السبت، 22 مايو 2021

إسرائيل طموح أصطدم بمشروعية حق المقاومة ومحورها


 ✍ أبو يحيى الجرموزي 
ـــــ  انتصرت غزة هاشم غزة الجهاد والعروبة غزة الصمود  والتضحية وانتصرت حماس والجهاد وفصائل المقاومة وانتصرت كل فلسطين وهُزِمَ الصهاينة وهُزمَ هنالك المنافقين الأعراب والمطبعين في دويلات الخليج التي ما كادت لتستوعب هذه الصفعة المتمثلة بهزيمة أسيادهم في إسرائيل على أَيَادٍ وقبضات وصبر وجهاد ورباط المقاومة الإسلامية في فلسطين والدعم المباشر بالسلاح وبالأموال وبالتقنيات من قبل محور المقاومة شعوبٌ وأنظمة وأحزاب وحركات إسلامية وفي مقدمتها جمهورية إيران الثورة ويمن الإيمان والحكمة وحزب الله وسوريا. 
 بفضل الله ثم بفضل رجال الجهاد والمقاومة والداعمين لهم تحرر القرار الغزاوي وفرض نفسه بقوة في الواقع العسكري وهو يرشق الغزاة المحتلين الصهاينة بصواريخه المتطورة والحديثة وطائراته المسيّرة التي تغلبت على الترسانة العسكرية للصهاينة وقهرت طائرات الإف 15 والإف 35 والدعم الأمريكي والعالمي الذي قابله صمت عربي وتطبيع مذل لأولئك الذين رأيناهم يسارعون في الولاء والطاعة والانبطاح للصهاينة هروباً من الحضن العربي إلى الحضن العبري المهزوم. 
 لو افترضنا انتصار الكيان الإسرائيلي على المقاومة في غزة وفلسطين لرأينا في قادم الأيام مجاميع من الأنظمة العربية تسارع للتطبيع معه رغبة ورهبة من جبروته الاستعماري والاستيطاني لكنه وبفضل الله وجهود المخلصين في حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وتضحيات قيادتها التي آثرت على نفسها وشعبها مواجهة المعتدين نيابة عن كل الشرفاء والأحرار في المنطقة العربية والإسلامية الرافضة لوجود شيءٌ من واقع اسمه إسرائيل في المنطقة التي عاشت اليوم الانتصار وقهرت الأراذل والأذناب والذيول من إسرائيل إلى البيت الأبيض إلى الخليج الفارسي إلى أفريقيا الذين يعيشون في نفس الوقت الحسرة والندامة ويتقاسمونها مع بعضهم. 
 وبالرغم أن الحرب كانت شرسة والمخطط كبير والمنفذ مجرمٌ وخبيث لا يرعوي في شي ولا يرقب في مؤمنٍ إلّاً ولا ذمة وبتمويل خليجي ينفق أمواله رعاع ممالك الرمال في السعودية والإمارات والبحرين ومعهم قاذورات المنطقة من الذين وهبوا أنفسهم حياتهم ومماتهم في سبيل الدفاع عن إسرائيل من خلال تصريحاتهم ونبراتهم الوقحة عبر قنوات الدجل والعهر من رأيناهم بالأمس يعاتبون حماس ويتهمونها بتفجير الأوضاع وإشعال فتيل الحرب ويقللون من موقف فصائل المقاومة ويعتبرون إسرائيل منتصرة على الفصائل المسلحة ( حد زعمهم ) ها هم اليوم يشاطرون الكيان الإسرائيلي الهزيمة وهم من سيدعمونه لإعمار ما دَمَّرْته صواريخ المقاومة في غزة وفلسطين الذي باتت اليوم وبفضل الله أقوى مُنْذُ قبل حيث إنها تمتلك من القدرات العسكرية ما تواجه وتُدمّر به إسرائيل وترسانتها العسكرية التي أضحت اليوم هشة وضعيفة وجيش كرتوني استطاع فيما مضى وبتواطؤ الأنظمة العربية إلى هزيمة ثلاثة جيوش عربية مدججة بأحدث السلاح والمنظومات العسكرية بالرغم أن الصهاينة في ذلك الحين حديثو التواجد في المنطقة العربية وليس لهم من الإمكانات.  
 ولو افترضنا مثلاً أن حماس وفصائل المقاومة ورجال الجهاد في فلسطين خنعوا للاحتلال ضعفوا وَجَبُنُوا في مواجهته ودفع شرّه أو أنهم رفعوا رأيه الاستسلام والسلام وفق الرؤية العربية والأمريكية هل ستوقف إسرائيل حربها وهل سيجنح الصهاينة للسلام ويتوقفون من فورهم " طبعاً لن بتوقفون " 
 فإسرائيل لا تعترف إِلَّا بالقوي ولو ظهرت المقاومة ضعيفة لكان العدو الإسرائيلي توغل واستفحل واستباح الحرمات ودنس الأرض والعرض ولما أعلن عن وقف إطلاق النار ولفرض شروط أُخرى وإملاءات تفضي إلى سحب أسلحة المقاومة وإذعانها لواقع إسرائيل.  
 لهذا كانت حماس وفصائل المقاومة يأخذون العبر من غيرهم وكانوا في موقف قوة كما كان عليه حزب الله في حربه مع الصهاينة 2002 و 2006 م والذي تمكن بفضل الله وبفضل القوة والعزة من استعاد قرى وأرضٍ شاسعة احتلتها إسرائيل وعادت للسيادة اللبنانية تحت ضربات صواريخ المقاومة في حزب الله الذي الحق بالصهاينة الهزيمة المذلة 
 وهو ما خطت على خطّ نضاله وطريق جهاده وحقه حماس وفصائل المقاومة في فلسطين وألحقوا بالصهاينة الهزيمة الأُخرى فمرّغت أنفه في مستنقعات الأراضي المحتلة في فلسطين وأجزاء من مصر وسوريا ولبنان. 
 لكن مع تحرّك المقاومة وسعيها للمضي قُدماً في التسليح ومع توفر الدعم السخي بالمال والسلاح وبكل ما تحتاجه المعركة مع الصهاينة من الأشقاء في جمهورية إيران الإسلامية التي ما بخلت يوماً من مد جسور العطاء الأخوي لحركات المقاومة المناهضة لمشاريع الهيمنة والاستكبار 
 فبدت حماس المقاومة قوية وواجهت المحتلين بعزيمة الحق وهُزم هُنالك المطبّعين والمحتلين وانتصرت المقاومة 
 وجاء الحق وأنتصر الحق وغرّد أصحابه بالانتصار عالياً 
 وأنقلب السحر على أُولئك السحرة المنبطحين والمطبعين 
 متى ما ظهرت قوياً وفرضت نفسك بالحق المشروع فستكون قوياً يهابك من يرون أنفسهم أقوياء وهم من يستمدون قوتهم من مواقف باطلة لأنه متى ما سكت أهل الحق ضن أهل الباطل أنهم على حق 
 بالحق تبني وبالحق تزرع وستحصد ما زرعته طيّباً مثمراً 
 وبالحق تجاهد وبالحق تصنع وتطور وتنتج وتُبدع وتجني ثمار حقك المشروع في مواجهة المعتدين أهل الباطل والظلال
 وحينما تكون مواقفك حقة فَحتماً ستنتصر وان تَحَزُّب عليك كل الباطل بأحزابه وفئاته وحشوده ومرتزقته

السبت، 15 مايو 2021

من الرياض إلى تل أبيب اللهجة واحدة

✍ أبو يحيى الجرموزي
ـــــ واحدية اللهجة والموقف والرؤى تشابهت قلوبهم فتشابهت افعالهم ولهجتهم وتوحدّت أهدافهم وان فصلت بينهم المسافات فواحدية الصف تجمعهم
من الرياض إلى تل أبيب اللهجة واحدة والخطاب واحد والأمل بالشيطان حشرهم في زاوية عدوانهم وعربدتهم وتعديّهم على حُرمة الإنسان والإنسان والعقيدة والأرض والمقدّسات .
من اليمن إلى فلسطين إلى لبنان المقاومة وسوريا العروبة وعراق الكفاح والجهاد جميعهم في مواجهة عدوٌّ واحد باغٍ ومتعربد من الرياض ودويلات الخليج نفاق عربي اجتمعت مطامعه مع كيان إسرائيلي « لقيط » وبمساعدة وتمويل محور النفاق وأنضمة الإنبطاح طار بعقيدته اليُهودية إلى فلسطين غازياً مغتصباً محتلاً أراضيها ومقدّساتها ومعتدياً على سيادة حدود سوريا ولبنان .
ومع العدوان على اليمن رحبّ الصهيوني بخطوة أشقاءه العرب وقف وقفتهم تضامن معهم وشارك عسكرياً ولوجستياً وإستخبارياً وفي خظم الحرب طبّعت الأنضمة الخليجية وشعوبهما وجيوشها التي شنّت الحرب على اليمن خدمة للمشروع الإسرائيلي الذي يشن اليوم عدواناً آخر على شعب فلسطين من القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية إلى قطاع غزة الصمود والمقاومة والجهاد.
عدوانٌ إسرائيلي أمريكي وبصمت عربي مخزي وتطبيع خليجي مسبق وعلى خطى المنافقين صهاينة العرب في التدمير الممنهج والحرب الإبادة ضد ابناء اليمن نرى الإسرائيلي يُمعنُ في القتل والتدمير ضد أبناء شعبنا الفلسطيني الصابر والصامد في وجه عدوان لُقطاء الإنسانية صهاينة اليُهود.
ومع حرب التصريحات نجد النبرة العربية المطبّعة ومن خلال تصريح القرد العبري النتن ياهو يتوعد شعب فلسطين بحربٍ شرسة واحتلال ومطاردة المليشيات المسلّحة ويعني بذلك حركات المقاومة في غزة والضفة الغربية بفلسطين المحتلة وبنفس وتيرة التهديد الذي تغنى به كثيراً زعماء العدوان على اليمن وأمل تحقيق الإنتصار على أصحاب الحق والأرض والهُوية الإيمانية في اليمن وفلسطين ومحور المقاومة العربية والإسلامية.
ولعل تحالف العدوان في اليمن خسر الرهان وتجرّع الويل ومُنيّ بالهزائم المذلة وتعرّض لجهمات وضربات يمانية من قبل الجيش واللجان الشعبية لم تكن بالحسبان فكان ان كان مصير حربه وعدوانه ووعيد تهديده الضياع في دهاليز الشيطان وهو المصير الذي ينتظر الصهاينة في فلسطين خاصة مع تطور المنظومة الدفاعية للمقاومة وتحولّها من الدفاع الى الهجوم بالصواريخ المتطورة والدقيقة والطائرات المسيّرة الهجومية المقاتلة والتي باتت اليوم وبفضل الله وبفضل الجهاد والصبر والمرابطة وبدعم من محور المقاومة في لبنان وسوريا واليمن وإيران ومقاومة العراق باتت اليوم المقاومة الفلسطينية في غزة تدك أوكار الاحتلال وقواعده العسكرية والمطارات وكل ما له علاقة بالإحتلال الاسرائيلي في الارضي المحتلة.
هذه هي سنة الله في الضالمين والمجرمين والمعتدين ان يختاروا طريق هلاكهم بأنفسهم وأفعالهم الخبيثة 
وحيث يُلزم علينا كأُمة مجاهدة مقاومتهم ومواجهتهم ودفع شرّهم وتبديد أحلامهم النتنة أكانوا صهاينة عرب أو صهاينة يهود ولا فرق بينهما .. 


الأحد، 9 مايو 2021

نص المحاضرة الرمضانية الرابعة والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ

المحاضرة الرمضانية الرابعة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 26 رمضان 1442هـ 08-05-2021

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

اللهم اهدنا وتقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

وصلنا في الآية المباركة من سورة الأنعام إلى قوله "سبحانه وتعالى": {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأنعام: من الآية151]، في سياق قائمةٍ من المحرَّمات، أولها: الشرك بالله "سبحانه وتعالى"، وأتى بعد ذلك قوله "جلَّ شأنه": {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151]، ثم أتى هذا النص ليقدِّم أيضاً ما يبين لنا، ويوضح لنا هذا المحرَّم، وهو قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}.

الفواحش: هي الجرائم بالغة الشناعة والقبح، الجرائم الشنيعة جداً، وعادةً ما يكون في أول قائمة هذه الجرائم التي توصف بهذا التوصيف: جريمة الزنا، وجريمة عمل قوم لوط، كلٌّ من ذلك يسمى فاحشة، يعني: أنه جريمة شنيعة جداً، وفعلة قبيحة في غاية القبح والرذالة.

والقرآن الكريم يحذِّر بأشد التحذير من هذه الجرائم: جرائم الفساد الأخلاقي، ويبين أنها في غاية الخطورة على الإنسان في حياته، وفي واقعه الإيماني، ويأتي الوعيد عليها أيضاً بالعذاب والنار؛ باعتبارها من كبائر الذنوب، ومن أعظم الجرائم والمعاصي، وهي جرائم خطيرة جداً، وبشعة للغاية، بشعة جداً، وهي تخرج الإنسان من دائرة الإيمان والتقوى، إلى حظيرة الفجور والفسق، فلا يبقى مؤمناً، إذا تورَّط في تلك الجرائم والعياذ بالله؛ لا يبقى له انتماؤه الإيماني، وموقعه الإيماني، يعتبر عند الله من الفجَّار، يعتبر فاجراً، يعتبر فاسقاً عاصياً، ولذلك فهي جرائم خطيرة جداً؛ لأنها تفقد الإنسان إيمانه، الذي هو صلةٌ بينه وبين الله "سبحانه وتعالى"، يحظى من خلاله برضوان الله "سبحانه وتعالى"، وبالقرب منه، وبالأجر والثواب والرعاية الواسعة.

الإنسان بتلك الجرائم يحبط كل أعماله الصالحة، وإذا لم يقلع منها، ويتوب فوراً إلى الله "سبحانه وتعالى"؛ فإنه أيضاً لا يقبل منه أي عملٍ يعمله، لا صلاة، ولا صيام... ولا أي عمل يعمله، فهي جرائم خطيرة جداً، جرائم بشعة للغاية، وتسبب له السخط الكبير من الله "سبحانه وتعالى"، والغضب الكبير من الله "سبحانه وتعالى"، يخسر رضوان الله، ويسبب لنفسه سخط الله، وغضب الله عليه، الله يغضب عليه، وغضب الله أمر خطير جداً على الإنسان، أمر رهيب جداً، ويفقد الكثير من رعاية الله، التي هي رعاية المحبة والرضوان، وهذه قضية خطيرة جداً: أن تخسر إيمانك، أن تخسر قيمة الإيمان، وأهمية الإيمان، وما يترتب على الإيمان، معنى ذلك: أنك وضعت نفسك في الطريق الذي يوصلك إلى جهنم، الطريق المعوج، تخسر رضوان الله، تخسر الجنة، تخسر الرعاية الإلهية التي يخص الله بها عباده المؤمنين، عباده الذين يرضى عنهم، وهي قضية خطيرة جداً.

ثم أنت تفتح باباً للشيطان للتسلط عليك، وللتأثير عليك أكثر فأكثر، وهي قضية خطيرة جداً هذه، عندما الإنسان عندما يتوجه توجهاً يقترب فيه من الشيطان، يبتعد فيه عن رعاية الله، وعن رحمته، وعن فضله، وعن توفيقه، وعن هدايته، ويتجه في أسباب الهلاك، وأسباب الخسران والعياذ بالله.

أيضاً يفقد الإنسان قيمته الإنسانية، وشرفه الإنساني، شرفه الإنساني، الإنسان مهما كانت مرتبته، وجيه له وجاهة اجتماعية، شخصية سياسية، شخصية قيادية، شخصية بأي مكانة يحظى بها في المجتمع، أو كإنسان عادي، إذا أصبح يرتكب هذه الجرائم البشعة الشنيعة جداً؛ يفقد شرفه الإنساني، وإذا فضحه الله وكشفه؛ لا يبقى له ذرةٌ من الاحترام في نفوس الناس، الكل ينظر إليه باعتباره تافهاً، رذيلاً، نجساً، فاجراً، فاسقاً، عاهراً، وكذلك المرأة، المرأة التي تُعرَف بهذه الجريمة، تفقد قيمتها الإنسانية، شرفها الإنساني، كرامتها الإنسانية.

الإنسان يخسر شرفه وكرامته، ويُنظَر إليه- سواءً كان رجلاً أو امرأة- باعتباره رذيلاً، فاسقاً، فاجراً، تافهاً، حقيراً، لا يوثق به، لا يعتمد عليه، يعتبر إنساناً يتوقع منه الموبقات، والكوارث، والخيانات، والفجور، ولهذا يعتبر هذا جرماً شنيعاً جداً، يُفقِد الإنسان القيمة الإيمانية أولاً، والقيمة الإنسانية والشرف الإنساني ثانياً.

