السبت، 8 مايو 2021

نص المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ

المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 25 رمضان 1442هـ 07-05-2021
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

نستكمل الحديث على ضوء الآية المباركة في سورة الأنعام، وفي إطار النص القرآني المبارك، في قول الله "سبحانه وتعالى": {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151].

تحدَّثنا عن بعضٍ من نعم الله "سبحانه وتعالى"، على ضوء بعض الآيات القرآنية، فيما خلقه الله "سبحانه وتعالى" من الثروة النباتية للإنسان، وما فيها من النعم الواسعة جداً، والتي إن أحسن الإنسان استثمارها؛ ينتفع منها في حياته انتفاعاً واسعاً، وتعالج له مشكلة الفقر، ويتوفر له من خلالها احتياجاته الأساسية.

وفي محاضرة اليوم، نتحدث أيضاً عن نعمةٍ من نعم الله الكبيرة على هذا الإنسان، من نعم الله العظيمة على هذا الإنسان، ومن رزقه الواسع "سبحانه وتعالى":

هي ما أنعم الله به علينا كبشر من الأنعام والثروة الحيوانية:

الثروة الحيوانية نعمة كبيرة جداً على الإنسان، والثروة الحيوانية هي توأم الزراعة، فيما ينتفع به هذا الإنسان منها من منافع واسعة، وبأشكال متعددة.

يقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}[يس: 71-73].

الأنعـــــام، هي تشمل:
الإبل.
والبقر.
والضأن.
والماعز.
كلها يطلق عليها أنعام، وهي من النعم العظيمة، التي أنعم الله بها على المجتمع البشري.

ومن عجيب ما منَّ الله به في هذه النعم: أنها مع كبر حجمها، بالذات الإبل، والبقر، حجم كبير وقوي، ولكنَّ الله "سبحانه وتعالى" سخَّرها للإنسان، ذللها للإنسان، ومكَّن الإنسان من اقتنائها، ومكَّنه من الانتفاع بها في جوانب كثيرة:

في غذائه.
وكذلك فيما يتعلق بالإبل في ركوبه ونقله عليها الأثقال.
والمنافع الكبيرة أيضاً في البقر، مثلاً: في الثور مسخَّر أيضاً للاستفادة منه فيما يتعلق بالزراعة.
فتهيئة الله لهذه الحيوانات لأن يتمكَّن الإنسان من اقتنائها، وتملُّكها، وأن تكون مذللةً لهم، وأن يتهيأ له الانتفاع منها بسهولة، هذه بحد ذاتها نعمة كبيرة؛ لأنها لو بقيت وحشية، لصعب اقتناؤها؛ وبالتالي لصعب الانتفاع منها.

الجمل لو أتى وهو هائج على طول، أو متوحش بشكل مستمر، كيف سينتفع منه الإنسان؟ إلَّا بصعوبة بالغة جداً، وبشكل محدود جداً.

الناقة كذلك عندما تكون لو بقيت متوحشة، ولم تقبل أن تذلل، وأن تستخدم، لكانت متعبة جداً؛ ولصعب الانتفاع منها.

البقرة- كذلك- لو كانت متوحشةً جداً، وكلما حاولت الاقتراب منها تتجه لتنطحك؛ لصعب الانتفاع منها.

ولكنَّ الله "سبحانه وتعالى" ذلل الإبل، ذلل البقر، فبتذليل الله لها، ينتفع منها البشر انتفاعاً كبيراً، وعادةً في المجتمعات التي عندها عناية باقتناء الثروة الحيوانية، باقتناء هذه النعم، باقتناء الأنعام، يصل الأمر إلى درجة أن يمكن أن يقوم عليها في رعيها، أو في الانتفاع منها في بعض الأمور، أطفال، ونساء، من دون أي قلق، ويتمكنون من حسن الانتفاع منها بأشكال متعددة، ومنافع متعددة، هذه نعمة من الله "سبحانه وتعالى".

ما كانت لتكون كذلك، مذللةً للإنسان، على كبرها وحجمها: (الجمل، الناقة، الثور، البقرة)، لولا أنَّ الله "سبحانه وتعالى" ذللها.

كذلك الماعز يمكن أن يكون سريعاً، ولا يبقى للإنسان، لا يتمكن من أن يمسك به، لولا أنَّ الله ذلله للإنسان.

فالله ذلل هذه النعم الكبيرة للإنسان؛ ليتمكن من الانتفاع بها في منافع واسعة في حياته:

{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ}، والإنسان على مرِّ التاريخ، استفاد بشكل كبير من الإبل، في الركوب عليها في الأسفار البعيدة، وكانت وسيلة نقلٍ رئيسية للأسفار البعيدة، وبالذات في المناطق الصحراوية، كان يستفيدون منها، ولا زال إلى الآن المجتمع البشري في كثير من مناطق الدنيا يعتمد عليها بشكل كبير جداً، ويستفيد منها.

{وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}، وكذلك مصدر غذاء ممتاز، واللحم من أهم المواد الغذائية الممتازة جداً، لا مجال معه إلى سوء التغذية، وإلى الضعف، والهزال، والأمراض التي تنشأ عن الضعف، عندما تتوفر الثروة الحيوانية لدى مجتمعٍ معين، يتوفر لديه غذاء ممتاز جداً، أحسن الإدامات، وأفضل الأغذية:

في قيمتها الغذائية.
في قوتها الغذائية.
يصبح ذلك المجتمع مجتمعاً صحياً، وقوياً، وأبدان قوية، وأجسام قوية، عنده غذاء ممتاز.

{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}، منافع كثيرة جداً يمكن أن نتحدث عن البعض منها- إن شاء الله- في سياق الحديث.

{وَمَشَارِبُ}، مشارب كذلك متنوعة: اللبن ما قبل أن يشتق منه أي مشتقات مثلاً، ثم ما بعد ذلك أيضاً، بعد أن يتحول إلى رائب، بعد أن يتحول إلى... مشارب متنوعة.

{أَفَلَا يَشْكُرُونَ}، فتصبح هذه نعمة كبيرة تسد للإنسان احتياجاته الضرورية:

في غذائه.
وفي ملبسه.
وفي منافع متعددة في حياته.

وفي نفس الوقت عندما يستذكر أنها نعمة من الله "سبحانه وتعالى"، يتأمل ما منَّ الله به عليه فيها، يتأمل فيها مظاهر:

قدرة الله.
وحكمة الله.
ورحمة الله.
وكرم الله.
تكون لها أيضاً فائدة إيمانية، فائدة إيمانية:

تشدك إلى الله "سبحانه وتعالى".
وتدفعك مع هذا الإقبال، مع الالتفات إليها كنعمة من الله "سبحانه وتعالى"، تدفعك إلى الشكر لله "سبحانه وتعالى"، فتحب الله، وتشكره، وتستقيم على طاعته.
فالنعم هذه (الأنعام والثروة الحيوانية) هي من النعم العظيمة، التي أنعم الله بها، تعالج مشكلة الفقر للإنسان، وهي- كما قلنا- توأم الزراعة، إلى جانبها يكون هناك تكامل كبير في النعم المادية، مع الزراعة، الثروة الحيوانية، كل منهما يكمِّل الآخر.

نحن في البلد مثلاً، والواقع على المستوى العربي بشكلٍ عام، فيما مضى، حتى على المستوى التاريخي، على مدى مئات السنين، وفي الزمان الماضي، كانت هذه النعمة متوفرة جداً، وكانت من أكبر الثروات الموجودة لدى العرب، ولدى المسلمين بشكلٍ عام، ثروة ضخمة، وكان هناك اهتمام باقتنائها، وعناية بها، وإدراك لأهميتها كثروة ضخمة، وثروة حقيقية، وإلى درجة أنه مع توفرها بشكلٍ كبير في كل المراحل الماضية، في كل الزمن الماضي، إلى درجة أنَّ: الأروش، والديات، والمهور، كانت في كثيرٍ من المناطق تقدَّر بها، وكان يعتمد عليها في ذلك، كان يعتمد عليها:

في دفع الديات.
في دفع الأروش.
في دفع المهور.
فكانت ثروةً ضخمة يعتمد عليها الإنسان، يعني: حتى إلى درجة أن تقوم مقام النقد في كثيرٍ من الأمور المهمة، التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة مثلاً، فكانت ثروةً حقيقية، وثروةً متوفرة، يقتني الكثير منها، البعض يقتنون منها بالآلاف، البعض يتقنون منها بالمئات، ثم لا تكاد المنازل تخلو من اقتنائها، يعني: على المستوى الأسري، كل أسرة يكون لها البعض من الأبقار، والأغنام: سواءً على مستوى الضأن، أو الماعز، المناطق التي تتوفر فيها الإبل كذلك يصبح اقتناؤها على مستوى كل أسرة، أن تقتني شيئاً منها، وباقتنائها يصبح هناك ثروة لدى من يقتنيها، ثروة حقيقية، ومصدر دخل، ومصدر غذاء- كما قلنا- لا مجال معه لسوء التغذية.

في الأرياف بشكلٍ عام، إلى ما قبل عقود من الزمن، إلى ما قبل عشرات السنين، عندنا في اليمن في الأرياف لا تكاد تخلو أسرة من أن يكون لديها بقرة، أو أكثر من بقرة، وأن يكون لديها البعض من الغنم: سواءً ضأن، أو ماعز، هذا كان متوفراً بشكل كبير، ويتوفر معه ماذا؟ تعمر الموائد، الموائد (موائد الطعام)، ما هناك أزمة:

يتوفر الحليب.
يتوفر اللبن.
يتوفر السمن.
يتوفر اللحم.
يتوفر...
وهكذا، إضافة إلى اقتناء غيرها: اقتناء الدجاج مثلاً، في الأرياف ما كادت تخلو أسرة من أن تقتني الدجاج، ويتوفر لها البيض، البيض البلدي بشكلٍ مستمر، ويتوفر مع ذلك غذاء صحي، لم يخضع لمواد حافظة، وتأثيرات في ألاعيب الصناعة، طازج:

حليب طازج يومياً.
ولبن طازج يومياً.
ويأتي البيض يومياً.
ومن دون مشقة.

فهذه النعمة كانت متوفرة بشكل كبير، وكانت- كما قلنا- مصدر دخل نقدي، الإنسان يمكن أن يبيع:

أن يبيع من الإبل.
أن يبيع من البقر.
أن يبيع من الغنم.
أن يبيع من منتجاتها أيضاً.
فيتوفر له المال، ومصدر غذاء مستمر؛ وبالتالي لم تكن كثيراً من الأسر تعاني من همّ توفر الغذاء.

الآن عند الكثير من الأسر همّ في كيفية توفير الإدامات:

توفير الحليب مشكلة.
توفير الزبدة، أو السمن، مشكلة.
توفير البيض مشكلة على كثير من الأسر، البيض غالي الآن.
وأصبحت هذه تمثل مشكلةً وهماً لكثيرٍ من الأسر؛ لأننا مع عقودٍ من الزمن مضت حصل فيها تيه:

أولاً ابتعاد عن النعم والمنعم العظيم، عن الله "سبحانه وتعالى"، غفلة، لم يبق الاهتمام بالشكل المطلوب في الإقبال إلى الله:
في التمسك بدينه كمنهجٍ للحياة، ونظامٍ للحياة.
والتفاعل مع نعمه "سبحانه وتعالى".
وحصل أيضاً ارتباط بالخارج، في كل هذه العقود التي مضت من الزمن، ارتباط كلي بالخارج، توجه كلي نحو الخارج؛ وبالتالي عدم اهتمام بالإنتاج الداخلي في كل شيء، في كل شيء.
وهذه كانت خسارة كبيرة لبلدنا، نتج عنها- وخسارة كبيرة في سائر البلدان العربية- نتج عنها:

أن ينتشر الفقر إلى حدٍ كبير.
وأن تطرأ علينا مشاكل كبيرة في ظروف حياتنا.
وألَّا نبقى أمةً منتجة، تمتلك ثروات حقيقية، تستثمر نعم الله "سبحانه وتعالى"، وتتوجه إليه بالشكر.
مع ما حصل من إهمال كبير في الالتزام الإيماني والديني، والتمسك بالحق، والتمسك بمنهج الله "سبحانه وتعالى"، فانتشر الجدب، أتت مشاكل كبيرة جداً:

جور السلطان.
ومع جور السلطان انتشار المفاسد.
وضعف الالتزام الديني والإيماني في المجتمعات.
فقلَّت الأمطار.
وكثر الجدب.
وقلَّت المراعي.
وعندما قلَّت المراعي كذلك مثَّلت مشكلةً كبيرة في اقتناء هذه الثروة الحيوانية، فاتجه الناس للاعتماد على الخارج في كل شيء، وهذه مشكلة كبيرة.

الآن بدأت عملية أو في هذه المراحل الأخيرة اعتمد الشعب، اعتمد البلد، اعتمدت البلدان العربية بشكلٍ عام، على الاستيراد لكل شيء:

الاستيراد للحوم: مع ما في ذلك من مشكلة خطيرة جداً؛ لأن بعض اللحوم التي تستورد ليست حلالاً، هي ميتة، هي من بلدان غير مسلمة، وتأتي كميتة، لا يحل أكلها، ولا يجوز أكلها، وأكلها فيه مضار ومفاسد روحية وصحية كثيرة.
يستوردون الحليب: والحليب المجفف الآن من أكثر ما يستورد من الخارج، عندنا في اليمن، وفي غير اليمن، تستورد كميات هائلة جداً من الحليب المجفف، ويعتمد عليه بشكل رئيسي، وأصبح ثروة هو لبلدان أخرى، ثروة ضخمة، يدر عليها دخلاً كبيراً وهائلاً جداً، أموال كثيرة، ويساهم في هذه الأموال كل الأسر، من كل أسرة تدفع قيمة حليب (مسحوق)، حليب مجفف (مسحوق بودرة)، فتذهب هذه الأموال الكثيرة بعيداً عن جيوب اليمنيين، تذهب إلى جيوب الخارج، وإلى بنوكهم.
كذلك بقية ما يستورد، مثلاً: البيض، لحوم الدجاج... لحوم أخرى تستورد، حتى لحوم الله أعلم بحقيقة ما هي.
وهذه تمثل مشكلة كبيرة جداً، عندما أصبح الاعتماد على الخارج، في استيراد هذه المواد الغذائية، بشكلٍ يكاد أن يكون كلياً، يكاد أن يكون كلياً، مشكلة كبيرة جداً.

