الخميس، 14 أبريل 2022

المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1443هـ

المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1443 هـ -2022م
نشر في أبريل 14, 2022
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

في سياق الحديث عن التقوى، وعمَّا هو من لوازم التقوى والإيمان، يأتي الحديث في القرآن الكريم عن الزكاة، وعن الإنفاق، وكما أشرنا في المحاضرة السابقة: كثيراً ما يقترن ذلك بالصلاة، فعندما يأتي الأمر بالصلاة في القرآن الكريم، يقرن الصلاة بالأمر أيضاً بالزكاة، أو بالإنفاق، تكرر هذا في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة.

مما هو معروفٌ أنَّ الزكاة هي أيضاً ركنٌ من أركان الإسلام، وفريضةٌ عظيمةٌ ومهمةٌ وأساسيةٌ من أهم فرائض الله “عزَّ وجلَّ”، وهي أيضاً- كما قلنا- من مواصفات المتقين، ومن لوازم التقوى والإيمان، يترتب عليها في إخراجها، في العناية بها: النتائج والآثار الطيِّبة والمهمة، كما هو شأن الأعمال الصالحة والفرائض المهمة، التي فرضها الله، وشرعها الله، ويترتب أيضاً على الإخلال بها، أو الجحود لها، أو التنكُّر لها والتهرب منها: الآثار السيئة جدًّا على الإنسان في نفسه، في دينه، في دنياه، في أموره، في علاقته ما بينه وبين الله “سبحانه وتعالى”.

في القرآن الكريم تكرر كثيراً قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، أمرٌ من الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم، يأمرنا بإقامة الصلاة، ويقرن مع إقامة الصلاة الأمر بإيتاء الزكاة.

{وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وإيتاء الزكاة يعني: المبادرة من الإنسان بإخراجها، عندما يتعين عليك الحق في الزكاة، أصبح لديك نصاب من الأنصبة التي تجب فيها الزكاة من أموالك، فعليك أن تبادر أنت برغبةٍ منك، باهتمامٍ منك، لإخراج زكاتك، لا أن تنتظر حتى يأتي من يخرجها قسراً وإرغاماً، وبدون طِيْبَةٍ من نفسك، مع محاولتك قبل ذلك التهرب والتمنع، هذه حالة ليست إيمانية بالمطلق.

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، مثلما هو الأمر بالنسبة للصلاة أن نحرص على العناية بها، وأن نؤديها قيِّمةً، كذلك فيما يتعلق بالزكاة، أن نسعى للمبادرة بإخراجها.

ومما ورد أيضاً في القرآن الكريم في هذا السياق الذي يقول فيه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}[المزمل: من الآية20]، ليشمل ذلك الإنفاق في سبيل الله، الإنفاق فيما وجَّه الله “سبحانه وتعالى” وحث على الإنفاق فيه، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل: من الآية20].

ينبِّهنا في هذه الآيات المباركة أنما نقدِّمه بالصلاة القيِّمة، بإيتائنا للزكاة، بإنفاقنا، بأعمالنا الصالحة، إنما نقدِّمه لأنفسنا؛ لأن الله غنيٌ عنا، غنيٌ عن أعمالنا، غنيٌ عن صلاتنا، غنيٌ عن إنفاقنا، غنيٌ عن زكاتنا، لا يحتاج إلينا، ولا إلى شيءٍ منا، هو الغني الحميد؛ ولذلك فنحن نحن من نستفيد فيما نقدِّم بما نعمل، بما ننفق، بصلاتنا وزكاتنا، كل ذلك لنا نحن، في آثاره التربوية التي نحتاج إليها، نحتاج إليها في واقعنا النفسي، في مسيرة حياتنا، في واقع حياتنا، نحتاج إلى ذلك، كله لمصلحتنا، وكله يفيدنا في ما هو حاجةٌ لنا، على المستوى النفسي، وعلى المستوى العملي، وعلى مستوى واقع الحياة، وظروف الحياة، وعلى مستوى الآخرة، الآخرة فيما يأتي في الحياة الآخرة الأبدية.

{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}، فأنت تقدِّم لنفسك، إذا كان الشح والطمع والبخل قد يؤثِّر على الإنسان، ويسبب له أن يمتنع؛ لأنه يعتبر نفسه يقدِّم شيئاً للآخرين، ويخرجه من نفسه، يعني: يعتبر نفسه يخسر، يعتبر ما يقدِّمه مغرماً، غرماً وخسارةً، وأنه شيءٌ قد فات عليه، ولم يستفد منه شخصياً؛ لأنه أعطاه هنا، أو هنا، حيث أمر الله، وحيث وجَّه الله “سبحانه وتعالى”، فهي نظرة خاطئة، إذا نظر الإنسان من هذا المنظور نظرة خاطئة.

عليك أن تتيقن أنَّ ما تقدِّمه، سواءً في زكاتك، في صدقاتك، في إنفاقك في سبيل الله، أنت تقدِّمه لنفسك أنت، وحُسِبَ لك، والذي تكسبه منه هو المهم على نحوٍ عظيم، وبدون أي مقارنة، في مقابل ما كنت ستصرفه فيه على نفسك، إذا كنت ستصرفه مثلاً لتوفير أشياء مادية، أو أغراض معينة لنفسك، فأنت ستحصل في المقابل عندما أخرجت هذا زكاةً، أو أخرجته صدقةً، أو إنفاقاً في سبيل الله، أنت ستحصل على ما هو أهم بكثير، أنت تؤمِّن لك رصيدك فيما ستكسب به النتائج العظيمة في الدنيا، والخير العظيم العظيم العظيم في الآخرة، في الآخرة، قد تكون في بعض الظروف والأوقات الحسَّاسة قيمة الإنفاق بأن يكون ما أنفقته تكسب به قصراً في الجنة، تكسب به في جنة الخلد الشيء العظيم، والشيء المهم، والشيء الكبير، تؤمِّن مستقبلك الأبدي فيما تضيفه من أعمال صالحة، من إنفاق إلى إنفاق، يجتمع ذلك كله فيكتب لك به السعادة الأبدية، والحياة العظيمة، إضافةً إلى فوائده العاجلة في الدنيا كما يتضح لنا من خلال ما سنتحدث عنه.

أيضاً في القرآن الكريم إضافةً إلى الأمر المباشر: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، الذي تكرر كثيراً، يأتي أيضاً في المواصفات الإيمانية للمؤمنين المتقين، الذي أيضاً يقترن بالصلاة، ويبيِّن أنَّ ذلك من لوازم التقوى والإيمان، في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[النمل: من الآية3]، فتتكرر أيضاً في القرآن الكريم: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}، ويأتي إلى جانبها، يقرن بها قوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، منها قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل: الآية3]، هذه من صفات المؤمنين المتقين، ومن لوازم التقوى والإيمان.

وتفيد هذه العبارة في: {وَيُؤْتُونَ}، هذه الصيغة (صيغة المضارع) في: {وَيُؤْتُونَ}، الاستمرارية، ليسوا ممن قد يترجح له في بعض الأحيان بعد أن يسمع الكثير من المواعظ، ويأتيه الكثير من الإلحاح، والتأكيد، والحث، والأمر، والنهي، والملاحقة، فيخرج الزكاة، لكن فيما لو غُفِلَ عنه، فيما لو لم تحصل تلك الملاحقة، والأخذ، والرد، والضغط، والإحراجات، والضجة، والتوبيخ، فسيستغنم الفرصة لأن يتهرب من ذلك، وشيء مؤسف، شيء مؤسف على الكثير من الناس تجاه ركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام، من أهم فرائض الله “سبحانه وتعالى”، مما لا نجاة لهم إلَّا بأدائه، مما يتسبب تهربهم من أدائه، وتقصيرهم فيه، ومغالطتهم فيه، إلى ألَّا تقبل منهم صلاتهم، وألَّا يقبل منهم صيامهم، وألَّا تقبل منهم أعمالهم، التي هي أعمال صالحة، لا تقبل؛ لأن هذا بعيداً عن التقوى، لأن هذا خروج عن حالة التزام التقوى.

وتجد الكثير من الناس على هذا النحو، يعني نسبة الذين يؤتون الزكاة من المصلين، وأكيد بأنهم لا يقيمون الصلاة، يصلون، لكنها ليست صلاةً قيِّمة، لم تترك أثرها في أنفسهم، فالأغلبية هم ممن: إما يحاول أن يخرج بعضاً من زكاته، وأن يبخل ببعضٍ آخر، لا يخرج زكاته كاملة، وهذا غير مقبول، عند الله “سبحانه وتعالى” يبقى عليك الإثم والوزر، وتجلب لنفسك سخط الله “سبحانه وتعالى”، وهو تصرفٌ غير مبررٍ من جانبك، أن تحتفظ بجزءٍ من الزكاة، وألَّا تخرج إلَّا جزءاً منها، ثم تستهلك الجزء الآخر، فلربما القليل القليل من المؤمنين المتقين، الذين يبادرون برغبةٍ من أنفسهم، باستشعارٍ للمسؤولية، بإقبالٍ إلى الله “سبحانه وتعالى”، بوعيٍ بأهمية إخراج الزكاة، وما يترتب على ذلك من الخير والبركات، ثم يخرجونها أيضاً كاملة، ويحرصون على ألَّا يبقوا ولا مثقال ذرة، ولا شيئاً يسيراً منها يستهلكونه، يدركون أهمية أن يخرجوها كاملة، وألَّا يسوِّفوا، وألَّا يؤجِّلوا، أن يبادروا بذلك.

 

فيما يتعلق مثلاً فيما أنبتت الأرض، فيما يتعلق بزكاته، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: من الآية141]، المبادرة، المسارعة، كذلك فيما يتعلق بالحول، بالعام، باكتمال العام من أموال التجارة ونحوها، المبادرة في ذلك، دون تسويف، دون تهرب، التهرب هو حالة مذمومة، غير مبررة، إلَّا أنها تعبِّر- فعلاً- عن نقصٍ في الإيمان، وعن بُعْدٍ عن تقوى الله “سبحانه وتعالى”، وعن سوء فهم، وعن تأثرٍ بوساوس الشيطان، الذي قال الله عنه: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}[البقرة: من الآية268]، وساوس الشيطان التي يصوِّر للبعض من خلالها وكأنه إذا أخرج الزكاة أفلس، وكأنه تورَّط وخسر كل شيء، والمسألة ليست كذلك أبداً.

فيما تلوناه في المحاضرة عن الصلاة وإقام الصلاة، فيما يتعلق بالأنبياء “عليهم السلام”، قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ}[الأنبياء: من الآية73]، {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ}، فقرنها بالصلاة، كما يقرنها في كثيرٍ من المواطن، وكما يقرنها في كثيرٍ من التوجيهات، وبنفس صيغة التأكيد والاستمرارية: {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ}؛ لأهمية المسألة تفرد بالذكر، تخص، ويأتي التأكيد عليها، والتأكيد على أهميتها، فهي قربة عظيمة تقرِّب الإنسان من الله “سبحانه وتعالى” إذا أدَّاها وفق ما ينبغي، وهي من الأشياء الثابتة في شرع الله، المستمرة على مرِّ الرسالات والتاريخ مع الأنبياء “عليهم الصلاة والسلام”، مسألة ذات قيمة إيمانية عالية جدًّا، وأثر إيجابي، وقربة عظيمة إلى الله “سبحانه وتعالى”.

من أهم ما فيها أيضاً، هو: أثرها التربوي، والإنسان بحاجة إلى ما يساعده لتزكية نفسه، لإصلاح نفسه، يحتاج الإنسان إلى هذا، النفس البشرية إذا تدنَّست، إذا خبثت، إذا تقذَّرت؛ تغيَّرت، وأصبح الإنسان يحس بصعوبة تجاه فعل الخيرات، وأصبح ميَّالاً إلى حد الهيجان نحو الشهوات، والخبائث، والسيئات، والعياذ بالله.

فالإنسان بحاجة إلى أن يعمل ما يساعده ويفيده في تزكية نفسه، في تربية نفسه، في إصلاح نفسه، في تنمية مشاعر الخير في نفسه، وهذا متاح، أتاحه الله “سبحانه وتعالى”، هو يأمرنا، ويدُّلنا، ويرشدنا على ما يساعدنا على تطهير أنفسنا، على تزكية أنفسنا، على تنمية المشاعر الطيِّبة والإيجابية في أنفسنا، وهذا يساعدنا في أن ننطلق في الأعمال الصالحة بكل رغبة، وأن نبتعد عن الأعمال السيئة، وأن نمقتها، أن نكرهها، أن نبغضها، أن نبتعد عن الميل إليها، وهذا شيءٌ عظيم، وشيء مهم، من جانب هو سموٌ للإنسان، وشرفٌ كبيرٌ له، ومن جانب هو على المستوى العملي مفيدٌ جدًّا للإنسان؛ لأنه ينطلق تلقائياً بكل رغبة، وبكل اعتزاز، وبكل راحة، في الأعمال الصالحة، في الأعمال العظيمة، نفسه بزكائها تسمو، وبعودتها إلى فطرتها، وتنقية الفطرة من الشوائب والترسبات الخبيثة والسيئة، فهو يتجه برغبة كبيرة، نتيجةً لهذا الطهر، لهذا الصلاح، لهذا الزكاء، في الأعمال الصالحة.

ولذلك قال الله “سبحانه وتعالى” فيما يتعلق بأمر الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: من الآية103]، فالزكاة لها هذه القيمة التربوية، هذا الأثر الطيِّب على مستوى تربية النفوس، وتخليصها من الشوائب التي تمثل عائقاً أمام الإنسان تجاه الكثير من الأعمال.

البعض من الناس- مثلاً- يجد في نفسه تغيراً سيئاً، تغيراً غير طبيعي تجاه البعض من الأعمال الصالحة، باتت نفسه، أصبحت نفسه تنفر منها، وهي أعمال عظيمة، أعمال صالحة، وتتثاقلها، وأحياناً يجد في نفسه كذلك استصعاباً لكثيرٍ من الأمور، التي ليست في أصلها صعبة؛ إنما كانت الصعوبة في نفسه، هذه شوائب، ترسُّبات، دنَّست نفسه، أثَّرت على نفسه، يحتاج إلى تطهير هذه النفس.

من فوائد الزكاة (الصدقة الزكاة)، والصدقة بشكلٍ عام، والإنفاق بشكلٍ عام: أنه يساعد في تطهير نفسية الإنسان المؤمن، مع الصلاة، مع الأمور الأخرى التي أرشد الله إليها، فهنا يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فلها هذا الأثر المهم جدًّا: التطهير والتزكية، التطهير للنفس، والتزكية للنفس، وهذه مسألة مهمة جدًّا، كم هي الشوائب والترسُّبات التي تدنِّس نفسية الإنسان؛ وبالتالي ينتج عنها تنامي المعاني السيئة في وجدانه: من أطماع، من أهواء، من رغبات وميول خبيثة، من توجهات مادية… من أشياء سيئة تؤثر على الإنسان وعلى أعماله بشكلٍ كبير.

أيضاً فيما يتعلق بالوعيد على ترك الزكاة، وعلى الإخلال بها، والإخلال بها يعتبر من كبائر الذنوب، من كبائر الذنوب، التي تسبب أن يحبط عمل الإنسان فيما قد عمل من أعمال، ثم أيضاً لا يقبل منه أي عملٍ يقدِّمه من الأعمال الصالحة، حتى صلاته، حتى صيامه، كل ذلك لا يقبل منه.

 

أضف إلى ذلك أنها كفيلةٌ بأن يدخل نار جهنم والعياذ بالله، تسبب للإنسان سخط الله، غضب الله “جلَّ شأنه”، أمر رهيب ومخيف.

ولذلك يأتي الوعيد في القرآن الكريم من ضمن ذلك، طبعاً هناك الوعيد الشامل للعصاة الذي يتكرر في القرآن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}[الجن: من الآية23]، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ}… تتكرر هذه العبارة في القرآن: الوعيد للعصاة، والإنسان الذي لا يخرج زكاته، أو لا يخرج إلَّا جزءاً منها، ويستهلك الجزء الآخر، ويبخل به، يدخل ضمن الوعيد من العصاة، أصبح عاصياً، عاصياً لله “سبحانه وتعالى”.

ويأتي أيضاً قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[فصلت: 6-7]، {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، الويل لهم، والويل عندما يقول الله: (وَيْلٌ)، هو يعبِّر عن عذابه الشديد، عما أعده من شديد العذاب لهم، فهذا أمر رهيب على كل الذين لا يؤتون الزكاة، أو لا يؤتون إلَّا جزءاً منها، ويستهلكون البعض الآخر، أن يخافوا من الله، أن يتقوا الله، وأن يخافوا من عذاب الله، من الويل، {وَوَيْلٌ}، عندما يقولها الله، ماذا تعني من شديد العذاب، ماذا وراءها من العقاب الشديد! {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[آل عمران: من الآية11].

فيما يتعلق بالأسباب الرئيسية لدخول النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}[المدثر: الآية42]، سؤال لأهل جهنم، يسألهم أهل الجنة: [ما الذي ورَّطكم هذه الورطة الرهيبة، المخيفة، التي تمثل خسراناً أبدياً؟!]، {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر: 43-44]، أيضاً من أهم ما في الزكاة، هو: العناية بالفقراء والمساكين، حصةٌ رئيسيةٌ لهم في الزكاة، عندما يبخل بها الناس، هم يبخلون بهذا الحق الذي يتضرر أهله، فمن مثل هذه النتيجة: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}.

يأتي الحديث عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” ليؤكِّد اقتران الزكاة بالصلاة، حتى في قبول العمل، حتى في قبول الصلاة، فعن النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: ((لا تتم صلاةٌ إلَّا بزكاة))، الذين عليهم حق الزكاة ثم لا يخرجونه؛ لم تتم صلاتهم، ولم تقبل صلاتهم، وفي روايةٍ أخرى: ((لا تقبل صلاةٌ إلَّا بزكاة، ولا تقبل صدقةٌ من غلول))، مما ورد عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((مانع الزكاة وآكل الربا حرباي في الدنيا والآخرة)).

فنجد هذا التأكيد الكبير جدًّا على مسألة الزكاة وأهميتها، وأيضاً ما يترتب عليها من البركات والخيرات في الأموال، في الغيث، من أهم ومن أكبر الأسباب التي تسبب للناس الجدب، وانعدام الأمطار، وانعدام البركات، وغوران المياه: بخلهم بالزكاة، بخلهم بالزكاة، أمر خطير عليهم، يسبب لهم أن يخسروا.

ولذلك نحن نقول: الذي قد يبخل بالزكاة نتيجة طمعه المادي، وجشعه الهائل، وبخله الشديد، وحرصه على المال إلى حدٍ جنوني، حتى بالحسابات المادية، حتى بحساب المصالح المادية، إذا أردتم الخيرات، إذا أردتم البركات، فاتقوا الله في إخراج الزكاة، لا تبخلوا بالزكاة، عندما تصبح ظاهرة لدى الكثير من المزارعين أن يبخلوا بالزكاة، أن يعتبروها مغرماً يتهربون منه، فهي حالةٌ خطيرة، تسبب- إلى حدٍ كبير- انتزاع البركات، فيخسرون بركات السماء، الأمطار التي هم بحاجةٍ إليها، الكل بحاجةٍ إليها، يسبب هذا المعاناة الكبيرة للناس.