مع ذلك ما يترتب على ذلك من العقوبة، الله توعَّد على هذه الجرائم بالعذاب الشديد، العذاب في الدنيا، أنواع من العذاب تأتي في الدنيا، من ضمنها: العقوبة الشرعية، ولكن هناك ما هو أوسع من العقوبة الشرعية، هناك أيضاً عقوبات من الله "سبحانه وتعالى" تأتي لمن يرتكبون مثل هذه الجرائم، عقوبات متنوعة، والله هو القدير، وهو "جلَّ شأنه" البصير والخبير كيف يعذِّبهم في حياتهم، كيف يدهور عليهم أموراً كثيرةً من حياتهم، كيف يجعلهم يخسرون أشياء كثيرة، ويفشلون في أشياء كثيرة، حتى على مستوى العذاب النفسي، من العذابات التي يعذَّبون بها: الضيق النفسي، الاضطراب النفسي غير الطبيعي، الاضطراب النفسي غير الطبيعي، اضطراب رهيب جداً، والبعض يصلون إلى حالات نفسية متوترة جداً، ومضطربة جداً، حالة عذاب بكل ما تعنيه الكلمة، وأشياء كثيرة تدخل في دائرة العذاب الإلهي، وفقدان الكثير من الرعاية الإلهية.

ومع ذلك أيضاً جهنم، جهنم والعياذ بالله، كما قال الله "سبحانه وتعالى" عن الزنا، وعن الجرائم: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}[الفرقان: 68-69]، فهي جريمة توصلك إلى جحيم جهنم، وإذا اقتربت منها؛ فأنت تقترب من جهنم بلا شك، وأنت تخسر الجنة، وأنت تخسر كل الأعمال الصالحة التي تكون قد عملتها؛ لأن هذه الجريمة تحبطها، تحبط أعمالك، لا يبقى لك أي فضل، ولا أي أجر، لا من صلاة، ولا من صيام، ولا من جهاد، ولا من إنفاق، ولا من صدقة... ولا من أي عملٍ تتقرب به إلى الله "سبحانه وتعالى"، فهي جريمة خطيرة جداً.

أيضاً آثارها وأضرارها واسعة، في مقدِّمة أضرارها: الضرر النفسي، فهي تدمِّر زكاء النفس، الإنسان أعدَّه الله "سبحانه وتعالى" في فطرته لأن تزكو نفسه، وأن تطهر مشاعره، وأن تصلح نفسيته، فيتحول إلى إنسان يحب مكارم الأخلاق، تسمو نفسه، وتعشق مكارم الأخلاق، والصفات الحميدة، والمواقف المشرِّفة، يعشق ذلك، يطرب لذلك، يحب ذلك، يرتاح لذلك، فنفسيته بزكائها تتوق لمكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، والصفات الحميدة، والشرف، ولكن مثل هذه الجرائم: سواءً جريمة الزنا، أو جريمة عمل قوم لوط، كلٌّ منها يسمى فاحشة، هي تدنِّس نفسية الإنسان، تنجِّس نفسية الإنسان، تنجِّس مشاعره، تقذِّر مشاعره، تقذِّر وجدانه، فتنحط نفسيته، ينحط توجهه، تنحط مشاعره، فيتحول إلى إنسان رذيل، ميَّال إلى السفه، ميَّال إلى خسائس الأمور، ميَّال إلى المعاصي، ميَّال إلى الرجس، لا يتورع، يفقد حياءه، يفقد عفته، يفقد غِيرَته، يفقد حميته، يفقد رجولته وشهامته، يفقد كرامته الإنسانية، والإحساس بالكرامة في عمقها ومعناها المهم جداً.

ثم يصبح لا يتورع من الأشياء الخسيسة، حتى في نهاية المطاف ترخص عنده سمعته، أن يذكر بالسوء، أن يذكر بالشناعة، أن يذكر بالأمور القبيحة، لم يعد ذلك مهماً عنده بشكلٍ كبير، فهي جريمة خطيرة جداً؛ لأنها تضربك في نفسك، والضربة في النفس أخطر ضربة على الإنسان؛ لأنه حالٌ رهيبٌ جداً، كل شيءٍ يمكن أن يترمم، لكن عندما تدمِّر زكاء نفسك، وتدمِّر في نفسيتك الطهر (طهر المشاعر)، والوجدان الإيجابي، والمشاعر الإيجابية، فترميمها صعبٌ جداً، ترميمها صعبٌ جداً، وأمر خطير جداً على الإنسان.

والإنسان إذا فقد زكاء نفسه؛ يبتعد عن الأمور العظيمة، عن الأمور المشرِّفة، عن الصفات الحميدة، عن... لم يعد توَّاقاً لها، ولا منجذباً لمعالي الأمور ومكارم الأخلاق، ولذلك يمكن أن يُطَوَّع للفاجرين والمجرمين، أن يخضع لهم؛ ولذلك تعتمد المخابرات الأجنبية، مثل: المخابرات الإسرائيلية، والمخابرات الأمريكية... المخابرات الأجنبية تعتمد على الإيقاع بعملائها في مثل هذه الجرائم، لماذا؟ لتضمن السيطرة الكاملة عليهم؛ لأنها تعتبرهم قد فسدوا نفسياً، فسدوا، والإنسان يفسد، تفسد نفسيته، لم تعد نفسيةً صالحة، كما تفسد حبة الفواكه، كما تفسد الخضار، كما يفسد أي شيء، يفسد، يتلف، لا يعد صالحاً، فلذلك الإنسان إذا فسد؛ يَعتَبر الأعداء أنَّ هذه وسيلة للسيطرة عليه، والبعض لا يحتاج إلى استقطاب الأعداء، لا يحتاج إلى استقطاب الإسرائيلي، ولا لاستقطاب الأمريكي ولا غيره، الشيطان يشتغل مباشرةً في هذا الموضوع، شياطين الجن والإنس يشتغلون مباشرةً في هذا الموضوع، وإذا فسد الإنسان أصبح تلقائياً مهيأً لأن يبتعد عن الأعمال العظيمة، والمواقف المشرِّفة، وأن يتنصَّل عن المسؤوليات المهمة، لم تعد مهمةً عنده، لم تعد ذات قيمة عنده، الأعمال الصالحة، الأعمال العظيمة، المواقف العظيمة لم تعد ذات قيمة لديه، ذات أهمية لديه؛ لأن نفسه فسدت، وإذا فسدت النفوس؛ تفقد في شعورها ووجدانها قيمة الأعمال العظيمة، قيمة المواقف العظيمة، الدافع الإيماني للأعمال المهمة، وهذه مسألة في غاية الأهمية.

من الأضرار والآثار السلبية أيضاً لهذه الجرائم: أنها تؤثر على الواقع الاجتماعي، الله "سبحانه وتعالى" جعل الغريزة الجنسية (غريزة الجماع) من أجل أن يستفيد الإنسان منها في إطار العشرة الزوجية الحلال، التي يُبنى عليها بناء الأسرة، وتكوين الأسرة، والله "سبحانه وتعالى" جعل سبيلها الحلال، وسبيلها المناسب هو هذا السبيل، فتصبح في إطارٍ بنَّاء، وإطارٍ مثمر، وإطارٍ عفيفٍ ونظيفٍ، ليس له أي تبعات سلبية، ولا أي نتائج سيئة، فالإنسان إذا انحرف، هذا الانحراف هو يعزز التوجهات التي يعتمد عليها الأعداء، يتحرك على أساسها الأعداء في تدمير المجتمع، من خلال الاستهداف للبنته الأساسية التي يبنى بها المجتمع وهي الأسرة، وتكوين الأسرة، يتضرر هذا البناء للأسرة عندما تنتشر مثل تلك الجرائم- والعياذ بالله- في مجتمعٍ معين، لا يبقى هناك روابط أسرية، وحياة أسرية متماسكة بين الزوج والزوجة لتكوين أسرة صالحة، وهذا يضر ضرراً كبيراً على مستوى الواقع الاجتماعي؛ لأن الواقع الاجتماعي  يُبنى على تكوين الأسر، وصلاح الأسر، فإذا اتجه الخراب والفساد إلى هذا المكون الاجتماعي في لبناته الأساسية؛ فهذا يؤثر تأثيراً سيئاً جداً على واقع المجتمع، وتنتشر الفوضى الاجتماعية، والجرائم الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية التي مكونها الأساس هو الأسرة، تُدمَّر، يلحقها هذا الضرر البالغ، فيؤثر ذلك أثراً سلبياً في تماسك المجتمع، في بنية المجتمع، في ترابط المجتمع على نحوٍ سليمٍ، وعلى نحوٍ صحيح، وهذه قضية خطيرة جداً.

ثم على المستوى الصحي، ينتشر من خلال انتشار مثل تلك الجرائم- والعياذ بالله- الكثير من الأوبئة والأمراض، في مقدِّمتها: المرض العالمي المعروف والمشهور: الإيدز، وهو مرض مدمِّر جداً؛ لأنه يدمِّر الجهاز المناعي لدى الإنسان، القوة المناعية التي أعطاه الله "سبحانه وتعالى" وزوَّد بها جسمه لمكافحة الأمراض، والتخلص من الأمراض، وحينها يصبح كل مرض يمكن أن يكون قاتلاً، المصاب بالإيدز يمكن أن يقتله الزكام، يمكن أن يقتله أبسط مرض، أبسط مرض يقتله، ويفتك به.

وواحد من الغايات التي يحرص عليها الأعداء في نشر الفساد الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية: هو نشر هذا الوباء، هو التدمير لهذه المجتمعات من خلال تلك الأوبئة أيضاً، تلك الأوبئة؛ لأن انتشارها ملازم لانتشار تلك الجرائم، والذي يدمن على مثل هذه الجرائم، يمكن أن يصاب بمثل هذا المرض والعياذ بالله، وأمراض أخرى، إنما هذا المرض هو في مقدِّمتها، وإلَّا هناك أيضاً آفات صحية، وأضرار صحية أخرى يمكن أن تنتشر.     

إضافةً أيضاً إلى الآثار الأمنية، هذه الجرائم انتشارها مما أيضاً يترتب عليه انتشار جرائم أمنية كثيرة، ينتج عنها جرائم أمنية كثيرة؛ لأن الإنسان إذا فسدت نفسيته، وأصبح مجرماً أخلاقياً، يمكن أن يرتكب الجرائم الأخرى، ويدخل في سياقها أيضاً، وفي أجوائها الكثير من الجرائم الأمنية، مثلما يحصل في كثير من البلدان، وكثير من الدول، فهي جرائم تُبنى عليها جرائم، وتتفرع عنها جرائم. ما يلحق أيضاً بالمواليد غير الشرعيين من أسى، من كوارث، من ضياع في هذه الحياة، كثيرةٌ هي الجرائم المتفرِّعة عن جرائم الفاحشة والعياذ بالله.

ثم عندما يتبين لنا خطورة تلك الجرائم، وما يترتب عليها في الدنيا، وما يترتب عليها في الآخرة، علينا أن نتأمل في هذه الآية المباركة، أنَّ الله "سبحانه وتعالى" يقول: {وَلَا تَقْرَبُوا}، {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ}، لم يقل فقط: [ولا تعملوا الفواحش]، بل {وَلَا تَقْرَبُوا}، القرب من الفواحش: هو من خلال مقدِّماتها، ومن خلال أسبابها، ومن خلال عواملها الدافعة إليها، والمقدِّمات هي محرَّمة، المقدِّمات التي ينزلق الإنسان من خلالها إلى تلك الجرائم، وهي خطيرةٌ جداً، لماذا؟ لأن الاستراتيجية الشيطانية التي يعتمد عليها الشيطان في الإيقاع بالإنسان، وفي تحطيم كل عوامل المنعة التي تحافظ على الإنسان وتصونه، ومنها: الحياء، والعفة، والغِيرة، والحمية، وحتى مشاعر الإيمان والتقوى، وفي مقدِّمة ذلك أيضاً زكاء النفس، الإنسان بفطرته، الإنسان إذا بقي له زكاء نفسه، إذا بقي له فطرته الإنسانية؛ هو يشمئز من تلك الجرائم، يتعفف منها، يتورَّع عنها، وهو يدرك قبحها، وشناعتها، وبشاعتها، وسوءها، وقذارتها، ورجسها، وخستها، ودناءتها، ويعرف أنَّ من يفعل مثل تلك الجرائم يخسر قيمته الإيمانية، وشرفه الإنساني، وقيمته الإنسانية، ولا يبقى له اعتباره الإنساني، يُنظَر إليه كإنسانٍ تافهٍ، رذيلٍ، حقيرٍ، فاجرٍ، دنيءٍ، لا قيمة له، لا كرامة له، لا شرف له، ولذلك الإنسان يترفَّع عن تلك الجريمة، عن الوقوع فيها، يشمئز، ولكن الشيطان يستخدم أسلوباً متدرجاً للإيقاع بالإنسان في تلك الجرائم، هذا الأسلوب الذي عبَّر عنه القرآن بخطوات الشيطان، خطوات الشيطان هي التي ستنزلق بك وتسقط بك نحو هاوية الفاحشة والعياذ بالله.

ولذلك يقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم في آيةٍ مهمة في سورة النور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}[النور: من الآية21]، ففي هذه الآية المباركة يحذًّر من اتِّباع خطوات الشيطان.

خطوات الشيطان هي تنزلق بالإنسان شيئاً فشيئاً حتى يسقط في هاوية الفاحشة والجريمة، والفعلة الشنيعة القبيحة والعياذ بالله، الخطوات لها أشكال متعددة، ولها عناوين، حذر القرآن الكريم منها في آياتٍ كثيرة:

عندما نأتي للحديث عن هذه الخطوات والمقدمات التي توقع بالإنسان، يأتي في أولها: خطورة كسر الحواجز في العلاقات بين الرجال والنساء: عندما يدخل الإنسان في علاقة خاصة مع امرأة أجنبية عنه، ليست من محارمه، ليست من أقربائه، امرأة يمكن له أن يتزوجها، يحل له الزواج بها، فيدخل في علاقة خاصة معها، تواصل مباشر، خلوة، أو تراسل خاص، أي شكل من أشكال هذه العلاقات الخاصة، فهذه العلاقات محرمة، محرمة؛ لأنها تكسر الحواجز: حاجز العفة، حاجز الحياء، وتمهد أيضاً لأن تتأجج في مشاعر الطرفين الرغبة والمحبة والعلاقة الخاصة، التي توقعهم- في نهاية المطاف- إلى الجريمة، ولذلك حرم الله في الإسلام هذه العلاقات الخاصة، لا يجوز أبداً أن تدخل في علاقات خاصة مع امرأة أجنبية، وتدخل في مراسلات خاصة معها، وتواصل خاص معها، وعلاقات خاصة معها، وروابط مباشرة معها، فهذا يمهد السبيل للوقوع في تلك الجريمة والعياذ بالله، إذا أردت أن تتزوج بها تزوج، إن لم يكن معك أربع نسوان، أربع زوجات، من غير أن تدخل في علاقة محرمة، كسر هذه الحواجز مسألة خطيرة جداً.

أيضاً الاختلاط، الفوضى في الاختلاط، والتي تؤسس لمثل هذه الجسور من العلاقات المحرمة، وتكسر حاجز الحياء والعفة، وتؤجج المشاعر، وتهيئ الظروف، وتعزز من حالة التواصل، الذي قد يصل إلى التواصل الخاص، فهذه أيضاً محرمة، وهي من المفاتيح التي يعتمد عليها الأعداء في تدمير الحياء والعفة، وفي التهيئة للظروف المناسبة للإيقاع بالناس في مثل هذه الجرائم، هم يركزون على الاختلاط الذي يكسرون به هذه الحواجز، يكسرون به الحياء، العفة، هذه الحواجز المهمة جداً، التي تصون الرجل، وتصون المرأة، ولذلك يجب الحذر من ذلك، ومراعاة الضوابط الشرعية.

من الأسباب والعوامل الخطيرة: التبرج، تبرج النساء، ولبسهن الزينة وإبداؤهن للزينة في الشارع، يخرجن أمام الناس، تخرج وهي متبرجة، متزينة، على النحو المغري والجذاب، وتخرج أمام الرجال، وتخرج للاختلاط بالناس، وتخرج أمام مرأى ومشهد الآخرين من الرجال الأجانب عنها، هذا من المحرمات في الإسلام، والآيات في سورة النور، والآيات في سورة الأحزاب، تؤكد على حرمة مثل هذا السلوك، وللأسف البعض يتأثرن بالظواهر السلبية في المجتمعات الغربية، ويتصورن أنها تعبر عن الحضارة، ليست من الحضارة في شيء، ثم يحاولن أن يقلدن المجتمعات الغربية، فتخرج وهي سافرة ومتبرجة، وتظهر بالمظهر المغري، مظهر خاص، يفترض أن يكون أيضاً في إطار علاقتها مع زوجها، ولا يكون في إطار حركتها في خارج المنزل، وأمام الناس، فهذا السلوك سلوك خطير جداً، وسلوك مؤثر سلباً، وهو من أبرز العوامل لانتشار هذه الجرائم في المجتمعات الغربية، مع أنهم يعرفون أنها جرائم، وأنها محرمة، وأنها تخدش الشرف الإنساني، بل تمزق وتهتك الحرمة الإنسانية.

فالتبرج من أسوأ العوامل لانتشار مثل هذه الجرائم، وعلى مجتمعنا أن يحافظ على هويته الإيمانية، وأن يحذر من التبرج، المرأة لتصون نفسها، لتصون عرضها، لتصون كرامتها، لتصون شرفها الإنساني، هي عندما تتبرج، هي تقدم نفسها كسلعة رخيصة، دنيئة، فاسدة، إذا تبرجت في الشارع، أظهرت زينتها، وجمالها، ومفاتنها، للناس، هي تعرض نفسها بطريقة رخيصة وتافهة وخسيسة ودنيئة جداً للفجور والعياذ بالله.