يفترض العناية بهذه الثروة، التي هي ثروة حقيقية، والاهتمام بها، والاقتناء لها، على المستوى الأسري، وخارج المستوى الأسري، على المستوى الاستثماري، والآن الكثير من الدول فيها شركات ومؤسسات تعمل لها مزارع:

مزارع أبقار.
أو مزارع من الإبل.
أو مزارع من الغنم.
أو مزارع من الماعز.
وتهتم باستثمارها بشكل كبير، ومنتجاتها كلها يستفاد منها استفادة مادية ضخمة:

سواءً من حليبها.
أو من الزبدة.
أو من مشتقات الحليب.
من الحليب المجفف.
يتم الإنتاج لمنتجاتها بأشكال كثيرة.

أو من صوفها للملابس.
أو من منافعها الكثيرة، نعم.

فهي نعمة عجيبة، وفوائدها متنوعة، والإنسان يستفيد منها بأشكال كثيرة.

يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا}[النحل: من الآية5]، الله هو الخالق، هو الذي خلقها، وجعلها على النحو الذي يفيد هذا الإنسان، ويستفيد منها في كل شيء، {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}[النحل: من الآية5].

{لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ}، منها أحسن الملابس الشتوية، والإنسان يدفأ فعلاً، لا مجال للبرد:

إذا أصبح لك كوت منها.
أو أصبح لك كذلك فرش منها.
أو ملابس منها.
تستفيد منها، وتدفئك دفء حقيقي.

{وَمَنَافِعُ}، المنافع منها منافع كثيرة، والأغراض كثيرة، الإنسان يستفيد سواءً من جلودها، يستفيد من شعرها وأوبارها، ويستفيد أيضاً على مستوى حتى مخلفاتها:

من أحسن السماد للنباتات مخلفاتها، من أحسن السماد للنباتات، لتخصيب الأرض، لتخصيب التربة.
ويستفيد الإنسان منها على مستوى الملابس بأنواع متعددة، وأشكال متعددة ومفيدة:
الفرش.
يستفيد منها الإنسان على مستوى الأحذية، أحسن الأحذية هي التي تصنع من الجلود (جلود الأنعام).
يستفيد منها الإنسان أيضاً في الأحزمة.
في الحقائب.
منافع كثيرة جداً في حياته.

{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، تأكلون غذاءً ممتازاً، غذاءً صحياً، غذاءً ينفع الجسم، يقوي الجسم، يذهب عنكم مشكلة سوء التغذية، إذا الإنسان يأكل أندومي، والَّا يأكل أشياء بسيطة، ليست ذات قيمة غذائية.

{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}[النحل: الآية6]، حتى على المستوى الجمالي، سبحان الله! جعلها الله نعماً ممتازةً، نافعةً، مفيدةً للإنسان، بفوائد متنوعة جداً، ذات أهمية كبيرة في حياته، ومع ذلك يلحظ الجانب الجمالي، كما في النباتات، كما جعل الله النباتات التي يتغذى منها الإنسان جميلة، ورائعة جداً، جعل كذلك الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان، الحيوانات الحلال، فيها جمال حتى في حركتها، عندما يكون لك قطيع من الغنم، أو قطيع متنوع فيه غنم، وأبقار... وغير ذلك، وفي مسراحها عندما تذهب للرعي، أو لشرب الماء، وفي مراحها وهي عائدة، وقد تغذت، وشبعت، وضروعها قد أصبحت مليئة بالحليب، وأقبلت ذات جمال، وهذا يتجلى في الريف بشكل كبير جداً، عندما تخرج بين الخضرة، بين خضرة المرعى، فتأتي بألوانها الجميلة، وأشكالها الجميلة، وحركتها الجميلة، مع ما يشعر به الإنسان  من ارتياح نفسي، ويرى معه هذه الثروة، هذه النعمة، وما فيها من الفوائد والمنافع.

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}[النحل: من الآية7]، كما تحدثنا عن الإبل وفائدتها، وكانت قوافل الإبل هي التي يعتمد عليها الإنسان بشكل كبير، ولا يزال يعتمد عليها الكثير من البشر، في مناطق كثيرة في العالم، وتمر من طرق ضيقة، أو طرق صعبة، أو طرق محدودة، لا تحتاج إلى تعبيد للطرق، وشق للطرق.

{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النحل: من الآية7]، فهي من مظاهر رأفة الله ورحمته بعباده، والإنسان إذا تعامل معها كنعمة، وتأمل فيما أنعم الله عليه فيها، وتأمل في ما فيها من مظاهر قدرة الله، ورحمة الله، وكرم الله، وحكمة الله، وعلم الله، يزداد إيماناً؛ فتكون منفعتها له حتى منفعةً إيمانية.

هذه النعم أيضاً يقول الله عنها: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}[النحل: من الآية80]، أثاث، يستفاد منه في البيوت لأشياء وأغراض كثيرة جداً، ومنافع متعددة، كم يمكن الحديث عنها على المستوى التفصيلي.

فمنها:

أحسن الملابس.
وأحسن الغذاء والإدام.
ومع الزراعة تكون غذاءً مكملاً، الله جعل في الزراعة كذلك غذاء، وكساء، للإنسان، ومنافع أخرى، والكساء أيضاً في الزراعة متوفر، متوفر في القطن بشكل كبير جداً، أحسن الملابس تصنع من القطن، وهناك أشجار أخرى يصنع منها أيضاً الملابس، وكان بلدنا من أحسن البلدان إنتاجاً للملابس، ويعاني الآن من يصنعون المعاوز، ويصنعون القماش، من بعض المشاكل، ويمكن معالجة هذه المشاكل، والعناية بهذا الجانب بشكل كبير؛ حتى نؤمِّن لأنفسنا ضروريات حياتنا من أوطاننا:

ما نأكل.
ما نشرب.
ما نلبس.
الجانب الطبي.
المواد الأساسية، الجوانب الأساسية.
فالله "سبحانه وتعالى" يذكَّرنا بهذه النعم، يلفت نظرنا إلى حسن استثمارها، حسن الاستفادة منها، تمنن علينا وذلل لنا الأنعام، إلى درجة أنها تألف، تألف، الأنعام:

البقر.
الإبل.
الغنم.
الماعز.
تألف من يقوم على تربيتها، والعناية بها، والاهتمام بها، بالذات إذا كان يتعامل معها تعاملاً جيداً، تأنس به، تألفه، تُقبِل عليه، يتمكَّن من حسن الانتفاع بها بشكلٍ أفضل.

هذه نعم كبيرة جداً، ونعم من الله "سبحانه وتعالى"، ورزقنا بها؛ إنما كيف نهتم بها؟ كيف نستفيد من التقنيات الحديثة في تربية المواشي، في طرق تربيتها. كيف نهتم بها من بقية الجوانب؟ مثلاً:

يمكن أن يكون هناك اهتمام في مجالات الاستثمار في إنتاج الأعلاف، في إنتاج القوت لهذه الأنعام:
حتى يتوفر بشكل رخيص، لا يكون مكلفاً، ويتوفر بشكل واسع، لا يكون هناك أزمة في توفير احتياجاتها الغذائية، قوتها، هذه مسألة ممكنة، ومتاحة، وتطورت في العالم، تطورت في العالم، وأصبحت أيضاً من أهم ما يستثمر فيه في العالم.

طرق تربية هذه المواشي بطريقة أفضل، يحافظ عليها بشكلٍ أفضل، وتساعد على تسهيل عملية الإنتاج فيها بشكلٍ أفضل، كذلك مسألة متاحة.

الانتفاع منها بشكل واسع:
مثلاً: المشتقات من الحليب، الآن هناك عناية كبيرة في العالم بالحليب ومشتقاته، الحليب غذاء رئيسي، غذاء عالمي، من أهم الأغذية التي يعتمد عليها البشر في حياتهم، وهناك في كل العالم- بالذات في الدول الصناعية، والدول النامية- اهتمام بصناعة وإنتاج الحليب ومشتقاته على نحوٍ واسع، يمكن أن يكون هناك اهتمام في البلد بهذا الشيء، بدلاً من الاعتماد كلياً على الاستيراد من الخارج، بدلاً من استيراد الحليب المجفف، يمكن تجفيف الحليب، عندما الله يخلق الحليب لنا، نحن نقوم بتجفيفه، والاستفادة منه، وتعليبه، هذه مسألة ممكنة، يمكن للمستثمرين أن يعملوا ذلك.

هذا مجال مهم حتى على المستوى الصحي، يمكن مراعاة الجوانب الصحية، والأمانة في ذلك، فينفع الناس، ينتفع الناس على المستوى الصحي: معالجة مشكلة سوء التغذية، الحليب مما يعالجها، الأغذية الممتازة، الأغذية المفيدة، النافعة، التي:

تقدم بطريقة صحية.
تعلَّب بطريقة صحية.
تنتج بطريقة صحية.
تعالج مشكلة سوء التغذية، ومشكلة الكثير من الأمراض، تقي الناس من كثير من الأمراض؛ لأن كثيراً من الأمراض تعود:

إما إلى سوء التغذية.
أو إلى الغذاء الغير الصحي، الغذاء الملوث، الغذاء الذي أُنتج بطريقة:
أضيف إليه إما إضافات ضارة بالإنسان.
أو نُقِّصَ منه ما يفيد الإنسان.
ممكن أيضاً مع العناية بإنتاج الأعلاف، والعناية بهذا الجانب، العناية بالطب البيطري:
لأنه من المتطلبات المهمة جداً، للحفاظ على الأنعام وعلى الثروة الحيوانية، وهناك في البلد نقص في هذا الجانب كبير، يحتاج إلى:

إقبال المزيد من الطلاب، والدراسة فيه، والكوادر.
ويحتاج أيضاً إلى توفير المتطلبات الأساسية لهذا الجانب المهم جداً، وهو جانب ضروري ومهم أيضاً.
من الأشياء التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في إنتاج اللحوم: العناية حتى في مسألة المسالخ:
المسالخ التي في المدن:

كيف تكون نظيفة.
كيف تكون أيضاً الذباحة فيها بالطريقة الشرعية، ومطابقة لتعليمات الشرع، وإلا ستكون ميتة، ميتة، ويأثم من يذبحها بطريقة غير صحيحة، عليهم أن يتعلموا.
ويمكن أن يكون هناك رقابة وتأكد:

على مستوى النظافة.
على مستوى صحة المواشي، التي تذبح وتقدم من المسالخ.
وعلى مستوى الضوابط الشرعية، والنظافة.
من المهم أيضاً الرشد وحسن الاستخدام لهذه النعمة:
مثلاً: عدم الإفراط في ذبح الإناث؛ لأن الإناث ثروة ضخمة للإنتاج:

لإنتاج المزيد، وللتوالد.
وهي أيضاً مفيدة أيضاً في حليبها.
ويستفاد منها أيضاً في الصوف وغيره.
الصوف فائدة عامة، بشكل عام فيها (في إناثها، وفي غير إناثها).

فيما يتعلق أيضاً بالتهريب المفرط إلى خارج البلاد لهذه الثروة:
يفترض الحد من ذلك، لا بأس بالاستفادة التجارية منها، لكن ليس بالشكل الذي يؤثر على مدى توفرها في البلد، هذه ثروة ضخمة، وثروة مهمة، وثروة نافعة ومفيدة، ومشتقاتها كثيرة، ومنافعها كثيرة.

من الثروة الحيوانية ذات الأهمية الكبيرة، على المستوى الغذائي، والصحي، والتجاري: العسل (النحل والعسل):
النحل ثروة حيوانية ضخمة تنتج العسل، يقول الله "سبحانه وتعالى" عن هذه النعمة العظيمة: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: 68-69].

النحل من الثروات الحيوانية الضخمة، والمهمة، والعجيبة، من نعم الله العجيبة، وتنتج منتجات متنوعة، منها غذاء ملكة النحل، ومواد أخرى:

كلها ذات قيمة صحية عالية.
ذات أيضاً قيمة غذائية عالية جداً.
ولكن من أوفر وأكثر ما تنتجه هو العسل، والعسل نعمة كبيرة جداً، من أعظم النعم العجيبة على الإنسان؛ لأن قيمته الغذائية عالية جداً، وقيمته الصحية؛ لأنه:

يعزز المناعة في جسم الإنسان.
ويكافح بالتالي الكثير من الأمراض.
ويقيه ابتداءً من كثيرٍ من الأمراض.
ويقول الأطباء: أن ملعقة واحدة يومياً من العسل يستمر عليها الإنسان ستقيه- بإذن الله "سبحانه وتعالى"- من كثيرٍ من الأمراض، ملعقة واحدة يومياً، الأطفال كذلك إذا تناولوا ملعقة صغيرة من العسل يومياً بشكلٍ مستمر، يقيهم هذا من كثير من الأمراض، ويساعد أن يتمتع الإنسان بالصحة، والعافية، والقوة البدنية، ومهم جداً استثمار هذه النعمة، هذه نعمة من الله، نعمة من الله "سبحانه وتعالى".

أيضاً هناك مشاكل كبيرة طرأت فيما يتعلق بالنحل:
بالذات مع اعتماد المزارعين على المكافحات والمبيدات الحشرية لمزارعهم، التي تكاد تبيد حتى الإنسان، وليس فقط الحيوانات، وعندما تذهب النحل إلى مزرعة، وقد رشت بتلك المبيدات، يقضى عليها بالكامل، وتحصل مجزرة مروعة، في بعض المزارع تذهب إليها النحل، فلا تعود منها، تموت بين الأشجار، هذه كارثة، استخدام المزارعين للمبيدات والمكافحات، التي- كما قلنا- تكاد حتى تبيد الإنسان، بعضها:

تصيب الإنسان بالسرطان.
أو تصيب الإنسان بفيروس الكبد.
أو تصيب الإنسان بسموم قاتلة، تضر بصحته، وتدمر صحته.
تؤثر، هذا من أكثر ما أضر بالنحل في بلدنا، ولكن يمكن معالجة هذه المشكلة، ويمكن اختيار أماكن أيضاً مناسبة للنحالين والنحل.