نحن في هذه المرحلة، ونحن في بلدنا نعاني من الجدب الشديد، مما لا شك فيه أنَّ من ضمن الأسباب الرئيسية، هو: التقصير في إخراج الزكاة، من ضمن الأسباب الرئيسية، ومن التوبة إلى الله، ومن الرجوع إلى الله “سبحانه وتعالى”: العناية بإخراجها، العناية بإخراجها، ومن الغريب جدًّا أن تصبح المسألة بالنسبة لدى البعض مشكلة، كيف يقال لهم: [أَنْ أخرجوا زكاتكم]، كأنه يقال لهم: [أخرجوا أنفسكم من أجسادكم]، يعني: مشكلة عليه كبيرة.

في مسألة الزكاة أيضاً الإنفاق يقترن بالصلاة، ويقترن أيضاً بها من حيث الأهمية، كقربة عظيمة إلى الله “سبحانه وتعالى”، لها شأنٌ عظيم في الأجر، والفضل، والمنزلة عند الله “جلَّ شأنه”، ولها أيضاً الأثر التربوي، الزكاة هي ترتبط بالنصاب، النصاب فيما أنبتت الأرض، النصاب في أموال التجارة، والحول في أموال التجارة، وما أشبه ذلك من التفاصيل، النصاب أيضاً في الثروة الحيوانية، وفق أرقام معينة معروفة، على الإنسان الذي أصبح مكلفاً بالزكاة أن يعرف، وأن أيضاً يتجاوب مع الجهات المعنية التي تبين له، والتي تتابعه، والتي تعينه في إخراج زكاته.

وفي نفس الوقت الإنفاق دائرةٌ أوسع، أوسع من مسألة الزكاة، الإنفاق جزءٌ منه يتعلق بالإنفاق في سبيل الله تعالى، وأتى الحث عليه في القرآن الكريم كثيراً، من مثل قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: الآية195]، {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، أمر من الله “سبحانه وتعالى” بالإنفاق في سبيله، يشمل ذلك الجهاد في سبيل الله، وما يتصل به، ما يرتبط بالجهاد في سبيل الله، وهو جانبٌ أساسيٌ يدخل أيضاً ضمن الجهاد بالمال، أليس في القرآن الكريم يتكرر الأمر كثيراً، الأمر لنا من الله: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية41]؟ فهو ضمن أيضاً المسؤوليات، الإنفاق في سبيل الله هو ضمن مسؤولياتنا والتزاماتنا الإيمانية والدينية، وهو لا يقترن بنصاب معين، لا يرتبط بنصابٍ معين، بحسب حالة الإنسان، بحسب ظروفه، بحسب إمكاناته، الإنسان الذي ظروفه متوسطة بحسب حاله، ظروفه ميسوره بحسب حاله، بل يبادر حتى الإنسان الذي إمكاناته بسيطة وبحسب حاله، جُعِلت مسألة مرتبطةً بمستوى ظروف الإنسان، بحسب حاله، ولكنها أيضاً من المسؤوليات، من الالتزامات الإيمانية، من الالتزامات الدينية؛ لأن علينا أن نجاهد في سبيل الله، وجهادنا في سبيل الله هو بالمال- كما أكَّد عليه القرآن الكريم في كثيرٍ من الآيات- والنفس، فالتزامنا المتعلق بالمال- كما قلنا- بحسب حال أي إنسانٍ منا، بحسب ظروفه.

والأمة في هذه المرحلة، وشعبنا العزيز في هذه المرحلة في مرحلة تحديات، مرحلة من أهم المراحل للجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، والبخل- فعلاً- يسبب للأمة الهلاك؛ لأن الأمة إذا بخلت، فستضعف، ستضعف حركتها في الجهاد في سبيل الله، إذا نقص التمويل، لم يتوفر التمويل لذلك، معنى ذلك: تتوقف الحركة في ذلك، معنى ذلك: يتغلب عليها أعداؤها، يسيطر عليها أعداؤها، فتكون هي ببخلها، وتنصلها عن مسؤولياتها، وشحها عن العطاء فيما أمرها الله به؛ تسبب لنفسها الهلاك، وسيطرة أعدائها عليها، مع الهلاك في دينها، يضاف إليه الهلاك في دنياها أيضاً، هذه مسألة خطيرة جدًّا.

يتكرر اقتران الإنفاق بالصلاة، وأكثر من ذلك في بعض الأحيان اقترانه بالإيمان نفسه، يعني: حتى بما هو أكثر وأعم وأكبر من مسألة الصلاة، والصلاة شأنها عظيم، هذا لا يقلل من أهميتها وشأنها، لكنَّ عنوان الإيمان هو العنوان الرئيسي قبل كل ذلك، فيأتي الإنفاق أحياناً مقترناً بعنوان الإيمان؛ لأهمية المسألة.

يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً فيما يتعلق بالإنفاق: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الأنفال: الآية3]، فنجد هنا كيف قرن الإنفاق بالصلاة، وأيضاً بصيغةٍ تفيد الاستمرارية: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، فهم يستمرون على ذلك؛ لأنه يرتبط بمسؤولية مستمرة، هي الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”.

يقول الله “سبحانه وتعالى”: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد: من الآية7]، فيقرن الإنفاق ليرفع من مستوى أهميته، إلى مستوى الإيمان، فيقترن بالإيمان، {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، فالمال الذي أعطاكم الله هو نعمةٌ من الله، وأنتم وما بأيديكم ملكٌ لله “سبحانه وتعالى”، هو المالك الحقيقي، لكم، ولأموالكم، وللسماوات والأرض، وهو استخلفكم فيما أعطاكم؛ لكي تعملوا فيه وفق مسؤولياتكم، هذا جزءٌ من مسؤولياتكم.

{فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}[الحديد: من الآية7]، هم من يستفيدون، الأجر على ذلك هو أجرٌ عظيمٌ كبيرٌ جدًّا، منه ما يأتي في الدنيا، من البركات، يخلف الله لهم، يعوضهم الكثير، يُقَدِّم لهم الرعاية الواسعة في جوانب كثيرة، ومنه ما يتعلق بمستقبلهم الأبدي والعظيم والمهم في الآخرة.

يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}[الحديد: الآية11]، هذه الآية تجعل الإنسان يخجل من الله، يستحي من الله، معناها عميق، ودلالتها كبيرة، الله “سبحانه وتعالى” يعلم بشح الكثير من الناس، ببخلهم، بطمعهم، بقبض أيديهم في مسألة المال، بصعوبة الإنفاق عليهم؛ فيقدم ضمانةً على أن يعوضهم، على أن يخلف لهم، على أن يَمُنَّ عليهم بالأجر الكبير، وأن يعطيهم أكثر مما أنفقوا كثيراً وكثيراً، إضافةً إلى الأجر الكريم، كريم في مستواه الكثير الكثير جدًّا، وكريم في كيفيته، يقدَّم لك بكرامة وبتكريم، ما الذي نريده من الله بعد ذلك؟! إلى درجة أن يسمي لنا إنفاقنا قرضاً، وأن يقدم له هذا العنوان؛ لكي نطمئن أنه سيبدل لنا الكثير والكثير والأفضل والأحسن، وأن ما نستفيده هو أكثر وأعظم مما قدمناه.

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}: يقدمه وفق تعليمات الله “سبحانه وتعالى”، برغبةٍ إيمانية، من المال الحلال، بطريقة فيها إخلاص، وفيها احترام، وفيها تقرب إلى الله “سبحانه وتعالى”، سليمة من المفسدات، سليمة من المن، سليمة من الأذى والمحبطات، {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}: سيعطيه الله “سبحانه وتعالى” ما هو أكثر منه بكثير، {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.

كذلك يقول في مسألة الصدقات، وطبعاً ليس فقط صدقة الزكاة، هناك صدقات غير صدقة الزكاة، الصدقات التي تقدم أيضاً للفقراء والمحتاجين: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}[الحديد: الآية18]، بنفس العبارة: (المضاعفة، والأجر الكريم)، فما الذي تريده أكثر من ذلك، إذا كنت ستحصل على الأجر العظيم من الله “سبحانه وتعالى”، والكريم، كريم في كثرته، وكريم في أن يقدم إليك ويصل إليك بتكريمٍ لك أيضاً؟!

هذا يبين لنا أهمية الإنفاق، واقترانه بالصلاة في آيات، واقترانه بالإيمان في آياتٍ أخرى، والإنفاق له علاقة بالإيمان من جوانب كثيرة، هو محكٌ إيماني يبين مدى مصداقية إيمانك بالله “سبحانه وتعالى”، أولها: ثقتك بالله، الله يأمرك بالإنفاق، وفي نفس الوقت يعدك، يعدك بأن يضاعف لك، يسمي إنفاقك قرضاً، يعدك وعداً صادقاً أن يضاعفه لك، وأن يبدل لك عنه الأجر الكريم، فإذا بخل الإنسان بعد هذه الضمانة من الله، بعد هذا الوعد، الوعد الصادق من الله “سبحانه وتعالى”، من الله الذي لا يخلف وعده، فماذا يعني ذلك؟ بكل صراحة يعني ذلك: أنه لم يثق بوعد الله، لم يثق بوعد الله.

أمَّا إذا كان مستجيباً بثقةٍ بوعد الله، وتصديقٍ بوعد الله، فهذه حالة إيمانية، لكن إذا بخل، معنى ذلك: أنه لم يثق بوعد الله، وهذا خللٌ في إيمانه، معناه: مشكلة عنده في إيمانه.

الله يقول: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ: من الآية39]، وعد مؤكد، ألا تثقوا بوعد الله؟!

في مسألة الإنفاق في سبيل الله، جزءٌ من الإنفاق في سبيل الله يعود إلى الإعداد، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، حتى إعدادك على المستوى الشخصي يحسب إنفاقاً في سبيل الله، عندما تشتري لك سلاحاً لتجاهد به في سبيل الله، أو ذخائر لتجاهد بها في سبيل الله، حتى على المستوى الشخصي هو من الإنفاق في سبيل الله؛ للترغيب في ذلك، فيأتي في آخر الآية المباركة في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، ليقول في آخرها: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال: من الآية60].

أيضاً علاقة الإنفاق بالإيمان أنه من الأعمال الرئيسية في الإيمان، التي لا يمكن أن تصل إلى مرتبة الإيمان الصادق، ومواصفات المؤمنين والمتقين، إلَّا بها، لا يمكن أن تكون في صف الأبرار، وفي عدادهم إلَّا بها، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[آل عمران: الآية92].

الإنفاق أيضاً يعتبر شاهداً على تقديرك لنعمة الله عليك، وتأثرك بنعمة الله “سبحانه وتعالى”؛ وبالتالي توجهك برغبةٍ لأن تشكر الله “سبحانه وتعالى”، وهو القائل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: من الآية7]؛ لأن ما بين يديك من المال والإمكانات، وما رزقك الله به، في أي مستوى كان هذا الرزق، بحسب ظروف الناس المتفاوتة، هو من الله، هو من الله، تشكره عليه، جزءٌ من هذا الشكر يتعلق بماذا؟ بالإنفاق، هنا أنت تنفق ما تنفق وأنت تشكر الله المنعم، الكريم، الذي كل ما لديك من النعم فهي منه “سبحانه وتعالى”، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: من الآية53].

بينما الحالة المختلفة التي تبخل فيها، وتشح عن الإنفاق، وتمتنع عن الإنفاق، هي حالة تُعَبِّر عن كفرانك للنعمة، عن عدم تقديرك لنعمة الله “سبحانه وتعالى”، وهذه مسألة مهمة جدًّا.

أيضاً من أهم الدوافع ذات الصلة بالجانب الإيماني للإنفاق، هي: الأثر التربوي المميز للإنفاق في تثبيت النفس، تثبيت القيم الإيمانية، الأخلاق الإيمانية، المعاني الإيمانية، في نفسية الإنسان، {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[البقرة: 265]، ابتغاء القربة إلى الله “سبحانه وتعالى”، والمنزلة عند الله “سبحانه وتعالى”، وفي تطهير نفسيتك من الشح، لا تتحول نفسيتك إلى نفسية خبيثة، تترسخ فيها إلى العمق حالة الشح، التي هي خطيرةٌ جدًّا على الإنسان، يجمع فيها بين البخل والحرص، البخل في المال، والحرص عليه، فتكون الحالة هي حالة شُح.

الله يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التغابن: من الآية16]، حالة الشح حالة خطيرة جدًّا، هي وراء الكثير من المفاسد والجرائم التي يصل إليها الإنسان نتيجة أطماعه الشديدة، أطماعه الكبيرة، توجهه المادي الجنوني، يعني: المفرط، المفرط الرهيب، جشعه المادي الشنيع جدًّا، حالة ناتجة عن الحرص، بخله عن كل الحقوق، أطماعه التي يسبب بها أن يأخذ الكثير من الحرام، وأن يأكل الحرام، وأن يتاجر بالحرام، وأن يجمع الحرام، الذي يُخَلِّدُهُ في نار جهنم والعياذ بالله، فللإنفاق الأثر التربوي الإيجابي الذي يُخَلِّصُ الإنسان، يُخَلِّصُ نفسيته من الشح، هذه مسألة مهمة جدًّا، الإنسان بحاجةٍ إليها.

من حيث الرغبة في الأجر العظيم الذي وعد الله به: من أعظم الأعمال قربةً إلى الله في الأجر، والفضل، وما يقابل ذلك عند الله، فيما يقدمه لك، فيما يَمُنُّ به عليك، في مستقبلك في الآخرة، وفيما له أثره العظيم في الدنيا، هو الإنفاق، بدءاً بالإنفاق في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، الله يقول في القرآن الكريم: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: الآية261-262].

الإنفاق في سبيل الله يضاعف الله الأجر عليه إلى حدٍ عجيب، الإنسان ينبهر، يُذهل الإنسان أمام هذا الأجر العظيم، أمام هذه المضاعفة الواسعة جدًّا، فالحد الأدنى من المضاعفة يصل إلى سبعمائة ضعف، هذا هو الحد الأدنى، يعني: لو أنفق الإنسان مثلاً ألفاً، ألف ريال مثلاً، فكأنه أنفق سبعمائة ألف في الأجر، لو أنفق التاجر مثلاً مليوناً، فكأنه أنفق سبعمائة مليون، المضاعفة في الأجر مضاعفة هائلة جدًّا جدًّا، الأجر العظيم، وهذا هو الحد الأدنى.

الله قال بعد ذلك: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}، قد تأتي المضاعفة لعوامل واعتبارات، منها: طبيعة الظروف التي أنفق الإنسان فيها، مستوى إخلاصه وإقباله إلى الله، وبُعدِه عن المحبطات والمفسدات، واستقامته، مستوى استقامته، طبيعة ظروفه التي أنفق فيها، وإقباله إلى الله “سبحانه وتعالى”، اعتبارات أخرى للمضاعفة، تتضاعف فيها الأجور إلى أكثر بكثير من ذلك، في بعض الروايات: ((حتى تصير اللقمة مثل جبل أحد))، اللقمة الواحدة مثل الجبل الكبير.

فالأجر العظيم الذي وعد الله به، لابدَّ للإنسان المؤمن أن يرغب فيه؛ لأن الإنسان المؤمن هو يرجو الله، ويرغب فيما عند الله، ويعي قيمة ما يُقَدِّمُهُ الله وما يعرضه الله عليه، عروضاً مغريةً جدًّا، يعرض الله علينا عروضاً مغريةً جدًّا جدًّا، كيف لا يرغب الإنسان، إذا لم يرغب، فهو قليل الإيمان، ممن لا يرجوا الله “سبحانه وتعالى”، أو لا يثق بوعده.

كل هذا له أهميته الكبيرة، إضافةً إلى الآثار الاجتماعية للإنفاق بين أبناء المجتمع؛ لأن جانباً أساسياً من الإنفاق أيضاً يتجه إلى من؟ إلى المجتمع، {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[البقرة: من الآية215]، فتأتي هذه الفئات في المجتمع بدءاً من محيط الإنسان، من قرابته، وهو يصلهم، وهو يعطف على فقيرهم، وهو يواسي محتاجهم، ثم تتسع هذه الدائرة في الوسط الاجتماعي، إلى اليتامى، إلى المساكين، إلى ابن السبيل، إلى الفقراء، وهو يعطيهم، فيكون لهذا الأثر العظيم بين أبناء المجتمع.

أولاً هو- في واقع الحال- ظاهرة إيمانية وإنسانية، حالة التراحم بين أبناء المجتمع، حالة الإحسان فيما بينهم، حالة العطف والرحمة هي حالة إيمانية، من لوازم الإيمان، الله يقول عن عباده المؤمنين: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]، يقول عنهم: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد: من الآية17]، فيهم- يعني- مع الجانب الإيماني إنسانية، فلديهم الضمير الحي، والعاطفة الإنسانية، والدافع الإيماني، الذي يجتمع مع بعض، فَيُشَكِّل حالةً من المواساة، من الإحسان فيما بينهم؛ فيعطفون على فقيرهم، على محتاجهم، يتألمون لظروف بعضهم البعض، ليست ضمائرهم ميتة، ليست مشاعرهم متبلِّدة، فيرون الحالات الإنسانية المأساوية فيما بينهم، فلا يبالون تجاه بعضهم البعض، يشبع ويتخم بما شبع، ويرى الآخر جائعاً، يتضور جوعاً، يبحث من أين يأكل، حتى من القمامة، يرى جاره يعاني، لا يتوفر لديه القوت الضروري، وهو هناك يأكل يأكل، وقد يصاب بأمراض نتيجةً لكثرة ما أكل، وينتج عن ذلك أضرار صحية، فهو مبطان، وحوله جائعون، يشاهد في المشاهد العامة حالات البؤس، الحرمان، الفقر، العناء، لكثيرٍ من الناس، فلا يكترث، وكأنه يحمل صخرةً، حجراً صُلباً، ولا يحمل قلباً ومشاعر إنسانية.

الحالة الإيمانية هي تختلف، هي حالة تراحم، هي حالة- كما قلنا- اجتمع فيها الضمير الحي، اجتمعت فيها المشاعر الإنسانية، اجتمع فيها الدافع الإيماني، فتتوفر كل الدوافع للتراحم، للمواساة، للتألم لحال البائسين، لحال الجائعين، لحال المعانين، فيتجه الإنسان بمواساتهم، بكل تقدير، بكل محبة، بكل حرص، بكل رغبة، بل الحالة الإيمانية قد ترقى بالإنسان إلى درجة أن يؤثر على نفسه في بعض الأحيان، في أحيان حساسة حتى، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}[الإنسان: من الآية8].

هذا الأثر التربوي له أهميته، كظاهرة إنسانية وإيمانية لها أثرها العظيم في التراحم بين المجتمع؛ وبالتالي في التآخي بين المجتمع، في المحبة بين أبناء المجتمع، في دفع الكثير من المفاسد والأضرار.