أيضاً من العوامل المؤثرة على ذلك، والتي انتشرت في هذا الزمن: المراسلات الخاصة عبر الجوالات، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذه من أخطر الأشياء، ووباء في هذا الزمن، وباء خطير وفتاك يفتك بالبعض، يسقط بالبعض، البعض من خلال المراسلات بالجوالات، ورسائل الجوالات، أو الرسائل والمراسلات في مواقع التواصل الاجتماعي، يسخر هذه الوسيلة التي يجب استغلالها فيما هو حلال ومنفعة للناس في شؤون حياتهم، وأمورهم المهمة، وأمورهم الصالحة، يسخرها لمد جسور محرمة في التواصل مع الآخرين، ثم تبدأ من خلالها المغازلات، والكلام البذيء، والكلام الفاحش، والمراودة الفاحشة والإجرامية، حتى قد تصل بالبعض إلى السقوط في هذه الجريمة والعياذ بالله.

هذه من المحرمات، هذه من النوافذ الشيطانية التي يستغلها الشيطان للإيقاع بالإنسان، ولا يجوز للإنسان أن يتساهل في ذلك، أن يمنّي نفسه أن المسألة عادية، أو أنها ستبقى في حد معين بمجرد أن تمارس هذه المقدمات، وتدخل في مثل هذه المراسلات، أنت تدمر زكاء نفسك، أنت تجني على إيمانك، أنت تدمر هذا الطهر وهذه المشاعر الإيجابية في نفسك، وتنجسها وتقذرها، أنت تقرِّب نفسك من جهنم، أنت تتجه بنفسك إلى الانزلاق في هاوية المعصية البشعة والجريمة الشنيعة الكارثية على إيمانك، على شرفك الإنساني.

ولذلك يجب أن يصون الإنسان نفسه نهائياً، لا يتورط في ذلك نهائياً.

أيضاً من المقدمات الخطيرة جداً: مشاهدة المشاهد الإباحية، الشنيعة، الخليعة، سواءً في قنوات فضائية، أو عبر الإنترنت، أو عبر أي وسيلة من الوسائل، المشاهد التي يوزعها الفاجرون والمجرمون، ووراء توزيعها أيضاً ونشرها إعلامياً سياسة غربية، سياسة يهودية صهيونية؛ من أجل إفساد الناس، إفساد المجتمع البشري، إفساد المسلمين.

فالمشاهدة لتلك المشاهد الخليعة جداً، هي مدمرة بشكلٍ كلي، هي محرمة على كل حال، وهي مدمرة لزكاء النفس، لطهر المشاعر، لصلاح وزكاء المشاعر الإنسانية والإيمانية، وأمر محرم جداً، وأمر بشع للغاية، وحالة من الانحطاط، والدناءة، والخسة، والرذالة، والعياذ بالله، فهي مما ينبغي أن يصون الإنسان نفسه عنها، وهي من النظر الحرام، النظر الحرام سواءً وأنت تنظر إلى امرأة أجنبية نظرة الحرام، أو وأنت تنظر إلى تلك المشاهد، المشاهد الخليعة، المشاهد السيئة، فهي كله من نظرة الحرام، والله "سبحانه وتعالى" يقول في القرآن الكريم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}[النور: من الآية30]، فهو يوجه هذا الأمر عبر نبيه ورسوله "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله" للمؤمنين.

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، غُض، غض بصرك، لا تستخدم هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها عليك في النظر إلى الحرام، في نظرة الحرام، لا إلى النساء الأخريات، ولا إلى المشاهد الإباحية، والمشاهد المفسدة، المقذرة لوجدانك، المدنسة لمشاعرك، المحطمة لإيمانك.

{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}؛ لأنك هنا تصون زكاء نفسك، وتحافظ على مشاعرك الإنسانية على أن تبقى رجلاً بما تعنيه الكلمة، رجلاً فيه طهر في مشاعره، فيه زكاء في نفسه، فيه غيره، فيه حمية، فيه إباء، فيه كرامة، فيه همه، فيه ما يسمو به لمكارم الأخلاق ومعالي الأمور، والمواقف المهمة {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}، لا تصبح متطلعة بالنظر إلى الرجال الأجانب ومركزة عليهم، ومتطلعة إليهم، بما يجذبها نحو الميل إلى الفساد والعياذ بالله، وكذلك يحرم عليها النظر إلى المشاهد الإباحية المفسدة.

{يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}[النور: من الآية31].... القائمة المذكورة في سورة النور، في الآية المباركة من سورة النور.

فعلى الإنسان أن يحذر فلا يقرب، {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ}، عندما تفعل المقدمات أنت تقرِّب نفسك، تقرِّب نفسك من الوقوع في هذه الهاوية، وقد لا تستطيع أن تسيطر على نفسك، قد تخذل، قد تخسر أسباب التوفيق والهداية الإلهية.

في مقابل ذلك من المهم جداً العناية بتيسير الزواج، الزواج هو يحصن الناس، يحصنهم، ومن المهم السعي لتيسير الزواج، هناك خطوات منذ العام الماضي بدأت في تيسير الزواج، في عددٍ من المحافظات، وفي مقدمتها محافظة حجة، ومن أكثرها نجاحاً في هذا الجانب محافظة حجة، والشكر موصول في هذه المناسبة للأخ المحافظ، وكل الذين تعاونوا معه من الوجهاء والمسؤولين، في العمل على تيسير الزواج هناك، يمكن الاقتداء بمحافظة حجة في بقية المحافظات، والسعي لتيسير الزواج، لا يبقى مكلفاً، لا تبقى تكاليفه المادية معضلة ومرهقة جداً، وفوق القدرات والطاقات، يجب السعي إلى أن تكون التكاليف المادية للزواج ومتطلبات الزواج مخفضة؛ حتى يستطيع الشباب من الزواج.

هيئة الزكاة قامت بجهود مشكورة جداً في معاونة الفقراء، لكن عندما تكون الكلفة عالية جداً، تصبح المسألة معقدة حتى على متوسطي الدخل، وعلى البعض ممن ظروفهم لا بأس بها، يصعب عليهم الزواج، ولا تستطيع هيئة الزكاة أن تزوج الشعب اليمني من شق وطرف، لا، عندما تكون التكاليف مخفضة، يستطيع الكثير من الشباب والشابات أن يتحصنوا، وأن يتزوجوا.

وفي إطار العلاقة الزوجية يحرص الإنسان على أن تكون علاقته بزوجته علاقة قوية، البعض من الناس، وبالذات المفرطون في القات، الذين يمضون كل لياليهم في السهر على مضغ القات، بعيداً عن زوجته، بعيداً عن أسرته، حتى آخر الليل، يأتي إلى منزله في آخر الليل، ويدخل إلى زوجته في آخر الليل، وهو مرهق جداً، من كثر ما قد أكل من القات، ثم يبقى نائماً إلى منتصف النهار، ويقوم وهو على عجلةٍ من أمره للخروج إلى عمله، ثم تصبح علاقته بزوجته على هذا النمط، على هذا الروتين، لا يدخل إليها إلا في آخر الليل وهو مرهق، وتاعب، وينام، ونفسيته ضابحة جداً ومستاءة، ومعقد، ويقوم من نومه أيضاً، دخل وهو في غاية الإرهاق والضبح، وقام وهو في غاية الضبح والعجلة، ويستمر البعض على هذا الروتين لفترات طويلة، تمتد لسنوات، تصبح علاقته بزوجته علاقة ضعيفة جداً، وروتين حياته مع زوجته مؤثر سلباً عليه هو وعليها هي، فلا تكون هذه العلاقة الزوجية حميمية وقوية، والرابطة فيها قوية على النحو الذي يساعد على زكاء نفس كلٍ منهما، على زكاء نفسه وزكاء نفسها، يفترض أن يحرص الإنسان أن تكون علاقته بزوجته علاقة جيدة.

كذلك فيما يتعلق بالمجتمع، المجتمع مع العناية بتيسير الزواج هناك فئات في المجتمع تبقى أيضاً متضررة لاعتبارات أخرى: في مقدمة المتضررين المطلقات، المطلقات كثيرٌ منهن لم يكن طلاقها بسبب ذنبٍ منها، قد يكون طلاقها لأسباب أخرى، قد لا يكون طلاقها- وهذا مؤكد في الكثير منهن- قد لا يكون طلاقها يعود إلى مشكلة من جانبها، ولا حتى إلى سلبياتٍ فيها، أو أنها امرأة غير صالحة، أو أنها امرأة غير مناسبة، الكثير منهن قد يكون هناك عوامل لطلاقهن عوامل أخرى، أسباب أخرى، مشاكل أخرى، قضايا أخرى، لا تدل على أنهن غير صالحات، أو غير مناسبات، قد يكون فيهن الكثير من النساء الصالحات الزكيات، والمناسبات والطيبات.

ولذلك يجب أن تتغير النظرة السلبية الشاملة في المجتمع تجاه المطلقات، والعزوف عن الزواج منهن؛ لأنهن يبقين متضررات جداً، معزولات في المجتمع، مهملات، متروكات في المجتمع، وهن بحاجة إلى الزواج، فلتكن الصورة واضحة، قد يكون فيهن من خير النساء، ومن أحسن النساء، بكل الاعتبارات: سواءً في الاعتبار الديني والإيماني والصلاح، أو على مستوى الجمال، والعفة، والقيم، والأخلاق، والجانب الإنساني، وما يُرَغِّب في الزوجة.

ولذلك يجب أن ينفتح المجتمع، وأن يغير نظرته السلبية؛ حتى لا يبقين متضررات.

من الظواهر السلبية المنتشرة، ولا سيما في بعض المدن: تأخير زواج النساء إلى فترات طويلة، يعني: البعض يفترض بابنته أن تدرس كل مراحل الدراسة، حتى تكمل الجامعة، ثم بعد الجامعة يترجح للبعض أن تكمل حتى تصل إلى درجة دكتوراه، ثم يترجح للبعض حتى تصل إلى درجة بروفيسور، وقد أصبح عمرها أربعين سنة، خمسة وأربعين سنة، أصبحت عجوز، فقدت مراحل شبابها وزهرة شبابها، وبالتالي تبقى البعض منهن- في نهاية المطاف- بدون زواج، التأخير هذا إلى هذه الدرجة طريقة خاطئة وفكرة ساذجة وغبية من الأفكار المستوردة من المجتمعات الغربية، من الأفضل الزواج في بداية الشباب وفي زهرة الشباب، المرأة في تلك المرحلة في زهرة شبابها، ونظارتها، وجمالها، وحيويتها، وجاذبيتها، وهي من خلال ذلك تمكِّن نفسها في إطار الحياة الزوجية لمستقبلها، ما تجي عجوز إلا وهي متزوجة، قد هي عجوز ورجالها شيبة، قد هم كلهم كبار سن، وأصبح بينهم روابط العشرة والزوجية، والحياة الطويلة، والروابط المتينة، كُلٌ منهما يحافظ على الآخر، ويهتم بالآخر، ويحنو على الآخر، ويهتم بالآخر، ويعشق الآخر، وهكذا.

هذا التأخير سلبية كبيرة جداً، يجب إعادة النظر ممن لديهم هذه الثقافة وهذه المفاهيم الخاطئة والغبية، وأن يدركوا أن الأفضل هو الزواج في بداية الشباب وزهرة الشباب، وفي المراحل التي لا تزال المرأة تتمتع بحيويتها، وجاذبيتها، ونشاطها، وكذلك جاذبيتها بكل ما تعنية الكلمة.

هذه النقاط مهمةٌ جداً، وفي الحلال ما يغني عن الحرام، ويصون الإنسان، في الحلال ما يغنيك عن الحرام، الحلال الطيب، الحلال الذي ليس فيه أي تبعات، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا على المستوى النفسي، ولا على المستوى الاجتماعي، ولا على أي مستوى.

فنسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

السبت، 8 مايو 2021

نص المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ

المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 25 رمضان 1442هـ 07-05-2021
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

نستكمل الحديث على ضوء الآية المباركة في سورة الأنعام، وفي إطار النص القرآني المبارك، في قول الله "سبحانه وتعالى": {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151].

تحدَّثنا عن بعضٍ من نعم الله "سبحانه وتعالى"، على ضوء بعض الآيات القرآنية، فيما خلقه الله "سبحانه وتعالى" من الثروة النباتية للإنسان، وما فيها من النعم الواسعة جداً، والتي إن أحسن الإنسان استثمارها؛ ينتفع منها في حياته انتفاعاً واسعاً، وتعالج له مشكلة الفقر، ويتوفر له من خلالها احتياجاته الأساسية.

وفي محاضرة اليوم، نتحدث أيضاً عن نعمةٍ من نعم الله الكبيرة على هذا الإنسان، من نعم الله العظيمة على هذا الإنسان، ومن رزقه الواسع "سبحانه وتعالى":

هي ما أنعم الله به علينا كبشر من الأنعام والثروة الحيوانية:

الثروة الحيوانية نعمة كبيرة جداً على الإنسان، والثروة الحيوانية هي توأم الزراعة، فيما ينتفع به هذا الإنسان منها من منافع واسعة، وبأشكال متعددة.

يقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}[يس: 71-73].

الأنعـــــام، هي تشمل:
الإبل.
والبقر.
والضأن.
والماعز.
كلها يطلق عليها أنعام، وهي من النعم العظيمة، التي أنعم الله بها على المجتمع البشري.

ومن عجيب ما منَّ الله به في هذه النعم: أنها مع كبر حجمها، بالذات الإبل، والبقر، حجم كبير وقوي، ولكنَّ الله "سبحانه وتعالى" سخَّرها للإنسان، ذللها للإنسان، ومكَّن الإنسان من اقتنائها، ومكَّنه من الانتفاع بها في جوانب كثيرة:

في غذائه.
وكذلك فيما يتعلق بالإبل في ركوبه ونقله عليها الأثقال.
والمنافع الكبيرة أيضاً في البقر، مثلاً: في الثور مسخَّر أيضاً للاستفادة منه فيما يتعلق بالزراعة.
فتهيئة الله لهذه الحيوانات لأن يتمكَّن الإنسان من اقتنائها، وتملُّكها، وأن تكون مذللةً لهم، وأن يتهيأ له الانتفاع منها بسهولة، هذه بحد ذاتها نعمة كبيرة؛ لأنها لو بقيت وحشية، لصعب اقتناؤها؛ وبالتالي لصعب الانتفاع منها.

الجمل لو أتى وهو هائج على طول، أو متوحش بشكل مستمر، كيف سينتفع منه الإنسان؟ إلَّا بصعوبة بالغة جداً، وبشكل محدود جداً.

الناقة كذلك عندما تكون لو بقيت متوحشة، ولم تقبل أن تذلل، وأن تستخدم، لكانت متعبة جداً؛ ولصعب الانتفاع منها.

البقرة- كذلك- لو كانت متوحشةً جداً، وكلما حاولت الاقتراب منها تتجه لتنطحك؛ لصعب الانتفاع منها.

ولكنَّ الله "سبحانه وتعالى" ذلل الإبل، ذلل البقر، فبتذليل الله لها، ينتفع منها البشر انتفاعاً كبيراً، وعادةً في المجتمعات التي عندها عناية باقتناء الثروة الحيوانية، باقتناء هذه النعم، باقتناء الأنعام، يصل الأمر إلى درجة أن يمكن أن يقوم عليها في رعيها، أو في الانتفاع منها في بعض الأمور، أطفال، ونساء، من دون أي قلق، ويتمكنون من حسن الانتفاع منها بأشكال متعددة، ومنافع متعددة، هذه نعمة من الله "سبحانه وتعالى".

ما كانت لتكون كذلك، مذللةً للإنسان، على كبرها وحجمها: (الجمل، الناقة، الثور، البقرة)، لولا أنَّ الله "سبحانه وتعالى" ذللها.

كذلك الماعز يمكن أن يكون سريعاً، ولا يبقى للإنسان، لا يتمكن من أن يمسك به، لولا أنَّ الله ذلله للإنسان.

فالله ذلل هذه النعم الكبيرة للإنسان؛ ليتمكن من الانتفاع بها في منافع واسعة في حياته:

{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ}، والإنسان على مرِّ التاريخ، استفاد بشكل كبير من الإبل، في الركوب عليها في الأسفار البعيدة، وكانت وسيلة نقلٍ رئيسية للأسفار البعيدة، وبالذات في المناطق الصحراوية، كان يستفيدون منها، ولا زال إلى الآن المجتمع البشري في كثير من مناطق الدنيا يعتمد عليها بشكل كبير جداً، ويستفيد منها.

{وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}، وكذلك مصدر غذاء ممتاز، واللحم من أهم المواد الغذائية الممتازة جداً، لا مجال معه إلى سوء التغذية، وإلى الضعف، والهزال، والأمراض التي تنشأ عن الضعف، عندما تتوفر الثروة الحيوانية لدى مجتمعٍ معين، يتوفر لديه غذاء ممتاز جداً، أحسن الإدامات، وأفضل الأغذية:

في قيمتها الغذائية.
في قوتها الغذائية.
يصبح ذلك المجتمع مجتمعاً صحياً، وقوياً، وأبدان قوية، وأجسام قوية، عنده غذاء ممتاز.

{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}، منافع كثيرة جداً يمكن أن نتحدث عن البعض منها- إن شاء الله- في سياق الحديث.

{وَمَشَارِبُ}، مشارب كذلك متنوعة: اللبن ما قبل أن يشتق منه أي مشتقات مثلاً، ثم ما بعد ذلك أيضاً، بعد أن يتحول إلى رائب، بعد أن يتحول إلى... مشارب متنوعة.