أيضاً في الماضي- كما في الأبقار والأغنام- كانت كثيراً من الأسر زمان تقتني النحل، ويتوفر لها العسل، وموائدها عامرة:

يتوفر فيها العسل البلدي.
والحليب.
واللبن.
كذلك يتوفر فيها البيض البلدي.
والسمن.
أغذية ذات قيمة غذائية عالية.

الشعب اليمني كان أبناؤه وشبابه رجال أقوياء أصحاء، غذاء ممتاز، والآن غذاء متدهور، وفي نفس الوقت قات بكميات كبيرة:

تهزل الأجسام.
وتضعف الأعصاب.
ويؤثر هذا حتى على المستوى النفسي، والعصبي، والصحي، والبدني؛ وبالتالي على المستوى العملي.
العسل نعمة كبيرة جداً، وذو قيمة تجارية عالية، إنتاجه يوفر دخل كبير للإنسان، الذين يبيعون العسل، يبيعونه ويحصلون على مبالغ ضخمة، ويمكن أن يمثل ثروة ضخمة، ثروة وطنية ضخمة، إذا اتجه الكل إلى إنتاجه، واستفادوا من التقنيات الحديثة، التي تساعد على:

جودة الإنتاج.
وتحسين الإنتاج.
وتسهيل الإنتاج.
وتوفير الإنتاج، وبكلفة أقل.
يمكن كذلك جانب التعليم، حتى الجامعات يفترض أن ترتبط في تخصصاتها بالواقع العملي، بالواقع العملي، وهذا مما يجب أن تلتفت إليه الجهات المعنية.

فيمكن أن يكون العسل أيضاً مع أهميته التجارية، وأهميته الصحية، يحد من الأمراض، إذا توفر العسل للناس، وتغذوا منه يومياً، هذا يقيهم الكثير من الأمراض، ويوفر لهم على المستوى الاقتصادي؛ لأن الأمراض من مشاكلها أيضاً، إضافة إلى كونها مشكلة صحية في جسد الإنسان، هي مشكلة اقتصادية، من أكبر ما يستنزف الناس مالياً، يذهبون إلى المستشفيات، وإلى الوحدات الصحية، والمراكز الطبية، وأصبحت هناك أيضاً حالة من الاستغلال، فكل شيء مكلف:

العلاج مكلف.
المعاينة الطبية مكلفة.
وتتحول المشكلة إلى مشكلة وهم كبير على الناس، حتى على معيشتهم، وظروفهم المعيشية والاقتصادية، فقليلٌ من العسل يقيك عن غرامات كبيرة في العلاج، عن غرامات كبيرة في العلاج.

مع عملية إنتاج العسل من المهم الالتزام بالأمانة، الالتزام بالأمانة في إنتاجه، والحذر من الغِش:
من أكبر الجرائم الغش في كل شيء، والغش في العسل جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، ومعصية كبيرة، من كبائر الذنوب الغش، (من غشنا، فليس منا)، والذي يغش في العسل مجرم، مجرم، ويقتات بالحرام فيما يحصل عليه من دخل، ويخدع عباد الله.

أيضاً يؤثر الغش على سمعة هذا المنتج العظيم، الذي له قيمة وأهمية كبيرة، عندما يرتاب الناس في مسألة جودته، والأمانة في إنتاجه، ويشكون أنه مغشوش؛ يؤثر هذا حتى على تسويقه.

والمفترض أن يكون هناك عناية أيضاً بإنتاج هذه السلعة الثمينة، وذات القيمة التجارية والصحية والغذائية، وعناية به على المستوى الوطني، ومن ثم تصديره حتى إلى خارج البلاد، بدلاً من الاعتماد بشكل رئيسي على استيراده من الخارج.

طرق التعامل مع النحل، وطرق التعامل في إنتاج العسل، والمنتجات الأخرى ذات القيمة المهمة من النحل:
أصبحت مما يدرس، ويعلم، وارتبطت به تقنيات ووسائل حديثة مساعدة، مفيدة جداً، يمكن الالتفات إلى هذا، وأن يكون هذا مصدر رزق كبير لكثيرٍ من الناس.

فنجد أن الله "سبحانه وتعالى" أنعم علينا بنعم واسعة؛ إنما كيف نستثمر هذه النعم؟ كيف نعمل فيها بشكل صحيح؟ وكيف نشكر الله "سبحانه وتعالى" عليها؟ وكيف نتعامل معها بشكلٍ صحيح، فنستفيد منها في منافعها الواسعة، منافعها المتعددة؟

من النعم العظيمة جداً على مستوى الثروة الحيوانية: نعمة السمك، الثروة البحرية:
يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل: الآية14].

البحر نعمة، وفوائده كثيرة، منافعه كثيرة، فيه نعم كثيرة، من ضمن هذه النعم: نعمة اللحوم، الأسماك، وهي نعمة مهمة جداً، قيمتها الغذائية عالية للإنسان، من أحسن الأغذية التي يتغذى بها الإنسان (السمك)، غذاء ممتاز جداً على المستوى الصحي بفوائده الكبيرة، وأيضاً متوفر في البحر بشكل كبير.

مهم جداً العناية بهذه النعمة، بحسن استثمارها:
سواءً العناية بالبحر نفسه:

بطرق الصيد: أن تكون سليمة، صحيحة.
بالاستثمار في هذا المجال من الناس، من الجهات المعنية.
بدعم الصيادين، وتسهيل عملية الصيد.
وفي نفس الوقت ضبط عملية الصيد، لتكون بالشكل الصحيح؛ حتى لا تكون مضرة، وعبثية، وبطريقة غير سليمة، ولا صحيحة، تؤثر على عملية الشعب المرجانية في البحر، وغير ذلك.
للصيد مواسمه، للصيد نظامه المناسب، الذي يساعد على أن تبقى هذه النعمة متوفرة ومستمرة، وأن يكون إنتاجها مستمراً.

ثم ما بعد عملية الصيد:

كذلك هناك طرق لإنتاج الأسماك وتوزيعها، تتحمل لفترات وأوقات طويلة.
وهناك التعليب لهذه النعمة: حسن التعليب لها، والاستثمار بشكل أفضل لها.
هذه نعمة من النعم المتاحة، التي تحتاج فقط إلى عناية:

بتحسين الإنتاج.
بتوفير الوسائل.
بتطوير الوسائل والأساليب.
والاستفادة من التقنيات الحديثة، والتطور في هذه المجالات بكلها.

فهذه النعم العظيمة، من النعم التي ينبغي التوجه لاستثمارها، والاستفادة منها حتى إيمانياً:

في الشكر لله "سبحانه وتعالى".
في دراسة مظاهر قدرة الله، ورحمته، وكرمه، وحكمته، فيها.
وتعالج مشكلة الفقر للناس، والاستثمار فيها:

على المستوى الأسري.
على المستوى الشخصي.
على مستوى مؤسسات.
وعلى مستوى أيضاً شركات.
بتجميع رؤوس أموال.
وإنتاج منظم.
واستفادة من الوسائل والإمكانات الحديثة.
ثروة ضخمة جداً، ونعم واسعة من الله "سبحانه وتعالى"، نشكر الله "سبحانه وتعالى" عليها، وتحل مشاكل كثيرة للناس في حياتهم.

نكتفي بهذا المقدار.

قبل أن نودعكم في هذه الكلمة، لا يفوتنا أن نتوجه بالشكر لشعبنا اليمني العزيز، الذي خرج خروجاً مشرفاً، في مناسبة يوم القدس العالمي، عبَّر عن موقفه المبدئي الإيماني الصادق، بخروجه هذا، وهو يعبِّر عنه دائماً، ويترجم موقفه هذا:

في توجهه الصادق.
في صموده في مواجهة العدوان.
في ثباته على هذا الموقف الإيماني الصادق والمبدئي.
نسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن يشفي جرحانا، ويعافي مرضانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

الجمعة، 7 مايو 2021

كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي 1442هـ

كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي 1442ھ
(نص+فيديو)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
اللهم اهدنا وتقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في العشرين من شهر رمضان المبارك لعامٍ ألفٍ وثلاثمئة وتسعةٍ وتسعين للهجرة النبوية، أعلن الإمام الخميني رحمة الله عليه آخر جمعةٍ من شهر رمضان لتكون يوماً عالمياً للقدس، وطلب من جميع المسلمين في كل أنحاء العالم أن يحيوها من خلال المسيرات، والتجمعات، والفعاليات، والأنشطة المختلفة، فلماذا هذه المناسبة؟ وما هي أهميتها؟ وما هو الهدف منها؟
الإمام الخميني رضوان الله عليه قال عن هذه المناسبة بأنها: (يوم يقظة جميع الشعوب الإسلامية)، وأرادها من أجل أن تبقى قضية فلسطين حيَّةً في مشاعر المسلمين، وفي حيز اهتماماتهم، وأرادها من أجل أن تبقى مشاعر الجهاد والرفض لإسرائيل حيَّةً في مشاعر المسلمين وفي نفوسهم، وأرادها من أجل رفع مستوى الوعي تجاه هذه القضية، وتجاه مسؤولية الأمة بشأنها، وتجاه خطر العدو الإسرائيلي، وما هي الرؤية الصحيحة للموقف منه.
واختار لها هذا التوقيت المناسب: في آخر شهر رمضان المبارك، في آخر جمعةٍ منه؛ لينبِّه على أنَّ هذه المسألة من ضمن التزاماتنا الدينية والإيمانية كمسلمين، فالاهتمام بها هو اهتمامٌ بجزءٍ من التزاماتنا الإيمانية، كما الصلاة، كما الصيام... كما سائر الالتزامات الدينية والإيمانية، إضافةً إلى التَّيمن ببركة شهر رمضان، ببركة العشر الأواخر منه، وعسى أن يأتي يومٌ من أيام هذه المناسبة فتكون صبيحةً لليلة القدر، التي يكتب الله فيها لأمتنا المتغيرات المهمة على ضوء توجهاتها الإيجابية.
وهذه الرؤية هي رؤيةٌ مهمةٌ جداً، وخطوةٌ موفَّقةٌ ومسددة، والمفترض بالأمة أن تعطي هذه المناسبة ما تستحقه من الأهمية؛ لأن أهميتها تعود إلى أهمية القضية نفسها، التي جُعِلت مناسبةً من أجلها، وهي- بلا شك- مناسبةٌ تعنينا جميعاً كمسلمين.
ومن أهم ما في يوم القدس العالمي: أنه يحرِّك الشعوب، الشعوب؛ باعتبارها معنيةً بهذه القضية، وهذه مسألة مهمة جداً؛ لأنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية كلنا نعرف الفشل على المستوى الرسمي في التعامل مع هذه القضية، وفي اتخاذ الموقف الصحيح تجاهها، فمنذ بداية القضية وإلى اليوم كان هناك فشل وإخفاق رسمي على المستوى العربي والإسلامي، فشل ذريع في حسم هذه القضية، والتعامل الصحيح والناجح تجاهها.
والشعوب معنيةٌ ومسؤولةٌ بهذه المسألة، الشعوب من حيث حجم هذه المعركة، مستوى هذا التحدي، فالعدو الإسرائيلي هو ذراعٌ للوبي الصهيوني العالمي، ويتحرك إلى جانبه الغرب بكل دعم وبكل مساندة، مستوى هذا التحدي يتطلب أن تتحرك الشعوب، وليس فقط أن تبقى المسألة هذه حكراً وخاصةً ضمن الاهتمامات الرسمية العربية أو الإسلامية، دور الشعوب مطلوب في مستوى هذا التحدي والخطر، وهي أيضاً معنيةٌ؛ باعتبار أنها متضررة، ومستهدفةٌ في هذا الصراع؛ لأن الخطر الإسرائيلي هو خطرٌ على الأمة بكلها، وعلى الشعوب بأجمعها.
نحن كأمةٍ مسلمة في مختلف شعوبنا، نحن نعاني من هذا الخطر، وهذا الخطر الإسرائيلي اليهودي الصهيوني يتهددنا جميعاً، ويستهدفنا جميعاً؛ وبالتالي نحن معنيون، ولنا الحق في أن نتحرك تجاه خطرٍ يستهدفنا، إضافةً إلى أننا كأمةٍ مسلمة بكل شعوبها في موقع المسؤولية الدينية أمام الله "سبحانه وتعالى"، في أن يكون لنا موقف، وأن نتحرك في التصدي لهذا الخطر بكل الاعتبارات: باعتبار فلسطين شعباً وأرضاً جزءٌ من هذه الأمة، وباعتبار العدو الإسرائيلي عدواً يشكِّل خطراً وتهديداً علينا جميعاً.
التحرك الشعبي الواسع، التحرك الجماعي لهذه الأمة من مختلف شعوبها، لا شك أنه مؤثِّر، وأنهمفيد، وأنه يعطي زخماً كبيراً لهذه القضية، وأنهخطوة حكيمة وصحيحة، وموقف صحيح بكل الاعتبارات والمقاييس، فالتهرب من أن يكون هناك تحركٌ جماعيٌ للأمة على المستوى الشعبي والرسمي، هو بُعدٌ عما فيه الحكمة، عما فيه المسؤولية، وهو عقدة، أو حالة اشتباه وعمالة لدى البعض.
عندما نعود إلى المسار التاريخي لهذه القضية، وهذه نقطة هامة للدروس والعبر، نجد أنها منذ البداية وإلى اليوم لم تحظ بالاهتمام المطلوب على مستوى الأمة بشكلٍ عام رسمياً