إذا أصبح الفقير، البائس، المعدم، يرى الآخرين من حوله ممن هم متمكنون، ولديهم الثروة والإمكانات المادية، لا يبالون بحاله البائس، لا يكترثون لمعاناته الشديدة، لا يلتفتون إلى جوعه وجوع أسرته، لا يبالون بوضعه الصعب جدًّا، حتى على مستوى الزكاة، حتى على مستوى فعل الخير والبر، فقد يمتلئ قلبه بالمشاعر السلبية تجاههم، يرى فيهم حالة البخل، الشدة، الشُح، اللا إنسانية، فيكرههم في أقل الأحوال؛ أمَّا البعض فقد يحقد عليهم، قد يتجه البعض إلى ارتكاب جرائم سيئة: جرائم السطو، جرائم النهب، جرائم السرقة، ولكن في أقل الأحوال لدى البعض الآخر أن يكرههم، يرى فيهم أناساً متوحشين، ليس فيهم أي خير، ليس فيهم إنسانية، ليس لديهم ضمير، وهكذا في أقل الأحوال؛ فتنتشر بين المجتمع هذه الحالة من الفرقة والتباين.

ومن أسوأ الأمور أيضاً عندما تحصل مثل هذه الظواهر السلبية لدى المجتمع، ثم تأتي منظَّمات أجنبية لِتُقَدِّم نفسها بصورةٍ مختلفة، فكأنكم يا أيها المسلمون لم يعد لديكم ضمير، وليس فيكم إنسانية، وليس فيكم خير، وليس فيكم إحسان، وتأتي المنظَّمة الأجنبية من بلدان اليهود والنصارى والكافرين والمشركين، فيقدِّمون أنفسهم بصورة إحسان، وصورة فعل خير، وصورةٍ إنسانية، وأنتم بعيدون عن ذلك، فيكسبون هم تعاطف ذلك الفقير، الذي يرى المجتمع من حوله لا يلتفت إليه، ولا إلى بؤسه، ولا إلى معاناته، فتكون صورةً خطيرة، ولو أنَّ المنظَّمات هي تأتي- أصلاً- بدوافع سياسية، وبأهداف شيطانية، ومآرب شيطانية، ولذلك لا يليق بالمجتمع المسلم أن يكون مجتمعاً بخيلاً، وأن يكون مجتمعاً تنعدم فيه الرحمة، والإنسانية، والمواساة، لا يجوز ولا يليق.

والبديل عن الإنفاق، عن العطاء، عن فعل الخير، هو: البخل والشح، البخل حالة سيئة جدًّا، من أقبح ما يمكن أن يتصف به الإنسان، حتى أنه يدخل ضمن عنوان الفحشاء؛ لقبحه وبشاعته وسوئه، يقول الله “سبحانه وتعالى” في وعيده للذين يبخلون: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}[النساء: من الآية37]؛ لأن الذي يبخل- الكثير منهم- لا يكتفي بأنه يبخل؛ إنما يُثَبِّط الآخرين، يُثبِّطُهُم عن إخراج زكاتهم، يُثَبِّطُهُم عن الإنفاق في سبيل الله، يأمرهم بالبخل عن الإنفاق في سبيل الله، عن الإحسان إلى عباد الله، {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: من الآية37]، حتى يتهرب من إخراج زكاته، ومن الإنفاق فيه، فهو يكتم بهذا الهدف، فهم ضمن الوعيد الإلهي: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}[النساء: من الآية37]، هذا من الكفر للنعمة، من الكفر للنعمة، ومن الرفض للالتزامات الإيمانية، فالله أعدَّ لهم العذاب المهين؛ لأنهم يستحقون الإهانة، ويستحقون العذاب.

إضافةً إلى ما يخسره الناس من البركات والخيرات، {فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف: من الآية96]، بعد أن تنعدم البركات، وتنعدم الخيرات، وفي واقع الحال البخل بالزكاة مثلاً هو خيانةٌ للأمانة؛ لأن الله قد جعل الحق للفقراء، ولتلك المصارف في مالك، {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌِ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24-225]، فأنت تأكل حقهم، وتخون أمانتك، فالمسألة خطيرة جدًّا.

فيما يتعلق بمجالات الإنفاق، يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ}[البقرة: من الآية215]، (مِنْ خَيْرٍ): يشمل أي خيرٍ مما أعطاك الله، وأنعم به عليك، {فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[البقرة: من الآية215].

يقول أيضاً: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[البقرة: الآية273]، هو يعلم، وسيجازيكم عليه الخير مما وعد به، لا يخفى عليه ما أنفقتم فينساكم، “سبحانه وتعالى”!

يقول عن الإنفاق في سبيل الله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: الآية195].

يقول عن الزكاة (الصدقة الزكاة) ومصارفها: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية60].

نكتفي بهذا المقدار…

ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء، ونسأله أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.

 

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه

المحاضرة الرمضانية الحادية عشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1443هـ

المحاضرة الرمضانية الحادية عشرة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1443 هـ 12-04-2022
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

من أهم ما يساعد على تقوى الله "سبحانه وتعالى"، مما هو باعثٌ على التقوى، ومفيدٌ في الالتزام بها على نحوٍ مستمر، هو: الصلاة، الصلوات الخمس هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي فريضةٌ عظيمةٌ من فرائض الله "عزَّ وجلَّ"، ولها أهميتها الكبيرة من حيث موقعها في الدين، ما يترتب عليها من النتائج التربوية العظيمة، الفضل والأجر الكبير عليها من جوانب متعددة.

والكل يعرف عن أهمية الصلاة على نحوٍ إجمالي، وأنها ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام، وأتى في القرآن الكريم من ضمن المواصفات الرئيسية، وفي كثيرٍ من المواقع في القرآن الكريم، في أول المواصفات الأساسية للمتقين وللمؤمنين: العناية بالصلاة، تحت العنوان المعروف: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}، وتكرر هذا في القرآن الكريم؛ باعتباره من المواصفات الأساسية اللازمة، التي عليها أهل التقوى والإيمان، لا تنفك عنهم، يستمرون على ذلك، {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}، تتكرر {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}، {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}... في كثيرٍ من الآيات المباركة التي تحدثت عن مواصفاتهم، وعلاماتهم، واهتماماتهم العملية التي يواظبون عليها.

ونجد مثلاً في سورة البقرة في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة: 2-3]، فبعد قوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، يأتي بقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}، وهي تفيد الاستمرارية على ذلك، أنهم يواظبون على الصلاة القيِّمة، التي يؤدونها على نحوٍ تام.

وتكرر كثيراً في القرآن الكريم إلى جانب الحديث عن صلاتهم القيِّمة، التي يتميزون بها؛ لأن الكثير يصلون، لكن ما يميِّز صلاة المتقين: أنها صلاةٌ قيِّمة، وهذا ما سنتحدث عنه أثناء حديثنا في الموضوع.

يأتي أيضاً مما وصفوا به: المحافظة على الصلاة، {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: الآية9]، هكذا يقول الله عنهم، فهم يحافظون عليها باستمرار أيضاً، ويستمرون عليها، {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}[المعارج: الآية23]، ليسوا موسميين، فقط في شهر رمضان، أو في يوم الجمعة، أو في بعض الأوقات، أو يهتم بالبعض من الصلوات على نحوٍ شكلي، ثم يترك البعض منها.

وأيضاً يصفهم بالخشوع في صلاتهم، صلاتهم صلاة مميزة، من حيث حضور الذهن، من حيث الخشوع لله "سبحانه وتعالى"، {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون: الآية2].

لأهمية الصلاة تكرر الأمر لإقامتها في القرآن الكريم كثيراً، فيأتي قول الله "سبحانه وتعالى": {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: من الآية43]، وتكررت هذه الصيغة في القرآن الكريم: الأمر بإقامة الصلاة، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[النساء: الآية103]، في مواطن كثيرة من القرآن الكريم، في عدة سور، وفي عدة آيات، منها قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ}، {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ}[إبراهيم: الآية31]، وعادةً ما يقترن مع الأمر بالصلاة الأمر بالإنفاق، والأمر بالزكاة، في كثيرٍ من الآيات القرآنية، وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً إن شاء الله، عندما نتحدث عن الزكاة وعن الإنفاق.

فالصلاة تأتي في رأس القائمة، في مقدِّمة المواصفات والأعمال الأساسية، وكعنوانٍ رئيسي، حتى أنها تدل على ما بعدها من الاهتمامات والالتزامات العملية، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ}.

ويقول الله "سبحانه وتعالى": {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنعام: الآية72]، فيأتي هنا الأمر بشكل رئيسي ومباشر في ما يخص الصلاة، {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}: أدُّوا صلاتكم صلاةً قيِّمة، فهو أمرٌ بالصلاة نفسها، وأن تؤدَّى قيِّمةً.

أيضاً يأتي قول الله "سبحانه وتعالى" في المحافظة عليها: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة: الآية238]، {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} في كل الحالات، في كل الحالات المختلفة، والله "سبحانه وتعالى" قد شرع كيفيةً متناسبةً مع مختلف الظروف التي يواجهها الإنسان، مثلاً: في حالة المرض، الذي يتعذر فيه أداء الصلاة كاملةً، من قيام، وقعود، وفق هيئاتها، شرع الله صلاة المريض بحسب استطاعته من قعود، إذا لم يستطع من قعود، فهو مضطجع، وكذلك مثلاً في حالة السفر (السفر بعيداً) هناك أيضاً صلاة السفر، وفي ما يتعلق أيضاً بظروف القتال المستمر، الذي يتعذر معه- مثلاً- أداء الصلاة وفق هيئاتها وأركانها المعروفة في حالة الأمن والاطمئنان، فهناك ما يتناسب مع تلك الظروف.

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}، (الصَّلَاةِ الْوُسْطَى) يختلف المسلمون ما هي من بين الصلوات، وروي عن أمير المؤمنين علي "عليه السلام" أنها صلاة الجمعة، وفي بقية الأيام الظهر، صلاة الجمعة في يوم الجمعة.

{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، قوموا في صلاتكم وقفوا- لأنها وقفة بين يدي الله "سبحانه وتعالى"- لله بإخلاص، بإخلاص لله سبحانه وتعالى، من أجل الله "سبحانه وتعالى"، مع الحذر من الرياء والدوافع غير الإيمانية، {قَانِتِينَ}: خاضعين لله "سبحانه وتعالى"؛ لأن وقفة الصلاة هي وقفة تعبُّد لله "سبحانه وتعالى"، وتعبير عن العبودية لله "سبحانه وتعالى"، وذكر لله "جلَّ شأنه".

{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة: الآية239]، في ظروف الخوف لها اعتبارها، ظروف الخوف التي قد يفوت وقت الصلاة بكله قبل أدائها، فتؤدَّى كما ذكر الله "سبحانه وتعالى": {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}، بحسب الحالة.

أيضاً يقول "جلَّ شأنه": {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[النساء: من الآية103]، هناك: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، يعني: فأدوا صلاتكم كاملةً مع الذكر لله "سبحانه وتعالى"، والإكثار من ذكره، {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء: من الآية103]، فيأتي للظروف: الظروف القتالية، ظروف الخوف، حالاتها التي لا تفريط فيها بالصلاة، وفي نفس الوقت تتلاءم مع تلك الظروف والحالات.

الأمر بإقامتها في القرآن الكريم هو متكرر، كما أشرنا في بداية المحاضرة، وما تعنيه إقامتها، هو: أداؤها خالصةً لله، كاملةً شروطها وفروضها، الإتيان بها وفق ما شرعها الله "سبحانه وتعالى"، وهذا أمرٌ مهمٌ جدًّا؛ لأن البعض ممن يؤدِّي صلاته بشكلٍ اعتياديٍ روتينيٍ، لا يعي أهميتها، وفضلها، وعظيم شأنها، قد يؤدِّيها بشكلٍ عاديٍ جدًّا، من دون إتقانٍ لهيئاتها وأركانها، أو مع تفريطٍ وتقصيرٍ في شيءٍ من شروطها وأركانها، فيكون لذلك تأثير سيئ على أدائه، لا يؤديها كاملة، لا يؤديها متقنة وفق ما شرعها الله "سبحانه وتعالى".

البعض ممن يؤدِّيها- كما قلنا- بشكل اعتيادي روتيني، وقد يؤدِّيها وهو مستعجلٌ جدًّا لأمرٍ من أمور الدنيا، لشأنٍ من شؤون نفسه وأغراض حياته، فعادةً يترك عجلته عليها هي، مع أنه قد يكون متأنياً في بقية الأمور، إنما يستعجل جدًّا فيها؛ فيفرِّط في شيءٍ منها.

لأهمية الصلاة، وعظيم شأنها، كانت في رأس القائمة ضمن الأولويات العبادية، والأعمال العظيمة، والفرائض المؤكَّدة في كل رسالات الله "سبحانه وتعالى"، ولدى كل أنبيائه "صلوات الله عليهم"، ويتضح لنا في القرآن الكريم كيف كانت أهميتها في عهد الأنبياء "عليهم الصلاة والسلام"، وكيف كانت عنايتهم بها، مما يدل على عظيم شأنها، وعلى منزلتها وموقعها المهم في دين الله "سبحانه وتعالى"، وفي القربة إلى الله "سبحانه وتعالى"، وفي آثارها المهمة التي نحتاج إليها نحن كبشرٍ في كل زمانٍ ومكان.

 في القرآن الكريم على نحوٍ إجمالي، في حديثه عن الأنبياء "صلوات الله وسلامه عليهم"، يقول الله "جلَّ شأنه": {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[الأنبياء: من الآية73]، فالله "سبحانه وتعالى" أوحى إلى الأنبياء {فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}، عنوان واسع يشمل كل الأعمال الصالحة التي فيها الخير، {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ}، فنلاحظ كيف كانت أساسيةً، وخصَّت بالذكر؛ لأهميتها وموقعها، وأثرها

الكبير على المستوى التربوي والعبادي، {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ}، وكثيراً ما تقترن الزكاة بالصلاة، ويقترن الإنفاق بالصلاة، {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}.

من ضمن ما يذكره الله أيضاً عن نبيه وخليله إبراهيم "عليه السلام"، في اهتمامه الكبير بأمر الصلاة، وهو الذي بنى الكعبة، أعاد بناءها، وأحياها من جديد، فأحيا دورها الكبير كقبلةٍ للصلاة، وكذلك في دورها فيما يتعلق بالحج، فإبراهيم "عليه السلام" كان من ضمن أدعيته: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[إبراهيم: الآية40]، فمع اهتمامه بأمر الصلاة، وورد الكثير في القرآن الكريم فيما يتعلق بذلك في سورة البقرة، وفي سورة إبراهيم... وفي سورٍ أخرى أيضاً، كان من الملاحظ لاهتمامه الكبير بالموضوع، أنَّ من ضمن أدعيته هذا الدعاء: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}، وهذا مما ينبغي أن يأخذه الإنسان المؤمن بعين الاعتبار، أن يدعو الله أن يوفِّقه لأداء الصلاة، أن يعينه على أداء الصلاة القيِّمة؛ لأن المطلوب هو أن تكون صلاةً قيِّمة، ما أكثر المصلين! وما أقلَّ الذين يقيمون الصلاة! وهذا الدعاء بنفسه دعاءٌ عظيم، دعاءٌ مهم، يمكن للإنسان أن يعتمده ضمن أدعيته التي يدعو الله بها: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، يدعو الإنسان لنفسه بذلك، ويدعو لذريته، {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.

كذلك في القرآن الكريم عن نبي الله إسماعيل "عليه السلام" يقول الله عنه: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}[مريم: من الآية55]، من ضمن أوصافه العظيمة، من ضمن ما يتحدث به القرآن عنه؛ باعتباره شيء مهم، وشيء عظيم، ومواصفة مهمة، من مميزاته "عليه السلام" أنه كان هكذا: يهتم بأمر الصلاة، ويأمر أهله بها بشكلٍ متكرر، فهي ضمن الاهتمامات التربوية التي يحرص عليها الإنسان مع أهله، ضمن المسؤوليات والالتزامات الأخلاقية والتربوية تجاه الأهل: أن يأمرهم الإنسان بالصلاة، أن يحثهم على الصلاة، أن ينبههم على الصلاة... وهكذا شيءٌ مستمر، {يَأْمُرُ} كحالة مستمرة، {يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}، تقترن، قرينة الصلاة هي الزكاة، {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}، هذا يدل على اهتمامه العظيم بأمرهما، بأمر الصلاة والزكاة، ويدل على موقعهما العظيم في دين الله "سبحانه وتعالى"، وأنهما عنوانان رئيسيان بارزان، يعبِّران عن غيرهما، عن بقية المواصفات الإيمانية.

كذلك في القرآن الكريم في سورة طه، في الحديث عن نبي الله موسى "عليه السلام"، عندما أوحى الله إليه، قال الله "سبحانه وتعالى" وهو يخاطبه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه: الآية14]، فلعظيم شأن الصلاة، أفردت أيضاً بالذكر مع أنها من العبادة، تدخل ضمن قوله تعالى: {فَاعْبُدْنِي}، فيأتي أيضاً الإفراد لها بالذكر، والتخصيص لها بالذكر؛ لأهميتها الكبيرة جدًّا، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}، فمن الأدوار الأساسية للصلاة، هي: أنها ذكرٌ لله، أنت في صلاتك تذكر الله، وتتذكر الله "سبحانه وتعالى"، وتخرج من حالة الغفلة عن الله "سبحانه وتعالى"، إذا أدَّيت صلاتك كما ينبغي بإقبالٍ ذهنيٍ ونفسيٍ، وتوجهٍ بالقلب والمشاعر، وبالوجدان واللسان نحو الله "سبحانه وتعالى".

كذلك فيما أوحى الله به إلى نبيه موسى ونبيه هارون "عليهما السلام"، يقول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[يونس: الآية87]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، فإقامة الصلاة تأتي ضمن الأوامر الإلهية المؤكدة والمتكررة؛ لِمَا للمسألة من أهمية كبيرة جدًّا لنا نحن، للبشرية أنفسهم.

أيضاً في سورة مريم، فيما ذكره الله عن نبيه عيسى "عليه السلام"، عندما أنطقه الله وهو في المهد، فقال "عليه السلام" ضمن ما قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم: الآية31]، {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ}، ما شاء الله، سبحان الله العظيم، كان نبي الله عيسى مباركاً أينما كان، فيقول: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}، يعني: بالاستمرار على ذلك، بالاستمرار على ذلك، {مَا دُمْتُ حَيًّا}: طول الحياة، طول العمر.