{أَفَلَا يَشْكُرُونَ}، فتصبح هذه نعمة كبيرة تسد للإنسان احتياجاته الضرورية:

في غذائه.
وفي ملبسه.
وفي منافع متعددة في حياته.

وفي نفس الوقت عندما يستذكر أنها نعمة من الله "سبحانه وتعالى"، يتأمل ما منَّ الله به عليه فيها، يتأمل فيها مظاهر:

قدرة الله.
وحكمة الله.
ورحمة الله.
وكرم الله.
تكون لها أيضاً فائدة إيمانية، فائدة إيمانية:

تشدك إلى الله "سبحانه وتعالى".
وتدفعك مع هذا الإقبال، مع الالتفات إليها كنعمة من الله "سبحانه وتعالى"، تدفعك إلى الشكر لله "سبحانه وتعالى"، فتحب الله، وتشكره، وتستقيم على طاعته.
فالنعم هذه (الأنعام والثروة الحيوانية) هي من النعم العظيمة، التي أنعم الله بها، تعالج مشكلة الفقر للإنسان، وهي- كما قلنا- توأم الزراعة، إلى جانبها يكون هناك تكامل كبير في النعم المادية، مع الزراعة، الثروة الحيوانية، كل منهما يكمِّل الآخر.

نحن في البلد مثلاً، والواقع على المستوى العربي بشكلٍ عام، فيما مضى، حتى على المستوى التاريخي، على مدى مئات السنين، وفي الزمان الماضي، كانت هذه النعمة متوفرة جداً، وكانت من أكبر الثروات الموجودة لدى العرب، ولدى المسلمين بشكلٍ عام، ثروة ضخمة، وكان هناك اهتمام باقتنائها، وعناية بها، وإدراك لأهميتها كثروة ضخمة، وثروة حقيقية، وإلى درجة أنه مع توفرها بشكلٍ كبير في كل المراحل الماضية، في كل الزمن الماضي، إلى درجة أنَّ: الأروش، والديات، والمهور، كانت في كثيرٍ من المناطق تقدَّر بها، وكان يعتمد عليها في ذلك، كان يعتمد عليها:

في دفع الديات.
في دفع الأروش.
في دفع المهور.
فكانت ثروةً ضخمة يعتمد عليها الإنسان، يعني: حتى إلى درجة أن تقوم مقام النقد في كثيرٍ من الأمور المهمة، التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة مثلاً، فكانت ثروةً حقيقية، وثروةً متوفرة، يقتني الكثير منها، البعض يقتنون منها بالآلاف، البعض يتقنون منها بالمئات، ثم لا تكاد المنازل تخلو من اقتنائها، يعني: على المستوى الأسري، كل أسرة يكون لها البعض من الأبقار، والأغنام: سواءً على مستوى الضأن، أو الماعز، المناطق التي تتوفر فيها الإبل كذلك يصبح اقتناؤها على مستوى كل أسرة، أن تقتني شيئاً منها، وباقتنائها يصبح هناك ثروة لدى من يقتنيها، ثروة حقيقية، ومصدر دخل، ومصدر غذاء- كما قلنا- لا مجال معه لسوء التغذية.

في الأرياف بشكلٍ عام، إلى ما قبل عقود من الزمن، إلى ما قبل عشرات السنين، عندنا في اليمن في الأرياف لا تكاد تخلو أسرة من أن يكون لديها بقرة، أو أكثر من بقرة، وأن يكون لديها البعض من الغنم: سواءً ضأن، أو ماعز، هذا كان متوفراً بشكل كبير، ويتوفر معه ماذا؟ تعمر الموائد، الموائد (موائد الطعام)، ما هناك أزمة:

يتوفر الحليب.
يتوفر اللبن.
يتوفر السمن.
يتوفر اللحم.
يتوفر...
وهكذا، إضافة إلى اقتناء غيرها: اقتناء الدجاج مثلاً، في الأرياف ما كادت تخلو أسرة من أن تقتني الدجاج، ويتوفر لها البيض، البيض البلدي بشكلٍ مستمر، ويتوفر مع ذلك غذاء صحي، لم يخضع لمواد حافظة، وتأثيرات في ألاعيب الصناعة، طازج:

حليب طازج يومياً.
ولبن طازج يومياً.
ويأتي البيض يومياً.
ومن دون مشقة.

فهذه النعمة كانت متوفرة بشكل كبير، وكانت- كما قلنا- مصدر دخل نقدي، الإنسان يمكن أن يبيع:

أن يبيع من الإبل.
أن يبيع من البقر.
أن يبيع من الغنم.
أن يبيع من منتجاتها أيضاً.
فيتوفر له المال، ومصدر غذاء مستمر؛ وبالتالي لم تكن كثيراً من الأسر تعاني من همّ توفر الغذاء.

الآن عند الكثير من الأسر همّ في كيفية توفير الإدامات:

توفير الحليب مشكلة.
توفير الزبدة، أو السمن، مشكلة.
توفير البيض مشكلة على كثير من الأسر، البيض غالي الآن.
وأصبحت هذه تمثل مشكلةً وهماً لكثيرٍ من الأسر؛ لأننا مع عقودٍ من الزمن مضت حصل فيها تيه:

أولاً ابتعاد عن النعم والمنعم العظيم، عن الله "سبحانه وتعالى"، غفلة، لم يبق الاهتمام بالشكل المطلوب في الإقبال إلى الله:
في التمسك بدينه كمنهجٍ للحياة، ونظامٍ للحياة.
والتفاعل مع نعمه "سبحانه وتعالى".
وحصل أيضاً ارتباط بالخارج، في كل هذه العقود التي مضت من الزمن، ارتباط كلي بالخارج، توجه كلي نحو الخارج؛ وبالتالي عدم اهتمام بالإنتاج الداخلي في كل شيء، في كل شيء.
وهذه كانت خسارة كبيرة لبلدنا، نتج عنها- وخسارة كبيرة في سائر البلدان العربية- نتج عنها:

أن ينتشر الفقر إلى حدٍ كبير.
وأن تطرأ علينا مشاكل كبيرة في ظروف حياتنا.
وألَّا نبقى أمةً منتجة، تمتلك ثروات حقيقية، تستثمر نعم الله "سبحانه وتعالى"، وتتوجه إليه بالشكر.
مع ما حصل من إهمال كبير في الالتزام الإيماني والديني، والتمسك بالحق، والتمسك بمنهج الله "سبحانه وتعالى"، فانتشر الجدب، أتت مشاكل كبيرة جداً:

جور السلطان.
ومع جور السلطان انتشار المفاسد.
وضعف الالتزام الديني والإيماني في المجتمعات.
فقلَّت الأمطار.
وكثر الجدب.
وقلَّت المراعي.
وعندما قلَّت المراعي كذلك مثَّلت مشكلةً كبيرة في اقتناء هذه الثروة الحيوانية، فاتجه الناس للاعتماد على الخارج في كل شيء، وهذه مشكلة كبيرة.

الآن بدأت عملية أو في هذه المراحل الأخيرة اعتمد الشعب، اعتمد البلد، اعتمدت البلدان العربية بشكلٍ عام، على الاستيراد لكل شيء:

الاستيراد للحوم: مع ما في ذلك من مشكلة خطيرة جداً؛ لأن بعض اللحوم التي تستورد ليست حلالاً، هي ميتة، هي من بلدان غير مسلمة، وتأتي كميتة، لا يحل أكلها، ولا يجوز أكلها، وأكلها فيه مضار ومفاسد روحية وصحية كثيرة.
يستوردون الحليب: والحليب المجفف الآن من أكثر ما يستورد من الخارج، عندنا في اليمن، وفي غير اليمن، تستورد كميات هائلة جداً من الحليب المجفف، ويعتمد عليه بشكل رئيسي، وأصبح ثروة هو لبلدان أخرى، ثروة ضخمة، يدر عليها دخلاً كبيراً وهائلاً جداً، أموال كثيرة، ويساهم في هذه الأموال كل الأسر، من كل أسرة تدفع قيمة حليب (مسحوق)، حليب مجفف (مسحوق بودرة)، فتذهب هذه الأموال الكثيرة بعيداً عن جيوب اليمنيين، تذهب إلى جيوب الخارج، وإلى بنوكهم.
كذلك بقية ما يستورد، مثلاً: البيض، لحوم الدجاج... لحوم أخرى تستورد، حتى لحوم الله أعلم بحقيقة ما هي.
وهذه تمثل مشكلة كبيرة جداً، عندما أصبح الاعتماد على الخارج، في استيراد هذه المواد الغذائية، بشكلٍ يكاد أن يكون كلياً، يكاد أن يكون كلياً، مشكلة كبيرة جداً.

يفترض العناية بهذه الثروة، التي هي ثروة حقيقية، والاهتمام بها، والاقتناء لها، على المستوى الأسري، وخارج المستوى الأسري، على المستوى الاستثماري، والآن الكثير من الدول فيها شركات ومؤسسات تعمل لها مزارع:

مزارع أبقار.
أو مزارع من الإبل.
أو مزارع من الغنم.
أو مزارع من الماعز.
وتهتم باستثمارها بشكل كبير، ومنتجاتها كلها يستفاد منها استفادة مادية ضخمة:

سواءً من حليبها.
أو من الزبدة.
أو من مشتقات الحليب.
من الحليب المجفف.
يتم الإنتاج لمنتجاتها بأشكال كثيرة.

أو من صوفها للملابس.
أو من منافعها الكثيرة، نعم.

فهي نعمة عجيبة، وفوائدها متنوعة، والإنسان يستفيد منها بأشكال كثيرة.

يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا}[النحل: من الآية5]، الله هو الخالق، هو الذي خلقها، وجعلها على النحو الذي يفيد هذا الإنسان، ويستفيد منها في كل شيء، {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}[النحل: من الآية5].

{لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ}، منها أحسن الملابس الشتوية، والإنسان يدفأ فعلاً، لا مجال للبرد:

إذا أصبح لك كوت منها.
أو أصبح لك كذلك فرش منها.
أو ملابس منها.
تستفيد منها، وتدفئك دفء حقيقي.

{وَمَنَافِعُ}، المنافع منها منافع كثيرة، والأغراض كثيرة، الإنسان يستفيد سواءً من جلودها، يستفيد من شعرها وأوبارها، ويستفيد أيضاً على مستوى حتى مخلفاتها:

من أحسن السماد للنباتات مخلفاتها، من أحسن السماد للنباتات، لتخصيب الأرض، لتخصيب التربة.
ويستفيد الإنسان منها على مستوى الملابس بأنواع متعددة، وأشكال متعددة ومفيدة:
الفرش.
يستفيد منها الإنسان على مستوى الأحذية، أحسن الأحذية هي التي تصنع من الجلود (جلود الأنعام).
يستفيد منها الإنسان أيضاً في الأحزمة.
في الحقائب.
منافع كثيرة جداً في حياته.

{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، تأكلون غذاءً ممتازاً، غذاءً صحياً، غذاءً ينفع الجسم، يقوي الجسم، يذهب عنكم مشكلة سوء التغذية، إذا الإنسان يأكل أندومي، والَّا يأكل أشياء بسيطة، ليست ذات قيمة غذائية.

{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}[النحل: الآية6]، حتى على المستوى الجمالي، سبحان الله! جعلها الله نعماً ممتازةً، نافعةً، مفيدةً للإنسان، بفوائد متنوعة جداً، ذات أهمية كبيرة في حياته، ومع ذلك يلحظ الجانب الجمالي، كما في النباتات، كما جعل الله النباتات التي يتغذى منها الإنسان جميلة، ورائعة جداً، جعل كذلك الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان، الحيوانات الحلال، فيها جمال حتى في حركتها، عندما يكون لك قطيع من الغنم، أو قطيع متنوع فيه غنم، وأبقار... وغير ذلك، وفي مسراحها عندما تذهب للرعي، أو لشرب الماء، وفي مراحها وهي عائدة، وقد تغذت، وشبعت، وضروعها قد أصبحت مليئة بالحليب، وأقبلت ذات جمال، وهذا يتجلى في الريف بشكل كبير جداً، عندما تخرج بين الخضرة، بين خضرة المرعى، فتأتي بألوانها الجميلة، وأشكالها الجميلة، وحركتها الجميلة، مع ما يشعر به الإنسان  من ارتياح نفسي، ويرى معه هذه الثروة، هذه النعمة، وما فيها من الفوائد والمنافع.

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}[النحل: من الآية7]، كما تحدثنا عن الإبل وفائدتها، وكانت قوافل الإبل هي التي يعتمد عليها الإنسان بشكل كبير، ولا يزال يعتمد عليها الكثير من البشر، في مناطق كثيرة في العالم، وتمر من طرق ضيقة، أو طرق صعبة، أو طرق محدودة، لا تحتاج إلى تعبيد للطرق، وشق للطرق.

{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النحل: من الآية7]، فهي من مظاهر رأفة الله ورحمته بعباده، والإنسان إذا تعامل معها كنعمة، وتأمل فيما أنعم الله عليه فيها، وتأمل في ما فيها من مظاهر قدرة الله، ورحمة الله، وكرم الله، وحكمة الله، وعلم الله، يزداد إيماناً؛ فتكون منفعتها له حتى منفعةً إيمانية.

هذه النعم أيضاً يقول الله عنها: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}[النحل: من الآية80]، أثاث، يستفاد منه في البيوت لأشياء وأغراض كثيرة جداً، ومنافع متعددة، كم يمكن الحديث عنها على المستوى التفصيلي.

فمنها:

أحسن الملابس.
وأحسن الغذاء والإدام.
ومع الزراعة تكون غذاءً مكملاً، الله جعل في الزراعة كذلك غذاء، وكساء، للإنسان، ومنافع أخرى، والكساء أيضاً في الزراعة متوفر، متوفر في القطن بشكل كبير جداً، أحسن الملابس تصنع من القطن، وهناك أشجار أخرى يصنع منها أيضاً الملابس، وكان بلدنا من أحسن البلدان إنتاجاً للملابس، ويعاني الآن من يصنعون المعاوز، ويصنعون القماش، من بعض المشاكل، ويمكن معالجة هذه المشاكل، والعناية بهذا الجانب بشكل كبير؛ حتى نؤمِّن لأنفسنا ضروريات حياتنا من أوطاننا:

ما نأكل.
ما نشرب.
ما نلبس.
الجانب الطبي.
المواد الأساسية، الجوانب الأساسية.
فالله "سبحانه وتعالى" يذكَّرنا بهذه النعم، يلفت نظرنا إلى حسن استثمارها، حسن الاستفادة منها، تمنن علينا وذلل لنا الأنعام، إلى درجة أنها تألف، تألف، الأنعام:

البقر.
الإبل.
الغنم.
الماعز.
تألف من يقوم على تربيتها، والعناية بها، والاهتمام بها، بالذات إذا كان يتعامل معها تعاملاً جيداً، تأنس به، تألفه، تُقبِل عليه، يتمكَّن من حسن الانتفاع بها بشكلٍ أفضل.

هذه نعم كبيرة جداً، ونعم من الله "سبحانه وتعالى"، ورزقنا بها؛ إنما كيف نهتم بها؟ كيف نستفيد من التقنيات الحديثة في تربية المواشي، في طرق تربيتها. كيف نهتم بها من بقية الجوانب؟ مثلاً:

يمكن أن يكون هناك اهتمام في مجالات الاستثمار في إنتاج الأعلاف، في إنتاج القوت لهذه الأنعام:
حتى يتوفر بشكل رخيص، لا يكون مكلفاً، ويتوفر بشكل واسع، لا يكون هناك أزمة في توفير احتياجاتها الغذائية، قوتها، هذه مسألة ممكنة، ومتاحة، وتطورت في العالم، تطورت في العالم، وأصبحت أيضاً من أهم ما يستثمر فيه في العالم.

طرق تربية هذه المواشي بطريقة أفضل، يحافظ عليها بشكلٍ أفضل، وتساعد على تسهيل عملية الإنتاج فيها بشكلٍ أفضل، كذلك مسألة متاحة.

الانتفاع منها بشكل واسع:
مثلاً: المشتقات من الحليب، الآن هناك عناية كبيرة في العالم بالحليب ومشتقاته، الحليب غذاء رئيسي، غذاء عالمي، من أهم الأغذية التي يعتمد عليها البشر في حياتهم، وهناك في كل العالم- بالذات في الدول الصناعية، والدول النامية- اهتمام بصناعة وإنتاج الحليب ومشتقاته على نحوٍ واسع، يمكن أن يكون هناك اهتمام في البلد بهذا الشيء، بدلاً من الاعتماد كلياً على الاستيراد من الخارج، بدلاً من استيراد الحليب المجفف، يمكن تجفيف الحليب، عندما الله يخلق الحليب لنا، نحن نقوم بتجفيفه، والاستفادة منه، وتعليبه، هذه مسألة ممكنة، يمكن للمستثمرين أن يعملوا ذلك.

