزام، هو العمل، هو الطاعة، هو التنفيذ، والخلل يكون هنا عادةً، الخلل هو في الالتزام العملي، وفي الطاعة، وفي التنفيذ، وفي الاستجابة العملية، وحينها لا نستفيد من تلك التوجيهات الإلهية، ونخسر في نهاية المطاف يفوتنا أشياء مهمة جدًّا، بل يترتب على ذلك نتائج سيئة علينا في واقعنا في هذه الحياة؛ أما في الآخرة فالمعصية لله، والمخالفة لتوجيهاته وتعليماته وأوامره هي جهنم، النتيجة هي جهنم والعياذ بالله.
فالطاعة هي المسألة المهمة والأساسية، والمعيار المهم لمصداقية الإنسان في انتمائه الإيماني، أن يكون مطيعاً فينفذ التوجيهات، فيلتزم بالتعليمات، فيطيع الله في تلك الأوامر، ويلتزم بها على الواقع العملي، هذا الالتزام العملي هو الميزة الصحيحة والصادقة والمهمة للإنسان المؤمن حقاً، وقد تقدم في قوله -جلَّ شأنه-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[الأنفال: من الآية2]، والنتيجة لهذا كله هي ماذا؟ الالتزام؛ حتى لو كان مقصراً في شيءٍ معين فذكر يتذكر؛ فيتلافى تقصيره، حتى لو كان قد خالف في مسألة معينة، أو في توجيهات معينة، عندما يذكر يتذكر؛ فيرجع، وينزجر، ويتقي الله سبحانه وتعالى.
قد تكون الأشياء التي تؤثر على الإنسان فلا يطيع، فلا يلتزم عملياً: إما رغبات وأهواء وأطماع ، وإما شهوات، وإماغضب وانفعال وكبر وغرور، وإمامخاوف معينة، مثل هذه المؤثرات التي تؤثر على الكثير من الناس، بحسب طبائعهم وتوجهاتهم واهتماماتهم في هذه الحياة، ولكن الشيء المهم الذي يؤكد عليه القرآن الكريم هو: أن الطاعة معيار لمصداقية الإنسان في انتمائه الإيماني، قد يأتي الكثير ليقول عن نفسه أنه مؤمن، وأنه مجاهد، وأنه من أنصار الله سبحانه وتعالى، وأنه من زمرة المؤمنين، ولكنه في سلوكياته، أو في مواقفه، أو في التزامه العملي، بعيدٌ عن ذلك، بعيدٌ في التزامه العملي، يصدر منه تصرفات ومخالفات يخالف بها التوجيهات من الله سبحانه وتعالى، أو لا يستجيب لتوجيهات مهمة، توجيهات لها أهميتها الكبيرة التي تبني الأمة، وتساعد الأمة لتكون في مستوى مواجهة التحديات، وللنهوض بالمسؤوليات التي عليها، فيأتي هنا التأكيد على الطاعة، وعلى الالتزام العملي، وعلى الاستجابة للتوجيهات، والاستجابة للتعليمات.
{وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}، (وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ): هذا الإعراض، وهذا التنصل عن المسؤولية، هذا التهرب من الاستجابة، التهرب من الالتزام العملي، (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ): تسمعون التوجيهات، وتسمعون الآيات، وتسمعون التذكير، فهي تعتبر من أسوأ الحالات على الإنسان عندما يصل إلى هذا المستوى من الاستهانة بالتوجيهات والتعليمات من الله -سبحانه وتعالى-، وفي كتابه الكريم، والتي تأتي إلى الواقع العملي، إلى الأداء العملي.