فكم في القرآن الكريم من الحديث عن الصلاة، من الأمر بها، من التأكيد عليها كعنوانٍ رئيسيٍ إيمانيٍ يساعد على التقوى، والصلاة لها- كما أشرنا في سياق الحديث- أهميتها من جوانب متعددة:

أول ما في الصلاة: أنها ذكرٌ لله تعالى، كما قرأنا في قوله "سبحانه وتعالى" مخاطباً لنبيه موسى "عليه السلام": {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}، الإنسان بحاجة إلى الذكر لله، ومن أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان في التأثير السلبي على نفسه، واهتماماته، وأعماله، وتصرفاته، ومواقفه، هو: الغفلة عن الله "سبحانه وتعالى"، هي الحالة الخطيرة التي يصطادك فيها الشيطان، يوقع بك الشيطان، تسقط فيها في حبائل الشيطان ومصائد الشيطان، حالة الغفلة عن الله، حالة النسيان لله "سبحانه وتعالى"، فأتت الصلوات الخمس، التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والفرض العظيم من فرائض الله "سبحانه وتعالى"، في أوقات موزَّعة على اليوم والليلة؛ حتى لا تنسى لفترة طويلة مع انشغال الإنسان في ظروف حياته، ظروف معيشته.

البعض قد ينهمك ذهنياً نفسياً عملياً في مشاغله المعيشية مثلاً، في بيعه، في شرائه، في شغله، في زراعته... في أي أعمالٍ من أعماله، على نحوٍ ينسى فيه تذكُّر الله، والذكرى لله "سبحانه وتعالى"، فلو لم تكن هذه الصلوات الخمس الموزعة على اليوم والليلة؛ لبقي لفترة طويلة، قد يمر يومه بكله غافلاً عن الله "سبحانه وتعالى"، لا يذكر الله، ناسياً لله، وهي حالةٌ خطيرةٌ جدًّا، لها تأثيراتها السلبية على مشاعر الإنسان، وعلى واقع الإنسان العملي بالتالي، على التزامه الإيماني، على اهتمامه، فعندما يمر بعضٌ من الوقت، مثلاً ما بين الفجر والظهر، وقت متسع، لكن يأتي الظهر كذلك، ثم فريضة العصر، ثم كذلك المغرب، يأتي المغرب، وهكذا العشاء، فهكذا تأتي هذه الفواصل الزمنية، والتي هي أيضاً في حركة الزمن، في حركة الليل والنهار، في حركة الشمس، أشبه ما تكون بفواصل زمنية، لها علاقة بواقع الإنسان، لها علاقة بنظم حياته وأعماله وتحركاته، كذلك مثلاً عندما نستيقظ من نومنا، فيكون أول الفرائض التي نؤديها هي فريضة الفجر، هذا في غير شهر رمضان طبعاً، مع سهر الليل في شهر رمضان وقيامه.

وهكذا يأتي الذكر لله والتذكر لله الذي له أهميته الكبيرة في أن تبقى متجهاً نحو الله "سبحانه وتعالى"، خائفاً من العصيان لله، متنبهاً ومستحياً من الله "سبحانه وتعالى"، ومنتبهاً إلى أعمالك، إلى تصرفاتك، كيف لا تعصي الله، كيف لا تسبب لنفسك سخط الله، كيف تعمل ما يرضي الله "سبحانه وتعالى"، كيف تتقي الله "جلَّ شأنه"، فهذا الجانب جانبٌ مهم.

فالصلاة هي ذكرٌ لله "سبحانه وتعالى"، وهي أيضاً حافلةٌ بالأذكار العظيمة، بالتكبير لله "جلَّ شأنه"، وبالتسبيح لله "سبحانه وتعالى"، ومع التسبيح التهليل والتحميد، وأيضاً مع ذلك قراءة القرآن، وقراءة سورة الفاتحة التي لا بدَّ منه في كل صلاة، فللأذكار نفسها، ولقراءة القرآن نفسه الأثر العظيم في الذكر لله "سبحانه وتعالى"، وفي ترسيخ ما تعنيه تلك الأذكار.

في التكبير لله، الذي يعني: ترسيخ الشعور بعظمة الله "سبحانه وتعالى"، وأنه أكبر من كل شيء، بكل ما لهذا من أهميةٍ كبيرة بالتالي في مواقف الإنسان، في أعمال الإنسان، في طاعته لله "سبحانه وتعالى"، في نهوضه بمسؤولياته، في مواجهته لأعداء الله، في تصديه للأخطار والتحديات مهما كانت.

ما يتعلق بالتسبيح كذلك، ما يتعلق بقراءة القرآن كذلك... وهكذا، أذكار الصلاة أذكار عظيمة، وليست عشوائية، هي شرعت، وأتت عن رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، شرعها الله لعباده، شرع لنا ما نذكره به في صلاتنا، فهي أذكار محددة ومشروعة للصلاة، حافلةٌ بالأذكار العظيمة المهمة، التي ترسِّخ في نفس الإنسان ووجدانه المعاني العظيمة، التي تشده نحو الله "سبحانه وتعالى"، وهذا المجال يطول الحديث عنه، لسنا في سياق الحديث عنه تفصيلياً؛ إنما الحديث عنه على نحو الإجمال.

من أهم ما في الصلاة: أنها تساهم في ترسيخ معنى العبودية لله "سبحانه وتعالى"، وهي في أذكارها، وأركانها من: ركوعٍ، وسجود، وقيامٍ، وقعود، هي تعبِّر عن عبوديتك لله "سبحانه وتعالى"، أنت تقف في صلاتك في موقف الصلاة، وفي مقام الصلاة، تتوجه، لا تتلفت إلى شيءٍ آخر، تبقى ملتزماً وفق هيئة الصلاة، وفق أذكارها، أركانها، شروطها، فروضها، لا تنشغل بشيءٍ آخر، لا تلتفت إلى شيءٍ آخر، لا تمارس أي أعمال أخرى، بوقفة الإجلال والخشوع والخضوع لله "سبحانه وتعالى"، ركوعك وسجودك كله، وإقبالك ذلك الذي يمنع فيه أي حديثٍ آخر غير أذكار الصلاة، ويمنع فيه أيضاً أي أعمال أخرى غير أعمال الصلاة، أي تلفت بوجهك، برأسك، إلى أي جهةٍ أخرى، كل ذلك ممنوع، تُقبِل بشكلٍ كليٍ، ولا تؤدي في الصلاة إلا أذكارها وأعمالها، وتترك أي شيءٍ آخر، هذا الإقبال بخشوع وخضوع، وحالة من القنوت لله "سبحانه وتعالى"، والخشوع لله "جلَّ شأنه"، والإقبال إلى الله، هي تعبيرٌ عن عبوديتك لله "سبحانه وتعالى"، وفي أذكارها كذلك، في أذكار الصلاة كذلك تعبير عن العبودية لله "سبحانه وتعالى".

والمهم في ذلك هو: استحضار الذهن، التركيز الذهني على ما تقول وما تفعل، هذا أمرٌ مهمٌ جدًّا، التركيز الذهني والحضور الذهني على ما تقول وما تفعل، هذا يساعدك على أن تستشعر هذه الحالة من العبودية لله، من التعبير عن أنك عبدٌ لله، تقف بين يديه، تتوجه إليه، تذكره، تكبره، تسبحه، تقرأ من كتابه، تتلو آياته... إلى غير ذلك مما في أذكار الصلاة، وهذا جانبٌ مهمٌ، وترسيخه في وجدان الإنسان، وفي مشاعره له أهميته الكبيرة فيما يتعلق بطاعتك لله "سبحانه وتعالى"، بإقبالك إلى الله، بتسليمك لله، وتقبلك لهدي الله، وتقبلك لتعليمات الله "سبحانه وتعالى".

من أهم ما في الصلاة، هو: عطاؤها التربوي، وأثرها الكبير في تزكية النفس، وتطهير نفسية الإنسان، وهذا جانبٌ مهمٌ جدًّا، يحتاج إليه الإنسان، ولأن هذا الموضوع موضوعٌ مهمٌ جدًّا، والإنسان في ظروف حياته، وشواغله، واحتكاكه بواقع هذه الحياة وما فيه، قد تتلوث نفسية الإنسان بالكثير مما يواجهه في ظروف هذه الحياة، وتتأثر سلباً، ولكن ما بين الصلاة إلى الصلاة، تأتي الصلاة الأخرى، فتمثل أيضاً عملية تطهير للنفس، وكأن الإنسان يتجه إلى حيث يطهر نفسيته من جديد، وهذا يعود إلى إقبال الإنسان إلى الصلاة بوعي، وأدائها بوعيٍ واستحضارٍ لقيمتها، وأهميتها، وفوائدها.

تزكية النفس جانبٌ مهم، يقول الله "سبحانه وتعالى": {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى: 14-15]، فالصلاة تساعد على تزكية النفس، وتسهم في ذلك إسهاماً مهماً.

يقول الله "جلَّ شأنه" أيضاً عن هذا الجانب: عن أهمية الصلاة في تطهير نفسية الإنسان، في تزكية نفسه، في ترسيخ حالة التزام التقوى لدى الإنسان، والانضباط الأخلاقي والإيماني، في تنمية الروح الخيِّرة والمشاعر الطيِّبة في نفسية الإنسان، التي تبعده عن الفحشاء، عن المنكر، عن المعاصي: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: من الآية45]؛ لأنها ترسخ الحالة الإيمانية، تشدك إلى الله، تنمِّي في نفسك التذكر لله "سبحانه وتعالى"، والحياء من الله، والخشية من الله، والحب لله، والشعور بالقرب من الله، والشعور بالقرب من الله "سبحانه وتعالى"، وتطهر نفسيتك، وتنمِّي فيك المشاعر الطيبة، المشاعر الإيجابية، الطاقة الإيجابية، التي تساعدك على الاستقامة إلى درجة أن تمقت الفحشاء، أن تكره الأعمال السيئة، أن تنفر منها، أن تستوحش منها، وهذا أثرٌ عظيمٌ ومهمٌ جدًّا، يحصل عندما يؤدِّي الإنسان صلاته كما ينبغي، ضمن استقامته العملية، وحرصه على الاستقامة العملية.

يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}[المعارج: من 19-20]، وأيضاً يذكر مواصفات أخرى مع الصلاة، لكن الصلاة كانت على رأس القائمة، في مقدمة ما يفيد في معالجة حالة الهلع لدى الإنسان، ما هي حالة الهلع؟ هي هذه: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا}، يجزع من الشر، ليس عنده تحمل وطاقة، يحتاج إلى تربية تؤهله لذلك، وإذا مسه الخير منوعاً، يمنع، يبخل، يشح.

فهذه الحالة الإيجابية على المستوى التربوي للصلاة، الإنسان بحاجةٍ إليها، كل إنسان بحاجةٍ إليها، وينبغي أن تكون من الأشياء التي نحرص عليها، ونسعى لها، ونعي أهميتها الكبيرة لنا.

من أهم أيضاً ما في الصلاة: أنها وسيلةٌ مساعدةٌ وعونٌ على أداء العمل الصالح، وعلى النهوض بالمسؤولية، فالله "سبحانه وتعالى" قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: الآية153]، فالصلاة هي وسيلةٌ مهمةٌ جدًّا، تساعد الإنسان على تقوى الله، على اهتمامه بالأعمال الصالحة الأخرى؛ لأن لها الأثر الإيجابي الذي يساعدك على الاندفاع للأعمال الصالحة، ولتحمل المسؤولية التي عليك أن تتحرك للنهوض بها، في الجهاد في سبيل الله تعالى، في الأمر بالمعروف، في النهي عن المنكر، في مواجهة الطاغوت، في مواجهة التحديات... إلى غير ذلك مما يدخل في إطار المسؤولية، فلابدَّ من الاستفادة من الصلاة في ذلك، هي وسيلة لها أثرها الكبير، الذي يكسبك في وجدانك الاطمئنان، الشعور بالقرب من الله "سبحانه وتعالى"، الدافع الذي يمثل دافعاً مهماً جدًّا للتحرك، للاهتمام، للعمل، للالتزام، وهذه مسألة مهمة جدًّا، مرتبطةٌ بالصلاة، لها أثرها الإيماني الكبير في ذلك.

فمن خلال هذا الدور المهم للصلاة، والأهمية الكبيرة لها، يجب أن نعي أيضاً خطورة التهاون بالصلاة، والتفريط بالصلاة، والبعض- للأسف الشديد- قد يكون سبب تهاونه بأمر الصلاة، أو عن بعض الصلوات، هو الغرق في شهوات النفس، الاسترسال في هوى النفس، الضياع للوقت والجهد في أشياء تافهة، أو أشياء عبثية، وهذه مسألة خطيرة جدًّا.

على كُلٍّ حال لا ينبغي أن يكون هناك أي شيءٍ من الشواغل المعيشية، أو مما يدخل- كما قلنا- ضمن الأمور العبثية، أو أهواء النفس، مما يسبب لدى الإنسان أن يتهاون بصلاته، وأن يفرط في صلاته، فالتفريط فيها والتهاون بها ذنبٌ عظيم، وجرمٌ كبير، الإنسان إذا تجرأ على ذلك، فهو يورط نفسه، هو يسبب لنفسه ورطةً كبيرةً جدًّا، يجني على نفسه جنايةً كبيرة، يفتح للشيطان المجال على نفسه، ويتحمل وزراً عظيماً، يدنس نفسيته.

الله "جلَّ شأنه" يقول في القرآن الكريم، وهو يحكي عن واقع أهل النار في النار، وهم يتحدثون عن الأسباب الرئيسية التي أوصلتهم إلى نار جهنم، كان في مقدمتها: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر: الآية43]، كان في مقدمة الأسباب لهلاكهم، لأن يكونوا من أهل النار والعياذ بالله: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، على رأس القائمة.

أيضاً يأتي الوعيد في القرآن الكريم في قول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون: 4-5]، حالة الاستهتار بالصلاة، والغفلة عنها، والتهاون بأمرها، وقد يفوت لدى البعض من المتهاونين وقتها في أكثر الأحيان، وبالذات بعض الصلوات، البعض مثلاً يعتادون ويدمنون على التفريط في صلاة الفجر، فلا ينهض إلا في وسط النهار، أو بعد طلوع الشمس، وتصبح لدى البعض حالة يستمر عليها، فهو أصبح معتاداً لتضييع فريضة صلاة الفجر، ومدمناً على ذلك، هذا أمر خطير للغاية، معناه: أنك في مثل هذا الحال لم تعد من المؤمنين، ولا في عداد المتقين، وأنك ترتكب جرماً عظيماً، وتتحمل وزراً فظيعاً ثقيلاً، أمر خطير للغاية على الإنسان، في الحديث عن الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله": ((لا يزال الشيطان هائباً مذعوراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن، تجرأ عليه، فألقاه في العظائم))، الشيطان يتجرأ على الإنسان إذا فرَّط وضيَّع في صلواته، أصبح لا يهتم ببعضها، أصبح يؤديها على نحوٍ يتخلص منها، كأنها مشكلة، فيؤديها [مغضى] على حسب تعبيرنا المحلي، هكذا بطريقة ليتخلص منها، وكأنها أصبحت مشكلةً بالنسبة له.

من خلال الوعي الإيماني يجب أن ندرك عظمة الصلاة، قيمتها، أهميتها، ويبدأ الإنسان على المستوى النفسي والذهني في رسم صورةٍ إيجابيةٍ عن الصلاة، وفي حمل مشاعر إيجابية نحوها، يعني: أن تدرك أنت أنها قربةٌ عظيمةٌ إلى الله، أنها نعمة، أنها مفيدةٌ لك أنت، أنك بحاجةٍ أنت إليها حتى على المستوى النفسي، حتى لعلاج الحالات النفسية، التي هي مؤثرة سلباً عليك في مشاعرك، في اهتماماتك، في أعمالك، وتحمل المشاعر الإيجابية نحو الصلاة، في أهميتها، في دورها، في عظمتها، فيما تكتسبه منها أنت، على المستوى النفسي: من الشعور بالاطمئنان، والسكينة، والراحة، والقرب من الله "سبحانه وتعالى"، ((أرحنا يا بلال))، يقال أنَّ النبي "صلوات الله عليه وعلى آله" كان إذا أتى وقت الصلاة في بعض الأحيان يقول لبلال عندما يأمره بالأذان للصلاة: ((أرحنا يا بلال))، راحة، راحة، واطمئنان، وسكينة، ومشاعر إيجابية يعيشها الإنسان، هذه هي الصلاة بشأنها العظيم.

يتفاوت الناس في مستوى الاستفادة من هذا المورد التربوي الإيماني العظيم، بحسب إيمانهم، بحسب إقبالهم إلى الله "سبحانه وتعالى"، وهي ميسَّرة، ميسَّرة، ليست على نحوٍ ثقيل، على نحوٍ صعب، ليست أعدادها كبيرةً جدًّا، الله جعلها ميسَّرةً جدًّا، ليس هناك ما يبرر أن يستثقلها الإنسان، أو أن ينفر منها الإنسان، أو أن يعتبرها أمراً صعباً ومعقداً يتهرب منه، هي من أيسر الأعمال، من أيسر الأعمال الصلاة، أمر يسير، وسهل، وغير معقد، وله آثار إيجابية، وإذا استمر الإنسان عليه بإقبال، أصبح من الأعمال الشيقة جدًّا، التي يشتاق إليها، يتطلع إليها، يحس من خلالها بالراحة النفسية العظيمة، يحسُّ بآثارها وبركاتها الكبيرة، بنتائجها العظيمة.

ومع ذلك، مع الصلوات الخمس، هناك صلاة المناسبات، الصلوات المتعلقة بالمناسبات، منها مثلاً: صلاة العيدين، منها صلاة الجنازة، هي فرضٌ على الكفاية طبعاً بالنسبة لصلاة الجنازة، هناك صلاة الكسوفين، كسوف الشمس والقمر، وهكذا صلوات تتعلق بمناسبات معينة، وهناك صلاة النافلة، من أهمها صلاة الليل، في آخر الليل، أو من بعد منتصف الليل هي نافلة، ليست فريضة، لكن فضلها عظيم، أثرها النفسي التربوي كبيرٌ جدًّا، والإنسان يتزود بحسب ظروفه العملية، وبحسب اهتماماته في مسيرته في هذه الحياة.

وعلى كل حال تأتي الصلاة كوسيلة عظيمة جدًّا، بأثرها الكبير جدًّا، وارتباطها ببقية الأعمال، ليست بديلةً عن بقية الأعمال، ولا متعارضةً مع بقية الأعمال، بل لها صلتها الوثيقة؛ لأنها تؤدي هذا الدور في التذكر لله، في الإقبال إلى الله "سبحانه وتعالى"، الدور المساعد على التقوى، فتصبح هي وسيلةً معينة، {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}[البقرة: من الآية45]، كما الصبر يساعدك على أداء مسؤولياتك، كذلك هي الصلاة.

فلا معنى أبداً لتقديمها وكأنها مثلاً بديلٌ عن الجهاد في سبيل الله، أو عن الأعمال المهمة الأخرى، في السعي لإقامة دين الله، لإقامة الحق، لإقامة العدل، لا مبرر أبداً يبرر التعامل معها وكأنها شيءٌ يغني عن بقية الدين، وهي تربطك ببقية الدين، تربطك بالاستجابة لله "سبحانه وتعالى" تجاه ما أمرك الله به.