هذا مجال مهم حتى على المستوى الصحي، يمكن مراعاة الجوانب الصحية، والأمانة في ذلك، فينفع الناس، ينتفع الناس على المستوى الصحي: معالجة مشكلة سوء التغذية، الحليب مما يعالجها، الأغذية الممتازة، الأغذية المفيدة، النافعة، التي:

تقدم بطريقة صحية.
تعلَّب بطريقة صحية.
تنتج بطريقة صحية.
تعالج مشكلة سوء التغذية، ومشكلة الكثير من الأمراض، تقي الناس من كثير من الأمراض؛ لأن كثيراً من الأمراض تعود:

إما إلى سوء التغذية.
أو إلى الغذاء الغير الصحي، الغذاء الملوث، الغذاء الذي أُنتج بطريقة:
أضيف إليه إما إضافات ضارة بالإنسان.
أو نُقِّصَ منه ما يفيد الإنسان.
ممكن أيضاً مع العناية بإنتاج الأعلاف، والعناية بهذا الجانب، العناية بالطب البيطري:
لأنه من المتطلبات المهمة جداً، للحفاظ على الأنعام وعلى الثروة الحيوانية، وهناك في البلد نقص في هذا الجانب كبير، يحتاج إلى:

إقبال المزيد من الطلاب، والدراسة فيه، والكوادر.
ويحتاج أيضاً إلى توفير المتطلبات الأساسية لهذا الجانب المهم جداً، وهو جانب ضروري ومهم أيضاً.
من الأشياء التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في إنتاج اللحوم: العناية حتى في مسألة المسالخ:
المسالخ التي في المدن:

كيف تكون نظيفة.
كيف تكون أيضاً الذباحة فيها بالطريقة الشرعية، ومطابقة لتعليمات الشرع، وإلا ستكون ميتة، ميتة، ويأثم من يذبحها بطريقة غير صحيحة، عليهم أن يتعلموا.
ويمكن أن يكون هناك رقابة وتأكد:

على مستوى النظافة.
على مستوى صحة المواشي، التي تذبح وتقدم من المسالخ.
وعلى مستوى الضوابط الشرعية، والنظافة.
من المهم أيضاً الرشد وحسن الاستخدام لهذه النعمة:
مثلاً: عدم الإفراط في ذبح الإناث؛ لأن الإناث ثروة ضخمة للإنتاج:

لإنتاج المزيد، وللتوالد.
وهي أيضاً مفيدة أيضاً في حليبها.
ويستفاد منها أيضاً في الصوف وغيره.
الصوف فائدة عامة، بشكل عام فيها (في إناثها، وفي غير إناثها).

فيما يتعلق أيضاً بالتهريب المفرط إلى خارج البلاد لهذه الثروة:
يفترض الحد من ذلك، لا بأس بالاستفادة التجارية منها، لكن ليس بالشكل الذي يؤثر على مدى توفرها في البلد، هذه ثروة ضخمة، وثروة مهمة، وثروة نافعة ومفيدة، ومشتقاتها كثيرة، ومنافعها كثيرة.

من الثروة الحيوانية ذات الأهمية الكبيرة، على المستوى الغذائي، والصحي، والتجاري: العسل (النحل والعسل):
النحل ثروة حيوانية ضخمة تنتج العسل، يقول الله "سبحانه وتعالى" عن هذه النعمة العظيمة: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: 68-69].

النحل من الثروات الحيوانية الضخمة، والمهمة، والعجيبة، من نعم الله العجيبة، وتنتج منتجات متنوعة، منها غذاء ملكة النحل، ومواد أخرى:

كلها ذات قيمة صحية عالية.
ذات أيضاً قيمة غذائية عالية جداً.
ولكن من أوفر وأكثر ما تنتجه هو العسل، والعسل نعمة كبيرة جداً، من أعظم النعم العجيبة على الإنسان؛ لأن قيمته الغذائية عالية جداً، وقيمته الصحية؛ لأنه:

يعزز المناعة في جسم الإنسان.
ويكافح بالتالي الكثير من الأمراض.
ويقيه ابتداءً من كثيرٍ من الأمراض.
ويقول الأطباء: أن ملعقة واحدة يومياً من العسل يستمر عليها الإنسان ستقيه- بإذن الله "سبحانه وتعالى"- من كثيرٍ من الأمراض، ملعقة واحدة يومياً، الأطفال كذلك إذا تناولوا ملعقة صغيرة من العسل يومياً بشكلٍ مستمر، يقيهم هذا من كثير من الأمراض، ويساعد أن يتمتع الإنسان بالصحة، والعافية، والقوة البدنية، ومهم جداً استثمار هذه النعمة، هذه نعمة من الله، نعمة من الله "سبحانه وتعالى".

أيضاً هناك مشاكل كبيرة طرأت فيما يتعلق بالنحل:
بالذات مع اعتماد المزارعين على المكافحات والمبيدات الحشرية لمزارعهم، التي تكاد تبيد حتى الإنسان، وليس فقط الحيوانات، وعندما تذهب النحل إلى مزرعة، وقد رشت بتلك المبيدات، يقضى عليها بالكامل، وتحصل مجزرة مروعة، في بعض المزارع تذهب إليها النحل، فلا تعود منها، تموت بين الأشجار، هذه كارثة، استخدام المزارعين للمبيدات والمكافحات، التي- كما قلنا- تكاد حتى تبيد الإنسان، بعضها:

تصيب الإنسان بالسرطان.
أو تصيب الإنسان بفيروس الكبد.
أو تصيب الإنسان بسموم قاتلة، تضر بصحته، وتدمر صحته.
تؤثر، هذا من أكثر ما أضر بالنحل في بلدنا، ولكن يمكن معالجة هذه المشكلة، ويمكن اختيار أماكن أيضاً مناسبة للنحالين والنحل.

أيضاً في الماضي- كما في الأبقار والأغنام- كانت كثيراً من الأسر زمان تقتني النحل، ويتوفر لها العسل، وموائدها عامرة:

يتوفر فيها العسل البلدي.
والحليب.
واللبن.
كذلك يتوفر فيها البيض البلدي.
والسمن.
أغذية ذات قيمة غذائية عالية.

الشعب اليمني كان أبناؤه وشبابه رجال أقوياء أصحاء، غذاء ممتاز، والآن غذاء متدهور، وفي نفس الوقت قات بكميات كبيرة:

تهزل الأجسام.
وتضعف الأعصاب.
ويؤثر هذا حتى على المستوى النفسي، والعصبي، والصحي، والبدني؛ وبالتالي على المستوى العملي.
العسل نعمة كبيرة جداً، وذو قيمة تجارية عالية، إنتاجه يوفر دخل كبير للإنسان، الذين يبيعون العسل، يبيعونه ويحصلون على مبالغ ضخمة، ويمكن أن يمثل ثروة ضخمة، ثروة وطنية ضخمة، إذا اتجه الكل إلى إنتاجه، واستفادوا من التقنيات الحديثة، التي تساعد على:

جودة الإنتاج.
وتحسين الإنتاج.
وتسهيل الإنتاج.
وتوفير الإنتاج، وبكلفة أقل.
يمكن كذلك جانب التعليم، حتى الجامعات يفترض أن ترتبط في تخصصاتها بالواقع العملي، بالواقع العملي، وهذا مما يجب أن تلتفت إليه الجهات المعنية.

فيمكن أن يكون العسل أيضاً مع أهميته التجارية، وأهميته الصحية، يحد من الأمراض، إذا توفر العسل للناس، وتغذوا منه يومياً، هذا يقيهم الكثير من الأمراض، ويوفر لهم على المستوى الاقتصادي؛ لأن الأمراض من مشاكلها أيضاً، إضافة إلى كونها مشكلة صحية في جسد الإنسان، هي مشكلة اقتصادية، من أكبر ما يستنزف الناس مالياً، يذهبون إلى المستشفيات، وإلى الوحدات الصحية، والمراكز الطبية، وأصبحت هناك أيضاً حالة من الاستغلال، فكل شيء مكلف:

العلاج مكلف.
المعاينة الطبية مكلفة.
وتتحول المشكلة إلى مشكلة وهم كبير على الناس، حتى على معيشتهم، وظروفهم المعيشية والاقتصادية، فقليلٌ من العسل يقيك عن غرامات كبيرة في العلاج، عن غرامات كبيرة في العلاج.

مع عملية إنتاج العسل من المهم الالتزام بالأمانة، الالتزام بالأمانة في إنتاجه، والحذر من الغِش:
من أكبر الجرائم الغش في كل شيء، والغش في العسل جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، ومعصية كبيرة، من كبائر الذنوب الغش، (من غشنا، فليس منا)، والذي يغش في العسل مجرم، مجرم، ويقتات بالحرام فيما يحصل عليه من دخل، ويخدع عباد الله.

أيضاً يؤثر الغش على سمعة هذا المنتج العظيم، الذي له قيمة وأهمية كبيرة، عندما يرتاب الناس في مسألة جودته، والأمانة في إنتاجه، ويشكون أنه مغشوش؛ يؤثر هذا حتى على تسويقه.

والمفترض أن يكون هناك عناية أيضاً بإنتاج هذه السلعة الثمينة، وذات القيمة التجارية والصحية والغذائية، وعناية به على المستوى الوطني، ومن ثم تصديره حتى إلى خارج البلاد، بدلاً من الاعتماد بشكل رئيسي على استيراده من الخارج.

طرق التعامل مع النحل، وطرق التعامل في إنتاج العسل، والمنتجات الأخرى ذات القيمة المهمة من النحل:
أصبحت مما يدرس، ويعلم، وارتبطت به تقنيات ووسائل حديثة مساعدة، مفيدة جداً، يمكن الالتفات إلى هذا، وأن يكون هذا مصدر رزق كبير لكثيرٍ من الناس.

فنجد أن الله "سبحانه وتعالى" أنعم علينا بنعم واسعة؛ إنما كيف نستثمر هذه النعم؟ كيف نعمل فيها بشكل صحيح؟ وكيف نشكر الله "سبحانه وتعالى" عليها؟ وكيف نتعامل معها بشكلٍ صحيح، فنستفيد منها في منافعها الواسعة، منافعها المتعددة؟

من النعم العظيمة جداً على مستوى الثروة الحيوانية: نعمة السمك، الثروة البحرية:
يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل: الآية14].

البحر نعمة، وفوائده كثيرة، منافعه كثيرة، فيه نعم كثيرة، من ضمن هذه النعم: نعمة اللحوم، الأسماك، وهي نعمة مهمة جداً، قيمتها الغذائية عالية للإنسان، من أحسن الأغذية التي يتغذى بها الإنسان (السمك)، غذاء ممتاز جداً على المستوى الصحي بفوائده الكبيرة، وأيضاً متوفر في البحر بشكل كبير.

مهم جداً العناية بهذه النعمة، بحسن استثمارها:
سواءً العناية بالبحر نفسه:

بطرق الصيد: أن تكون سليمة، صحيحة.
بالاستثمار في هذا المجال من الناس، من الجهات المعنية.
بدعم الصيادين، وتسهيل عملية الصيد.
وفي نفس الوقت ضبط عملية الصيد، لتكون بالشكل الصحيح؛ حتى لا تكون مضرة، وعبثية، وبطريقة غير سليمة، ولا صحيحة، تؤثر على عملية الشعب المرجانية في البحر، وغير ذلك.
للصيد مواسمه، للصيد نظامه المناسب، الذي يساعد على أن تبقى هذه النعمة متوفرة ومستمرة، وأن يكون إنتاجها مستمراً.

ثم ما بعد عملية الصيد:

كذلك هناك طرق لإنتاج الأسماك وتوزيعها، تتحمل لفترات وأوقات طويلة.
وهناك التعليب لهذه النعمة: حسن التعليب لها، والاستثمار بشكل أفضل لها.
هذه نعمة من النعم المتاحة، التي تحتاج فقط إلى عناية:

بتحسين الإنتاج.
بتوفير الوسائل.
بتطوير الوسائل والأساليب.
والاستفادة من التقنيات الحديثة، والتطور في هذه المجالات بكلها.

فهذه النعم العظيمة، من النعم التي ينبغي التوجه لاستثمارها، والاستفادة منها حتى إيمانياً:

في الشكر لله "سبحانه وتعالى".
في دراسة مظاهر قدرة الله، ورحمته، وكرمه، وحكمته، فيها.
وتعالج مشكلة الفقر للناس، والاستثمار فيها:

على المستوى الأسري.
على المستوى الشخصي.
على مستوى مؤسسات.
وعلى مستوى أيضاً شركات.
بتجميع رؤوس أموال.
وإنتاج منظم.
واستفادة من الوسائل والإمكانات الحديثة.
ثروة ضخمة جداً، ونعم واسعة من الله "سبحانه وتعالى"، نشكر الله "سبحانه وتعالى" عليها، وتحل مشاكل كثيرة للناس في حياتهم.

نكتفي بهذا المقدار.

قبل أن نودعكم في هذه الكلمة، لا يفوتنا أن نتوجه بالشكر لشعبنا اليمني العزيز، الذي خرج خروجاً مشرفاً، في مناسبة يوم القدس العالمي، عبَّر عن موقفه المبدئي الإيماني الصادق، بخروجه هذا، وهو يعبِّر عنه دائماً، ويترجم موقفه هذا:

في توجهه الصادق.
في صموده في مواجهة العدوان.
في ثباته على هذا الموقف الإيماني الصادق والمبدئي.
نسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن يشفي جرحانا، ويعافي مرضانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

الجمعة، 7 مايو 2021

كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي 1442هـ

كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي 1442ھ
(نص+فيديو)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
اللهم اهدنا وتقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في العشرين من شهر رمضان المبارك لعامٍ ألفٍ وثلاثمئة وتسعةٍ وتسعين للهجرة النبوية، أعلن الإمام الخميني رحمة الله عليه آخر جمعةٍ من شهر رمضان لتكون يوماً عالمياً للقدس، وطلب من جميع المسلمين في كل أنحاء العالم أن يحيوها من خلال المسيرات، والتجمعات، والفعاليات، والأنشطة المختلفة، فلماذا هذه المناسبة؟ وما هي أهميتها؟ وما هو الهدف منها؟
الإمام الخميني رضوان الله عليه قال عن هذه المناسبة بأنها: (يوم يقظة جميع الشعوب الإسلامية)، وأرادها من أجل أن تبقى قضية فلسطين حيَّةً في مشاعر المسلمين، وفي حيز اهتماماتهم، وأرادها من أجل أن تبقى مشاعر الجهاد والرفض لإسرائيل حيَّةً في مشاعر المسلمين وفي نفوسهم، وأرادها من أجل رفع مستوى الوعي تجاه هذه القضية، وتجاه مسؤولية الأمة بشأنها، وتجاه خطر العدو الإسرائيلي، وما هي الرؤية الصحيحة للموقف منه.
واختار لها هذا التوقيت المناسب: في آخر شهر رمضان المبارك، في آخر جمعةٍ منه؛ لينبِّه على أنَّ هذه المسألة من ضمن التزاماتنا الدينية والإيمانية كمسلمين، فالاهتمام بها هو اهتمامٌ بجزءٍ من التزاماتنا الإيمانية، كما الصلاة، كما الصيام... كما سائر الالتزامات الدينية والإيمانية، إضافةً إلى التَّيمن ببركة شهر رمضان، ببركة العشر الأواخر منه، وعسى أن يأتي يومٌ من أيام هذه المناسبة فتكون صبيحةً لليلة القدر، التي يكتب الله فيها لأمتنا المتغيرات المهمة على ضوء توجهاتها الإيجابية.
وهذه الرؤية هي رؤيةٌ مهمةٌ جداً، وخطوةٌ موفَّقةٌ ومسددة، والمفترض بالأمة أن تعطي هذه المناسبة ما تستحقه من الأهمية؛ لأن أهميتها تعود إلى أهمية القضية نفسها، التي جُعِلت مناسبةً من أجلها، وهي- بلا شك- مناسبةٌ تعنينا جميعاً كمسلمين.
ومن أهم ما في يوم القدس العالمي: أنه يحرِّك الشعوب، الشعوب؛ باعتبارها معنيةً بهذه القضية، وهذه مسألة مهمة جداً؛ لأنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية كلنا نعرف الفشل على المستوى الرسمي في التعامل مع هذه القضية، وفي اتخاذ الموقف الصحيح تجاهها، فمنذ بداية القضية وإلى اليوم كان هناك فشل وإخفاق رسمي على المستوى العربي والإسلامي، فشل ذريع في حسم هذه القضية، والتعامل الصحيح والناجح تجاهها.
والشعوب معنيةٌ ومسؤولةٌ بهذه المسألة، الشعوب من حيث حجم هذه المعركة، مستوى هذا التحدي، فالعدو الإسرائيلي هو ذراعٌ للوبي الصهيوني العالمي، ويتحرك إلى جانبه الغرب بكل دعم وبكل مساندة، مستوى هذا التحدي يتطلب أن تتحرك الشعوب، وليس فقط أن تبقى المسألة هذه حكراً وخاصةً ضمن الاهتمامات الرسمية العربية أو الإسلامية، دور الشعوب مطلوب في مستوى هذا التحدي والخطر، وهي أيضاً معنيةٌ؛ باعتبار أنها متضررة، ومستهدفةٌ في هذا الصراع؛ لأن الخطر الإسرائيلي هو خطرٌ على الأمة بكلها، وعلى الشعوب بأجمعها.
نحن كأمةٍ مسلمة في مختلف شعوبنا، نحن نعاني من هذا الخطر، وهذا الخطر الإسرائيلي اليهودي الصهيوني يتهددنا جميعاً، ويستهدفنا جميعاً؛ وبالتالي نحن معنيون، ولنا الحق في أن نتحرك تجاه خطرٍ يستهدفنا، إضافةً إلى أننا كأمةٍ مسلمة بكل شعوبها في موقع المسؤولية الدينية أمام الله "سبحانه وتعالى"، في أن يكون لنا موقف، وأن نتحرك في التصدي لهذا الخطر بكل الاعتبارات: باعتبار فلسطين شعباً وأرضاً جزءٌ من هذه الأمة، وباعتبار العدو الإسرائيلي عدواً يشكِّل خطراً وتهديداً علينا جميعاً.
التحرك الشعبي الواسع، التحرك الجماعي لهذه الأمة من مختلف شعوبها، لا شك أنه مؤثِّر، وأنهمفيد، وأنه يعطي زخماً كبيراً لهذه القضية، وأنهخطوة حكيمة وصحيحة، وموقف صحيح بكل الاعتبارات والمقاييس، فالتهرب من أن يكون هناك تحركٌ جماعيٌ للأمة على المستوى الشعبي والرسمي، هو بُعدٌ عما فيه الحكمة، عما فيه المسؤولية، وهو عقدة، أو حالة اشتباه وعمالة لدى البعض.
عندما نعود إلى المسار التاريخي لهذه القضية، وهذه نقطة هامة للدروس والعبر، نجد أنها منذ البداية وإلى اليوم لم تحظ بالاهتمام المطلوب على مستوى الأمة بشكلٍ عام رسمياً