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}، حالة سلبية جدًّا أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى، فهو يصغي أو يسمع، ولكنه لا يلتزم، وكأنه لم يسمع، لا يتأثر وكأنه لا يسمع، لا يتجه عملياً على ضوء ما سمعه من توجيهات وتعليمات من الله سبحانه وتعالى، مثلاً: البعض قد يكون سمع قول الله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال: من الآية1]، وهو لا يزال يحمل الضغينة في نفسه على إخوته المؤمنين، وهو بعد لم يتجه عملياً ويلتزم عملياً ليسعى لصلاح ذات البين، فكأنه لم يسمع، البعض قد يكون سمع التعليمات والأوامر من الله سبحانه وتعالى عن التحرك في سبيل الله، عن العمل، عن الإنفاق... عن أشياء كثيرة، كم يسمع الناس من الأشياء الكثيرة من توجيهات الله وتعليماته، وكأنهم لم يسمعوا، كما يقال في المثل الشعبي: [دخل من أذن، وخرج من الأذن الأخرى]، كأنهم لم يسمعوا، في واقعهم العملي لم يتجهوا للتنفيذ وللتطبيق وللالتزام العملي.
فيأتي هنا التركيز على الالتزام العملي،وعلى الاستجابة لتعليمات الله وتوجيهاته، وهنا ستحقق الثمرة، ستأتي النتائج لهذه التوجيهات؛ لأن مخالفة هذه التوجيهات وهذه التعليمات له أضرار كبيرة على الأمة في دنياها وفي آخرتها، الأمة تدفع ثمن مخالفة التوجيهات والتعليمات الإلهية ثمناً باهضاً: ذلةً، هواناً، فشلاً، تمكيناً للعدو، خسارةً، مشاكل كثيرة على كل المستويات، أزمات كبيرة في كل المجالات، وكل ما يعيشه المسلمون في واقعهم من حالةٍ سلبية، وأزمات كثيرة، ومشاكل كثيرة؛ إنما هي نتيجة للخلل في مدى الالتزام العملي والاستجابة العملية.
الإنسان إذا وصل إلى هذه الحالة، إلى حالة يستهين فيها بالتوجيهات، لا يقدس أوامر الله، لا يعظم توجيهات الله سبحانه وتعالى، لا يتفاعل معها، فقد وصل إلى حالة خطيرة جدًّا، ولذلك قال الله جلَّ شأنه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، يصبح الإنسان من شر الدواب، يكون الثور أحسن حالاً منه، أحسن حالاً منك إذا وصلت إلى هذه الحالة، الثور، البغل يمكن أن يكون أحسن حالاً منك، عندما تصل إلى حالة لا تتفاعل فيها مع توجيهات الله، مع تعليماته المهمة والتي لها نتيجة مهمة، أنت تذكر عدة أمور: تذكر مصدر هذه التوجيهات، أنه الله سبحانه وتعالى، وهذا كافٍ لو بقي فيك خير، لو بقي فيك إيمان، أن تخجل من الله، أن تستحي من الله، أن تخشى الله؛ فتهتم بالتوجيهات التي مصدرها الله، التعليمات التي هي من الله سبحانه وتعالى، يكون لها أهميتها عندك، قيمتها عندك؛ لأن مصدرها الله سبحانه وتعالى.
ثم أيضاً كل هذه التوجيهات التي تأتي من الله هي لخيرنا، ولمصلحتنا، ولفائدتنا، ولفلاحنا، ولنجاحنا، ولعزتنا، ولكرامتنا، ولصلاح حياتنا، والإخلال بها وعدم الاستجابة لها له نتائج سلبية جدًّاوخطيرة علينا في واقع حياتنا، وراء كل توجيه من الله خير، ووراء الإخلال به وعدم الاستجابة له شر، ونتائج سلبية في الواقع، هذا أيضاً يمثل دافعاً للاستجابة؛ لأن في هذا الخير لنا، وهو لمصلحتنا، وإذا لم نستجب فهو وراء ذلك شرٌ علينا، وهو خطرٌ علينا وليس لمصلحتنا؛ فإذاً المفترض أن يكون هذا أيضاً حافزاً ودافعاً للاستجابة.