من آخر ما نوصي به في حديثنا هذا الموجز عن الصلاة؛ لأن الحديث عنها يمكن أن يتسع جدًّا، هو: الحث للذين لم يتعلموا الصلاة جيداً أن يتعلموها، وألَّا يستحيوا من ذلك، ألَّا يتحرَّج الإنسان من تعلمها، أو التأكد من أنه يتقنها في أذكارها، وأركانها، وشروطها، وفروضها، وأن يكون هذا من ضمن الأشياء التي يتعلمها، بالذات المناطق التي تنتشر فيها الأمية، وليست فيها حركة جيدة للتعليم، أن يكون هناك اهتمام بهذا الأمر.

نسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء، ونسأله أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛

الثلاثاء، 12 أبريل 2022

المحاضرة الرمضانية العاشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1443هـ

المحاضرة الرمضانية العاشرة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1443 هـ -2022م

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

تحدثنا بالأمس عن الصبر، وعن علاقته بتحقيق التقوى، وعن أهميته الكبيرة في ذلك، وفي القيام بالأعمال الصالحة، والأعمال العظيمة والمهمة، كما هو أيضاً- في نفس الوقت- حالةٌ واقعيةٌ قائمةٌ في الواقع البشري، ترتبط بكل أنشطة الحياة، واهتمامات الناس في مختلف ظروف حياتهم، واهتماماتهم المعيشية... وغيرها، هو عاملٌ أساسيٌ من عوامل النجاح في النهوض بالأعمال، وهو مسألة مستساغةٌ في ذلك، بقدر ما يتفاعل الناس مع الأمور التي يتحركون فيها، في المجالات التي ينطلقون فيها.

وتتزايد أهمية الصبر في الجوانب الإيمانية والعملية، مع أهميته في الالتزام الإيماني بشكلٍ عام، على المستوى السلوكي، على المستوى الأخلاقي، على المستوى الروحي، على مستوى الالتزام بالعبادات... في مختلف المجالات ذات الصلة بالالتزام الإيماني، ولكن له علاقةٌ كبيرةٌ جدًّا فيما يتعلق بالمسؤوليات الكبرى، والنهوض بها، حيث لابدَّ منه، ويعتبر أساسياً إلى حدٍ كبيرٍ في ذلك.

ولذلك في مراحل الصراع ما بين الأمة وبين أعداء الله وأعدائها، والأمة تسعى من خلال المؤمنين فيها، والصالحين من أبنائها، إلى أن تتحرر من هيمنة أعداء الله، وأعداء الإنسانية، وأن تحقق لنفسها الاستقلال على أساسٍ من انتمائها الإيماني، وهويتها الدينية الإسلامية، فالأمة تواجه الصعوبات، وتواجه التحديات، وتواجه المخاطر في سبيل النهوض بهذه المسؤولية، وهذا شيءٌ بديهيٌ واعتياديٌ في ظروف الأمم، في اهتماماتها التي هي من هذا القبيل، فأي أمةٍ تسعى إلى التحرر من أعدائها؛ ستواجه في سبيل تحقيق ذلك الصعوبات والتحديات، التي لا بدَّ فيها من الصبر، لذلك لا بدَّ من العناية بالتواصي بالصبر، وهذا مما ركَّز عليه القرآن الكريم، وجعله واحداً من العناصر الأساسية والمواصفات المهمة للمؤمنين، وأيضاً من العوامل المهمة للنجاح والفلاح والفوز، فأتى الحديث عن ذلك في سورة العصر، ضمن المواصفات الأساسية لمن استثناهم الله "سبحانه وتعالى" من الخسران، عندما قال "جلَّ شأنه": {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر: 1-3].

كذلك أتى ضمن المواصفات المهمة للمؤمنين، في اهتماماتهم الإنسانية، في رحمتهم بالفقراء والمستضعفين: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد: الآية17]، فالتواصي بالصبر لا بدَّ منه أن يكون ضمن الاهتمامات التثقيفية والتوعوية والتذكيرية، وضمن الاهتمامات الإعلامية بشكلٍ عام، في أوساط الأمة، في وسط المجتمع المسلم، الذي يجاهد، ويضحي، وينهض بمسؤولياته العظيمة والمقدسة؛لأن في المقابل هناك نشاطٌ معاكسٌ لذلك، نشاطٌ للمنافقين، والذين في قلوبهم مرض، والمخذولين المفرِّطين في القيام بالمسؤولية، يتجه نحو تثبيط الهمم، وكسر العزائم، يتجه نحو زرع حالة الوهن واليأس في أوساط الأمة، وترسيخ حالة الضعف، والدفع بالأمة دائماً نحو الاستسلام، والتشجيع المستمر على التنصل عن المسؤوليات العظيمة والمقدسة، التي هي من أهم التزاماتنا الإيمانية والدينية، التي يحاسبنا الله "سبحانه وتعالى" عليها يوم القيامة، فلهم اتجاهات مخالفةٌ للقرآن الكريم، مخالفةٌ لما فيه المصلحة الحقيقية للأمة، وبالذات عندما تمر الأمة، أو يمر شعبٌ معين- مثلما هو حال شعبنا- بظروف عصيبة، نتيجةً لما يقوم به الأعداء، من جرائم، من حصار، من ظلم، من طغيان، يسعون من خلال ذلك إلى كسر إرادة شعبنا، وكسر إرادة أمتنا، والدفع به نحو الانهيار والاستسلام، فيتحرك بالتزامن مع ذلك المنافقون، والذين في قلوبهم مرض، والمخذولون، المتنصلون عن المسؤولية، المفرطون في القيام بمهامهم، ومسؤولياتهم، وواجباتهم، التي هي من صميم دينهم، يتحركون بالاستغلال لذلك بالدفع بالأمة، بالدفع بالشعب، إلى ردة فعلٍ خاطئة، ردة فعل تكون عبارةً عن حالة انهيار، استسلام، خضوع للعدو، تنفيذ لأجندة العدو ومؤامرات العدو، التحرك وفق ما يريد العدو، وهذه حالة سلبية وليست جديدة، هذه حالة قائمة على مرِّ التاريخ، يواجهها القرآن الكريم، يقدم التعليمات اللازمة في التصدي لها.

ومن ضمن ذلك: الحث على التواصي بالصبر، التواصي بالصبر، لمواجهة مثل هذه الحالات التي تتحرك سلباً في الساحة، وأيضاً لمواجهة التأثيرات الناتجة عن ضعف الإيمان على البعض من الناس، الذين يملّون، يتعبون، يرهقون، يتذمرون، عندما تكون هناك صعوبات، وتحديات، ومعاناة، فلا يكادون يتحملون، أو سقف تحملهم سقفٌ نازلٌ، هابط، إلى مستوى بسيط، ثم لا يتحملون أكثر.

فيأتي التواصي بالصبر، فله باعتبار أهميته الكبيرة فيما له من تأثيرٍ إيجابيٍ يساعد الأمة على الاستمرارية في النهوض بمهامها، في أداء مسؤولياتها، في أداء واجباتها، في تحمل الصعوبات مع ذلك، حتى الوصول إلى النتيجة، حتى الوصول إلى النتيجة.

فعندما نأتي إلى التواصي بالصبر، نُذكِّر بأهميته، وقيمته، أهميته على المستوى الإيماني، أنه من أعظم العبادات والقرب، التي نتعبد لله بها، نتقرب إلى الله "سبحانه وتعالى" بها، نحظى من خلالها بالدرجات العالية، عندما نصبر في طاعة الله، عندما نصبر ونحن نقوم بمسؤولياتنا ومهامنا الإيمانية التي أمرنا الله بها، وجَّهنا إليها، نصبر ونجاهد، نصبر ونضحي، نصبر ونتصدى للطاغوت، نتصدى للطغاة والظالمين والمجرمين، نقف في وجه المعتدين، صبرٌ عمليٌ، صبرٌ في أداء مسؤولياتنا، ومهامنا، وواجباتنا، صبر الأحرار، صبر المؤمنين، صبر المجاهدين، صبر المتقين، عبادةٌ عظيمة نتقرب بها إلى الله "سبحانه وتعالى، وسببٌ لنيل مرضاته، ومعونته، وتأييده، ويرتبط بذلك الغايات العظيمة، التي تحدثنا عن الكثير منها بالأمس.

ولهذا يتوجه الأمر بالصبر إلى الجميع، إلى الذين آمنوا رجالاً ونساءً، إلى الأسرة، إلى الفرد، يتوجه الأمر بالصبر إلى القادة، إلى غيرهم، إلى كل المؤمنين، إلى كل الذين ينهضون للتحرك بالمسؤولية.

وفي القرآن الكريم نجد كم توجه من الأوامر بالصبر للرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" مع عظيم منزلته عند الله، الله "سبحانه وتعالى" بالتأكيد لا يريد لنبيه هكذا أن يعاني لمجرد المعاناة، وأن يتعب لمجرد التعب، وأن يواجه الصعوبات الكبيرة، والتحديات الكبيرة هكذا بشكلٍ مجرد، ويصبر عليها هكذا فقط؛ إنما لأن الصبر له قيمته، له إيجابياته الكبيرة على المستوى التربوي، في بناء الإنسان، في بناء نفسية الإنسان، في بناء أخلاق الإنسان، وعلى مستوى الواقع، فيه ما يترتب عليه من نتائج مهمة، وعلى مستوى تحقيق الأعمال الكبيرة، التي هي أعمال عظيمة، يُشرِّف الإنسان أن يقوم بها، أن ينفِّذها، هو شرفٌ له، سموٌ له، يزيد من رصيده الأخلاقي والإيماني، ومن إسهامه الكبير في واقع الحياة، فيترتب على ذلك النتائج الكبيرة، التي هي لمصلحة الإنسان نفسه في الدنيا والآخرة، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى: الآية17].

فيأتي الأمر للنبي "صلوات الله عليه وعلى آله" من مثل قوله "سبحانه وتعالى": {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[هود: من الآية115]، اصبر، ولن يضيع أجرك، أنت ستتحقق لك بذلك النتائج العظيمة، التي هي من الله "سبحانه وتعالى" يحققها لك، {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، وهكذا صبر، صبر في كل مراحل تبليغ الرسالة، منذ البداية، والوضع مختلفٌ تماماً، ليس له جيش، ولا أنصار، ولا أعوان، والمؤمنون به قلة قليلة في البداية، والمتغيرات التي يراد منه العمل والإسهام في تحقيقها، حجمها كبيرٌ جدًّا، الواقع واقعٌ مختلف، واقعٌ معادٍ، بيئةٌ كافرة، معاديةٌ للرسالة، وصبر في كل المراحل التي تحرك فيها، أتت المتغيرات شيئاً فشيئاً فشيئاً؛ حتىتغيَّر الواقع بكله، وسقطت كل كيانات الطاغوت، وقام للإسلام قائمة، وأصبح للأمة الإسلامية كيانها الكبير والعظيم، الذي ارتقت به إلى أن وصلت إلى أهم كيانٍ قائمٍ في واقع البشر آنذاك، وأهم كيانٍ فاعلٍ في الساحة، أمة قوية، ودولة عظيمة، ومجتمع عظيم وكبير ومهم، أصبح له حضوره الأول في الساحة العالمية بين أوساط الأمم، وتأثيره الكبير، هذا في عاجل الدنيا؛ أمَّا في آجل الآخرة فالذي يتحقق هو الشيء العظيم من فضل الله، وجنته، ورضوانه، والسلامة من عذابه.

إضافة إلى الإنجازات الحقيقية الكبيرة في حركته "صلوات الله عليه وعلى آله"، مما أحدثه من تغييرٍ جذريٍ في واقع المجتمع، فأخرجه من الظلمات، في عقائده الباطلة، في تصوراته الخاطئة، في خرافاته الجاهلية، وفي ممارساته الوحشية واللا إنسانية، وسلوكياته المنحرفة، إلى النور، أخرج المجتمع الجاهلي من كل ذلك، من الظلمات في العقائد، والأعمال، والتصرفات، والسلوكيات، إلى النور، إلى واقعٍ مختلفٍ تماماً، كان هناك نتائج عظيمة تحققت، فيما كان الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا}[المعارج: الآية5]، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: من الآية35]، وهو يواجه التكذيب، والصد، والمعاناة الكبيرة، في البداية من الكافرين، وفيما بعد من الكافرين، والمنافقين، والذين في قلوبهم مرض، ومن السمَّاعين لهم، ولكن تخطى كل تلك التحديات والصعوبات ووصل إلى نتيجة.

من أهم ما يتعلق بالصبر: أنه إلى جانب أنه عبادةٌ عظيمةٌ، لها نتيجتها، لها آثارها الكبرى، أنه سلاحٌ مهمٌ في مواجهة العدو؛ لأن ما يلجأ إليه العدو في محاربته للمؤمنين: من حصار، من تضييق، من جبروت، من إجرام، من وحشية، هو بهدف النيل منهم، والإضعاف لهم، وضرب إرادتهم ومعنوياتهم، وإرغامهم على الاستسلام، وتحطيم معنوياتهم.

العدو يحرص على كسر الإرادة، على تحطيم المعنويات، على الإرغام للأمة على الاستسلام، على زرع حالة اليأس، على الوصول بها إلى الانهيار التام، هذا ما يسعى له العدو، فعندما يرى أنَّ ما يفعله من إجرامه، ووحشيته، وفظائعه، وانتهاكاته، وعدوانه، وحصاره، له ردة فعلٍ عكسية، هو يزيد من اهتمام الأمة، من عزمها، من قوتها، من إصرارها، من تصميمها، من جديتها في مواقفها، من استشعارها لحجم مسؤولياتها، من غضبها على عدوها، وترجمة ذلك الغضب في الواقع العملي، من خلال الجدية الكبيرة في عملها وهي تتصدى للعدو، في تحركها وهي تواجه العدو، سيكون لذلك الأهمية الكبيرة التي يترتب عليها يأس العدو، يأس العدو، فما يكون هناك منصبر، من ثبات، من قوة، من ردة الفعل الواعية في واقع الأمة تجاه العدو، يقابلههبوط لدى العدو، يأس، شعورٌ بالفشل، شعورٌ بالإخفاق، شعورٌ بالعجز، يصل به- في نهاية المطاف- إلى الاستسلام.

وهذا ما حصل على مرِّ التاريخ، في التجارب القائمة في واقع البشر، كما أشرنا في حركة النبي "صلوات الله عليه وعلى آله"، وحركة المسلمين معه، وما ترتب على ذلك من متغيرات كبرى، في الأخير كان من يئس، من انهار، من تفككت قواه، هم المشركون، هم الكافرون، هم المعادون للرسالة، ومن أحُبِط، وفَشِل، وأخَفْقَ، وانهَزم، ولم يحقق أهدافه الرئيسية، هم المنافقون معهم أيضاً، والذين في قلوبهم مرض.

في واقعنا المعاصر نرى الأمثلة الكثيرة، مثلاً: فيما يتعلق بحزب الله في لبنان والصراع مع العدو الإسرائيلي، صراع استمر لسنوات طويلة، وكان العدو الإسرائيلي كان يحاول أن يكسر إرادة المجاهدين في لبنان، أن يكسر إرادتهم، وأن يوهن من عزمهم، وأن يوصل المجتمع إلى حالة اليأس في إمكانية الانتصار في مواجهة العدو، فكان يقوم بحملات إجرامية، ووحشية، واعتداءات كبيرة، وجرائم فظيعة، ولكنهم استمروا في جهادهم، وصبروا على كل المعاناة، في نهاية المطاف كانوا يزدادون قوةً، وكان العدو يضعف أكثر فأكثر، كان يحصد المزيد من الهزائم، وكان بالتالي ييأس أكثر فأكثر، حتى وصل إلى يأسٍ تام وانسحب، في هزيمةٍ مذلةٍ تاريخية، كانت هي الأولى بذلك المستوى، وهزيمة استمرت، استمرت إلى حد الآن، هزيمة مستمرة في واقع العدو الإسرائيلي.

عندما نأتي إلى الحالة القائمة فيما يتعلق بشعبنا اليمني المسلم العزيز، وهو يتصدى للعدوان الأمريكي السعودي، منذ بداية العدوان وإلى اليوم حصلت الكثير من المتغيرات، فيما كان لدى الأعداء آمال في أن يسيطروا بشكلٍ تام في فترةٍ وجيزة، بالاستناد إلى إمكانياتهم الهائلة، إلى جبروتهم، وطغيانهم، وحصارهم، وظلمهم، وصلوا اليوم إلى نقطةٍ مسدودة، وصلوا إلى مستوى الفشل الذي عرف به كل العالم، الذي يتحدث عنه الجميع، ما من شكٍ في أنهم قد فشلوا إلى الآن في تحقيق أهدافهم الرئيسية التي أرادوها من خلال العدوان، وأنهم تكبَّدوا الكثير من الخسائر، وأنهم أيضاً تكبَّدوا الكثير من الهزائم تلو الهزائم، وأنَّ شعبنا قد حقق الكثير والكثير والكثير من الانتصارات، وبات هذا العدوان فيما فيه من حصار، وإجرام، ومعاناة، حافزاً مهماً لشعبنا في أن يبني واقعه، وأن يحوِّل التحدي إلى فرصة، وأن يجعل من ذلك عاملاً لنهضته في كل المجالات، ولكن ذلك بكله يحتاج إلى صبر.

لمَّا كان الصبر سلاحاً في مواجهة العدو، أتى قول الله "سبحانه وتعالى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}[آل عمران: من الآية200]، المصابرة أكثر من مسألة:{اصْبِرُوا}، {وَصَابِرُوا}؛ لأنه سلاح في مواجهة العدو، إذا أصرَّ العدو واستمر على وسائله الإجرامية الوحشية، على سعيه لإضعافكم، للسيطرة عليكم، كونوا أكثر إصراراً منه، أكثر اهتماماً منه، أكثر جديةً منه، في الثبات في موقفكم الحق، في التمسك بقضيتكم العادلة، في أدائكم لمسؤولياتكم المقدَّسة، {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: من الآية200]، فالعدو يرى في الأخير أنَّ وسائله وأساليبه ليست مجدية، وأنَّ ردة الفعل هي عكس ما يريده، هو يريدهم أن ينهاروا، أن ييأسوا، أن تنكسر إرادتهم، فإذا بهم أكثر عزماً، أكثر تصميماً، أكثر قوةً وجديةً في اهتمامهم وعملهم.

أتى في القرآن الكريم قول الله "سبحانه وتعالى": {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية146]، هذا درسٌ مهمٌ وعظيمٌ قدَّمه الله "سبحانه وتعالى" لنا من المؤمنين الذين وقفوا مع الأنبياء، نصروا الأنبياء، جاهدوا مع الأنبياء، الذين تحمَّلوا هذه المسؤولية المقدَّسة، ونهضوا بهذا الدور العظيم في الواقع البشري، وأنَّ الكثير منهم، يعني:كحالة ليست مجرد حالة نادرة، أو حالة استثنائية، حالة تكررت كثيراً على مرِّ التاريخ؛ حتى لا يتصور البعض أنَّ هذا مطلوبٌ منا لوحدنا، أو أنه حِمْلٌ بلينا به عن سائر الناس، أو عن السائر المؤمنين، لا، المسألة مختلفة، {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ}،يعني: حالة تكررت كثيراً، كم وكم وكم{مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، أيضاً ليست حالة نادرة على المستوى الشخصي، مثلاً: لا يتهيَّأ لها، لا يتمكَّن منها، لا يمكن أن تتوفر إلَّا لدى القليل القليل القليل من الناس، الصبر مسألة ممكنة من الجميع، وإن تفاوتت نسبة الصبر، وإن تفاوتت، لكنها مسألة ممكنة.