وشعبياً، لم تحظ بالاهتمام المطلوب، فمنذ بداية توافد اليهود الصهاينة من مناطق مختلفة، وبلدان مختلفة على مستوى العالم العربي، وأوروبا، والغرب، إلى فلسطين، في أيام الاحتلال البريطاني، وتشكيلهم لعصابات، وبدايتهم في النشاط الاستيطاني الذي بدأ يتوسع شيئاً فشيئاً، لم يكن هناك في المقابل تحركٌ جاد بمستوى هذا الخطر، ولربما- آنذاك- كان الكثير من الناس من أبناء الأمة في تلك المرحلة لديهم قراءة خاطئة، ونظرة غير صحيحة، وتقييم لمستوى هذا الخطر تقييم غير صحيح، والشيء السلبي: أن تستمر مثل هذه القراءات الخاطئة، مثل هذه التصورات الخاطئة بشكلٍ مستمر لدى الكثير من أبناء الأمة.
عندما تنامى هذا الخطر في أيام الاحتلال البريطاني، كذلك كلما تنامى؛ لم يقابل ذلك تنامٍ بالمستوى المطلوب من أبناء أمتنا، وحتى في داخل فلسطين، كان هناك القليل ممن يتحرك، ممن يشعر بالوعي تجاه خطورة العدو الصهيوني، ممن يتحمل مسؤوليته، فينطلق على كل المستويات، القليل يتحركون، والكثير يتقاعسون ويتخاذلون، في الداخل الفلسطيني، وعلى مستوى الأمة الإسلامية بشكلٍ عام،
ما بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين، وتفاقم الخطر اليهودي الصهيوني، وتسليم بريطانيا للدور بشكلٍ كامل لليهود الصهاينة، كذلك تفاقم الخطر بشكلٍ كبير، فلم يقابل ذلك بتحركٍ بالشكل المطلوب، يواكبه مراجعات جادة لكل حالات الإخفاق والفشل؛ لأنه أتى تحرك، تحرك في مستوى معين على المستوى الرسمي، على المستوى الشعبي، ولكنه تحرك كان يخفق في كثيرٍ من المحطات، وعندما كان يخفق، لم يكن يراجع إخفاقاته على نحوٍ جادٍ وصحيح، ويستمر بكل جدية، ويستفيد من كل طاقات الأمة، ومن كل إمكاناتها ليكون حجم التعبئة، وحجم الموقف، وحجم التحرك بالمستوى المطلوب؛ ولذلك كان هناك تفاقم لهذا الخطر، وكان هناك في مقابل الإخفاق على مستوى الجانب الرسمي العربي، كان هناك نجاحات للعدو الإسرائيلي، عززت من موقفه، وساعدته ليسيطر أكثر فأكثر، وليتقوى نفوذه أكثر فأكثر، وبدعمٍ مستمرٍ غربي.
ما بعد مرحلة الإخفاق الرسمي العربي المتتالية، والفشل المستمر، حدثت هناك متغيرات في مسار هذه القضية، متغيرات ذات أهمية كبيرة جداً، متغيرات نحو النجاح، هذه المتغيرات نحو النجاح كانت تعود إلى التجربة الشعبية، من خلال تجربة حزب الله في لبنان، والمقاومة في لبنان، وما حققته من نجاح، ومن انتصارات متتالية في مواجهة العدو الإسرائيلي، والتجربة الأخرى في قطاع غزة، تجربة فلسطينية، وما حققته من نجاحات متتالية، وما حققته من انتصارات مهمة جداً في مواجهة العدو الإسرائيلي، هذه التجربة الشعبية الناجحة لم تحظ أيضاً بالاهتمام، والمساندة الواسعة، والإقبال إليها بإيجابيةٍ كاملة على المستوى الرسمي والعربي الشامل، بل كان هناك توجهات سلبية من بعض الأنظمة العربية، وتوجهات أو حالة برود من أنظمة أخرى، وإلَّا فكان المفترض في هذه المرحلة: مرحلة تحقق نجاحات مهمة، متغيرات إيجابية، انتصارات مهمة، تجربة ناجحة، أن يتم الالتفاف حول هذه التجربة الناجحة، ومساندة هذه التجربة، والعمل على تقويتها، وتطويرها، ومساندتها على نحوٍ كبير، كان هذا هو الموقف الطبيعي الواعي المسؤول.
فإذاً نجد في مسار هذه القضية ثلاث مراحل: مرحلة نشأة الكيان الصهيوني الغاصب، المجرم، المعتدي، الظالم، وبارتكابه للكثير من الجرائم الوحشية، والمجازر الجماعية، ونشأته على سيلٍ جارفٍ من الدماء، والمظلومية الكبيرة لشعب فلسطين ولأمتنا العربية، وما تلى ذلك من إخفاقات على المستوى الرسمي، ثم وصولاً إلى مرحلة التجربة الشعبية الناجحة، التي تدلل على أهمية الدور الشعبي، وتدلل كذلك على مستوى ما استند إليه هذا الدور الشعبي من عناصر للقوة، وأسباب للانتصار.
في كل هذه المراحل يتبين لنا أنَّ الوضعية التي تعاني منها الأمة على مستوى واقعها الداخلي الرسمي والشعبي، كان لها دور في تمكُّن العدو الصهيوني اليهودي من أن يقيم له كياناً غاصباً إجرامياً في قلب أمتنا، وفي داخل بلادنا الإسلامية، وهذه نقطة مهمة جداً لتؤخذ بعين الاعتبار؛ لنفهم أنَّ جزءً من مواجهتنا لهذا العدو يتجه إلى تصحيح وضعنا الداخلي، جزءً من اهتماماتنا لكسب المعركة في مواجهة هذا العدو، ولدفع خطره، يعود إلى عنايتنا بتصحيح الوضع الداخلي لأمتنا.
عندما نصل إلى هذه المرحلة، وهذا الصراع له كل هذه العقود من الزمن، وأتت فيه كل هذه المتغيرات والأحداث، يجب أن نرسِّخ في واقع أمتنا أنَّ هذا الخطر إذا استمر؛ فإنما يتفاقم، وأنَّ المسؤولية مستمرة على أمتنا في التصدي لهذا الخطر، وليست معفيةً عنه، وأنَّ هذه المسؤولية ليست منحصرةً على مستوى مثلاً الداخل الفلسطيني، أو الجوار العربي لفلسطين، هذه مسؤولية الأمة كل الأمة، والعدو الإسرائيلي هو عدوٌ بكل ما تعنيه الكلمة للأمة بكلها، ويشكِّل تهديداً وخطراً عليها، وحتى على مستوى المجتمع البشري بشكلٍ عام.
نتحدث عن بعضٍ من الحقائق المهمة، وعما يوضِّح لنا من خلال القرآن الكريم والواقع خطورة هذا العدو،

والضرورة القصوى والمسؤولية المهمة في التصدي لهذا الخطر.
العدو الإسرائيلي هو عدو، ليس فقط مجرد عدوٍ كبقية الأعداء، وإنما هو الأشد عداوةً لنا كأمةٍ مسلمة، الأشد عداوة، بين كل الأعداء هو في رأس القائمة الأشد عداوةً للمسلمين، وهذا ما أكَّد عليه القرآن الكريم بصريح العبارة، والله "سبحانه وتعالى" قال في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، فكانوا هم رقم واحد، وحتى قبل الذين أشركوا، رقم واحد في كونهم الأشد عداءً لأمتنا، فهم ليسوا بأصدقاء، هم أعداء، وهم الأشد عداءً.
القرآن الكريم تحدَّث كثيراً عن عداوتهم لنا كمسلمين وبعبارات مهمة، " قال الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم عن هذا العدو: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران: من الآية118]، بمعنى: أنهم يودُّون لكم كل ضرر؛ وبالتالي يسعون إلى إلحاق كل ضررٍ بكم، مهما كان ضرراً بالغاً، فهم يرغبون في أن يلحقوا بكم أبلغ الضرر، وأشد الضرر، على كل المستويات: خطر على حياتكم، خطر على أمنكم، خطر على اقتصادكم، يسعون إلى إلحاق الضرر بكم على أبلغ مستوى، على أشد مستويات الضرر، في كل شؤون حياتكم.
يقول عن عدائهم الشديد: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران: من الآية119]، يعيشون حالة من الشعور بالعداء نحوكم، إلى درجة أن يعضوا على أناملهم تغيظاً عليكم، وحنقاً عليكم، فحالة المشاعر العدائية لديهم هي ساخنة جداً، ساخنة جداً، تتأجج في مشاعرهم حالة العداء والكراهية والبغضاء ضد أمتنا الإسلامية.
يقول عنهم "سبحانه وتعالى" أيضاً عن عقيدة من عقائدهم الدينية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران: من الآية75]، فلديهم عقيدة دينية يستبيحوننا بها كأمةٍ مسلمة استباحةً شاملة، يستبيحون دماءنا، وقتلنا، يستبيحون الأموال، يستبيحون انتهاك الحرمات والأعراض، وهذه عقيدة عدائية خطيرة، إضافةً إلى أنها عندهم عقيدة دينية، هذه الحقائق المهمة يشهد لها الواقع:
على المستوى التاريخي: كيف حاربوا الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، كيف غدروا ونقضوا العهود والمواثيق والاتفاقيات، وكيف كان غدرهم ومكرهم، ومعروف ما حصل تاريخياً معهم.
وعلى مستوى الحاضر: كلنا يعرف أنَّ الكيان الصهيوني نشأ على أساس الاعتماد على الجرائم: جرائم القتل والإبادة الجماعية والوحشية، وارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وبحق هذه الأمة، في كل المراحل الماضية وسلوكه الإجرامي هو السلوك الثابت، العدواني، الذي قتل فيه مئات الآلاف من أبناء أمتنا الإسلامية، وبالذات من أبناء شعبنا الفلسطيني، وشرَّد الملايين، واغتصب الأراضي، ولا يزال سلوكه الإجرامي على نحوٍ يومي بحق الشعب الفلسطيني، ولا تزال أنشطته العدوانية ذات الأشكال المختلفة والمتنوعة في كل المجالات تستهدفنا كأمةٍ مسلمة.
ثقافتهم تشهد، على مستوى موروثهم الثقافي الذي يقدَّم على أنه ديني، فيه من العقائد، فيه من المفاهيم، فيه من النصوص ما يعبِّر عن عداء شديد مع استباحة، عداء شديد لنا كأمةٍ مسلمة، عداء للمجتمع البشري بشكلٍ عام، مع الاستباحة للدم، والعرض، والمال، وفي نفس الوقت مع الاحتقار الشديد، فهو يعتبروننا إلى أننا لسنا حتى بشراً حقيقيين، كمسلمين لسنا بنظرهم في موروثهم الثقافي كبشر حقيقيين.
مناهجهم المدرسية تشهد، فيها الكثير والكثير من العبارات، من التعبئة العدائية الشديدة التي يربون عليها حتى الأطفال، حتى أطفالهم.
مع سلوكهم الإجرامي، وثقافتهم، وسياساتهم، وممارساتهم العدوانية، تتجلى لنا الحقيقة الواضحة أنهم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، ومع عدوانيتهم الواضحة في ثقافتهم، في مناهجهم الدراسية، في شعاراتهم، في سياساتهم، في خططهم، في سلوكهم الإجرامي العدواني البشع المعروف، الذي سجَّله التاريخ، وسجلته الوقائع والأحداث، يحاولون بخداع عجيب أن يقدِّموا لنا صورةً مختلفة عنهم، وأنهم أصدقاء، وأنه يجب أن ننظر إليهم كأصدقاء وليس كأعداء، وتصل هذه النظرة التي يحاولون أن تحملها الأمة تجاههم، ليتبناها البعض من أبناء الأمة في هذه المرحلة، تتبناها بعض الأنظمة، وتبني عليها سياستها في التطبيع معهم، وتتبناها جماعات تكفيرية، تزعم أنها متدينة، وأنها دينية، وتبني هذه الجماعات وتلك الأنظمة التي اتجهت في سياق الولاء المعلن، والعلاقة المكشوفة المفضوحة مع العدو الإسرائيلي، تبني عليها نشاطها الإعلامي والتثقيفي حتى باسم الدين، وتحت العناوين الدينية؛ لتقدِّم صورةً مختلفة، الهدف منها: حرف بوصلة العداء، لا تبقى متوجهةً منا نحن كمسلمين تجاه ذلك العدو، الذي هو عدوٌ حقيقي أخبرنا الله عن أنه عدوٌ لنا، وهو "سبحانه وتعالى" الأعلم بمن هو العدو، حتى في سياق وهو يخبرنا أنَّ العدو اليهودي الصهيوني هو العدو الحقيقي لنا،