وشعبياً، لم تحظ بالاهتمام المطلوب، فمنذ بداية توافد اليهود الصهاينة من مناطق مختلفة، وبلدان مختلفة على مستوى العالم العربي، وأوروبا، والغرب، إلى فلسطين، في أيام الاحتلال البريطاني، وتشكيلهم لعصابات، وبدايتهم في النشاط الاستيطاني الذي بدأ يتوسع شيئاً فشيئاً، لم يكن هناك في المقابل تحركٌ جاد بمستوى هذا الخطر، ولربما- آنذاك- كان الكثير من الناس من أبناء الأمة في تلك المرحلة لديهم قراءة خاطئة، ونظرة غير صحيحة، وتقييم لمستوى هذا الخطر تقييم غير صحيح، والشيء السلبي: أن تستمر مثل هذه القراءات الخاطئة، مثل هذه التصورات الخاطئة بشكلٍ مستمر لدى الكثير من أبناء الأمة.
عندما تنامى هذا الخطر في أيام الاحتلال البريطاني، كذلك كلما تنامى؛ لم يقابل ذلك تنامٍ بالمستوى المطلوب من أبناء أمتنا، وحتى في داخل فلسطين، كان هناك القليل ممن يتحرك، ممن يشعر بالوعي تجاه خطورة العدو الصهيوني، ممن يتحمل مسؤوليته، فينطلق على كل المستويات، القليل يتحركون، والكثير يتقاعسون ويتخاذلون، في الداخل الفلسطيني، وعلى مستوى الأمة الإسلامية بشكلٍ عام،
ما بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين، وتفاقم الخطر اليهودي الصهيوني، وتسليم بريطانيا للدور بشكلٍ كامل لليهود الصهاينة، كذلك تفاقم الخطر بشكلٍ كبير، فلم يقابل ذلك بتحركٍ بالشكل المطلوب، يواكبه مراجعات جادة لكل حالات الإخفاق والفشل؛ لأنه أتى تحرك، تحرك في مستوى معين على المستوى الرسمي، على المستوى الشعبي، ولكنه تحرك كان يخفق في كثيرٍ من المحطات، وعندما كان يخفق، لم يكن يراجع إخفاقاته على نحوٍ جادٍ وصحيح، ويستمر بكل جدية، ويستفيد من كل طاقات الأمة، ومن كل إمكاناتها ليكون حجم التعبئة، وحجم الموقف، وحجم التحرك بالمستوى المطلوب؛ ولذلك كان هناك تفاقم لهذا الخطر، وكان هناك في مقابل الإخفاق على مستوى الجانب الرسمي العربي، كان هناك نجاحات للعدو الإسرائيلي، عززت من موقفه، وساعدته ليسيطر أكثر فأكثر، وليتقوى نفوذه أكثر فأكثر، وبدعمٍ مستمرٍ غربي.
ما بعد مرحلة الإخفاق الرسمي العربي المتتالية، والفشل المستمر، حدثت هناك متغيرات في مسار هذه القضية، متغيرات ذات أهمية كبيرة جداً، متغيرات نحو النجاح، هذه المتغيرات نحو النجاح كانت تعود إلى التجربة الشعبية، من خلال تجربة حزب الله في لبنان، والمقاومة في لبنان، وما حققته من نجاح، ومن انتصارات متتالية في مواجهة العدو الإسرائيلي، والتجربة الأخرى في قطاع غزة، تجربة فلسطينية، وما حققته من نجاحات متتالية، وما حققته من انتصارات مهمة جداً في مواجهة العدو الإسرائيلي، هذه التجربة الشعبية الناجحة لم تحظ أيضاً بالاهتمام، والمساندة الواسعة، والإقبال إليها بإيجابيةٍ كاملة على المستوى الرسمي والعربي الشامل، بل كان هناك توجهات سلبية من بعض الأنظمة العربية، وتوجهات أو حالة برود من أنظمة أخرى، وإلَّا فكان المفترض في هذه المرحلة: مرحلة تحقق نجاحات مهمة، متغيرات إيجابية، انتصارات مهمة، تجربة ناجحة، أن يتم الالتفاف حول هذه التجربة الناجحة، ومساندة هذه التجربة، والعمل على تقويتها، وتطويرها، ومساندتها على نحوٍ كبير، كان هذا هو الموقف الطبيعي الواعي المسؤول.
فإذاً نجد في مسار هذه القضية ثلاث مراحل: مرحلة نشأة الكيان الصهيوني الغاصب، المجرم، المعتدي، الظالم، وبارتكابه للكثير من الجرائم الوحشية، والمجازر الجماعية، ونشأته على سيلٍ جارفٍ من الدماء، والمظلومية الكبيرة لشعب فلسطين ولأمتنا العربية، وما تلى ذلك من إخفاقات على المستوى الرسمي، ثم وصولاً إلى مرحلة التجربة الشعبية الناجحة، التي تدلل على أهمية الدور الشعبي، وتدلل كذلك على مستوى ما استند إليه هذا الدور الشعبي من عناصر للقوة، وأسباب للانتصار.
في كل هذه المراحل يتبين لنا أنَّ الوضعية التي تعاني منها الأمة على مستوى واقعها الداخلي الرسمي والشعبي، كان لها دور في تمكُّن العدو الصهيوني اليهودي من أن يقيم له كياناً غاصباً إجرامياً في قلب أمتنا، وفي داخل بلادنا الإسلامية، وهذه نقطة مهمة جداً لتؤخذ بعين الاعتبار؛ لنفهم أنَّ جزءً من مواجهتنا لهذا العدو يتجه إلى تصحيح وضعنا الداخلي، جزءً من اهتماماتنا لكسب المعركة في مواجهة هذا العدو، ولدفع خطره، يعود إلى عنايتنا بتصحيح الوضع الداخلي لأمتنا.
عندما نصل إلى هذه المرحلة، وهذا الصراع له كل هذه العقود من الزمن، وأتت فيه كل هذه المتغيرات والأحداث، يجب أن نرسِّخ في واقع أمتنا أنَّ هذا الخطر إذا استمر؛ فإنما يتفاقم، وأنَّ المسؤولية مستمرة على أمتنا في التصدي لهذا الخطر، وليست معفيةً عنه، وأنَّ هذه المسؤولية ليست منحصرةً على مستوى مثلاً الداخل الفلسطيني، أو الجوار العربي لفلسطين، هذه مسؤولية الأمة كل الأمة، والعدو الإسرائيلي هو عدوٌ بكل ما تعنيه الكلمة للأمة بكلها، ويشكِّل تهديداً وخطراً عليها، وحتى على مستوى المجتمع البشري بشكلٍ عام.
نتحدث عن بعضٍ من الحقائق المهمة، وعما يوضِّح لنا من خلال القرآن الكريم والواقع خطورة هذا العدو،

والضرورة القصوى والمسؤولية المهمة في التصدي لهذا الخطر.
العدو الإسرائيلي هو عدو، ليس فقط مجرد عدوٍ كبقية الأعداء، وإنما هو الأشد عداوةً لنا كأمةٍ مسلمة، الأشد عداوة، بين كل الأعداء هو في رأس القائمة الأشد عداوةً للمسلمين، وهذا ما أكَّد عليه القرآن الكريم بصريح العبارة، والله "سبحانه وتعالى" قال في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، فكانوا هم رقم واحد، وحتى قبل الذين أشركوا، رقم واحد في كونهم الأشد عداءً لأمتنا، فهم ليسوا بأصدقاء، هم أعداء، وهم الأشد عداءً.
القرآن الكريم تحدَّث كثيراً عن عداوتهم لنا كمسلمين وبعبارات مهمة، " قال الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم عن هذا العدو: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران: من الآية118]، بمعنى: أنهم يودُّون لكم كل ضرر؛ وبالتالي يسعون إلى إلحاق كل ضررٍ بكم، مهما كان ضرراً بالغاً، فهم يرغبون في أن يلحقوا بكم أبلغ الضرر، وأشد الضرر، على كل المستويات: خطر على حياتكم، خطر على أمنكم، خطر على اقتصادكم، يسعون إلى إلحاق الضرر بكم على أبلغ مستوى، على أشد مستويات الضرر، في كل شؤون حياتكم.
يقول عن عدائهم الشديد: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران: من الآية119]، يعيشون حالة من الشعور بالعداء نحوكم، إلى درجة أن يعضوا على أناملهم تغيظاً عليكم، وحنقاً عليكم، فحالة المشاعر العدائية لديهم هي ساخنة جداً، ساخنة جداً، تتأجج في مشاعرهم حالة العداء والكراهية والبغضاء ضد أمتنا الإسلامية.
يقول عنهم "سبحانه وتعالى" أيضاً عن عقيدة من عقائدهم الدينية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران: من الآية75]، فلديهم عقيدة دينية يستبيحوننا بها كأمةٍ مسلمة استباحةً شاملة، يستبيحون دماءنا، وقتلنا، يستبيحون الأموال، يستبيحون انتهاك الحرمات والأعراض، وهذه عقيدة عدائية خطيرة، إضافةً إلى أنها عندهم عقيدة دينية، هذه الحقائق المهمة يشهد لها الواقع:
على المستوى التاريخي: كيف حاربوا الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، كيف غدروا ونقضوا العهود والمواثيق والاتفاقيات، وكيف كان غدرهم ومكرهم، ومعروف ما حصل تاريخياً معهم.
وعلى مستوى الحاضر: كلنا يعرف أنَّ الكيان الصهيوني نشأ على أساس الاعتماد على الجرائم: جرائم القتل والإبادة الجماعية والوحشية، وارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وبحق هذه الأمة، في كل المراحل الماضية وسلوكه الإجرامي هو السلوك الثابت، العدواني، الذي قتل فيه مئات الآلاف من أبناء أمتنا الإسلامية، وبالذات من أبناء شعبنا الفلسطيني، وشرَّد الملايين، واغتصب الأراضي، ولا يزال سلوكه الإجرامي على نحوٍ يومي بحق الشعب الفلسطيني، ولا تزال أنشطته العدوانية ذات الأشكال المختلفة والمتنوعة في كل المجالات تستهدفنا كأمةٍ مسلمة.
ثقافتهم تشهد، على مستوى موروثهم الثقافي الذي يقدَّم على أنه ديني، فيه من العقائد، فيه من المفاهيم، فيه من النصوص ما يعبِّر عن عداء شديد مع استباحة، عداء شديد لنا كأمةٍ مسلمة، عداء للمجتمع البشري بشكلٍ عام، مع الاستباحة للدم، والعرض، والمال، وفي نفس الوقت مع الاحتقار الشديد، فهو يعتبروننا إلى أننا لسنا حتى بشراً حقيقيين، كمسلمين لسنا بنظرهم في موروثهم الثقافي كبشر حقيقيين.
مناهجهم المدرسية تشهد، فيها الكثير والكثير من العبارات، من التعبئة العدائية الشديدة التي يربون عليها حتى الأطفال، حتى أطفالهم.
مع سلوكهم الإجرامي، وثقافتهم، وسياساتهم، وممارساتهم العدوانية، تتجلى لنا الحقيقة الواضحة أنهم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، ومع عدوانيتهم الواضحة في ثقافتهم، في مناهجهم الدراسية، في شعاراتهم، في سياساتهم، في خططهم، في سلوكهم الإجرامي العدواني البشع المعروف، الذي سجَّله التاريخ، وسجلته الوقائع والأحداث، يحاولون بخداع عجيب أن يقدِّموا لنا صورةً مختلفة عنهم، وأنهم أصدقاء، وأنه يجب أن ننظر إليهم كأصدقاء وليس كأعداء، وتصل هذه النظرة التي يحاولون أن تحملها الأمة تجاههم، ليتبناها البعض من أبناء الأمة في هذه المرحلة، تتبناها بعض الأنظمة، وتبني عليها سياستها في التطبيع معهم، وتتبناها جماعات تكفيرية، تزعم أنها متدينة، وأنها دينية، وتبني هذه الجماعات وتلك الأنظمة التي اتجهت في سياق الولاء المعلن، والعلاقة المكشوفة المفضوحة مع العدو الإسرائيلي، تبني عليها نشاطها الإعلامي والتثقيفي حتى باسم الدين، وتحت العناوين الدينية؛ لتقدِّم صورةً مختلفة، الهدف منها: حرف بوصلة العداء، لا تبقى متوجهةً منا نحن كمسلمين تجاه ذلك العدو، الذي هو عدوٌ حقيقي أخبرنا الله عن أنه عدوٌ لنا، وهو "سبحانه وتعالى" الأعلم بمن هو العدو، حتى في سياق وهو يخبرنا أنَّ العدو اليهودي الصهيوني هو العدو الحقيقي لنا،

قال جلَّ شأنه عبارةً مهمةً جداً: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء: من الآية45]، ليست مسألة دراسة من مركز أبحاث ودراسات، استنتج منها بقرائن غامضة وخفية، أنَّ هذا عدو، أنَّ العدو اليهودي الصهيوني هو عدو هذه الأمة، لا، الذي أخبرنا بذلك، أعْلَمنا بذلك، أكَّد لنا على ذلك: هو الله "سبحانه وتعالى"، العليم بعباده، العليم بذات صدورهم، العليم بما يعملون، والخبير بما يعملون، والذي يخبر وهو يعلم الغيب والشهادة، ويعلم السر في السماوات والأرض، هو الذي أعْلَمنا بأنهم الأشد عداوةً لنا حتى، وليسوا أعداء كبقية الأعداء، وإنما الأشد عداءً، والأخطر في عدائهم لنا بين كل الأعداء، وبين قائمة كل الأعداء.
مع ذلك تأتي بعض الأنظمة، ومنها أنظمة يأتي قادتها ليقولون: [أنَّ دستورهم هو القرآن]، فإذا بهم يتبنون رؤيةً مخالفةً بشكلٍ صريحٍ للقرآن، ومتباينةً بشكلٍ كليٍ مع القرآن، فيقولون: العدو هو من؟ العدو هو الشيعة، العدو هو إيران، العدو هو جزءٌ من المسلمين، هو العدو الأشد، العدو الأخطر، العدو الذي يجب أن تتجه إليه بوصلة العداء،
ثم يريدون من الأمة أن تحرف بوصلة العداء كلياً، فلا تتجه نحو العدو الإسرائيلي، فتتجه إلى الداخل فيما بينها، لتتناحر فيما بينها تحت عناوين مذهبية وطائفية، وفي الإطار إطار التكفيري، الذي تنشط فيه الجماعات التكفيرية، في مخالفة واضحة وصريحة للقرآن، تلك الجماعات التكفيرية التي تبنت رؤية مختلفة في من هو العدو الأشد عداوة، والأخطر عداوة، مخالفةً بشكلٍ واضحٍ للقرآن، هي مكشوفة ومفضوحة، وتجلى بالشواهد الدامغة على مستوى الفعل والقول مدى ارتباطها بالأعداء، بخدمة الأعداء، بخدمة أمريكا وإسرائيل.
تلك الأنظمة يتبين لنا جميعاً، أنها وهي تحمل رؤيةً مخالفةً للقرآن، مخالفةً للواقع، مخالفةً للأحداث والوقائع المعروفة، أنها كذلك منحرفة بتوجهها، ومخدوعة، ومتجهة الاتجاه الخاطئ.
لماذا يحرص اليهود الصهاينة على أن نحمل رؤيةً مختلفةً عنهم، ألَّا ننظر إليهم كأعداء، بعد أن أخبرنا الله، وبعد أن رأينا من الواقع، وبعد أن أثبتت الأحداث أنهم هم العدو؟ لأنهم أعداء خطيرون، يريدون أن نتجه بحالة العِداء إلى اتجاهات ثانية، اتجاهات خاطئة؛ وبالتالي يتمكنون هم من مواصلة نشاطهم العدائي بأساليبهم الخطيرة الشيطانية؛ لأنهم عدوٌ ليست معركته فقط معنا معركةً عسكرية، معركته معنا شاملة، واستهدافه لنا شاملٌ في كل المجالات، والاستراتيجية التي يعتمد عليها في مواجهتنا كأمةٍ مسلمة، هذه الاستراتيجية هي: تجريدنا كأمةٍ مسلمة من كل عناصر القوة المعنوية والمادية؛ بما يسهِّل له السيطرة الكاملة علينا بأقل كلفة، ومن دون عناء، وهذا ما حرص القرآن الكريم أن ينبهنا عليه، وأن يوضِّحه لنا بشكلٍ واسع في القرآن الكريم.
ولذلك لاحظوا، والقرآن الكريم يبين لنا أنهم أعداء، ويكشف لنا الحقائق الكثيرة عنهم، ويبين لنا خطورتهم ومؤامراتهم ومكائدهم، يأتي من أول يوم ليحذِّرنا من الطاعة لهم والتولي لهم، وهذا شيءٌ غريب، لاحظوا عندما يحذرك الإنسان من عدو مثلاً، فتلقائياً الشيء الطبيعي أن يتجه إلى تنبيهك على الاستعداد للمواجهة، إلى أن ينبهك على ما تستفيد منه في الاستهداف لهذا العدو، أن يعرِّفك كيف تستهدف عدوك هذا، أمَّا أن يأتي من أول يوم ليحذرنا من الولاء للعدو، من الطاعة للعدو، فهذه مسألة غريبة جداً، ولكنها تبين لنا كيف يعمل هذا العدو، كيف يستهدفنا هذا العدو.
هذا العدو يسعى إلى الوصول بنا إلى أن نطيعه، أن نصبح أداةً بيده، أن يسيطر علينا هذه السيطرة الشاملة، التي تجعلنا أداةً في يده يستثمرنا، ويستثمر كل إمكانياتنا، ولذلك هو يشتغل على أن يبعد عنا، أن يخرج منا كل حالة الاستشعار للعداء نحوه، وأن يغير من نظرتنا إليه، وأن يكسب ولاءنا في الوقت الذي هو عدوٌ لنا، ولاؤنا له لن يغيِّر شيئاً من عدائه لنا، يبقى عدواً، هو يبقى عدواً مهما كان، يبقى متآمراً، يبقى لا يريد لنا أي خير، يبقى ساعياً فقط لكل ما يساعده على السيطرة التامة علينا، وعلى استثمارنا كأمة، واستثمار إمكاناتنا ومقدراتنا التي بين أيدينا.
وهذه نقطة خطيرة جداً؛ لأنه لا بدَّ لنا من الوعي كيف يعمل هذا العدو؛ وبالتالي ماذا علينا أن نعمل في المقابل، فيأتي في القرآن الكريم التحذير الشديد من التولي لهذا العدو، إلى درجة أن يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، هذا تحذير شديد جداً، من يتولهم فَقَدْ فَقَدَ هويته الإيمانية، وانتماءه الديني، وأصبح محسوباً منهم.
يقول الله "سبحانه وتعالى": {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]؛ ليبين أنها حالة انحراف خطير، وحالة ليست صحية، لا على المستوى الإيماني، ولا الثقافي، ولا على مستوى زكاء النفس، ولا على مستوى الوضع الطبيعي للإنسان كإنسان، أن يسارع في خدمة عدوه، في التولي لعدوه، في العمل لصالح عدوه.

ُيقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: الآية100]، فنلاحظ تحذيره من طاعتهم؛ لأنهم في خبثهم، وبوسائلهم الشيطانية الماكرة، وأساليبهم الشيطانية الماكرة، يصلون بالبعض إلى أن يكون مطيعاً لهم؛ وبالتالي يعمل لتنفيذ مخططاتهم، لتنفيذ مؤامراتهم، للعمل وفق سياساتهم، وفق املاءاتهم، وفق توجيهاتهم، وفق أوامرهم، بما يخدمهم ويضر بالأمة، ويضر به، بما يمثل ارتداداً عن الإسلام في مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، وتعليماته، ومنهجه العظيم، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأنها تبين لنا جوانب خطيرة جداً في الصراع مع هذا العدو، يترتب عليها الخطوات العملية المقابلة لمثل هكذا مساعي، ومؤامرات، وأساليب، وخطط.
يبين لنا القرآن الكريم أنهم يسعون إلى أن يسلبوا منا وأن يجرِّدونا من كل عناصر القوة المعنوية، وفي مقدِّمتها: صلتنا بالله "سبحانه وتعالى"، الصلة الإيمانية، أن يفصلونا عن هذه الصلة؛ حتى لا نحظى بتأييد الله "سبحانه وتعالى"، بنصره، بمعونته، بهدايته، وسعيهم لأن يردونا بعد إيماننا كافرين؛ لأنهم يعرفون أنَّ الصلة بالله هي صلة إيمانية، أنَّ الصلة بنصر الله وتأييده هي صلة إيمانية، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: من الآية38].
سعيهم لأن يحوِّلوا هذه الأمة إلى أمة ترتد عن إيمانها، يتبعه نشاط واسع على كل المستويات: نشاط سياسي، نشاط ثقافي، نشاط فكري، نشاط واسع جداً، نشاط على المستوى الأخلاقي؛ لضرب الأمة في أخلاقها، التحريف للمفاهيم، اللبس للحق بالباطل، وأحياناً تأتي الكثير من هذه الأنشطة بأساليب غير مباشرة، على أيدي البعض من المحسوبين على الأمة: كُتَّاب من أبناء الأمة، أحزاب، اتجاهات تكتب، تتحدث، تتبنى أفكار، ثقافات، مفاهيم، تفصل الأمة عن هذه الصلة بالله "سبحانه وتعالى"، تجرِّد الأمة من هويتها الإيمانية، تبعدها عن انتمائها الإيماني، فهم يفصلون الأمة على المستوى المبدئي، والعقائدي، والثقافي، والفكري، والأخلاقي، والسلوكي، عن مقتضيات وارتباطات الانتماء الإيماني، وهذا الفصل عن الانتماء الإيماني يدخل من البوابة السياسية على نحوٍ واسع، من البوابة الثقافية والفكرية على نحوٍ واسع، ويشتغلون عليه بنشاطٍ واسعٍ ومتنوع، والكلام عن هذا يطول، لكنه توصيفٌ إجمالي.
ولهذا يحذِّرنا الله منهم، فيقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، ويجب أن يتلمَّس الإنسان تجاه كل خطوة، كل ما يقدَّم وهو يفصل الناس عن انتمائهم الإيماني، ما كان بشكل عقائدي، ما كان بشكل ثقافي وفكري، ما كان بشكل أخلاقي وسلوكي، ولو كان له قناع ذو وجه عربي أو إسلامي، فإنَّ وراءه اليهود، وراءه اليهود الصهاينة، وراءه مساعيهم الشيطانية لأن يفصلوا الأمة عن انتمائها الإيماني على كل المستويات، وبكل أسلوبٍ خبيثٍ وماكر.
يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية44]، وتكرر الحديث عنهم في القرآن الكريم أنهم يريدون، ويودون، ويسعون، ويعملون لإضلالنا، يعملون على أن نضل، على أن نكون أمةً ضالة، ضالة على كل المستويات، يتسرب هذا التضليل من جانبهم بأساليبهم الماكرة، وأحياناً عبر أدواتهم، عبر عملائهم، عبر المرتبطين بهم، يتسرب إلى الثقافة، إلى العقيدة، إلى المفاهيم، إلى الرأي العام تجاه قضايا كثيرة جداً، فإذا بالناس يحملون أحياناً عقائد ضالة هم وراء تسريبها، هم وراء زرعها في الاتجاه العقائدي للأمة، فإذا بالناس يحملون مفاهيم، والكثير منها هم من عمل على أن يدسها في ثقافة الأمة، وهي مفاهيم خطيرة تخدمهم، وتضل الأمة وتضيعها عن المفاهيم الصحيحة، عن الرؤية الصائبة، ثم على مستوى الرؤية، يحاولون أن يؤثروا في الرؤية لدى الأمة تجاه مختلف القضايا، وبالذات فيما يتعلق بالصراع معهم، وبالذات فيما يتعلق بكل ما يبني الأمة لتكون بمستوى مواجهتهم.
على مستوى التأثير على الرأي العام من خلال النشاط الإعلامي الذي يزيِّف الحقائق، ويزيِّف صورة الأمور، ويزيِّف النظرة إلى كثيرٍ من الأمور، لهم نشاط واسع جداً، ومن أهم ما يركِّزون عليه: التأثير على الرأي العام، ولذلك يجب أن نكون على يقظة تامة، وأن ندرك جيداً، وأن نعي جيداً: أنَّ كثيراً مما نسمعه من الرؤى والتحليلات والتصورات مما يخدمهم، إنما هم وراء ذلك ولديهم أساليبهم التي يوصلون ما يؤثِّر على الرأي العام، ما يؤثِّر على الرؤية العامة على مستوى الشعوب، أو على مستوى الحكومات، أو على مستوى الاتجاهات والكيانات،  هم يعملون على ذلك، وكيف يوصلونها بطريقة أو بأخرى.

التضليل على مستوى الجانب المعلوماتي: يقدمون معلومات مخادعة، على المستوى الاستشاري في مراكز الدراسات والأبحاث، ومن الغبن الشديد لبعض الأنظمة العربية أنها تعتمد عليهم مع الانبهار بهم، تعتمد على معلوماتهم، تعتمد على مراكز دراساتهم وأبحاثهم في الأمور السياسية، والقضايا المهمة، فيستطيعون أن يقدِّموا -وبصفة استشارية- رؤى مخادعة، رؤى مخطئة، رؤى غير صائبة أبداً، ومنها ما يتجه بالإنسان إلى أن يتبنى عداءً لبديلٍ عنهم، عداءً لمن يعاديهم هم؛ حتى تصبح الرؤية تجاه العدو والصديق رؤية خاطئة تماماً، حتى ينصرف البعض، وتنصرف بعض الجهات عن الأولويات الصحيحة، عن المواقف الصحيحة، عن الاتجاهات الصحيحة، نتيجةً لهذا التضليل، التضليل الواسع، الذي يأتي عبر وسائل كثيرة، وبأساليب كثيرة جداً.
من أهم ما نبه عليه القرآن الكريم وحذر منه فيما يتعلق بهم، هو الإفساد، وقال عنهم أنهم: يسعون في الأرض فساداً، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: من الآية64]، ومعنى هذا: أنهم يعملون بكل الوسائل، بكل الأساليب، على نشر الفساد في كل المجالات، وفي مقدمته: الفساد الأخلاقي، هم يعملون بكل وسيلة، بكل جهد، إلى انتشار الرذائل، إلى انتشار الفساد الأخلاقي، إلى انتشار جرائم الزنا والفساد الأخلاقي على نحوٍ واسع، إلى تفكيك الأسر والمجتمعات، وضرب اللبنة الأولى في تأسيس المجتمعات، التي هي الأسرة، هذا مخطط رئيسي بالنسبة لهم، ومسعىً يستمرون في العمل عليه بكل الوسائل وبكل الأساليب، وفي هذا العصر يستغلون التقنيات والإمكانات المعاصرة، والوسائل المعاصرة، التي يمكن أن تستغل على نحوٍ واسع لنشر الفساد وما يوصل إلى الفساد، وما يسبب إلى الفساد، وهم وراء نشر الكثير من الثقافات، والمفاهيم الخاطئة، التي تخرج المرأة عن حشمتها، التي تكسر الحواجز والضوابط الشرعية والأخلاقية ما بين الرجل والمرأة، والتي تسعى إلى نشر الفساد بشكلٍ واسع على هذا المستوى، وكذلك على بقية المستويات.
معنى هذا: أنهم يعملون بجدٍ واهتمامٍ كبير في هذا المجال؛ لأنه يخدمهم، يخدمهم في تفكيك المجتمع، يخدمهم في ضرب الأسرة، حتى لا تبقى هذه اللبنة الأساسية في المجتمع قائمة، يخدمهم في ضرب النفوس، في تحطيم النفوس، في تمييع النفوس، في تطويعها، والسيطرة عليها وإخضاعها، يخدمهم في ضرب الروح المعنوية لدى الأمة ولدى شعوبها.
مما أخبر عنهم أنهم يحرصون على سياسة التفريق، وبلغوا فيها إلى النهايات، يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، يسعون إلى أن يفرقوا، ويتعلمون إلى أن يفرقوا حتى- كما قال الله عنهم- ما بين المرء وزوجه، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة : 102]، إلى هذا المستوى، ومعنى هذا: أنهم يعملون على تفريق الناس بكل الوسائل، وعملوا على هذا، عملوا على هذا، وحققوا خطوات كبيرة في تفريق الأمة الإسلامية، فرقوا الأمة الإسلامية وقطعوا أوصالها، على المستوى الجغرافي والسياسي أوجدوا بينها الحواجز الكبيرة جداً، ثم يسعون لتوظيف الخلافات المذهبية، من خلال الشحن الطائفي والعداوات المذهبية إلى أنهى مستوى، ثم يستمرون إلى بعثرة الشعوب، كل شعبٍ في داخله، وتجزئة هذا المجزأ من أبناء الأمة تحت كل العناوين: العناوين السياسية يجزئون الأمة من خلالها باستمرار، ويبعثرونها إلى كيانات، وبشكلٍ مستمر، كيانات بعد كيانات بعد كيانات، ويشجعونها على المزيد والمزيد من الفرقة والاختلاف في كل شيء، ألَّا يكون لها رأيٌ واحد، ولا كلمةٌ واحدة، ولا منهجٌ واحد، ولا موقفٌ واحد، ولا توجهٌ واحد، وأن تكون مبعثرة، متفرقة، مختلفة في كل شيء، تختلف أنظارها في كل شيء، وآراؤها في كل شيء، وأن تتباين في كل شيء، وألَّا تتفق على شيء، لديهم نشاط واسع في الإطار السياسي، وتحت العناوين السياسية، والأساليب السياسية، في هذا الاتجاه.
وعلى المستوى الثقافي والفكري، وعلى المستوى الديني، لا يزالون يعملون على المزيد والمزيد من الفرقة والفرقة والفرقة، والشتات، والبعثرة، عمل نشط جداً، وحتى على المستوى الاجتماعي: إثارة مشاكل وحساسيات بين الرجل، والمرأة، والشباب، والكبار، والصغار، وعلى المستوى المناطقي هم يعملون على ذلك، ويستغلون المعقدين، والذين لديهم مشاكل وعقد نفسية، وفكرية، وثقافية، في هذه الإشكالات وإثارتها.
يعملون بكل جهد على توظيف كل المشاكل، والأزمات، والخلافات، والتباينات، إلى أقصى حد، وباتت هذه مشكلة مؤثرة على واقع أمتنا، ومضعفة لأمتنا، ومؤثرة على نهضتها، مؤثرة حتى على مستوى أن تسير في حياتها بشكل اعتيادي وطبيعي، ما بالك بأن تنهض، أزمات كبيرة في أمتنا الإسلامية في هذه الدولة، وتلك الدولة، والدولة الأخرى، أزمات سياسية، أزمات اقتصادية، أزمات اجتماعية، أزمات أمنية، مشاكل على كل المستويات، تجعلها غارقة في مشاكلها وأزماتها، وفي حالة من الإحباط والضغط الكبير.