الله هيَّأ الإنسان في فطرته، في قدراته، في طاقته لذلك، والله يزيد الذين آمنوا، الذين يلتجئون إليه، يستعينون به، يزيدهم على مستوى الدعم النفسي بالسكينة، بشرح الصدر، بالعوامل التي تساعد من تحملهم أكثر فأكثر.

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}، عندما أصابهم ما أصابهم في سبيل الله، قدَّموا الكثير من الشهداء، جُرِح الكثير منهم، حصلت لهم المعاناة في الميدان (في ميدان الصراع)، المعاناة المتنوعة، المعاناة المتنوعة: على المستوى الاقتصادي، على المستوى العسكري... من جوانب كثيرة، لم يصبهم ذلك بالوهن، لم تأت النتائج التي يريدها العدو، يسعى لها العدو، الوهن: عكس الصلابة، فتحصل لديهم حالة من الفتور، من الجمود في التفاعل في أداء مسؤولياتهم، فلا يتحركون إلَّا بتثاقل، وبنفوس لم تعد بذلك العزم، بتلك القوة، بتلك الإرادة الفولاذية، أصبحوا يتحركون بفتور، أثَّر عليهم ما حصل عليهم.

{فَمَا وَهَنُوا}، لم يهنوا، استمرت صلابتهم، عزمهم القوي استمر، ثباتهم، جديتهم، كل ذلك استمر، {لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا}، لم يصلوا إلى ما هو أكثر من الوهن، وهو الضعف مثلاً أن يصلوا إلى حالة الضعف، فيفقدون الشعور بالقوة، الناتج عن اعتدادهم بمعية الله، عن إيمانهم بقضيتهم الحق، عمَّا يحملونه من القيم والأخلاق الإيمانية.

{وَمَا اسْتَكَانُوا}، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}، لم يستكينوا، بقوا في حالةٍ من العزة، من الكرامة، لم تنهر عزائمهم إلى حد أن يستكينوا، فيتنصَّلوا عن المسؤولية، فيجمدوا بشكلٍ تام، استمروا وواصلوا نهوضهم بمسؤولياتهم، وأداءهم لواجباتهم.

{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}؛ لأنهم صبروا، بدلاً عن الوهن، بدلاً عن الضعف، بدلاً عن الاستكانة، صبروا، فكان الصبر وسيلة مساعدة لاستمراريتهم.

{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: الآية147]؛ لأن الناس عندما يحصل لهم الوهن، والضعف، والاستكانة، أيٌّ منها، أو بكلها، تكون لهم أقوال تعبِّر عن التذمر، أقوال تعبِّر عن اليأس، أقوال تقدِّم التبريرات الواهية لتنصِّلهم عن مسؤولياتهم، تقدِّم حالة الفشل وكأنها حالة لازمة، وحالة لا مناص منها، أقوال سلبية تخدم العدو، تشجِّع العدو، ترفع من معنويات العدو.

أمَّا الربَّانيون، المؤمنون، المخلصون لله"سبحانه وتعالى"، فمقولاتهم مقولات التجاء إلى الله، استشعار للتقصير أكثر، اهتمام وجدية أكثر، اتجاه إلى الواقع العملي لمعالجة جوانب القصور فيه والخلل أكثر فأكثر، استمرارية وجدية مع الالتجاء إلى الله، وإصلاح الواقع العملي بكل اهتمام، وهذا هو التصرف الصحيح، هو التصرف الصحيح، هو الموقف الصحيح.

في الواقع البشري لا تنهض الأمم، ولا تواجه التحديات، ولا تتحرك في إطار المهام الكبرى، إلَّا وتستند إلى الصبر، لا بدَّ من الصبر، حتى الجيوش في بنائها لتكون جيوشاً قوية، الأساس في ذلك هو الصبر، لا بدَّ من الصبر، وحتى في داخل الجيوش، من لهم مهام خاصة، مهام استثنائية، يحظون بتمرينٍ كبير على الصبر، على التحمل الذي يقترن به أداء مهام وأعمال عظيمة، كبيرة، نوعية، مهمة، ذات تأثير كبير؛ لأنه كلما أردنا أن يكون هناك فاعلية أكثر، فاعلية في العمل، فاعلية في الأداء، في مستوى الأداء، لا بدَّ من الصبر أكثر.

من أهم ما يتم التذكير به في التواصي بالصبر، هو الحديث عن عاقبة الصبر الحسنة، وأنَّ من أهم ما يميِّز الصبر في سبيل الله "سبحانه وتعالى": أن نتيجته الإيجابية، ثمرته الطيِّبة، عاقبته الحسنة حتمية؛ لأنها ارتبطت بوعد الله "سبحانه وتعالى" الذي لا يخلف وعده، وهو الصبر المجدي، الصبر في سبيل الله، الصبر في القيام بالمهام والمسؤوليات الكبرى هو الصبر المجدي، المثمر، النافع، المفيد.

وإذا جئنا إلى هذا، فنجد في القرآن الكريم التأكيد على البشارة: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية155]، هكذا يقول الله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، بشِّرهم بهذه العاقبة الحسنة، بهذه الثمرة الطيِّبة؛ لأنهمسيصلون من خلال صبرهم إلى النصر، إلى الفرج، إلى الخير الكبير، إلى تحقيق النتائج المهمة التي يسعون للوصول إليها، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} بشِّرهم أيضاً بأنه سيأتي لهم حتى وهم يعانون، حتى وهم يواجهون الصعوبات والتحديات، المؤشرات والانفراجات التي هي بشارةٌ لهم، التي هي مقدِّماتٌ لنصرهم الكبير، لفرجهم العظيم، وهذا فعلاً مما يأتي، لا تبقى الحالة دائماً حالةٌ صعبة، وقاسية، وقاتمة اللون، وشديدة، تحصل انفراجات، تحصل مقدِّمات، هي بحد ذاتها بشائر، هي بحد ذاتها بشائر، تحصل انتصارات وانفراجات تبشِّر بما سيأتي من نصرٍ عظيم، من فرجٍ كبير، من متغيرات.

حتى في الشدائد على المستوى الاقتصادي تحصل انفراجات، لا تبقى الشدة كما هي في أقسى حالاتها على نحوٍ مستمر، تأتي انفراجات، وانفراجات، وانفراجات، حتى يأتي الفرج الكبير، ويترافق مع العسر اليسر، كما قال الله "سبحانه وتعالى": {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: الآية5]، يأتي اليسر، فتأتي انفراجات من هنا، إيجابيات من هنا، عوامل مساعدة من هناك... وهكذا لا يبقى العسر بشكلٍ خالصٍ، مستمرٍ، ضاغطٍ، والعناء شديدٌ بشكلٍ مستمر، تأتي حالة اليسر لتترافق مع العسر، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: 5-6]، وتتحقق إيجابيات مع ما يحصل.

فالغايات المذكورة في القرآن الكريم للصبر، هي غايات عظيمة، غايات كبيرة، جمعتها عبارة واحدة: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، الفلاح، الفلاح الذي هو وصول إلى النتائج العظيمة، ظفرٌ بالخير، وصولٌ إلى النتائج المرجوة في الدنيا والآخرة.

بينما إذا جئنا لما هو بديلٌ عن الصبر،إذا جئنا للحالة الأخرى: عدم الصبر في سبيل الله، في طاعة الله، في أداء المهام والمسؤوليات الكبيرة جدًّا، واتجهنا إلى الخيارات الأخرى: خيار الانهيار، الاستسلام، العجز، اليأس، الضعف، الانهيار أمام العدو، وتمكين العدو من فعل ما يشاء ويريد، من الوصول إلى أهدافه ومآربه الشيطانية، ما الذي ينتج عن ذلك؟ ينتج عنه: العناء، القهر، الذلة، الاضطهاد، الضيم، الذي يستمر، وإذا صبر الناس عليه، فصبرهم لا يفيدهم، لا يجديهم، لا ينفعهم، لا يغيِّر من الواقع شيئاً، وحتى لا يؤجرون عليه، ليس لهم عليه أجرٌ ولا فضل، فيكون هو الصبر السلبي، بدلاً عن الصبر الإيجابي، عن الصبر المطلوب، وهي حالة خطيرة جدًّا، وتدوم الحالة، تستمر ما داموا مستمرين على ذلك، وإذا أرادوا التحرك فيما بعد، وتحرَّكوا متأخرين بعد أن يتمكن العدو منهم أكثر، بعد أن يكونوا قد فرَّطوا بمسؤولياتهم وواجباتهم لمدةٍ طويلة، وتحرَّكوا متأخرين، كانوا محمَّلين بالإصر الثقيل، بالحمل الثقيل، الذي هو نتاجٌ لتفريطهم، عاقبةٌ لعصيانهم، لاستهتارهم، لإهمالهم، لتقصيرهم، فتكون الكلفة هائلة، والنتيجة ضئيلة، ويحتاجون إلى عناء كبير جدًّا، ومدة زمنية طويلة جدًّا، وهذه مسألة خطيرة جدًّا.

إنَّ كل الغايات العظيمة للصبر في القيام بمسؤولياتنا، في طاعتنا لله "سبحانه وتعالى"، وأدائنا لمهامنا وجهادنا في سبيل الله، وتصدينا لأعداء الله، على النقيض منها تماماً نتاج التخاذل، نتاج التفريط، عواقب التقصير، فالله "سبحانه وتعالى" عندما قال لنا في الصبر في سبيله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، النتيجة المناقضة لها عندما لا نصبر في سبيله:لعلكم تخسرون، لعلكم تخسرون في الدنيا والآخرة، تخسرون كل شيء، تخسرون حريتكم؛ فيستعبدكم أعداؤكم، تخسرون كرامتكم؛ فيذلكم ويهينكم أعداؤكم، تخسرون شرفكم، تخسرون أمنكم، تخسرون كل شيء، تخسرون دينكم ودنياكم، البديل عن: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، عندما تنهارون، عندما لا تؤدون واجباتكم بصبر، لا تنهضون بمسؤولياتكم بصبر: لعلكم تخسرون كل شيء والعياذ بالله.

البديل عن قوله تعالى في الصبر في سبيله، في الصبر في طاعته، في الصبر في القيام بالمسؤوليات المقدسة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، البديل عن ذلك: أنَّ الله يخذل أولئك الذين لم يصبروا في سبيله، لا يقف معهم، لا يؤيِّدهم، لا يعينهم، لا يرحمهم؛ لأنهم لم يستجيبوا له، فيما فيه عزهم، فيما فيه نصرهم، فيما فيه خيرهم، فيما فيه فلاحهم، فيما فيه قوتهم، فيما فيه كرامتهم، لم يستجيبوا له، ولذلك فليس معهم، سيخذلهم، سيسلط أعداءهم عليهم، والتسليط حالة رهيبة جدًّا، تتضاعف بها وتزداد أشكال المعاناة مع الذلة والهوان إلى حدٍ كبير، فيصلون إلى حالة: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ}[الطور: من الآية16]، واقعٌ مخزٍ، مذل، مهين، كله اضطهاد، وظلم، وقهر، وذلة، ويستمر، والصبر فيه- كما قلنا- ليس مجدياً، وليس عليه أجرٌ، وليس له فضلٌ، هذه المقارنات مهمة جدًّا في التواصي بالصبر، عندما نقارن بين النتائج، بين العواقب، بين ما يترتب على هذا، وما يترتب على ذاك.

من أهم ما ينبغي التركيز عليه في التواصي بالصبر: التواصي بالدوافع المهمة المساعدة على الصبر، وفي مقدمتها: الدافع الإيماني، كلما زاد إيمانك؛ كلما زاد تلقائياً صبرك، الصبر هو ترجمة للحالة الإيمانية، تجلٍ للحالة الإيمانية، أنت في واقعك الإيماني تندفع، ولديك ما يدفعك إيمانياً لتصبر أشياء كثيرة جدًّا: اعتدادك بمعية الله، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، أنت تحرص على أن يكون الله معك، فتعرف قيمة الصبر في ذلك، الصبر في طاعة الله، في العمل في سبيله.

ولهذا عندما يقول الله: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}[المدثر: الآية7]، من أجل الله، أنت تصبر استجابةً لله "سبحانه وتعالى" فيما يرضيه، وفيما له أهميةٌ كبيرةٌ في أن تحظى أنت برضوانه، أن تحظى برعايته الشاملة، الواسعة، وأن تحظى بما وعد به من الوعود العظيمة.

يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}[الرعد: من الآية22]، فكيف كان حرصهم على أن يحظوا برضوان الله عنهم، من أجل الله، هذا دافعٌ كافٍ، دافعٌ عظيم، دافعٌ مهمٌجدًّا سيساعد الإنسان في مواجهة كل التحديات والصعوبات، أنه من أجل الله، وفي سبيل الله، ومع الله، وأنه يرجو من الله ما يرجوه منه من عظيم الأجر، والفضل، والمنزلة، والنتائج التي وعد الله بها في الدنيا والآخرة.

من الدوافع المهمة للصبر: الدوافع الإنسانية والأخلاقية، زكاء النفوس، والقيم الفطرية التي يعشقها الإنسان بفطرته، كالعزة، والكرامة، والإباء، والإنسان إذا امتلك أيضاً الضمير الحي، فكل هذه القيم كلما نمت في الإنسان، كلما ترسخت فيه، كلما تربى عليها أكثر؛كلما كان ذلك عاملاً مساعداً في الصبر أكثر.

فالذي يعشق العزة، ويريد أن يكون عزيزاً، يأبى الذلة، يأبى الهوان، يأبى ما يسعى له الأعداء، وما يعملون من أجله، من إذلال الأمة، من إهانتها، من استعبادها؛ وبالتالي يندفع إلى الأعمال، إلى المهام، إلى المسؤوليات في التصدي للأعداء بإقبال واندفاع كبير، لا يحتاج إلى أن تعظه ليلاً ونهاراً، وتتحدث معه في كل لحظة، وميكرفون إلى أذنه على طول أربعة وعشرين ساعة، لو فترت عنه قليلاً من الوقت، تغيرت اهتماماته، وتغير تفكيره، وتغير توجهه، وتكاسل، وتراجع، يوجد لديه الدافع الداخلي، الدافع الداخلي، عزته، كرامته، إباؤه، ضميره الحي، عندما يشاهد الأعداء، يشاهد إجرامهم، مؤامراتهم، طغيانهم، فظائعهم، ظلمهم بحق الناس، ظلمهم بحق شعوب أمتنا، ظلمهم لشعبنا اليمني، الجرائم الفظيعة جدًّا، الإنسان الذي لا تزال فطرته سليمة، ويمتلك هذه القيم، بمجرد مشهد واحد من مشاهد تلك الجرائم الفظيعة جدًّا، ينطلق بكل جد، وبكل صبر، وبكل اهتمام، وبكل تفانٍ، وبكل استبسال، والإنسان الذي مات ضميره، وفقد هذه القيم، لو يشاهد ما يشاهد، ولو يسمع ما يسمع، لا يتفاعل، لا يتأثر، لا يتحرك.

 من أهم الدوافع المهمة للصبر، هو: الوعي بظروف الحياة، هذه الحياة هي ميدان مسؤوليةٍ واختبار، فيها المشاق، فيها الصعوبات للمؤمن والكافر، للفاجر والتقي، لكل الناس، هذه الحياة فيها الصعوبات، فيها التحديات، فيها المعاناة، فيها... للجميع، الفارق الكبير جدًّا هو أنه:في طريق الإيمان والتقوى يكون لصبرك إيجابياته العظيمة، نتائجه الكبيرة، الأجر العظيم، وتكون أيضاً في الموقف المشرف، الذي يتناسب مع كرامتك الإنسانية التي أراد الله لك أن تصونها.

ليس هناك مثلاً أمل في أنَّ الإنسان لو يتنصل عن صبره في طاعة الله، عن صبره في النهوض بمسؤولياته، عن صبره في العمل في سبيل الله، أنه سيكون الواقع مختلفاً تماماً، فسيرتاح ولا يتعب أبداً، وسيهنأ بهذه المعيشة، ولا ينال أي منغصات، وسوف يعيش وكأنه في الجنة، لا تحصل هذه الحالة.

الآخرون الذين هم في سبيل الطاغوت،الذين باعوا كرامتهم، باعوا إنسانيتهم، باعوا دينهم، باعوا قيمهم وأخلاقهم، هم في عناء، هم في شقاء، هم يتكبَّدون الخسائر الكبيرة، يلحقهم بأكثر مما يلحق الآخرين في كثيرٍ من الأمور، مع الفارق الكبير في الموقف، ونتائجه، وعواقبه في الدنيا والآخرة، ولذلك المسألة هذه مسألة مهمة جدًّا، الوعي بظروف هذه الحياة.

والوعي أيضاً بعواقب التفريط، عواقب التقصير المهولة، الرهيبة، الخطيرة، الفظيعة، التي يجب أن يسعى الإنسان لما يقيه منها، لما يقيه منها، عواقب التفريط، والتهاون، والتنصل عن المسؤولية، عواقب خطيرة جدًّا في الدنيا وفي الآخرة.

نكتفي بهذا المقدار...

ونسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء، نسأله أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛

الاثنين، 11 أبريل 2022

المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1443هـ


المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1443 هـ 10-04-2022
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

من فوائد الصيام في شهر رمضان المبارك المساعدة على التقوى، وتحقيق هذه الثمرة العملية للصيام، هي: الصبر، الصبر الذي نكتسبه من خلال الصيام في تحملنا في التحمل والعزم المكتسب تجاه متاعب الظمأ والجوع، وتجاه السيطرة على شهوات النفس من جانبٍ آخر، فنحن نتعوَّد من خلال الصيام على التحمل، التحمل النفسي في السيطرة على شهوات النفس، والتحمل البدني في التحمل على عناء الجوع والظمأ بحسب الأحوال المختلفة.

الصبر هو عنوانٌ مهمٌ، وهو من لوازم النجاح والفلاح في كل الأمور المهمة، وهو لدى البعض عنوانٌ مزعج، يقترن به على الدوام شبح المعاناة والمشقة، عندما يسمع كلمة (صبر)، وكأنها ترادف (مر).

الصبر لا بدَّ منه مع العمل، وهو شيءٌ واقعيٌ وقائمٌ في حياتنا جميعاً، الجميع في شؤونهم المعيشية، في ظروف حياتهم المختلفة، ولربما قد تكون بشكلٍ شبه يومي، على نحوٍ مستمر يواجه الناس في العادة ما يحتاجون فيه إلى الصبر، إلى التحمل، وهذه مسألة معروفة لدى الإنسان، لدى الناس في مختلف ظروف حياتهم.