ثم ما يأتينا من الله سبحانه وتعالى فيه الكثير مما يفيدنا تربوياً: يمنحنا الرشد، التفكير الصحيح، يزكي نفوسنا؛حتى تكون نفوساً زاكية تتفاعل مع الأشياء الإيجابية في الحياة، مع الأشياء الصحيحة في الحياة، وتحمل الهمم العالية، وتدرك قيمة هذه التوجيهات فيما لها من آثار ونتائج مهمة وإيجابية وكبيرة في هذه الحياة، فالنفوس الزاكية، والهمم العالية، والرشد والنضج الفكري، يساعد الإنسان أن يدرك قيمة التوجيهات الإلهية، أن يدرك أهمية أوامر الله سبحانه وتعالى، وما يترتب عليها من النتائج المهمة، فيكون ذلك دافعاً للاستجابة.
فإذا وصل الإنسان إلى مستوى لا يتفاعل فيه مع توجيهات الله سبحانه وتعالى، مع أوامر الله جلَّ شأنه، وحتى عندما يسمع كأنه لم يسمع، لا يتأثر ولا يتفاعل؛ فلا يتجه عملياً على أساس التنفيذ، فهو في هذه الحالة أصبح في وضعيةٍ نفسيةٍ خطيرة، وأصبح شر الدواب، أصبح شر دابة تدب على وجه هذه الأرض، كما قلنا يكون الحمار أحسن حالاً منه، والبغل أحسن حالاً منه، والثور أحسن حالاً منه، لقد أصبح شر دابةٍ تدب على وجه هذه الأرض، وكأنه أصم لا يسمع، والتوجيهات والتعليمات من الله سبحانه وتعالى وهدى الله فيه ما يكفي في التأثير على الإنسان، ما يخلق قناعةً لدى الإنسان، ما يترك تأثيراً عظيماً لدى الإنسان، فإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة في حالة خطيرة جدًّا، إذا وصل مجتمع إلى هذا المستوى فحاله سيء جدًّا، حاله سيء جدًّا، يفقد الإنسان قيمته الإنسانية فيما أولاه الله وما أعطاه من مؤهلات، تساعده على أن يكون أكثر وعياً ونضجاً وفهماً وتفاعلاً وإيجابيةً في الحياة من بقية الدواب، كأنه أصم وكأنه أبكم لا ينطق، وكأنه لا يعقل ولا يفهم شيئاً.
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}؛ لأنالإنسان إذا وصل إلى درجة لم يعد يتفاعل مع ما يسمع، فقد فقد الخير في نفسه، ما فيه خير، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}؛ لأنهم في حالة حتى ولو سمع، حتى ولو فهم الموضوع لم يعد يتفاعل معه، يتجه للإعراض للتنصل عن المسؤولية، للتهرب وكأنه لم يسمع، يحاول أن يتجه عملياً باتجاهٍ آخر، وكأنه لم يسمع شيئاً من هدى الله ومن توجيهاته، تعتبر هذه حالة خطيرة جدًّاوالعياذ بالله.
والإنسان إذا عود نفسه على الاستهانة بالتوجيهات، وعلى المخالفة تزداد هذه الحالة عنده حتى يصل إلى وضع سيء جدًّا، والعياذ بالله يصل إلى هذه الحالة:(شَرَّ الدَّوَابِّ).
نكتفي بهذا المقدار ... ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