قال جلَّ شأنه عبارةً مهمةً جداً: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء: من الآية45]، ليست مسألة دراسة من مركز أبحاث ودراسات، استنتج منها بقرائن غامضة وخفية، أنَّ هذا عدو، أنَّ العدو اليهودي الصهيوني هو عدو هذه الأمة، لا، الذي أخبرنا بذلك، أعْلَمنا بذلك، أكَّد لنا على ذلك: هو الله "سبحانه وتعالى"، العليم بعباده، العليم بذات صدورهم، العليم بما يعملون، والخبير بما يعملون، والذي يخبر وهو يعلم الغيب والشهادة، ويعلم السر في السماوات والأرض، هو الذي أعْلَمنا بأنهم الأشد عداوةً لنا حتى، وليسوا أعداء كبقية الأعداء، وإنما الأشد عداءً، والأخطر في عدائهم لنا بين كل الأعداء، وبين قائمة كل الأعداء.
مع ذلك تأتي بعض الأنظمة، ومنها أنظمة يأتي قادتها ليقولون: [أنَّ دستورهم هو القرآن]، فإذا بهم يتبنون رؤيةً مخالفةً بشكلٍ صريحٍ للقرآن، ومتباينةً بشكلٍ كليٍ مع القرآن، فيقولون: العدو هو من؟ العدو هو الشيعة، العدو هو إيران، العدو هو جزءٌ من المسلمين، هو العدو الأشد، العدو الأخطر، العدو الذي يجب أن تتجه إليه بوصلة العداء،
ثم يريدون من الأمة أن تحرف بوصلة العداء كلياً، فلا تتجه نحو العدو الإسرائيلي، فتتجه إلى الداخل فيما بينها، لتتناحر فيما بينها تحت عناوين مذهبية وطائفية، وفي الإطار إطار التكفيري، الذي تنشط فيه الجماعات التكفيرية، في مخالفة واضحة وصريحة للقرآن، تلك الجماعات التكفيرية التي تبنت رؤية مختلفة في من هو العدو الأشد عداوة، والأخطر عداوة، مخالفةً بشكلٍ واضحٍ للقرآن، هي مكشوفة ومفضوحة، وتجلى بالشواهد الدامغة على مستوى الفعل والقول مدى ارتباطها بالأعداء، بخدمة الأعداء، بخدمة أمريكا وإسرائيل.
تلك الأنظمة يتبين لنا جميعاً، أنها وهي تحمل رؤيةً مخالفةً للقرآن، مخالفةً للواقع، مخالفةً للأحداث والوقائع المعروفة، أنها كذلك منحرفة بتوجهها، ومخدوعة، ومتجهة الاتجاه الخاطئ.
لماذا يحرص اليهود الصهاينة على أن نحمل رؤيةً مختلفةً عنهم، ألَّا ننظر إليهم كأعداء، بعد أن أخبرنا الله، وبعد أن رأينا من الواقع، وبعد أن أثبتت الأحداث أنهم هم العدو؟ لأنهم أعداء خطيرون، يريدون أن نتجه بحالة العِداء إلى اتجاهات ثانية، اتجاهات خاطئة؛ وبالتالي يتمكنون هم من مواصلة نشاطهم العدائي بأساليبهم الخطيرة الشيطانية؛ لأنهم عدوٌ ليست معركته فقط معنا معركةً عسكرية، معركته معنا شاملة، واستهدافه لنا شاملٌ في كل المجالات، والاستراتيجية التي يعتمد عليها في مواجهتنا كأمةٍ مسلمة، هذه الاستراتيجية هي: تجريدنا كأمةٍ مسلمة من كل عناصر القوة المعنوية والمادية؛ بما يسهِّل له السيطرة الكاملة علينا بأقل كلفة، ومن دون عناء، وهذا ما حرص القرآن الكريم أن ينبهنا عليه، وأن يوضِّحه لنا بشكلٍ واسع في القرآن الكريم.
ولذلك لاحظوا، والقرآن الكريم يبين لنا أنهم أعداء، ويكشف لنا الحقائق الكثيرة عنهم، ويبين لنا خطورتهم ومؤامراتهم ومكائدهم، يأتي من أول يوم ليحذِّرنا من الطاعة لهم والتولي لهم، وهذا شيءٌ غريب، لاحظوا عندما يحذرك الإنسان من عدو مثلاً، فتلقائياً الشيء الطبيعي أن يتجه إلى تنبيهك على الاستعداد للمواجهة، إلى أن ينبهك على ما تستفيد منه في الاستهداف لهذا العدو، أن يعرِّفك كيف تستهدف عدوك هذا، أمَّا أن يأتي من أول يوم ليحذرنا من الولاء للعدو، من الطاعة للعدو، فهذه مسألة غريبة جداً، ولكنها تبين لنا كيف يعمل هذا العدو، كيف يستهدفنا هذا العدو.
هذا العدو يسعى إلى الوصول بنا إلى أن نطيعه، أن نصبح أداةً بيده، أن يسيطر علينا هذه السيطرة الشاملة، التي تجعلنا أداةً في يده يستثمرنا، ويستثمر كل إمكانياتنا، ولذلك هو يشتغل على أن يبعد عنا، أن يخرج منا كل حالة الاستشعار للعداء نحوه، وأن يغير من نظرتنا إليه، وأن يكسب ولاءنا في الوقت الذي هو عدوٌ لنا، ولاؤنا له لن يغيِّر شيئاً من عدائه لنا، يبقى عدواً، هو يبقى عدواً مهما كان، يبقى متآمراً، يبقى لا يريد لنا أي خير، يبقى ساعياً فقط لكل ما يساعده على السيطرة التامة علينا، وعلى استثمارنا كأمة، واستثمار إمكاناتنا ومقدراتنا التي بين أيدينا.
وهذه نقطة خطيرة جداً؛ لأنه لا بدَّ لنا من الوعي كيف يعمل هذا العدو؛ وبالتالي ماذا علينا أن نعمل في المقابل، فيأتي في القرآن الكريم التحذير الشديد من التولي لهذا العدو، إلى درجة أن يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، هذا تحذير شديد جداً، من يتولهم فَقَدْ فَقَدَ هويته الإيمانية، وانتماءه الديني، وأصبح محسوباً منهم.
يقول الله "سبحانه وتعالى": {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]؛ ليبين أنها حالة انحراف خطير، وحالة ليست صحية، لا على المستوى الإيماني، ولا الثقافي، ولا على مستوى زكاء النفس، ولا على مستوى الوضع الطبيعي للإنسان كإنسان، أن يسارع في خدمة عدوه، في التولي لعدوه، في العمل لصالح عدوه.

ُيقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: الآية100]، فنلاحظ تحذيره من طاعتهم؛ لأنهم في خبثهم، وبوسائلهم الشيطانية الماكرة، وأساليبهم الشيطانية الماكرة، يصلون بالبعض إلى أن يكون مطيعاً لهم؛ وبالتالي يعمل لتنفيذ مخططاتهم، لتنفيذ مؤامراتهم، للعمل وفق سياساتهم، وفق املاءاتهم، وفق توجيهاتهم، وفق أوامرهم، بما يخدمهم ويضر بالأمة، ويضر به، بما يمثل ارتداداً عن الإسلام في مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، وتعليماته، ومنهجه العظيم، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأنها تبين لنا جوانب خطيرة جداً في الصراع مع هذا العدو، يترتب عليها الخطوات العملية المقابلة لمثل هكذا مساعي، ومؤامرات، وأساليب، وخطط.
يبين لنا القرآن الكريم أنهم يسعون إلى أن يسلبوا منا وأن يجرِّدونا من كل عناصر القوة المعنوية، وفي مقدِّمتها: صلتنا بالله "سبحانه وتعالى"، الصلة الإيمانية، أن يفصلونا عن هذه الصلة؛ حتى لا نحظى بتأييد الله "سبحانه وتعالى"، بنصره، بمعونته، بهدايته، وسعيهم لأن يردونا بعد إيماننا كافرين؛ لأنهم يعرفون أنَّ الصلة بالله هي صلة إيمانية، أنَّ الصلة بنصر الله وتأييده هي صلة إيمانية، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: من الآية38].
سعيهم لأن يحوِّلوا هذه الأمة إلى أمة ترتد عن إيمانها، يتبعه نشاط واسع على كل المستويات: نشاط سياسي، نشاط ثقافي، نشاط فكري، نشاط واسع جداً، نشاط على المستوى الأخلاقي؛ لضرب الأمة في أخلاقها، التحريف للمفاهيم، اللبس للحق بالباطل، وأحياناً تأتي الكثير من هذه الأنشطة بأساليب غير مباشرة، على أيدي البعض من المحسوبين على الأمة: كُتَّاب من أبناء الأمة، أحزاب، اتجاهات تكتب، تتحدث، تتبنى أفكار، ثقافات، مفاهيم، تفصل الأمة عن هذه الصلة بالله "سبحانه وتعالى"، تجرِّد الأمة من هويتها الإيمانية، تبعدها عن انتمائها الإيماني، فهم يفصلون الأمة على المستوى المبدئي، والعقائدي، والثقافي، والفكري، والأخلاقي، والسلوكي، عن مقتضيات وارتباطات الانتماء الإيماني، وهذا الفصل عن الانتماء الإيماني يدخل من البوابة السياسية على نحوٍ واسع، من البوابة الثقافية والفكرية على نحوٍ واسع، ويشتغلون عليه بنشاطٍ واسعٍ ومتنوع، والكلام عن هذا يطول، لكنه توصيفٌ إجمالي.
ولهذا يحذِّرنا الله منهم، فيقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، ويجب أن يتلمَّس الإنسان تجاه كل خطوة، كل ما يقدَّم وهو يفصل الناس عن انتمائهم الإيماني، ما كان بشكل عقائدي، ما كان بشكل ثقافي وفكري، ما كان بشكل أخلاقي وسلوكي، ولو كان له قناع ذو وجه عربي أو إسلامي، فإنَّ وراءه اليهود، وراءه اليهود الصهاينة، وراءه مساعيهم الشيطانية لأن يفصلوا الأمة عن انتمائها الإيماني على كل المستويات، وبكل أسلوبٍ خبيثٍ وماكر.
يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية44]، وتكرر الحديث عنهم في القرآن الكريم أنهم يريدون، ويودون، ويسعون، ويعملون لإضلالنا، يعملون على أن نضل، على أن نكون أمةً ضالة، ضالة على كل المستويات، يتسرب هذا التضليل من جانبهم بأساليبهم الماكرة، وأحياناً عبر أدواتهم، عبر عملائهم، عبر المرتبطين بهم، يتسرب إلى الثقافة، إلى العقيدة، إلى المفاهيم، إلى الرأي العام تجاه قضايا كثيرة جداً، فإذا بالناس يحملون أحياناً عقائد ضالة هم وراء تسريبها، هم وراء زرعها في الاتجاه العقائدي للأمة، فإذا بالناس يحملون مفاهيم، والكثير منها هم من عمل على أن يدسها في ثقافة الأمة، وهي مفاهيم خطيرة تخدمهم، وتضل الأمة وتضيعها عن المفاهيم الصحيحة، عن الرؤية الصائبة، ثم على مستوى الرؤية، يحاولون أن يؤثروا في الرؤية لدى الأمة تجاه مختلف القضايا، وبالذات فيما يتعلق بالصراع معهم، وبالذات فيما يتعلق بكل ما يبني الأمة لتكون بمستوى مواجهتهم.
على مستوى التأثير على الرأي العام من خلال النشاط الإعلامي الذي يزيِّف الحقائق، ويزيِّف صورة الأمور، ويزيِّف النظرة إلى كثيرٍ من الأمور، لهم نشاط واسع جداً، ومن أهم ما يركِّزون عليه: التأثير على الرأي العام، ولذلك يجب أن نكون على يقظة تامة، وأن ندرك جيداً، وأن نعي جيداً: أنَّ كثيراً مما نسمعه من الرؤى والتحليلات والتصورات مما يخدمهم، إنما هم وراء ذلك ولديهم أساليبهم التي يوصلون ما يؤثِّر على الرأي العام، ما يؤثِّر على الرؤية العامة على مستوى الشعوب، أو على مستوى الحكومات، أو على مستوى الاتجاهات والكيانات،  هم يعملون على ذلك، وكيف يوصلونها بطريقة أو بأخرى.

التضليل على مستوى الجانب المعلوماتي: يقدمون معلومات مخادعة، على المستوى الاستشاري في مراكز الدراسات والأبحاث، ومن الغبن الشديد لبعض الأنظمة العربية أنها تعتمد عليهم مع الانبهار بهم، تعتمد على معلوماتهم، تعتمد على مراكز دراساتهم وأبحاثهم في الأمور السياسية، والقضايا المهمة، فيستطيعون أن يقدِّموا -وبصفة استشارية- رؤى مخادعة، رؤى مخطئة، رؤى غير صائبة أبداً، ومنها ما يتجه بالإنسان إلى أن يتبنى عداءً لبديلٍ عنهم، عداءً لمن يعاديهم هم؛ حتى تصبح الرؤية تجاه العدو والصديق رؤية خاطئة تماماً، حتى ينصرف البعض، وتنصرف بعض الجهات عن الأولويات الصحيحة، عن المواقف الصحيحة، عن الاتجاهات الصحيحة، نتيجةً لهذا التضليل، التضليل الواسع، الذي يأتي عبر وسائل كثيرة، وبأساليب كثيرة جداً.
من أهم ما نبه عليه القرآن الكريم وحذر منه فيما يتعلق بهم، هو الإفساد، وقال عنهم أنهم: يسعون في الأرض فساداً، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: من الآية64]، ومعنى هذا: أنهم يعملون بكل الوسائل، بكل الأساليب، على نشر الفساد في كل المجالات، وفي مقدمته: الفساد الأخلاقي، هم يعملون بكل وسيلة، بكل جهد، إلى انتشار الرذائل، إلى انتشار الفساد الأخلاقي، إلى انتشار جرائم الزنا والفساد الأخلاقي على نحوٍ واسع، إلى تفكيك الأسر والمجتمعات، وضرب اللبنة الأولى في تأسيس المجتمعات، التي هي الأسرة، هذا مخطط رئيسي بالنسبة لهم، ومسعىً يستمرون في العمل عليه بكل الوسائل وبكل الأساليب، وفي هذا العصر يستغلون التقنيات والإمكانات المعاصرة، والوسائل المعاصرة، التي يمكن أن تستغل على نحوٍ واسع لنشر الفساد وما يوصل إلى الفساد، وما يسبب إلى الفساد، وهم وراء نشر الكثير من الثقافات، والمفاهيم الخاطئة، التي تخرج المرأة عن حشمتها، التي تكسر الحواجز والضوابط الشرعية والأخلاقية ما بين الرجل والمرأة، والتي تسعى إلى نشر الفساد بشكلٍ واسع على هذا المستوى، وكذلك على بقية المستويات.
معنى هذا: أنهم يعملون بجدٍ واهتمامٍ كبير في هذا المجال؛ لأنه يخدمهم، يخدمهم في تفكيك المجتمع، يخدمهم في ضرب الأسرة، حتى لا تبقى هذه اللبنة الأساسية في المجتمع قائمة، يخدمهم في ضرب النفوس، في تحطيم النفوس، في تمييع النفوس، في تطويعها، والسيطرة عليها وإخضاعها، يخدمهم في ضرب الروح المعنوية لدى الأمة ولدى شعوبها.
مما أخبر عنهم أنهم يحرصون على سياسة التفريق، وبلغوا فيها إلى النهايات، يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، يسعون إلى أن يفرقوا، ويتعلمون إلى أن يفرقوا حتى- كما قال الله عنهم- ما بين المرء وزوجه، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة : 102]، إلى هذا المستوى، ومعنى هذا: أنهم يعملون على تفريق الناس بكل الوسائل، وعملوا على هذا، عملوا على هذا، وحققوا خطوات كبيرة في تفريق الأمة الإسلامية، فرقوا الأمة الإسلامية وقطعوا أوصالها، على المستوى الجغرافي والسياسي أوجدوا بينها الحواجز الكبيرة جداً، ثم يسعون لتوظيف الخلافات المذهبية، من خلال الشحن الطائفي والعداوات المذهبية إلى أنهى مستوى، ثم يستمرون إلى بعثرة الشعوب، كل شعبٍ في داخله، وتجزئة هذا المجزأ من أبناء الأمة تحت كل العناوين: العناوين السياسية يجزئون الأمة من خلالها باستمرار، ويبعثرونها إلى كيانات، وبشكلٍ مستمر، كيانات بعد كيانات بعد كيانات، ويشجعونها على المزيد والمزيد من الفرقة والاختلاف في كل شيء، ألَّا يكون لها رأيٌ واحد، ولا كلمةٌ واحدة، ولا منهجٌ واحد، ولا موقفٌ واحد، ولا توجهٌ واحد، وأن تكون مبعثرة، متفرقة، مختلفة في كل شيء، تختلف أنظارها في كل شيء، وآراؤها في كل شيء، وأن تتباين في كل شيء، وألَّا تتفق على شيء، لديهم نشاط واسع في الإطار السياسي، وتحت العناوين السياسية، والأساليب السياسية، في هذا الاتجاه.
وعلى المستوى الثقافي والفكري، وعلى المستوى الديني، لا يزالون يعملون على المزيد والمزيد من الفرقة والفرقة والفرقة، والشتات، والبعثرة، عمل نشط جداً، وحتى على المستوى الاجتماعي: إثارة مشاكل وحساسيات بين الرجل، والمرأة، والشباب، والكبار، والصغار، وعلى المستوى المناطقي هم يعملون على ذلك، ويستغلون المعقدين، والذين لديهم مشاكل وعقد نفسية، وفكرية، وثقافية، في هذه الإشكالات وإثارتها.
يعملون بكل جهد على توظيف كل المشاكل، والأزمات، والخلافات، والتباينات، إلى أقصى حد، وباتت هذه مشكلة مؤثرة على واقع أمتنا، ومضعفة لأمتنا، ومؤثرة على نهضتها، مؤثرة حتى على مستوى أن تسير في حياتها بشكل اعتيادي وطبيعي، ما بالك بأن تنهض، أزمات كبيرة في أمتنا الإسلامية في هذه الدولة، وتلك الدولة، والدولة الأخرى، أزمات سياسية، أزمات اقتصادية، أزمات اجتماعية، أزمات أمنية، مشاكل على كل المستويات، تجعلها غارقة في مشاكلها وأزماتها، وفي حالة من الإحباط والضغط الكبير.