المزارع وهو يعمل يدرك أنه لا بدَّ من الصبر، بل يستحلي عواقب الصبر، عندما يصل- في نهاية المطاف- إلى النتائج الطيِّبة لجهوده وصبره، فيحصل بعد جهدٍ وبعد صبرٍ معين يصل إلى أن يجني ثمار ذلك الجهد، فيما يحصل عليه نتيجة جهوده من زراعته ومن أموال.

التاجر كذلك، العامل، الإنسان في ظروفه المعيشية وهو يسعى لتوفير متطلبات حياته، يدرك ذلك، الإنسان يصبر ويتفاعل بقدر ما يؤمن بالقضية التي يصبر من أجلها، بقدر ما تمثله من أهميةٍ بالنسبة له، سواءً على المستوى المعيشي، أو على مستوى أوسع من ذلك، المسألة مرتبطة بدرجةٍ أساسية بقدر ما يتفاعل الإنسان ويؤمن بالقضية التي يصبر من أجلها.

على المستوى الإيماني: الصبر من لوازم الإيمان، هو منه بمنزلة الرأس من الجسد كما ورد في الأثر، وهو أيضاً وسيلةٌ مساعدةٌ على العمل الصالح، ولهذا يأتي في القرآن الكريم في المواصفات الأساسية للمؤمنين المتقين: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}[البقرة: من الآية177]، فالصبر هو صفة أساسية لديهم، وهو وسيلة- في نفس الوقت- لتجاوز كل تلك الصعوبات، {فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}.

يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: الآية200]، فيأتي التوجيه من الله "سبحانه وتعالى" إلى الذين آمنوا، من موقع انتمائهم الإيماني؛ لأنه في الأعمال الإيمانية، في الالتزامات الإيمانية، في المسؤوليات الإيمانية لا بدَّ من الصبر.

يأتي أيضاً قوله "سبحانه وتعالى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: الآية153]، فالصبر وسيلة أيضاً تساعدنا على أداء أعمالنا، والنهوض بمسؤولياتنا، وسيلة مساعدة، والصبر في الأساس هو قضية نفسية، قوة إرادة، وعزم، ومعنوية، وتحمل، هذا كله مبنيٌ على مدى إيمانك- كما قلنا- بالقضية التي تصبر من أجلها.

مثلاً: في الأمور المعيشية الناس يعتبرون الأمور الضرورية التي لا بدَّ منها لحياتهم، لمعيشتهم، يرون فيها دافعاً كافياً لأن يصبروا، ولأن يتحملوا، ويستحلون النتائج التي تنتج عن ذلك فيما يتحقق لهم، وبقدر ما يتحقق لهم، كلما كان رضاهم عن جهدهم، عن صبرهم، أكثر وأكثر، وهكذا على مستوى شؤون الحياة كافة، طموحات البشر في حياتهم، متطلباتهم وآمالهم في حياتهم، وما يصلون إليه، وما يتحقق لهم في شؤونهم السياسية والاقتصادية... ومختلف شؤونهم.

فالصبر في ميدان العمل، والنهوض بالمسؤولية، والتزام طاعة الله "سبحانه وتعالى"، والسيطرة على هوى النفس، لا بدَّ منه في انتمائنا الإيماني، وهو أمرٌ بديهي، وأمرٌ طبيعي، طالما الإنسان يصبر في كل الأمور، ليس معناه: أنَّ هناك اتجاهٌ في الحياة لا تحتاج فيه إلى الصبر على شيء، ولا تواجه فيه المتاعب النفسية أو البدنية في شيء، الصبر لا بدَّ منه، ولذلك في الاتجاه الإيماني لا تزال العوامل المساعدة أكثر من غيره، أكثر من غيره، الحوافز المعنوية أكثر من غيره، النتائج المرجوة أكثر من غيره؛ فبالتالي يفترض في الاتجاه الإيماني أن يكون الإنسان مقرراً للصبر، موطناً نفسه على الصبر، متجهاً للصبر، وأن يتخذ قراراً حاسماً بذلك، عندما يتجه الإنسان الاتجاه الإيماني في مسيرة حياته، ليوطن نفسه على الصبر، وليتخذ قراره الحاسم بذلك، هذه مسألة أساسية، الله "سبحانه وتعالى" يقول: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران: من الآية186]، في وصية لقمان لابنه أيضاً: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[لقمان: من الآية17]، فهي من الأمور المعزومة، المحسومة، التي لا بدَّ منها، الأساسية المهمة، والبديهية والطبيعية في نفس الوقت، ليست كارثة.

وفي مجال الصبر فتح الله لنا المجال للعودة إليه، للالتجاء إليه، للاستعانة به، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}[النحل: من الآية127]، تستطيع أن تعود إلى الله "سبحانه وتعالى"، وأن تستمد منه أن يفرغ عليك المزيد من الصبر، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، تتفاوت المتاعب والظروف التي نصبر فيها، فنحتاج في بعضٍ منها أيضاً إلى المزيد والمزيد من الصبر، وقد تضيق نفس البعض في ذلك، الله فتح المجال على الدوام للاستعانة به، {وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}[النحل: من الآية127]، تحتاج، أنت تحتاج إلى الله "سبحانه وتعالى" في ذلك، وفي الأدعية المهمة في القرآن الكريم: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة: من الآية250]، في ميدان الجهاد، في ميدان الثبات على الإيمان، على الحق، {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}[الأعراف: من الآية126].

الصبر في الواقع الإيماني له علاقةٌ بالتوكل على الله "سبحانه وتعالى"، والثقة به "جلَّ شأنه"، الإنسان عندما يطمئن ويثق بالنتائج المرجوة التي وعد الله بها الصابرين، ينطلق فيصبر؛ لأنه واثق، لأنه مطمئن، لأنه على يقينٍ من أنه سيصل إلى تلك النتائج المرجوة العظيمة، فصدق التوكل ينتج عنه أيضاً الصبر، والتحمل؛ لأنك واثقٌ من النتيجة التي وعدك الله بالوصول إليها.

نجد في مسيرة حياتنا، في ظروف حياتنا، الفارق الكبير مثلاً بين العامل الذي هو واثقٌ بأن ذلك الذي يعمل معه سيسدده أجرته بشكلٍ كامل، وبدون أي مماطلة، وربما يزيده مكافآت إضافية على ذلك، وبين العامل الذي ليس واثقاً بأنه سيحصل على أجرته، وقد يتوقع أن يماطله ذلك الذي يعمل معه، أو قد يتنكر له وينكره، ويجحده حقه، فإذا أدَّى العمل، فيؤديه وهو في حالة من التردد، والاضطراب، وغير الاطمئنان، وبدون جد في العمل، على نحوٍ مختلف.

ففي الاتجاه الإيماني المؤمنون يتوكلون على الله، ويثقون، يثقون بالنتائج المرجوة التي وعد الله بها الصابرين، ولذلك يقول الله عنهم: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، هم يدركون قيمة صبرهم، نتائج صبرهم، ثمرة صبرهم، ليسوا يائسين، أو مترددين في جدوائية صبرهم، {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}[الرعد: من الآية22].

عندما نأتي إلى الغايات المرجوة من الصبر، والنتائج المهمة، التي تحدث عنها الله في القرآن الكريم، ووعد بها الصابرين في القرآن الكريم من عباده المؤمنين، نجد الكثير الكثير مما يحفزنا جدًّا على الصبر:

في بداية القائمة: معية الله "سبحانه وتعالى"، الله "جلَّ شأنه" يقول لعباده المؤمنين: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: من الآية46]، وهذا جامعٌ لكل خير، جامعٌ لكل فلاح، جامعٌ لكل نجاح، أساسٌ مهمٌ جدًّا لكل الغايات المرجوة، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، معهم، هو يعلم بأحوالهم، بمعاناتهم، بظروفهم، وهو المعين لهم، المؤيد لهم، المثبت لهم، الموفق لهم، الذي سيتولاهم برعايته الواسعة، سيحقق لهم في الأخير النتائج العظيمة، والغايات المرجوة، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، والإنسان لو لم يعتد بمعية الله، لم يحسب معية الله، فلم يصبر، فتراجع عن التزامه الإيماني، أو عن عمله في سبيل الله "سبحانه وتعالى"، فهي حالة سيئة جدًّا، حالة بعيدةٌ كل البعد عن التقوى، ولا تنسجم أصلاً مع الإيمان، فكيف يفترض أن يكون الإنسان في مدى صبره، وهو يشعر أن الله معه، أنه ليس بمفرده في مواجهة المتاعب، والصعوبات، والتحديات، والمخاطر، أن الله معه، هو سنده، هو ملاذه، هو ملجؤه، هو نصيره، هو معينه؟ للمسألة أهمية كبيرة جدًّا على المستوى المعنوي، والصبر هو حالة معنوية في المقدِّمة.

مما وعد الله به الصابرين: محبته، وتكرر في القرآن الكريم قوله "سبحانه وتعالى": {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: من الآية146]، وهذا مكسبٌ كبير، مكسبٌ عظيم، أن تحظى أنت أيها الإنسان العبد الصغير الحقير الفقير بمحبة الله "سبحانه وتعالى"، ربِّ السماوات والأرض، ملك السماوات والأرض، الملك لهذا الكون بكله، المدبر لشؤون السماوات والأرض، الله "سبحانه وتعالى" ربنا العظيم، إلهنا العظيم، تحظى أنت بمحبته، وأن تكون في عداد أوليائه، بما يترتب على ذلك من الشرف الكبير، وبما يترتب على ذلك من الرعاية الواسعة، والتدبير الذي هو وفق محبة الله "سبحانه وتعالى"، من منطلق محبته لك، كم يترتب على المحبة من الله "سبحانه وتعالى" من النتائج العظيمة، في رعايته الواسعة، ومن الشرف الكبير.

أيضاً مما وعد الله به: الأجر العظيم، الذي يدخل تحته الشيء الكثير في الدنيا والآخرة، الله "سبحانه وتعالى" يقول في القرآن الكريم: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل: من الآية96]، فالله "سبحانه وتعالى" لا يضيع معاناتك، لا يضيع جهدك الذي صبرت عليه، وصبرت فيه؛ إنما هو كله محسوب، لا يخفى على الله "سبحانه وتعالى" منه شيء، فتذكر هذا، تذكر إذا شعرت بشيءٍ من الملل، أو بشيءٍ من الضيق، أو بشيءٍ من التعب، أو بشيءٍ من التردد، أن جهدك لن يضيع، أن عناءك في طاعة الله "سبحانه وتعالى"، في سبيله لا تضيع، بل الله "سبحانه وتعالى" سيوفيك أجرك، وستحظى منه بالأجر العظيم، والمكافأة الكبيرة، هو يعلم بكل أحوالك، هو القائل "جلَّ شأنه": {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: من الآية10]، فالأجر على الصبر أجرٌ عظيمٌ وواسعٌ جدًّا، ويفوق كل تخيل، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، مثلما يقولون: [رصيد مفتوح] للصابرين، هذا أجر عظيم جدًّا، يفوق كل تخيلٍ.

تأتي أيضاً على المستوى العملي في النتائج العاجلة المرجوة في الدنيا في النجاح في الأعمال مرتبطةً بالصبر، في ميدان الجهاد في سبيل الله، والتصدي للأشرار والطغاة، في إطار تحرك المؤمنين في أداء مسؤولياتهم ليكونوا أمةً حرةً، عزيزةً، مستقلةً، متحررةً من سيطرة أعداء الله، متحررةً من سيطرة الطغاة الظالمين الجائرين المفسدين في الأرض، لا بدَّ من الصبر؛ لكي تنتصر، أي أمة تتحرك على هذا الأساس، تريد أن تكون حرةً على أساسٍ من هدي الله "سبحانه وتعالى" وانتمائها الإيماني، فيأتي الوعد من الله "سبحانه وتعالى" مقترناً بالصبر، {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال: من الآية65]، تأتي الغلبة في الميدان مرتبطةً بمدى الصبر، بمدى الصبر.

في التصدي لكل مؤامرات الأعداء ومكائدهم، وكل أشكال عدوانهم، لا بدَّ من الصبر، وتقوى الله "سبحانه وتعالى" في فعل ما ينبغي، {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}[آل عمران: من الآية120]، صبر مع العمل، مع التقوى، مع فعل ما ينبغي، ما يلزم في إطار المسؤولية، {لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[آل عمران: من الآية120]، تسقط- في نهاية المطاف- كل مؤامراتهم ومكائدهم، وتتلاشى، ولا تحقق النتائج التي أرادها الأعداء من ورائها.

يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية249]، فارتبط ذلك واقترن بمدى الصبر.

في الحصول على المدد الإلهي- كذلك- لا بدَّ من الصبر، {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}[آل عمران: الآية125]، كان هذا الوعد الإلهي للمؤمنين مع رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله" مرتبطاً بالصبر نفسه.

في الغاية العامة التي تعبِّر عن كل نجاح، عن الظفر بالخير، عن الوصول إلى النتائج العظيمة والمهمة، مضى قوله "سبحانه وتعالى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فقوله "جلَّ شأنه": {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، يعبِّر عن الوصول إلى النتائج العظيمة، عن العبور لتلك الظروف الصعبة والحساسة، والوصول إلى نتائجها المرجوة التي وعد الله بها، الوصول إلى النصر في ميدان الجهاد، الوصول إلى النتائج العظيمة على المستوى المعنوي، على مستوى ما يتحقق في الواقع، النتائج المهمة، ثم النتائج الكبرى والعظيمة في الآخرة، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

كذلك فيما يتعلق أيضاً بالفوز برضوان الله وجنته، والسلامة من عذابه، وهي الغايات الكبرى للإنسان المؤمن، لا بدَّ فيها من الصبر، ويتجلى في يوم القيامة وفي الجنة أيضاً القيمة العظيمة للصبر، تتجلى القيمة العظيمة للصبر، وحسن نتائجه العجيبة، والعظيمة، والمهمة، والكبيرة.

الله "سبحانه وتعالى" يقول مخاطباً لأهل النار، وهو يبين لهم كيف فاز أولياؤه، كيف فاز المؤمنون الصادقون الذين استجابوا له، بالرغم مما واجهوه في هذه الحياة (في الحياة الدنيا) من محاربة، من سخرية، من استهزاء، من عداء، من مشاق وصعوبات معينة، وتحديات معينة، فيقول الله "جلَّ شأنه": {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}[المؤمنون: الآية111]، نتيجة عظيمة جدًّا، {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا}، بصبرهم، صبروا على السخرية، على الاستهزاء، على الدعايات، على المحاربة بكل أشكالها، على مواجهة الصعوبات والتحديات بكل أنواعها، لكن في الأخير فازوا، تحققت لهم أعظم نتيجة، تحقق لهم الفوز العظيم، الذي لا يماثله شيءٌ أبداً، {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}.

وحتى في تهنئة الملائكة للمؤمنين في قصورهم في الجنة، في مساكنهم في الجنة، بعد وصولهم إليها، وهي لحظات عجيبة جدًّا، أوقات عجيبة جدًّا، يعيشون فيها الفرحة الكبرى، والسعادة العظيمة جدًّا، بعد أن وصلوا إلى قصورهم في الجنة، ومساكنهم الطيِّبة في الجنة، فيقوم الملائكة بالزيارة لهم إلى مساكنهم في الجنة، يهنئونهم، ويباركون لهم بما وصلوا إليه، بهذا المستقر العظيم، {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}[الرعد: من الآية23]، أفواج كبيرة من الملائكة تزورهم إلى كل منازلهم، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد: الآية24]، فهم يقولون لهم في السَّلام عليهم، في التهنئة لهم: أنَّ هذا هو نتيجة صبركم، فلاحظوا كيف كانت نتيجةً عظيمة، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}، وصلتم إلى جنة الله، إلى السعادة الأبدية، إلى الحياة الهنيئة.

فالإنسان يرى حينها أنَّ كل عناءٍ يمكن أن يكون قد مرَّ به على المستوى النفسي، أو على المستوى الجسدي، هو لا شيء في مقابل تلك النتيجة العظيمة التي تحققت، والمكسب الكبير العظيم الذي ظفر به، وفاز به.

يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}[الإنسان: الآية12]، وتأتي التفاصيل في سورة الإنسان التي تتحدث عن ذلك.

فنجد كل هذه النتائج العظيمة الكبرى مغريةً على الصبر، مغريةً على الصبر، ونرى الصبر مسألةً طبيعية في ظروف هذه الحياة، ضمن الممارسات الاعتيادية التي يتمرن عليها الإنسان، بل إنه حتى قد يعتاد على الكثير من الأمور، يحتاج إلى الصبر في بدايتها، ثم فيما بعد ذلك يعتاد عليها، يكتسب قوة العزم، قوة الإرادة، قوة التجلد، قوة التحمل، وهذه مسألة واضحة في ظروف الناس وفي حياتهم، نجد الأكثر عطاءً الأكثر عملاً، الأكثر جهداً، والمستمرين على ذلك، قد تروَّضوا على القيام بالأعمال الكثيرة، والأعمال المهمة، إلى درجة أنهم لو تعطَّلوا عن ذلك سيشعرون من الفراغ، من القعود، من الجمود، بالملل، بالسآمة، بالضجر الشديد، أصبحوا يستحلون العمل والجهد، وأصبحوا في مستوى قدرتهم على العمل، جهدهم، تحملهم، متمرسين، متروِّضين، معتادين على الأعمال التي قد تصعب على الكثير من الناس الآخرين، الذين لم يتعودوا، لم يتمرَّنوا، لم يتروَّضوا على القيام بالأعمال.

عندما نأتي إلى الصبر كحالة قائمة في حياة البشر فيما يتعلق بالجوانب الإيمانية والعظيمة والمهمة، نجد النموذج العظيم في سيرة الأنبياء "عليهم الصلاة والسلام"، بدءاً من رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، الذي تكرر الأمر له بالصبر في القرآن الكريم، فصبر، واستجاب لله "سبحانه وتعالى"، صبر على أرقى مستوى، على مستوى راقٍ وعظيم، وتحمل الشيء الكثير؛ فوصل إلى مستويات عظيمة، وحقق النتائج الكبيرة.

يقول الله له في القرآن الكريم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}[القلم: من الآية48]، وهو يتحرك في الدعوة إلى الله، وفي تبليغ الرسالة، وفي إقامة دين الله، وفي هداية عباد الله، فيواجه بدءاً من مجتمع مكة- المجتمع الأول الذي تحرك فيه- التكذيب، والتهديد، والصد، والمعارضة، والدعايات الكاذبة، والتشويه، والسب... وكل أشكال المحاربة الدعائية والإعلامية، والتشكيك في كل ما يأتي به، وفي صحة رسالته... إلى غير ذلك، محاربة شرسة جدًّا، وإساءات بالغة، واستفزازات يومية، وإساءات متنوعة، ومضايقات كبيرة، فالله "سبحانه وتعالى" يقول له: {فَاصْبِرْ}، اصبر واستمر، واصل مشوارك، واصل عملك، فصبر "صلوات الله عليه وعلى آله"، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}، الذي استعجل.