يسعون أيضاً إلى تجريد أمتنا من كل عناصر القوة المادية، على المستوى الاقتصادي، كما قال الله عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: من الآية105]، لا يريدون لنا أي خير، الله هو الذي يخبرنا  بذلك، ليس مركز دراسات وأبحاث مشبوه، أو خاطئ وقاصر في قراءته وفي معطياته، الله هو الذي يخبرنا عنهم: أنهم ما يودون لنا أي خير، لا معنوي ولا مادي، ولذلك لهم دور كبير في أن يبقى وضعنا الاقتصادي، كأمةٍ مسلمة على ما هو عليه من السوء والتردي، وأن تبقى أمتنا مجرد سوقٍ استهلاكية لمنتجاتهم وبضائعهم، وألَّا نكون أمةً قوية تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي، ألاَّ نكون أمةً منتجة، تستثمر خيراتها ونعم الله عليها، لتكون أمةً، قويةً مصنعةً منتجةً، تعتمد على ما منحها الله "سبحانه وتعالى"  من النعم، فيعملون بشكلٍ مستمر أن نبقى أمةً تعتمد عليهم اقتصادياً في كل شيء، وأمةً تعيش الأزمات الاقتصادية، أمةً تعتمد سياسات اقتصادية خاطئة، مفلسة، تصنع المزيد، وتنتج المزيد من الأزمات والمشاكل الاقتصادية والبؤس.
لديهم أيضاً سعي لأن يؤثروا على مستوى التوجهات والسياسيات الاقتصادية، وأن يؤثروا أيضاً على النهضة العلمية، فلا تنهض الأمة علمياً، ولهذا ينزعجون انزعاجاً شديداً من نهضة الجمهورية الإسلامية في إيران، يستهدفون علماءها، فيعملون على اغتيالهم، وعلى قتلهم؛ لأنهم لا يريدون أن ينهض أي شعبٍ مسلم، أن يمتلك العلم والمعرفة، التي تساعده على بناء نهضة وحضارة، وأن يبني وضعه الاقتصادي على أساسٍ صحيح، فهم يحاربون ذلك بشكلٍ واضح.
هم يريدون أن تبقى هذه الأمة سوقاً استهلاكية لمنتجاتهم، وأن تذهب كل الأموال إلى بنوكهم وإلى جيوبهم، أن يستأثروا بالمواد الخام في هذه الأمة، وعندما يعيدون إنتاجها، وحصلوا عليها بالمجان، أو بأبخس الأثمان، يعيدون تصديرها إلينا، ليحصلوا في المقابل على أموال هائلة جداً، فنبقى دائماً ندفع لهم، ومن واقع بؤس، وفقر، وحرمان، وعناء.
سعيهم أيضاً لمنع امتلاك القدرات العسكرية لهذه الأمة، وبالذات على أساسٍ من الاستقلال، وهذا واضحٌ جداً، هم يسعون فيما يتعلق بهم أن يمتلكوا أفتك أنواع الأسلحة، وسعى الكيان الإسرائيلي إلى أن يمتلك حتى السلاح النووي، وأنشطته واهتماماته العسكرية معروفة، لا مثيل لها في منطقتنا بشكلٍ عام، تعبئة عامة، نشاط مستمر، سعي مستمر لتقوية جيشه، للاستفادة من كل وسائل العصر، سعي للحصول على كل جديد من الأسلحة المهمة، والفتاكة، والتقنيات العسكرية المتطورة، سعي مستمر.
بينما في واقعنا هناك عمل جاد لمنع بلدان أمتنا من امتلاك قدرات عسكرية قوية، جيدة، ولهذا انزعاجهم الكبير من الجمهورية الإسلامية في إيران، ألَّا تطور أسلحتها الصاروخية، انزعاجهم الواضح من شعبنا اليمني، ومما بات يمتلكه من قدرات عسكرية، انزعاجهم الجنوني من اقتناء حزب الله للسلاح، ومن ترسانته العسكرية، انزعاجهم الشديد جداً من امتلاك المجاهدين في فلسطين للسلاح، وانزعاجهم الشديد من أن تتطور هذه القدرات، وأن تمتلك شعوبنا المزيد من القدرات العسكرية، هذه بالنسبة لهم مسألة حساسة جداً، يعملون على محاربتها بكل جهد، ويسعون إلى الحيلولة دونها بكل الوسائل، حتى على مستوى الثقافة العامة، يحاولون أن يقدموا صورة وفكرة عامة لدى شعوب أمتنا، يبعدونها من خلالها عن الأخذ بعناصر القوة، عن إعداد ما تستطيع من القوة، عن السعي لأن تكون أمةً قوية على كل المستويات، وأن تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية، وسائر القدرات وعناصر القوة اللازمة.
ولهذا نلاحظ أنهم يسعون أن تبقى مسألة القدرات العسكرية في حدود ما يمتلكه عملاؤهم، بمقدار ما ينفذونه لخدمتهم، فهذا المسموح به لهذه الأمة، أن تمتلك من القدرات العسكرية ما تنفذ به مخططاتهم، ومؤامراتهم فقط؛ أما غير ذلك فهم يسعون إلى محاربة هذه الأمة، هذه الشعوب، ألَّا تمتلك القدرات العسكرية، ولا السلاح العسكري، ويجعلون هذه مشكلة، ويحاولون أن ينظر إليها على أنها مشكلة، وأنها سلبية، وأن أي شعب من هذه الشعوب يمتلك القدرة العسكرية يجب أن يجرد من هذه القدرة، ويجب أن تسحب منه هذه القدرة، وأن يبقى هذا فقط لهم هم، أن يبقى لهم هم الحق في أن يمتلكوا كل أنواع السلاح، حتى النووي؛ بينما شعوب هذه الأمة ليس مسموحاً لها أن تمتلك أي نوع من أنواع السلاح، وهذه مسألة معروفة وواضحة.
ومع ذلك، مع كل مؤامراتهم ومكرهم وكيدهم، وسجلهم الإجرامي بحق هذه الأمة، وما قد قتلوا، وما يفعلونه يومياً من الممارسات الإجرامية في فلسطين، وفي غير فلسطين، وأنشطتهم المستمرة في استهداف هذه الأمة في كل المجالات، يقدمون عنوان السلام للخداع فقط، ليس للسلام الذي يقدمونه من مضمون فعلي، إلا الاستسلام لهم من خلال التبعية لهم، وتنفيذ مؤامراتهم ومخططاتهم، يريد أن يحتل الأرض، أن يقتل مئات الآلاف، وأن يأتي من هذا الواقع الذي بنى فيه كياناً غير شرعي،

مسيطراً على أرضٍ من أرض الأمة، مضطهداً لشعبٍ من شعوب الأمة، ومسيطراً أيضاً على أراضٍ أخرى، ومناطق أخرى، من واقعه العدواني الإجرامي، المغتصب، المستمر في مؤامراته، ليقدم عنوان (السلام)، وهذا مجرد خداع؛ لأنه على ما هو عليه من احتلال، على ما هو عليه من سلوك إجرامي، على ما هو عليه من اضطهاد لأبناء هذه الأمة، ولجزءٍ من أبنائها، على ما هو عليه من مؤامرات وحقد وعداء أخبر الله عنه، وأخبر الواقع عنه، ثم ليقدم عنوان السلام كمجرد خداع، وليس هناك من مضمون إلا ماذا؟ إلا الاستسلام؛ لأنه يريد أن يبقى الأمر كما هو، وأن يأتي من هذا الواقع الذي هو فيه وأن يتم التعامل معه بما هو عليه، وتحت عنوان السلام، معنى هذا هو الاستسلام، معنى هذا هو تمكينه من النفوذ في بقية بلدان هذه المنطقة، من التأثير، من التحرك بمؤامراته والاستمرار في مؤامراته بأقل كلفة.
ولهذا يجب أن تكون أمتنا على وعيٍ تام أنه عدوٌ مخادع، وأنه مستمرٌ في مؤامراته، وأنه يريد مما هو فيه وما هو عليه، وما هو مواصلٌ ومستمرٌ فيه: أن يقدم هذا العنوان لمجرد الخداع، وليحظى من خلاله بتبعية البعض تحت هذا الغطاء، وهي حالة تبعية له، في مؤامراته، في إجرامه، في سياساته العدائية بحق هذه الأمة.
هذا العدو مهما فعل، ومهما يشكله من خطورة، ومهما قد فعله في كل هذه المراحل الماضية، فإننا نصل إلى حقيقة الحتميات الثلاث، الحتميات الثلاث التي هي نهاية لكل هذا الصراع ومآلات هذا الصراع، ومآلات هذا العدو إليها حتمية، الحتميات الثلاث قدمها القرآن الكريم، ويجب أن نعيها جيداً:
الحتمية الأولى: هي هزيمة هذا العدو: هذه مسألة محتومة أكد عليها الله في القرآن الكريم، في الوقت الذي أخبر الله فيه في بداية سورة الإسراء عن هذا العدو، عن خطورته، عن فساده في الأرض، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء: من الآية4]، أخبر في نفس الوقت عن حتمية سقوط هذا العدو، وهزيمة هذا العدو، وفشل هذا العدو، وأن هذه النهاية حتمية، فيقول الله "سبحانه وتعالى": {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا}، يعني: وعد المرة الآخرة من المرتين، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء: من الآية7]، فهو يبين هنا النتيجة الحتمية لسقوط هذا العدو، وهزيمة هذا عدو، وهذه طمأنة كبيرة جداً، وهذا هو مقتضى العدل الإلهي، مقتضى العدل الإلهي، كيان بهذه الإجرامية، بهذا الإفساد، بهذا التضليل، بهذا العداء لله ولرسله ولأنبيائه ولعباده، بهذا السلوك الإجرامي، مآله هو الهزيمة، هو السقوط، هو هذه النهاية المحتومة.
الحتمية الثانية: حتمية خسارة الموالين له: أن الذين يوالون هذا العدو، ودخلوا في رهانات خاطئة، وتصورات باطلة، وأوهام وسذاجة وغباء، دفعهم إليها ما هم عليه من المرض في قلوبهم، الانحطاط الأخلاقي والإنساني، يقول الله "سبحانه وتعالى": {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، وعسى من الله هي وعد، ليست تخمينات، ليست احتمالات، هي وعدٌ قاطع، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: 52-53]، إن كل هؤلاء المطبعين والمطبلين للتطبيع، والمتجهين علناً أو سراً في الولاء للعدو الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، واللوبي اليهودي في العالم، مهما فعلوا، مهما كانت تبريراتهم، مهما كانت إمكانياتهم، تصوراتهم خاطئة، ورهاناتهم ساقطة، وفشلهم، وخسرانهم، وندمهم هو النتيجة الحتمية، ومآل أمرهم إلى ذلك حتماً، لا شك في ذلك، لا شك في ذلك.
الحتمية الثالثة: هي غلبة عباد الله، المؤمنين، الذين وثقوا به، الذين عندما اتجه العدو ليستقطب أبناء هذه الأمة، ليكونوا موالين له، كان ولاؤهم هم لله "سبحانه وتعالى"، ولاؤهم في الاتجاه الصحيح، ارتباطهم وثقتهم بالله "سبحانه وتعالى"، وتوكلهم عليه، فكان نتاج ذلك ثباتهم على الموقف الحق، على الموقف الصحيح، على الاتجاه الصحيح.
لاحظوا، الله أخبر عن العدو الإسرائيلي أنه عدو، حتى على المستوى الرسمي العربي كان هناك اعتراف بأنه عدو للأمة، كان هذا محط اعتراف في الجامعة العربية، في منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً، وكانت هذه مسألة معروفة لدى الجميع، الذي ارتد عن هذا إلى مسار التطبيع والولاء لإسرائيل علناً بعد أن كان سراً: هو يخرج عن هذه الحقيقة، هو أوقع نفسه في اتجاه يخسر فيه لا شك في ذلك.

فالاتجاه الأصيل الثابت الصحيح، الذي تعتمد فيه الأمة على الله "سبحانه وتعالى"، تتوكل عليه، تلتجئ إليه، تجاهد في سبيله، تسير وفق هديه، تعتمد على منهجه، وتنهض بمسؤولياتها وواجباتها في الدفع لهذا الخطر، بالاعتماد على الله "سبحانه وتعالى"، هذا يؤهل الأمة لتكون حزباً لله، ينصرها الله، ويعينها، ويؤيدها.
فالحتمية الثالثة: هي غلبة حزب الله، حزب الله هم هؤلاء الذين يتجهون هذا الاتجاه في الولاء لله "سبحانه وتعالى"، والثقة به، والتوكل عليه، ويعتمدون على منهجه، يسيرون وفق توجيهاته، يهتدون بهديه، ينهضون بمسؤولياتهم وواجباتهم،{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 56].
فمآلات هذا الصراع الحتمية هي في هذه الثلاث:
في هزيمة العدو.
في خسارة الموالين له.
في انتصار المؤمنين الذين ينطلقون على أساس هدي الله.
وهذا هو الموقف الصحيح الذي يجب أن تتوجه الأمة على أساسه، وأن تتحرك بمقتضاه، هذا هو التوجه الصحيح، والخيار الصحيح، وإيجابياته كبيرة في واقع الأمة؛ لأنه يمثل عاملاً لنهضتها، لأخذها بأسباب القوة، لاحتمائها من هذا الخطر في كل أشكاله، في كل ثغراته التي ينفذ منها، ويتسلل إلى الأمة عبرها، ونجد إيجابيات هذا الموقف في من يتبناه، في من ينطلق على أساسه، هم الأحرص على امتلاك هذه الأمة على عناصر القوة، هم الأحرص على أن تكون هذه الأمة متوحدة وقوية ومتآخية، وواعية وفاهمة، هم الأحرص على أن يتصدوا لكل محاولات الفتنة في داخل هذه الأمة، هم الأحرص على بناء القدرات، وتحصين هذه الأمة، إيجابية واضحة جداً.
نجد أيضاً في المنهج القرآني- مع وضوح أنشطة هذا العدو- أن علينا أن نعمل على تحصين أمتنا من الولاء له على أن يكون هناك نشاط تعبوي مستمر للعداء لهذا العدو، للحذر من كل الثغرات التي ينفذ فيها، أن ننزل في كل ميدان بوعي: ميدان المعركة الثقافية، المعركة الفكرية، المعركة السياسية، المعركة في الميدان الإنساني والأخلاقي المعركة في كل مجال، وأن ندرك أن مع العدو جيشاً من نفس أبناء الأمة يشتغل به في كل ميدان: في المجال الثقافي، والفكري، والسياسي، أن من يصدر إلى أمتنا تلك الأفكار المشبوهة، تلك المفاهيم الخاطئة، التي تضل الأمة، أو تفسدها، هو اليهود، هم اليهود الصهاينة، عبر عملائهم، عبر وكلائهم، عبر خدامهم الذين يشتغلون في ذلك، وأن نسعى لتفعيل ساحتنا الداخلية على كل المستويات، وأن نعمل على تفعيل المقاطعة، مع الشعارات التي تستنهض الأمة في العداء لهذا العدو، وترسخ هذه الحقيقة في أنه العدو، ويتمثل حافزاً مهماً للاتجاه في كل عناصر وأسباب القوة المعنوية والمادية في كل المجالات، أن نعمل على تقوية المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، هذه نقطة مهمة جداً، لأن أكثر ما يفيد العدو على المستوى الاقتصادي والمادي هو بضائعه، هو تجارته، التي يعمل على الترويج لها، وعلى نشرها، وسلاح المقاطعة سلاح فعال، وباستطاعة كل إنسان أن يفعله، وهو موقفٌ مسؤولٌ وواعٍ، وهو من أقل ما يجب علينا، من أقل ما يجب علينا، سلاح فعال، سلاح مهم.
 الله "سبحانه وتعالى" أمر المسلمين في زمن رسول الله "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله" أن يقاطعوا (مفردة) كلمة كان العدو يستفيد منها في معنىً من معانيها، {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة: من الآية104]، فكيف لا نقاطع البضائع التي تذهب من خلالها مليارات الدولارات إلى جيوب الأعداء، ويستفيدون منها في محاربة أمتنا، وفي دعم موقفهم ضدنا، وفي تعزيز قدراتهم العسكرية لمواجهتنا، هذه مسألة مهمة جداً.
أما سلبيات المواقف الأخرى: موقف العمالة، اتجاه العمالة: هو اتجاه خاسر، يمكِّن إسرائيل، يمكِّن العدو اليهودي، اللوبي اليهودي العالمي، من إخضاع من يخضع له، واستغلاله بدون محبة، {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران : 119]، بدون محبة، مع أنه سيبقى عدواً حتى لهم؛ إنما يستغلهم.
سلبية اتجاه موقف الجمود: الجمود هو استسلام، الجمود هو تمكينٌ للعدو، الجمود هو تكبيلٌ للأمة، تكبيلٌ للأمة عن التحرك، مخالفة لمنهج القرآن الكريم، الجمود يترتب عليه تعاملٌ باستهتار تجاه هذا الخطر وتجاه كل قضايا الأمة، كل واقع الأمة، من لديهم اتجاه في العمالة، أو الجمود، هم الأكثر سلبية في الواقع الداخلي للأمة، ليس عندهم أي حرص على وحدة كلمة الأمة، ولا على أن تكون أمةً قوية، ولا على معالجة أي مشاكل من مشاكلها بكل جدية.
إذاً الاتجاه الصحيح واضح، يبقى أن يكون المسار مستمراً، وأن يكون هناك جدية كبيرة جداً في الحديث عن هذا العدو، والأنشطة العملية على كل المستويات.

في الختام: نؤكد أولاً على ثباتنا على موقفنا المبدئي الإيماني، في مناصرة الشعب الفلسطيني، والوقوف مع كل الأحرار في أمتنا، ومحور المقاومة، في السعي لتطهير كل بلاد المسلمين من العدو الإسرائيلي وتحرير المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف.
ثانياً: نؤكد وقوفنا مع كل شعوب أمتنا في كل قضاياها ومظلومياتها في العراق، ولبنان، وسوريا، والبحرين، والأقليات المسلمة المضطهدة في سائر أنحاء المعمورة.
أتوجه إلى شعبنا اليمني العزيز، يمن الإيمان، يمن المواقف الإيمانية، يمن الرجولة والشجاعة والثبات، يمن التضحية والصمود، بهويتك الإيمانية أنت يا شعبنا اليمني، أنت تمثل إزعاجاً كبيراً لهذا العدو الإسرائيلي، من بداية ثورتك الشعبية وهو يعلن ويعبر عن انزعاجه الشديد منك، من ثورتك، من مسارك التحرري، من مسيرتك القرآنية، من توجهك القرآني، من وعيك، من تحركك الجاد، إلى درجة أنه قال: أنك تشكل خطورةً عليه أكبر من النووي الإيراني، ينزعج اليوم من تطويرك لقدراتك العسكرية؛ لأنها قدرات معها وعي، معها إيمان، معها موقفٌ صحيح، موقفٌ ثابت، موقفٌ صامد، موقفٌ لا يتغير بفعل الضغوط، ولا بفعل عدوان العملاء والخونة والأدوات التي يعتمد عليها الأعداء، ولذلك كنت بارزاً في موقفك، صادقاً في موقفك، جاداً في موقفك وتوجهك، في كل مناسبات يوم القدس الماضية كان لك الحضور البارز، والحضور المشهود، والحضور المشرف في الساحات، وأنت تعبر عن موقفك الصادق، آمل في يوم الغد- إن شاء الله- أن يكون الحضور في هذا العام، في يوم القدس العالمي، عصر غد الجمعة، مشرفاً، كما في الأعوام الماضية، وحضوراً يعبر عن هذا الانتماء الإيماني الأصيل، عن هذا الوعي القرآني لشعبنا العزيز، عن رجولته، وشهامته، وشجاعته، وعطائه، وإبائه، وثباته.
في نهاية المطاف نسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

هل يعي النظام السعودي الخطر القادن

هل يعي النظام السعودي الخطر القادم ✍ أبو يحيى الجرموزي  النظام السعودي ومن خلال المراوغة والهدنة القاصرة يبدوا انه استغل التواضع والحكمة ال...