يسعون أيضاً إلى تجريد أمتنا من كل عناصر القوة المادية، على المستوى الاقتصادي، كما قال الله عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: من الآية105]، لا يريدون لنا أي خير، الله هو الذي يخبرنا  بذلك، ليس مركز دراسات وأبحاث مشبوه، أو خاطئ وقاصر في قراءته وفي معطياته، الله هو الذي يخبرنا عنهم: أنهم ما يودون لنا أي خير، لا معنوي ولا مادي، ولذلك لهم دور كبير في أن يبقى وضعنا الاقتصادي، كأمةٍ مسلمة على ما هو عليه من السوء والتردي، وأن تبقى أمتنا مجرد سوقٍ استهلاكية لمنتجاتهم وبضائعهم، وألَّا نكون أمةً قوية تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي، ألاَّ نكون أمةً منتجة، تستثمر خيراتها ونعم الله عليها، لتكون أمةً، قويةً مصنعةً منتجةً، تعتمد على ما منحها الله "سبحانه وتعالى"  من النعم، فيعملون بشكلٍ مستمر أن نبقى أمةً تعتمد عليهم اقتصادياً في كل شيء، وأمةً تعيش الأزمات الاقتصادية، أمةً تعتمد سياسات اقتصادية خاطئة، مفلسة، تصنع المزيد، وتنتج المزيد من الأزمات والمشاكل الاقتصادية والبؤس.
لديهم أيضاً سعي لأن يؤثروا على مستوى التوجهات والسياسيات الاقتصادية، وأن يؤثروا أيضاً على النهضة العلمية، فلا تنهض الأمة علمياً، ولهذا ينزعجون انزعاجاً شديداً من نهضة الجمهورية الإسلامية في إيران، يستهدفون علماءها، فيعملون على اغتيالهم، وعلى قتلهم؛ لأنهم لا يريدون أن ينهض أي شعبٍ مسلم، أن يمتلك العلم والمعرفة، التي تساعده على بناء نهضة وحضارة، وأن يبني وضعه الاقتصادي على أساسٍ صحيح، فهم يحاربون ذلك بشكلٍ واضح.
هم يريدون أن تبقى هذه الأمة سوقاً استهلاكية لمنتجاتهم، وأن تذهب كل الأموال إلى بنوكهم وإلى جيوبهم، أن يستأثروا بالمواد الخام في هذه الأمة، وعندما يعيدون إنتاجها، وحصلوا عليها بالمجان، أو بأبخس الأثمان، يعيدون تصديرها إلينا، ليحصلوا في المقابل على أموال هائلة جداً، فنبقى دائماً ندفع لهم، ومن واقع بؤس، وفقر، وحرمان، وعناء.
سعيهم أيضاً لمنع امتلاك القدرات العسكرية لهذه الأمة، وبالذات على أساسٍ من الاستقلال، وهذا واضحٌ جداً، هم يسعون فيما يتعلق بهم أن يمتلكوا أفتك أنواع الأسلحة، وسعى الكيان الإسرائيلي إلى أن يمتلك حتى السلاح النووي، وأنشطته واهتماماته العسكرية معروفة، لا مثيل لها في منطقتنا بشكلٍ عام، تعبئة عامة، نشاط مستمر، سعي مستمر لتقوية جيشه، للاستفادة من كل وسائل العصر، سعي للحصول على كل جديد من الأسلحة المهمة، والفتاكة، والتقنيات العسكرية المتطورة، سعي مستمر.
بينما في واقعنا هناك عمل جاد لمنع بلدان أمتنا من امتلاك قدرات عسكرية قوية، جيدة، ولهذا انزعاجهم الكبير من الجمهورية الإسلامية في إيران، ألَّا تطور أسلحتها الصاروخية، انزعاجهم الواضح من شعبنا اليمني، ومما بات يمتلكه من قدرات عسكرية، انزعاجهم الجنوني من اقتناء حزب الله للسلاح، ومن ترسانته العسكرية، انزعاجهم الشديد جداً من امتلاك المجاهدين في فلسطين للسلاح، وانزعاجهم الشديد من أن تتطور هذه القدرات، وأن تمتلك شعوبنا المزيد من القدرات العسكرية، هذه بالنسبة لهم مسألة حساسة جداً، يعملون على محاربتها بكل جهد، ويسعون إلى الحيلولة دونها بكل الوسائل، حتى على مستوى الثقافة العامة، يحاولون أن يقدموا صورة وفكرة عامة لدى شعوب أمتنا، يبعدونها من خلالها عن الأخذ بعناصر القوة، عن إعداد ما تستطيع من القوة، عن السعي لأن تكون أمةً قوية على كل المستويات، وأن تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية، وسائر القدرات وعناصر القوة اللازمة.
ولهذا نلاحظ أنهم يسعون أن تبقى مسألة القدرات العسكرية في حدود ما يمتلكه عملاؤهم، بمقدار ما ينفذونه لخدمتهم، فهذا المسموح به لهذه الأمة، أن تمتلك من القدرات العسكرية ما تنفذ به مخططاتهم، ومؤامراتهم فقط؛ أما غير ذلك فهم يسعون إلى محاربة هذه الأمة، هذه الشعوب، ألَّا تمتلك القدرات العسكرية، ولا السلاح العسكري، ويجعلون هذه مشكلة، ويحاولون أن ينظر إليها على أنها مشكلة، وأنها سلبية، وأن أي شعب من هذه الشعوب يمتلك القدرة العسكرية يجب أن يجرد من هذه القدرة، ويجب أن تسحب منه هذه القدرة، وأن يبقى هذا فقط لهم هم، أن يبقى لهم هم الحق في أن يمتلكوا كل أنواع السلاح، حتى النووي؛ بينما شعوب هذه الأمة ليس مسموحاً لها أن تمتلك أي نوع من أنواع السلاح، وهذه مسألة معروفة وواضحة.
ومع ذلك، مع كل مؤامراتهم ومكرهم وكيدهم، وسجلهم الإجرامي بحق هذه الأمة، وما قد قتلوا، وما يفعلونه يومياً من الممارسات الإجرامية في فلسطين، وفي غير فلسطين، وأنشطتهم المستمرة في استهداف هذه الأمة في كل المجالات، يقدمون عنوان السلام للخداع فقط، ليس للسلام الذي يقدمونه من مضمون فعلي، إلا الاستسلام لهم من خلال التبعية لهم، وتنفيذ مؤامراتهم ومخططاتهم، يريد أن يحتل الأرض، أن يقتل مئات الآلاف، وأن يأتي من هذا الواقع الذي بنى فيه كياناً غير شرعي،

مسيطراً على أرضٍ من أرض الأمة، مضطهداً لشعبٍ من شعوب الأمة، ومسيطراً أيضاً على أراضٍ أخرى، ومناطق أخرى، من واقعه العدواني الإجرامي، المغتصب، المستمر في مؤامراته، ليقدم عنوان (السلام)، وهذا مجرد خداع؛ لأنه على ما هو عليه من احتلال، على ما هو عليه من سلوك إجرامي، على ما هو عليه من اضطهاد لأبناء هذه الأمة، ولجزءٍ من أبنائها، على ما هو عليه من مؤامرات وحقد وعداء أخبر الله عنه، وأخبر الواقع عنه، ثم ليقدم عنوان السلام كمجرد خداع، وليس هناك من مضمون إلا ماذا؟ إلا الاستسلام؛ لأنه يريد أن يبقى الأمر كما هو، وأن يأتي من هذا الواقع الذي هو فيه وأن يتم التعامل معه بما هو عليه، وتحت عنوان السلام، معنى هذا هو الاستسلام، معنى هذا هو تمكينه من النفوذ في بقية بلدان هذه المنطقة، من التأثير، من التحرك بمؤامراته والاستمرار في مؤامراته بأقل كلفة.
ولهذا يجب أن تكون أمتنا على وعيٍ تام أنه عدوٌ مخادع، وأنه مستمرٌ في مؤامراته، وأنه يريد مما هو فيه وما هو عليه، وما هو مواصلٌ ومستمرٌ فيه: أن يقدم هذا العنوان لمجرد الخداع، وليحظى من خلاله بتبعية البعض تحت هذا الغطاء، وهي حالة تبعية له، في مؤامراته، في إجرامه، في سياساته العدائية بحق هذه الأمة.
هذا العدو مهما فعل، ومهما يشكله من خطورة، ومهما قد فعله في كل هذه المراحل الماضية، فإننا نصل إلى حقيقة الحتميات الثلاث، الحتميات الثلاث التي هي نهاية لكل هذا الصراع ومآلات هذا الصراع، ومآلات هذا العدو إليها حتمية، الحتميات الثلاث قدمها القرآن الكريم، ويجب أن نعيها جيداً:
الحتمية الأولى: هي هزيمة هذا العدو: هذه مسألة محتومة أكد عليها الله في القرآن الكريم، في الوقت الذي أخبر الله فيه في بداية سورة الإسراء عن هذا العدو، عن خطورته، عن فساده في الأرض، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء: من الآية4]، أخبر في نفس الوقت عن حتمية سقوط هذا العدو، وهزيمة هذا العدو، وفشل هذا العدو، وأن هذه النهاية حتمية، فيقول الله "سبحانه وتعالى": {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا}، يعني: وعد المرة الآخرة من المرتين، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء: من الآية7]، فهو يبين هنا النتيجة الحتمية لسقوط هذا العدو، وهزيمة هذا عدو، وهذه طمأنة كبيرة جداً، وهذا هو مقتضى العدل الإلهي، مقتضى العدل الإلهي، كيان بهذه الإجرامية، بهذا الإفساد، بهذا التضليل، بهذا العداء لله ولرسله ولأنبيائه ولعباده، بهذا السلوك الإجرامي، مآله هو الهزيمة، هو السقوط، هو هذه النهاية المحتومة.
الحتمية الثانية: حتمية خسارة الموالين له: أن الذين يوالون هذا العدو، ودخلوا في رهانات خاطئة، وتصورات باطلة، وأوهام وسذاجة وغباء، دفعهم إليها ما هم عليه من المرض في قلوبهم، الانحطاط الأخلاقي والإنساني، يقول الله "سبحانه وتعالى": {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، وعسى من الله هي وعد، ليست تخمينات، ليست احتمالات، هي وعدٌ قاطع، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: 52-53]، إن كل هؤلاء المطبعين والمطبلين للتطبيع، والمتجهين علناً أو سراً في الولاء للعدو الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، واللوبي اليهودي في العالم، مهما فعلوا، مهما كانت تبريراتهم، مهما كانت إمكانياتهم، تصوراتهم خاطئة، ورهاناتهم ساقطة، وفشلهم، وخسرانهم، وندمهم هو النتيجة الحتمية، ومآل أمرهم إلى ذلك حتماً، لا شك في ذلك، لا شك في ذلك.
الحتمية الثالثة: هي غلبة عباد الله، المؤمنين، الذين وثقوا به، الذين عندما اتجه العدو ليستقطب أبناء هذه الأمة، ليكونوا موالين له، كان ولاؤهم هم لله "سبحانه وتعالى"، ولاؤهم في الاتجاه الصحيح، ارتباطهم وثقتهم بالله "سبحانه وتعالى"، وتوكلهم عليه، فكان نتاج ذلك ثباتهم على الموقف الحق، على الموقف الصحيح، على الاتجاه الصحيح.
لاحظوا، الله أخبر عن العدو الإسرائيلي أنه عدو، حتى على المستوى الرسمي العربي كان هناك اعتراف بأنه عدو للأمة، كان هذا محط اعتراف في الجامعة العربية، في منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً، وكانت هذه مسألة معروفة لدى الجميع، الذي ارتد عن هذا إلى مسار التطبيع والولاء لإسرائيل علناً بعد أن كان سراً: هو يخرج عن هذه الحقيقة، هو أوقع نفسه في اتجاه يخسر فيه لا شك في ذلك.