نبي الله يونس "عليه السلام" الذي استعجل وغادر قومه قبل أن يكمل دوره في تبليغ الرسالة إليهم، ضاق من تكذيبهم، ووصل إلى اليأس من استجابتهم، تصور أنه قد أكمل ما عليه، وأدَّى ما عليه فذهب، فكانت قصته المعروفة في القرآن الكريم، عندما ركب في السفينة في البحر، ثم حصل أن ألقي في البحر، وابتلعه الحوت، ثم فرَّج الله عنه، وعاد لأداء مهمته، لكنه حصل له ما حصل نتيجةً لأنه لم يصبر بالمستوى المطلوب في الاستمرارية حتى يأذن الله له، فاستعجل قبل ذلك.

فالله يقول للنبي "صلوات الله عليه وعلى آله": {فَاصْبِرْ}، يقول له: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ }[يونس: من الآية109]، استمر، وواصل مسؤوليتك، والتزم بهذا: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}، اتبعه، حتى لو واجهت على ذلك الانتقادات، والإساءات، والحرب الدعائية، والحرب العسكرية... وكل أشكال المحاربة، لا يثنك ذلك، لا يصدك ذلك عن إتِّباع ما أوحى الله إليك، اصبر على ذلك، على كل ما تواجهه نتيجةً لذلك، {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ}، اصبر وستأتي النتيجة، سيأتي الفرج، الله سيحكم، مهما كان هناك من صعوبات، وتحديات، ومخاطر، ومعاناة، ومشاق، ومحاربة، ومؤامرات كثيرة، ومكر كبير من الأعداء، لكن ستصل إلى النتيجة.

يقول الله له: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[الروم: الآية60]، فاصبر واستمر؛ لأن الله قد وعدك، وعدك بالنصر، وعدك بتحقيق النتائج الكبيرة، {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}؛ لأن الذين لا يوقنون ييأسون، فيريدون التوقف في وسط الطريق، في وسط المسافة، قبل الوصول إلى النتيجة، يتململون، يضجرون، يسأمون، ييأسون، يفترون، يترددون، فتطلع لديهم المقترحات الخاطئة، التي هي في مضمونها عبارة عن التراجع، عبارة عن اليأس، عبارة عن الاستسلام، عبارة عن التوقف عن مواصلة الطريق المهم، العظيم، المقدَّس... وهكذا الذين لا يوقنون لأنهم لا يملكون اليقين؛ لم تتوفر لديهم الإرادة اللازمة للاستمرار، للتحمل، وللصبر بالتالي.

{وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ}، فيستعجلونك، يستعجلونك إمَّا للتوقف، أو يستعجلونك أيضاً لاتخاذ خطوات لم يحن وقتها بعد، أو أعمال لم يحن وقتها بعد، حالة الاستمرارية وفق هدي الله "سبحانه وتعالى"، وفق المسيرة الحكيمة في التوجيهات والهداية الإلهية، لا بدَّ فيها من الصبر، فلا يحصل التسرع الذي لا ينبغي، ولا يحصل التراجع الذي لا ينبغي.

يقول الله لرسوله "صلوات الله عليه وعلى آله": {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: من الآية35]، حتى الرسل كان لا بدَّ لهم من الصبر، لا يمكن أن يكون هناك عمل عظيم، بنتائج عظيمة، ينال الإنسان من خلاله الشرف الكبير، والفضل الكبير، والأجر العظيم، وتتحقق له النتائج الكبيرة في واقع الحياة، في مسيرة الحياة، وتتحقق من خلاله المتغيرات التي يصنعها الله "سبحانه وتعالى"، والتحولات في الواقع إلى حدٍ كبير، من دون صبر، فالأنبياء والرسل هم القدوة في الصبر، صبروا، لم تكن المسألة: بما أنهم رسل، وبما أنهم أنبياء، أن تتحقق لهم كل النتائج دون حاجةٍ إلى الصبر، دون حصول ما يحتاجون فيه إلى الصبر، من: صعوبات، أو عناء، أو مشاق معينة، فيحظون بالدلال؛ لأنهم أنبياء، وتمشي لهم الأمور بدون أي مشقة، بدون أي عناء؛ لأنهم رسل، ولأنهم أنبياء، كان لا بدَّ لهم من الصبر على كل ما واجهوه من المعاناة في إطار مسؤولياتهم، وصبرهم كبير؛ لأن مسؤولياتهم ومهامهم عظيمة وكبيرة، والظروف التي واجهوها في واقع الحياة ليست ظروفاً عاديةً، ظروفاً كبيرة جدًّا، وتحدياتٍ كبيرة.

يأتي في القرآن الكريم على المستوى التفصيلي الإشارة إلى صبر الأنبياء، والحديث عن صبر بعضهم، وتقديم نماذج لنا نحن، نحن كمسلمين، كمؤمنين؛ لكي نستفيد منها في الصبر، يقول الله "سبحانه وتعالى" عن مجموعة من أنبيائه: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الأنبياء: الآية85]، هؤلاء من أنبياء الله الذين صبروا، حتى أصبح الصبر صفةً من صفاتهم المستمرة والثابتة، {الصَّابِرِينَ}، أصبحوا {كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}.

إسماعيل "عليه السلام" الذي بلغ به الصبر إلى درجةٍ عاليةٍ من الاستعداد للتضحية والصبر عليها، عندما أتى الاختبار له ولوالده إبراهيم "عليهما السلام" في قصة الذبح، قال كلمته العظيمة لوالده: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: من الآية102]، يعني: في الصبر على الذبح، يقول لوالده: إذا صدر الأمر من الله "سبحانه وتعالى" بذبحي أنا، فسأصبر إن شاء الله، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.

وهكذا يتحدث القرآن عن نبي الله يعقوب "عليه السلام" في محنته من أبنائه، في قصة ابنه نبي الله يوسف "عليه السلام"، وتكررت محنته مع أبنائه، فكان يقول لهم في كل مرةٍ منها: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}[يوسف: من الآية18]، وصبر صبراً جميلاً، صبراً بوقار، ليس فيه كثرة التشكي، وكثرة الصراخ والصياح، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}.

كذلك في قصة نبي الله يوسف "عليه السلام" عندما قال لإخوته في نهاية المطاف: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف: من الآية90].

في محنة أيوب "عليه السلام"، يعني: نجد الصبر تجاه الأنواع المختلفة، من المحن، من المتاعب، من الصعوبات، من المشاق، من الآلام، نجد الصبر هو المهم جدًّا في كل الأحوال المختلفة والظروف المتنوعة، أيوب "عليه السلام" في محنته الصحية والنفسية، التي كانت صعبةً جدًّا، صبر، وحظي بشهادةٍ عجيبة قالها الله عنه "سبحانه وتعالى"، يقول الله "سبحانه وتعالى": {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}[ص: من الآية44]، هذا ثناءٌ عظيم من الله "سبحانه وتعالى"، أيوب "عليه السلام" دخل في اختبار تميز فيه وتبين فيه صبره، وخرج بنجاح من هذا الاختبار، وكان اختباراً صعباً، على مستوى معاناته الصحية في نفسه وبدنه، ولكنه صبر على شدة المحنة، شدة الألم، شدة المعاناة، طول المدة، فحظي بهذا الثناء العظيم: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص: من الآية44]، ونجد في الأخير كيف فرَّج الله عنه.

أيضاً كيف فرَّج الله عن نبيه يعقوب، كيف فرَّج عن نبيه يوسف "عليه السلام"، كيف فرَّج عن نبيه إسماعيل "عليه السلام"، وفداه بذبحٍ عظيم، تأتي النتائج نتائج طيِّبة للصبر، نتائج عظيمة، نتائج مبشرة، {نِعْمَ الْعَبْدُ} في الثناء على نبي الله أيوب "عليه السلام"، ثناء عظيم من الله "سبحانه وتعالى" أثنى عليه، ومدحه، وأشاد به، وأعطاه الجزاء العظيم، والخير الكبير في الدنيا والآخرة، {إِنَّهُ أَوَّابٌ}.

نبي الله موسى "عليه السلام" في تحمله لمسؤوليةٍ كبيرة، وقيامه بدورٍ عظيم، في إنقاذ قومه من طغيان فرعون وقومه، فيما واجهه من صعوبات وتحديات، وصلت إلى الأمر من فرعون بقتل أبناء من يؤمن بموسى "عليه السلام"، ومن يستجيب له، {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا}، الاستعانة بالله مع الصبر، {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف: من الآية128]، وفعلاً بالصبر، بالاستعانة بالله، والصبر، والاستمرارية في الاستجابة العملية، تحققت النتيجة، التي لربما كان الكثير منهم يائساً من حصولها، أنقذهم الله من تلك الوضعية الصعبة، وقال في الأخير: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا}[الأعراف: من الآية137]؛ لأنهم صبروا فاستمروا في الاستجابة العملية، بالرغم من التضحية، والآلام، والمعاناة، وقتل الأبناء، واستحياء النساء، {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[الأعراف: من الآية137]، فأنقذهم الله من تلك الوضعية الصعبة، وبعد مرور سنوات خرجوا إلى وضعٍ مختلفٍ تماماً، وفرَّج الله عنهم بشكلٍ تام، لكن هذا كان لابدَّ فيه من الصبر، كان لابدَّ فيه من الصبر.

الرعاية الإلهية التي تحظى الأمة المؤمنة فيها بالهداية الكبيرة، بأن يجعل الله لها دوراً بنَّاءً وعظيماً في واقع الحياة، لا بدَّ فيها من الصبر، أيضاً قال عن بني إسرائيل مع الأنبياء: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة: الآية24]، لما كانوا في مراحل معينة أمةً تصبر، توقن بآيات الله، الصالحون منهم، جعل الله منهم قادةً في المجتمع البشري، هداةً، يتحقق على أيديهم هذا الدور المهم جدًّا في واقع الحياة: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، لكن كل هذا كان لابدَّ فيه من الصبر، {لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}؛ لأن اليقين أيضاً ملازمٌ للصبر، لا يستمر الصبر إلا من أهل اليقين.

في المواصفات الإيمانية يأتي الوصف للمؤمنين بالصبر؛ لأنهم يستمرون عليه، يوطِّنون أنفسهم عليه، فيقول الله عنهم: {الصَّابِرِينَ}، في مقدمة مواصفاتهم كمؤمنين متقين، {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: الآية17]، فتأتي صفة الصبر لتتصدر قائمة المواصفات، {الصَّابِرِينَ}.

يقول عنهم أيضاً: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ}[الأحزاب: من الآية35]؛ لأنه لا بدَّ من الصبر للجميع رجالاً ونساءً، في الواقع الإيماني لا بدَّ من الصبر حتى على مستوى الأسرة، الصبر في التضحية، الصبر في مواجهة المعاناة والمشاق في إطار النهوض بالمسؤولية، في التزام طاعة الله "سبحانه وتعالى"، يقول عنهم {وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ}[الحج: من الآية35].

فنجد كيف هذه الصفة أساسية من الرسل والأنبياء، قال الله لنبيه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: من الآية35]، وصولاً إلى الواقع الإيماني، كما هي حالةٌ لا بدَّ منها في الاختبار، في الاختبار من الله "سبحانه وتعالى"، هو القائل "جلَّ شأنه": {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}[محمد: من الآية31]؛ حتى يتبين من يستمرون في صبرهم، فيواصلون أداء مسؤولياتهم، والقيام بواجباتهم، والثبات في موقف الحق.

ثم عندما نأتي إلى العواقب الوخيمة لعدم الصبر في الاتجاه الصحيح، عواقب خطيرة جدًّا:

في الدنيا: لا يتمكن أعداء الله من السيطرة على الناس، ويستحكم الظلم، ويتمكن الطغاة، ويعم الفساد، ويعم الشر، ويسود الباطل، إلَّا إذا فقدت الأمة صبرها في النهوض بمسؤولياتها التي ستحول دون ذلك.
لا يعاني الناس ويخفقون ويفشلون في حياتهم، في مختلف أمورهم المهمة، وفي مقدمتها: في أن يكونوا أمةً تتحرك وفق هدى الله "سبحانه وتعالى"، إلَّا إذا فقدوا الصبر، لم يصبروا.

فالعواقب التي تنتج عن عدم الصبر هي وخيمةٌ جدًّا في الدنيا، الأمة تعاني وتدفع كلفةً أكبر، ما قد يتحاشاه الناس من الصبر، من كلفة معينة، من ثمن معين، من تضحية معينة، يحصل ما هو أصعب منها، أكبر منها بكثير، بدون مقارنة، مع ذلٍ، وهوانٍ، واضطهادٍ، وضيمٍ، وقهرٍ، وعناءٍ شديد، وعناءٍ شديدٍ جدًّا، في حالة عدم الصبر.

وصولاً إلى دخول جهنم والعياذ بالله، ومكابدة الآلام الرهيبة، والعذاب الأليم الشديد، حيث لا يجدي الصبر، {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ}[الطور: من الآية16]، يقال لأهل النار، هم حتى هم يقولون عن أنفسهم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}[إبراهيم: من الآية21].
الصبر هنا في إطار العمل في طاعة الله "سبحانه وتعالى" هو مجدٍ، مثمر، له نتيجته العظيمة، له عواقبه الحسنة، له آثاره الطيِّبة، وهو متاحٌ وممكن مع الاستعانة بالله "سبحانه وتعالى"، ويقي الإنسان من الأمور الرهيبة، ومن أواخرها وعواقبها الفظيعة جدًّا والرهيبة جدًّا جهنم والعياذ بالله.

نكتفي بهذا المقدار...

ونسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يجعلنا من الصابرين، الصابرين في طاعته، وفيما يرضيه، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء، نسأله "سبحانه وتعالى" أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛

وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون


وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ..

مقال بقلم #مرتضى_الجرموزي 
نُشر بصحيفة #المسيرة العدد 1382 عدد الاثنين 10 رمضان 1443هـ الموافق 11 ابريل 2022م
يتحدث فيه الكاتب عن العجز والفشل الذي يكتسي تحالف العدوان ومرتزقتهم يقابلهم صمود وثبات ابناء #اليمن في مختلف مناحي الحياة 

https://twitter.com/aljrmuzi2022/status/1513312651014819847?t=NVj4pBj3gRM3fMpf1qrRKA&s=19
وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون
✍ أبو يحيى الجرموزي
سبعة أعوامٌ أستفحل العدو بشره وارهابه وعجرفته بحق ابناء اليمن وبلا هوادة أثخن بالقتل وأسرف بالحصار والتجويع دونما رحمة أو وازع ديني أو قيمي عاث الفساد والافساد وكال التهم وأجحف بها وسوق له قوانين وقرارات تجيز له افتعال المحرمات وقتل الانسانية لدوافع شيطانية خبيثة ومسميات واهية شرعنت له ما يقوم به في اليمن ومنذُ سبع سنوات بتواطؤ أُممي عالمي ومساعدة مباشرة بالقتل المتعمد والتدمير الممنهج والارتزاق الواضح والمهين في سبيل الشيطان من قبل مرتزقة ومنافقو الداخل اليمني الذين كانوا في يومٍ ما قادة ووزراء ومسؤولين على شعب ووطن ها هم اليوم يتمردون عليه ويشاركون في قتل وحصار ابناء جلدتهم كخونة ملعونين لم يرعوا جميل ثقة الشعب بهم وصبره على نظامهم وحكوماتهم المتعاقبة في نهب الثروات وتسليم القرار للخارج عنوة عن شعبهم وأُمتهم المغلوبة على أمرها.
ما بُني على باطل فهو باطل ولا خير فيه وان تقمص الدين وارتدى ثوب الوطنية والعفاف
قادة عسكرية وأمنية ووزراء ومسؤولين كانوا جميعهم على قلب رجل واحد ديدنه الخيانة منذُ نعومة أظافرة فكيف نؤمل فيهم الخير والصلاح وهم من خبزه وعجينته فخانوا الله والرسول وخانوا الدين والشعب والوطن تحت عناوين الحرية والتحرر من الكهنوتية والامامية كما يقولون وباسم الوطنية وضعوا أنفسهم ومقاماتهم الوظيفية والقبلية تحت أقدام أمر النفط الخليجي والقرار الأمريكي بشقيه اليهودي والنصراني.
وفي سبعة أعوام وتحت قيادة تحالف العدوان يقتاتون الدم اليمني يسرفون بالقتل والتدمير ولم يحصلوا على ذرة من بصيص أمل عولّوا عليه وراهنوا على السعودية والامارات ومن خلفهم أمريكا واسرائيل فكان العجز حليفهم والفشل أنيسهم والهزائم تلاحقهم من وإلى كل مكان وفي مختلف المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية فقد كان الفشل حاضراً في كل المناسبات جاثماً على واقعهم المخزي ووطنيتهم المشبوهة وعروبتهم المسلوبة.
يجد المتابع وير الصغير قبل الكبير الفشل الذريع الذي أكتسى ويكتسي تحالف العدوان والمرتزقة منذُ اليوم الأول للعدوان الى اليوم الذي شهد التدشين للعام الثامن توالياً للصمود الوطني اليمني في مواجهة المعتدين أي سبعة أعوام مضت وعام ثامن ها نحن في أيامه الأولى والذي شهد عمليات عسكرية وبرية كبيرة في العمق السعودي وفي الحدود حيث كانت عملية حرض شاهدة على عجز وتيهان العدو ومرتزقته فكانت عملية كبرى لا تقل شأن عن عملية كسر الحصار الثالثة التي جعلت العدو قيادة وادوات وأذناب يذعنون ويناشدون السلام من صنعاء السلام والحرب خاصة بعد مبادرة الرئيس مهدي المشاط والقاضية بإيقاف العمليات العسكرية إذا أوقف العدو حربه ورفع حصاره وكف يده عن الشأن اليمني.
وباستحياء وخجل وفرصة أستغلها السعودي ومن خلفه الأمريكي اعلن عن هدنة انسانية حد زعمه واوقف عملياته العدائية في اليمن خاضعاً ذليلاَ صغيراً لقوة صنعاء مذعناً للإرادة اليمنية الصلبة وتحت وقع الصفعات المدوية والهزائم المنكلة جنح للسلام واعلن الاستسلام وما كاد ليصل الى هذه الحالة لو لا القوة التي فرضها المجاهد اليمني الحافي في الميدان والمتوغل في البر والطائر قصفاً في الجو عبر القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر من غيَّروا المعادلة وفرضوا الجمع والضرب بالطريقة اليمنية التي ما خالها العدو ولا وضعها في حساباته.
ومع هذا الاجراء السعودي الأمريكي تجلى لنا كشعبُُ يمني مجاهد قوله تعالى في الظالمين والمعتدين اجراماً وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون.
فبمقدار قوتك وأحقيتك تكون واقع يهابك الأعداء مهما كانت قواهم وحشودهم
وبمقدار ثقتك بالله وعلاقتك به يكون الله معك ناصراً في سرائر الحياة وعلانيتها وسيأتي اليوم الذي تخضع فيه الجبابرة والطغاة للحق ولأهل الحق..

هل يعي النظام السعودي الخطر القادن

هل يعي النظام السعودي الخطر القادم ✍ أبو يحيى الجرموزي  النظام السعودي ومن خلال المراوغة والهدنة القاصرة يبدوا انه استغل التواضع والحكمة ال...