الخميس، 14 مايو 2020

أفي سلامة من ديني

أفي سلامة من ديني

رجل بحجم وعلم ومكانة الإمام علي عليه السلام يقولها مستغرباً( أفي سلامة من ديني) يا رسول الله
نعم في سلامة من دينك يا علي إذاً لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ ,
لا أبالي ما دُمت على الصراط السوي الذي جئت به يا رسول الله 
هذا هو الإمام علي حينما بشرّه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين , بإنّ لحيته ستتخظب من دم رأسه الشريف
لم يسأل سلام الله عليه ولم يهتم لأمر حياته 
لم يقل (كيف ولماذا ومن ومتى ) فأول وأهم ما حرص عليه وخاف عليه هو الدين الذي فيه النجاة وفي العزة والكرامه
الدين الذي لو لا سيف عليٌ ومال خديجة ما قامت قائمته ولا أشتد بنيانه وترابطت صفوفه
إنّه علي بن ابي طالب
زوج الطهر البتول
إنّه الأذن الواعيه فاروق الحق والباطل قسيم النار والجنة
حبه إيمان وبعضه شرك ونفاق
لن يجتمع في قلب إمرأء حب علي وحب ما عادا علي وأقصاه وكن وأضهر له العداء.

بشرّه الرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الأطهار بإنه سيُقتل في محرب مسجده غدراً وخيانة
سيقتله أشقى الأمة وبقتله علي سيجلب للأمة الشقاء والمعاناة والتيه والظياع وسيجعلها أنة تتسابق الاعداء لإبتلاعها ولن تستطيع إيقاف العربدة إلاّ إذا عادت إلى علي وأحيت فكره وأرست حبه وإقتفاء سيرته ونهجه الذي أنتقاه من مدينة علم المصطفى عليه وعلى آله وخلفيه السلام والتحية والإكرام.

من قهر عتاولة الإجرام وقضى على صناديد عرب الجهالية يهود ومشركين ومنافقين وقبائل حاربت الاسلام 
جندل الكفر وجندل الأبطال وباتت كل الغزوات تعرفه وتعرف شجاعته وإيمانه الذي استمده من الرسول صلوات الله عليه وآله الطاهرين
عليٌ ومن مثل علي مبيد الظالمين ضرباته وتراً لا تمهل العدو لحضة واحدة
ففي بدر قتل ثلثي قتلى المشركين
وفي الخندق خرج الاسلام كله لمواجهة الكفر وبضربة علي قضي على رأس الشر
فكيف لا نحبه
وكيف لا نواليه
وكيف لا نعتبره خليفة روسول الله وأمير المؤمنين
كيف لا نعشقه حتى الثمالة وصفاته نتاطح السحاب
كيف لا نمجدّه وهو ربيب المصطفى قرين القرأن باب مدينة علم المصطفى
يحق لنا ان تفتخر بعلي وهو محل فخرٍ وأعتزاز
بحب علي وتوليّه يمشي المرء ولثق الخطى لا تشوبه شائبه.
ومع مقامه الشريف والذي حاز منزلة أنه لرسول الله كمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه ليس بني.
صولاته وجولاته تحكي اسطورة ملائكي بأمر الله يقتل ويضرب.
ضُرب عليه السلام في منبر مسجده بالكوفه
لم يأن لك بتوجع لم يصرخ اسعفوني ولم يقل لقاتله لماذا قتلتني
بل قالها بملء الفم " فُزتُ وربّ الكعبة " 
وودّع الدنيا حملاً ثقيلاً على أمةٍ فرطّت به وبعلمه وهو الذي كان يقول سألوني قبل أن تفقدوني
فو الله أني اعرف القرأن حقاً اعرف كل آية كيف ولما ومتى ولمن وفيمن أُنزلت ,, 
عليه سلام الله يوم ولد بفناء طهر الكعبة ويوم آزر رسول الله ووقف معه وقاتل قتاله واحتمى بحمى رسول الله يوم كان يتهدده الخطر 
وعليه سلام الله ما طلعت الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار ويوم استشهد ويوم يبعث حياً ,,


✍أبويحيى الجرموزي
https://t.me/abuyahyea



هل يعي النظام السعودي الخطر القادن

هل يعي النظام السعودي الخطر القادم ✍ أبو يحيى الجرموزي  النظام السعودي ومن خلال المراوغة والهدنة القاصرة يبدوا انه استغل التواضع والحكمة ال...