فالاتجاه الأصيل الثابت الصحيح، الذي تعتمد فيه الأمة على الله "سبحانه وتعالى"، تتوكل عليه، تلتجئ إليه، تجاهد في سبيله، تسير وفق هديه، تعتمد على منهجه، وتنهض بمسؤولياتها وواجباتها في الدفع لهذا الخطر، بالاعتماد على الله "سبحانه وتعالى"، هذا يؤهل الأمة لتكون حزباً لله، ينصرها الله، ويعينها، ويؤيدها.
فالحتمية الثالثة: هي غلبة حزب الله، حزب الله هم هؤلاء الذين يتجهون هذا الاتجاه في الولاء لله "سبحانه وتعالى"، والثقة به، والتوكل عليه، ويعتمدون على منهجه، يسيرون وفق توجيهاته، يهتدون بهديه، ينهضون بمسؤولياتهم وواجباتهم،{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 56].
فمآلات هذا الصراع الحتمية هي في هذه الثلاث:
في هزيمة العدو.
في خسارة الموالين له.
في انتصار المؤمنين الذين ينطلقون على أساس هدي الله.
وهذا هو الموقف الصحيح الذي يجب أن تتوجه الأمة على أساسه، وأن تتحرك بمقتضاه، هذا هو التوجه الصحيح، والخيار الصحيح، وإيجابياته كبيرة في واقع الأمة؛ لأنه يمثل عاملاً لنهضتها، لأخذها بأسباب القوة، لاحتمائها من هذا الخطر في كل أشكاله، في كل ثغراته التي ينفذ منها، ويتسلل إلى الأمة عبرها، ونجد إيجابيات هذا الموقف في من يتبناه، في من ينطلق على أساسه، هم الأحرص على امتلاك هذه الأمة على عناصر القوة، هم الأحرص على أن تكون هذه الأمة متوحدة وقوية ومتآخية، وواعية وفاهمة، هم الأحرص على أن يتصدوا لكل محاولات الفتنة في داخل هذه الأمة، هم الأحرص على بناء القدرات، وتحصين هذه الأمة، إيجابية واضحة جداً.
نجد أيضاً في المنهج القرآني- مع وضوح أنشطة هذا العدو- أن علينا أن نعمل على تحصين أمتنا من الولاء له على أن يكون هناك نشاط تعبوي مستمر للعداء لهذا العدو، للحذر من كل الثغرات التي ينفذ فيها، أن ننزل في كل ميدان بوعي: ميدان المعركة الثقافية، المعركة الفكرية، المعركة السياسية، المعركة في الميدان الإنساني والأخلاقي المعركة في كل مجال، وأن ندرك أن مع العدو جيشاً من نفس أبناء الأمة يشتغل به في كل ميدان: في المجال الثقافي، والفكري، والسياسي، أن من يصدر إلى أمتنا تلك الأفكار المشبوهة، تلك المفاهيم الخاطئة، التي تضل الأمة، أو تفسدها، هو اليهود، هم اليهود الصهاينة، عبر عملائهم، عبر وكلائهم، عبر خدامهم الذين يشتغلون في ذلك، وأن نسعى لتفعيل ساحتنا الداخلية على كل المستويات، وأن نعمل على تفعيل المقاطعة، مع الشعارات التي تستنهض الأمة في العداء لهذا العدو، وترسخ هذه الحقيقة في أنه العدو، ويتمثل حافزاً مهماً للاتجاه في كل عناصر وأسباب القوة المعنوية والمادية في كل المجالات، أن نعمل على تقوية المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، هذه نقطة مهمة جداً، لأن أكثر ما يفيد العدو على المستوى الاقتصادي والمادي هو بضائعه، هو تجارته، التي يعمل على الترويج لها، وعلى نشرها، وسلاح المقاطعة سلاح فعال، وباستطاعة كل إنسان أن يفعله، وهو موقفٌ مسؤولٌ وواعٍ، وهو من أقل ما يجب علينا، من أقل ما يجب علينا، سلاح فعال، سلاح مهم.
 الله "سبحانه وتعالى" أمر المسلمين في زمن رسول الله "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله" أن يقاطعوا (مفردة) كلمة كان العدو يستفيد منها في معنىً من معانيها، {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة: من الآية104]، فكيف لا نقاطع البضائع التي تذهب من خلالها مليارات الدولارات إلى جيوب الأعداء، ويستفيدون منها في محاربة أمتنا، وفي دعم موقفهم ضدنا، وفي تعزيز قدراتهم العسكرية لمواجهتنا، هذه مسألة مهمة جداً.
أما سلبيات المواقف الأخرى: موقف العمالة، اتجاه العمالة: هو اتجاه خاسر، يمكِّن إسرائيل، يمكِّن العدو اليهودي، اللوبي اليهودي العالمي، من إخضاع من يخضع له، واستغلاله بدون محبة، {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران : 119]، بدون محبة، مع أنه سيبقى عدواً حتى لهم؛ إنما يستغلهم.
سلبية اتجاه موقف الجمود: الجمود هو استسلام، الجمود هو تمكينٌ للعدو، الجمود هو تكبيلٌ للأمة، تكبيلٌ للأمة عن التحرك، مخالفة لمنهج القرآن الكريم، الجمود يترتب عليه تعاملٌ باستهتار تجاه هذا الخطر وتجاه كل قضايا الأمة، كل واقع الأمة، من لديهم اتجاه في العمالة، أو الجمود، هم الأكثر سلبية في الواقع الداخلي للأمة، ليس عندهم أي حرص على وحدة كلمة الأمة، ولا على أن تكون أمةً قوية، ولا على معالجة أي مشاكل من مشاكلها بكل جدية.
إذاً الاتجاه الصحيح واضح، يبقى أن يكون المسار مستمراً، وأن يكون هناك جدية كبيرة جداً في الحديث عن هذا العدو، والأنشطة العملية على كل المستويات.

في الختام: نؤكد أولاً على ثباتنا على موقفنا المبدئي الإيماني، في مناصرة الشعب الفلسطيني، والوقوف مع كل الأحرار في أمتنا، ومحور المقاومة، في السعي لتطهير كل بلاد المسلمين من العدو الإسرائيلي وتحرير المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف.
ثانياً: نؤكد وقوفنا مع كل شعوب أمتنا في كل قضاياها ومظلومياتها في العراق، ولبنان، وسوريا، والبحرين، والأقليات المسلمة المضطهدة في سائر أنحاء المعمورة.
أتوجه إلى شعبنا اليمني العزيز، يمن الإيمان، يمن المواقف الإيمانية، يمن الرجولة والشجاعة والثبات، يمن التضحية والصمود، بهويتك الإيمانية أنت يا شعبنا اليمني، أنت تمثل إزعاجاً كبيراً لهذا العدو الإسرائيلي، من بداية ثورتك الشعبية وهو يعلن ويعبر عن انزعاجه الشديد منك، من ثورتك، من مسارك التحرري، من مسيرتك القرآنية، من توجهك القرآني، من وعيك، من تحركك الجاد، إلى درجة أنه قال: أنك تشكل خطورةً عليه أكبر من النووي الإيراني، ينزعج اليوم من تطويرك لقدراتك العسكرية؛ لأنها قدرات معها وعي، معها إيمان، معها موقفٌ صحيح، موقفٌ ثابت، موقفٌ صامد، موقفٌ لا يتغير بفعل الضغوط، ولا بفعل عدوان العملاء والخونة والأدوات التي يعتمد عليها الأعداء، ولذلك كنت بارزاً في موقفك، صادقاً في موقفك، جاداً في موقفك وتوجهك، في كل مناسبات يوم القدس الماضية كان لك الحضور البارز، والحضور المشهود، والحضور المشرف في الساحات، وأنت تعبر عن موقفك الصادق، آمل في يوم الغد- إن شاء الله- أن يكون الحضور في هذا العام، في يوم القدس العالمي، عصر غد الجمعة، مشرفاً، كما في الأعوام الماضية، وحضوراً يعبر عن هذا الانتماء الإيماني الأصيل، عن هذا الوعي القرآني لشعبنا العزيز، عن رجولته، وشهامته، وشجاعته، وعطائه، وإبائه، وثباته.
في نهاية المطاف نسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

الأربعاء، 5 مايو 2021

نص المحاضرة الرمضانية الحادية والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ

المحاضرة الرمضانية الحادية والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 22 رمضان 1442هـ 04-05-2021
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

نعود إلى النص القرآني المبارك في الآية المباركة من سورة الأنعام، في قوله سبحانه وتعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151]، بعد أن سبق ذلك بقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}[الأنعام: من الآية151]، قال: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، الإملاق: شدة الفقرة والحاجة، وقلة ذات اليد، التي تدفع الكثير من الناس إلى التصرف الخاطئ، إلى ارتكاب جرائم متنوعة. البعض قد يصل به الحال إلى أن يظلم حتى أولاده وأقرباءه، ويرتكب مختلف أنواع الجرائم في توجهه لمكافحة هذه المشكلة، التي هي الفقر.

الله سبحانه وتعالى عندما قال: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، قدَّم الضمانة، وهذا يشدُّنا إلى الله سبحانه وتعالى أن نبتغي عنده الرزق من واسع فضله، بالالتجاء إليه، وبالأخذ بأسباب الرزق.

تحدَّثنا في المحاضرات الماضية أنَّ الله سبحانه وتعالى عرض لنا في القرآن الكريم عرضاً واسعاً جداً عن نعمه التي أسبغها علينا ظاهرةً وباطنة، قرأنا بعضاً من الآيات المباركة التي تحدثت عن ذلك، مختلف أنواع النعم، أصول النعم الكبرى، الثروات العظيمة، الموارد العامة الكبيرة التي منَّ الله بها علينا كبشر، ومع ذلك- وفي هدايته سبحانه وتعالى- قدَّم لنا في التشريعات والمنطلقات والقيم، قدم لنا ما يساعدنا على استثمار تلك النعم، والتصرف فيها بما نتفادى به الأضرار والمفاسد، ويتحقق لنا بذلك أحسن الانتفاع، الانتفاع الخالي من السلبيات الرهيبة، التي تحصل حينما يتصرف الإنسان بعيداً عن التوجيهات الإلهية، والهداية الإلهية، ويتصرف فقط بدافع الغريزة والحاجة، أو الطموح والطمع، وتحدثنا عن هذه المسائل في المحاضرات الماضية.

إضافةً إلى ذلك: ما وعد الله به من البركات، مع أنه قد خلق أصول النعم، وفيها الخير الكثير، لكنه وعد أيضاً بالبركات: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية96]، ووعد أيضاً عندما يتقي الإنسان ربه، أنه سبحانه وتعالى سيرزقه من حيث لا يحتسب، وعد أيضاً بالمزيد والمزيد من النعم عندما نتوجه إليه بالشكر، فقال جلَّ شأنه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: من الآية7]، فالله سبحانه وتعالى هو الرزاق، الكريم، الوهاب، المنان، المحسن، المتفضل، المنعم، ولذلك المشكلة فيما يتعلق بالفقر، بالذات الفقر المدقع، وتفاقم هذه المشكلة في الواقع البشري، وضغط هذه المشكلة بشكلٍ كبير في الواقع البشري في كثيرٍ منه يعود إلى البشر، سواءً في تعاملهم مع الله سبحانه وتعالى من خلال سوء تعاملهم مع نعمه، ومقابلتها بالكفران، وسوء تصرفاتهم ومعاصيهم... وما إلى ذلك.

فعندما نأتي بعد أن تحدَّثنا عن أصول النعم، وعن الموارد العامة التي عرضها لنا القرآن الكريم، وتلونا آياتٍ من القرآن الكريم تحدثت عنها، وذكَّرت بها، نأتي إلى الواقع البشري، فنجد أنَّ هناك دول ومجتمعات أصبحت متقدِّمة، وغنية، وذات ثروة ضخمة، ونشاط اقتصادي على مستوى كبير، الدول الصناعية الكبرى، ودول نامية: دول لم تصل بعد إلى مستوى ما وصلت إليه الدول الصناعية الكبرى، ولكنها أصبحت نامية، وأصبحت معدلات النمو فيها معدلات سنوية، يعني: كل سنة وهي تنمو بشكلٍ أفضل في اقتصادها، وهناك دول فقيرة، وهناك دول تحت خط الفقر، يقولون عنها: تحت خط الفقر، يعني: تعاني من فقرٍ مدقع، ومجاعات، ومشاكل كبيرة جداً.

لو نقارن بين واقع كل هذه الدول: الدول الصناعية الكبرى، والدول النامية، والدول الفقيرة، والدول التي تحت خط الفقر؛ لنصنِّف حقيقة المشكلة ما هي، لو نأتي مثلاً لاستعراض أصول النعم، الله سبحانه وتعالى ذرأ المجتمع البشري في الأرض، نشره على كوكب الأرض، وعلى جغرافيا الأرض، والأرض بكلها في كل أنحائها التي هي معمورة، دعك عن الأماكن غير المعمورة، مثل القطبين: القطب الشمالي، والقطب الجنوبي، المناطق المعمورة، والأنحاء المعمورة من الأرض تتهيَّأ فيها ظروف الحياة، والظروف الملائمة، والمتطلبات الأساسية لحياة الإنسان، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى ومن حكمته، يعني: أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يحصر أصول النعم لتبقى مثلاً في منطقة محدودة جداً، ورقعة جغرافية صغيرة في الأرض، ويسبب هذا مشكلة للمجتمع البشري.

مثلاً لم يجعل المنطقة الزراعية فحسب مثلاً منطقة أستراليا، بحيث لا يوجد على الأرض منطقة صالحة للزراعة إلا أستراليا، أو إلَّا منطقة كذا، وبقية الأرض بكلها لا تصلح للزراعة، كذلك زراعة مثلاً مختلف المحاصيل الزراعية، كثير من المحاصيل الزراعية يمكن زراعتها في كل بلد من البلدان، يعني: مثلاً يمكن زراعتها في المنطقة العربية، يمكن زراعتها في أوروبا، يمكن زراعتها في قارة أمريكا، يمكن زراعتها في أستراليا، يمكن زراعتها في مختلف القارات والبلدان، فتجد على مستوى البلد الواحد، أو الدولة الواحدة، أنَّ هناك قائمة واسعة جداً من المحاصيل الزراعية التي يمكن زراعتها فيها، مع بقاء مثلاً خصوصيات للتكامل الاقتصادي بين البشر في مختلف بلدانهم، بحيث يتهيَّأ مقدار معين من التنوع يساعد على التكامل.

ثم تجد كذلك بقية النعم، بقية الاحتياجات البشرية الأساسية، كثير من البلدان هي تعيش في مجتمعاتها على ضفاف الأنهار والبحار، ولديها سواحل، وتستفيد من الثروات البحرية، والبعض منها إن لم يكن كذلك، فثروته على المستوى البري ثروة ضخمة جداً... وهكذا.

فالله سبحانه وتعالى نشر نعمه على أصقاع الأرض وفي أقطارها، لتلائم هذا الانتشار البشري على أنحاء الأرض، ولذلك لو نأتي مثلاً إلى مقارنة بين دولة فقيرة، وبين دولة ثرية جداً، مثلاً: قارن بين اليمن واليابان، من ناحية سعة الأرض، سعة الجغرافيا: اليمن أوسع، أوسع من اليابان، يعني: ليست المشكلة أنَّ اليمن لأنها دولة فقيرة أنه لم يتوفر لنا رقعة جغرافية نتحرك عليها في أنشطتنا الاقتصادية المختلفة، بل لدينا مثلاً جغرافيا وأرض قابلة للزراعة، ويمكن الاستفادة منها، وتتنوع فيها المحاصيل الزراعية بأفضل من اليابان وأوسع.

ثم لو تأتي مثلاً إلى مقارنة في بقية الأمور، المعادن مثلاً التي يمكن استخراجها في اليابان، يمكن استخراج أكثر منها في اليمن، وهكذا بالمقارنة ما بين دولة فقيرة ودولة غنية، لا تعود المشكلة إلى أنَّ الله منح تلك الدولة، أو ذلك البلد في الموارد الاقتصادية، ما لم يمنح تلك الدول الفقيرة، تلك الدول الفقيرة أحياناً في مواردها، وفي ثرواتها الموجودة في أرضها، تتفوق على بعض الدول الصناعية، تتفوق، المشكلة تعود إلى ماذا؟ المشكلة تعود إلى حسن استثمار النعم، إلى الحركة، والتفاعل، والعمل لإنتاج هذه النعم، وتطوير عملية الإنتاج لها، أمَّا الله فقد وفر هذه النعم، بلد هنا صالح للزراعة، وبلد هناك صالح للزراعة، الفارق يعود إلى أنَّ أهل ذلك البلد اهتموا بشكلٍ كبير بالزراعة، اهتموا بإنتاجها بشكل جيد، عالجوا مسألة الإنتاج، وطوَّروا مسألة الإنتاج حتى أصبحت بمداخيل ضخمة، وبكلفة أقل... وهكذا، فالمسألة تعود إلى هذه النقطة: إلى مسألة الإنتاج، والاستثمار للنعم، كيفية استثمار النعم، أمَّا الله سبحانه وتعالى فقد وفر النعم هنا وهنا وهنا وهنا، كيف تستثمر، كيف يتجه الناس لاستخراجها، واستثمارها، وحسن إنتاجها، فالمسألة الرئيسية هي هنا: في عملية الإنتاج، وتطوير عملية الإنتاج، وتحسين عملية الإنتاج، والاستثمار للنعم على أفضل نحوٍ وبأحسن كيفية.

وهذه مسألة مهمة جداً لنا نحن في هذه البلدان؛ لأننا في العالم العربي الله سبحانه وتعالى هيَّأ لنا نعماً عظيمةً، والثروات الهائلة الموجودة في البلدان العربية تتفوق على كثيرٍ حتى من الدول، حتى من الدول الصناعية الكبرى، والمشكلة مع هذا الفقر المدقع، والمعاناة الشديدة، والتسول لدى تلك الدول، والاستجداء لها للحصول على شيءٍ منها يقابله التضحية بالاستقلال والكرامة، هذه كارثة، طامة، كارثة، طامة.

فلذلك يجب أن نلحظ أنَّ المسألة المهمة هي: مسألة الإنتاج الداخلي، وإلَّا إذا جئنا لنقارن- كما قلنا- ما بين تلك الدول البلدان، وهذه البلدان، لا تعود المسألة إلى أنَّ هذه البلدان غير صالحة للزراعة، أو لا يمكن فيها تربية الثروة الحيوانية، بحيث نقول مثلاً: [لا يمكن أن نربي البقر،الأبقار، إلا في أمريكا، أما في اليمن فغير ممكن أن نربي أبقاراً، أو نربي دجاجاً، أو نربي إبلاً، أو نربي ونستثمر في نعمة الغنم، فقط حصرياً على أمريكا، أو أستراليا، أو أوروبا] ليس الأمر كذلك.

إذا جئنا إلى مقوِّم آخر مثلاً، وهو عامل أو رؤوس الأموال، توفر رؤوس الأموال، رؤوس الأموال متوفرة، الناس على المستوى العام، أو التجار ورجال المال والأعمال على وجه الخصوص، لديهم نشاط كبير جداً، وحركة في رأس المال متوفرة، ولذلك عندما نأتي إلى هذه المسألة، سواءً على مستوى الموارد وسعة الأرض، أو على مستوى رؤوس الأموال، أو على مستوى الاستهلاك والسوق والحركة التجارية، فكل هذه المقومات في أصلها موجودة، لكنها لا تستثمر على نحوٍ صحيح في البلدان الفقيرة.

فلذلك علينا أن نعي ضرورة التوجه نحو الإنتاج الداخلي، مثلاً: نحن في اليمن أصبحنا نستورد مختلف احتياجاتنا من الخارج، من أبسط الأشياء، في كل مختلف احتياجاتنا ومتطلباتنا الأساسية، في كل أنواعها، نستوردها من الخارج، وبأموال كبيرة جداً، يعني: بمليارات الدولارات سنوياً، نشتري المواد الغذائية بكل أصنافها، ومعاناة كبيرة جداً في جلبها، وتوفيرها، وإيصالها إلى البلد مع الحصار والعدوان، الملبوسات بكل أنواعها، الأدوية بكل أنواعها، الاحتياجات الأساسية للعمران، للبناء بمختلف أنواعها، حتى البلاط يوفر أو يجلب من الخارج، مختلف الأشياء، مختلف أنواع الأثاث في المنازل، مختلف الأغراض تجلب من الخارج، بملايين أو بمليارات الدولارات، بأموال كبيرة جداً، وبعناء كبير لإيصالها إلى البلد.

لو نتجه إلى إنتاج هذه الأشياء في بلدنا، ونتجه على مستوى رؤوس الأموال لدى التجار، ولدى المواطنين، يقدر المواطنون حتى من غير التجار، من الطبقة المتوسطة في إمكانياتها وثرواتها، وحتى من الفقراء، من خلال تعاونيات، وشركات، ومؤسسات، إلى تجميع رؤوس أموال، وتسخَّر في عملية الإنتاج، في النشاط الإنتاجي، هذه مسألة مهمة لنا بكل الاعتبارات:

أولاً: على مستوى الحرية والكرامة والاستقلال، من أهم المتطلبات اللازمة لذلك: أن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن نهتم بالإنتاج الداخلي؛ لأن اعتمادنا على توفير كل احتياجاتنا من الخارج، بما فيها الاحتياجات الأساسية والضرورية، يمثِّل ورقة ضغطٍ لدى أعدائنا علينا، وهذا شيءٌ معروف، وكما شرحنا سابقاً: أنَّ الدول الأخرى تهتم وتعتبر هذا من ضمن أمنها القومي: توفير احتياجاتها الأساسية. فلكي ندعم توجهنا في تحقيق الاستقلال، والحرية، والكرامة، والتحمل لمواجهة الحصار، والأعباء، ومؤامرات الأعداء، لا بدَّ أن نهتم بالإنتاج الداخلي، وأن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن نسعى لتوفير الاحتياجات الضرورية، وهذه مسألة معروفة عند الدول.

بل إنَّ حافز الاستقلال، والقوة، والكرامة، وعنصر القوة في الجانب الاقتصادي، دفع بالكثير من الدول، ووجود تحديات ومخاطر، دفع بها وأصبح حافزاً رئيسياً لديها للإنتاج الداخلي، فأنتجت، ونمت في انتاجها، وطوَّرت إنتاجها، حتى وصلت إلى مراحل متقدمة، وبدأت من نقطة الصفر، وتدرجت في ذلك، حتى وصلت إلى مستويات متقدمة، فالمسألة ذات أهمية بالنسبة لنا بالاعتبار الديني، وبالاعتبار الإيماني، وبالاعتبار الاستراتيجي، وباعتبار المصلحة الوطنية... بكل الاعتبارات؛ لتحقيق الاستقلال، والكرامة، ولمواجهة مؤامرات الأعداء، ولتحمل الحصار.

وثانياً: لمكافحة الفقر، ولمكافحة البطالة، ولمكافحة اضطرار الناس للنزوح والغربة من البلد، البعض من الناس في الأخير يعتبر أنَّ بلده أصبح ليس لديه فيه أي فرصة للمعيشة، وأنه بحاجة إلى أن يغترب؛ ليوفر لأسرته معيشتهم، واحتياجاتهم الأساسية، ثم يواجه مشاكل الغربة ومعاناتها، وتواجه أسرته في البلد كذلك مشكلة كبيرة في غربة معيلها والقائم على الأسرة، لمكافحة كل ذلك، نحتاج إلى أن نتجه للإنتاج الداخلي؛ لأنه هو الذي سيمثل حلاً كبيراً في مشكلة الفقر والبطالة؛ لأنه سيشغِّل اليد العاملة، سينمِّي لدى الناس توفر المداخيل، والمعايش، والاحتياجات، ويحل مشكلة الفقر إلى حد كبير جداً، ونتحدث على نحوٍ من التفصيل إن شاء الله.

كذلك مسألة النزوح، الهجرة، الغربة.

أهمية ذلك لمكافحة الجريمة، للتقليص منها، كثيرٌ من الجرائم تكثر مع الفقر الشديد، تنتشر الكثير من الجرائم المتنوعة: جرائم السرقة تكثر، جرائم النهب والسطو، جرائم الفساد... جرائم كثيرة ومتنوعة تحصل مع شدة الفقر.

مقومات الإنتاج الداخلي موجودة، بلدنا بلدٌ زراعي، مساحات شاسعة جداً صالحة للزراعة، وهناك محافظات كذلك صالحة للزراعة، ولا تزال في أكثر مساحتها غير مستثمرة للزراعة، لا تزال متروكة، مهملة، وتحتاج إلى نشاط زراعي باهتمام كبير جداً، وعندما تتجه رؤوس الأموال إلى الاستثمار في القطاع الزراعي، يمكن إنتاج الكثير جداً من المحاصيل التي تُشتَرى من الخارج، المليارات تذهب إلى الخارج لتوفير القمح، لتوفير مختلف المحاصيل الزراعية، وبلدنا بلد زراعي، إذا اتجهت رؤوس الأموال إلى الداخل؛ فستحرك عملية الإنتاج في الداخل؛ وبالتالي يمكن إصلاح الكثير من الأراضي الزراعية، وتصبح منتجة بمختلف المحاصيل الزراعية، وبجودة ممتازة جداً.

المقومات للإنتاج الداخلي موجودة بكلها، ولها أهمية كبيرة جداً، ولاحظوا، لاحظوا، هذه الأموال الكبيرة: مليارات الدولارات التي تذهب سنوياً إلى الخارج، إذا اتجهت إلى الداخل، إذا اتجهت الى الداخل؛ تلقائياً ستعالج إلى حدٍ كبير مشكلة الفقر، إذا صرفت هذه الخمسة مليار دولار، أو الأربعة عشر مليار دولار في بعض السنوات، إذا اتجهت نحو الداخل؛ فهي ستحرك عملية الإنتاج في الداخل، ستصلح الكثير من الأراضي الزراعية، ستشغِّل الكثير من الأيدي العاملة، والأموال التي كانت تذهب إلى جيوب الصينيين، أو إلى جيوب الأوروبيين، إلى متاجرهم، إلى بنوكهم، ستذهب إلى جيوب اليمنيين، ستذهب إلى جيوب اليمنيين مع امتيازات مهمة جداً، وأمور ذات أهمية استراتيجية، كما شرحنا عن أهمية الاستقلال، والكرامة، والقوة، وأن نكون أمةً قوية، فهذا بحد ذاته، ومن أول يوم، سيعالج مشكلة الفقر إلى حدٍ كبير، القطاع الزراعي سينتعش جداً، قطاع الثروة الحيوانية سينتعش جداً، قطاع المعادن، قطاع العمران... كل القطاعات، كل المجالات ستنتعش عندما تتحرك رؤوس الأموال في الداخل.

اليد العاملة كذلك، مع الاهتمام بالنسبة لليد للعاملة فيما يتعلق بتحسين أدائها، من خلال التعليم، من خلال المعاهد الفنية والمهنية، من خلال الورش التي تحسن أداء اليد العاملة.

ثم مع أهمية امتلاك الروح العملية؛ لأنه من المقومات الأساسية للإنتاج الداخلي: الروح العملية، لا يجوز أن نتحول إلى شعبٍ يعاني من الكسل، ويعاني شبابه من الكسل، ويتهرَّبون من الأعمال الزراعية، والأعمال الصناعية، والأعمال الإنتاجية، ويرغب الكثير بأن يتحول إلى أعمال إدارية في مكاتب، وخلف طاولات، وعلى كراسي، دون أي عمل مهم، أي عمل مجدي، أي عمل منتج، أي عمل مثمر.

الروح العملية هي من الإيمان، وعندما ننطلق من المنطلقات الإيمانية، ونسعى إلى أن نكون أمةً تعدُّ ما تستطيع من قوة، بما في ذلك القوة الاقتصادية، هي في مقدِّمة هذه القوة، ونسعى إلى أن نكون شعباً قوياً، يحظى بالكرامة في معيشته، يعيش بكرامة، لا يعيش على استجداء هبات الدول الأجنبية، ولا يخضع لأعدائه بسبب ظروفه المعيشية، حينها بهذا الحافز الإيماني والديني نتجه إلى عملية الإنتاج في مختلف الأعمال الإنتاجية، في الأعمال الزراعية تبقى عند الناس الدافع والحافز، والروحية التي تساعدهم إلى أن يشتغلوا في هذا القطاع بشكلٍ كبير، في تربية الثروة الحيوانية، والعناية بها، في مختلف الأعمال والإنتاج، هذا شيءٌ مهمٌ جداً، فمقومات الإنتاج الداخلي متوفرة، مع ميزة المنطلقات الإيمانية، والقيم الإيمانية والدينية، والتشريعات الإلهية، التي تجعل عملنا عملاً صالحاً، وبجودةٍ عالية، وبإتقانٍ كبير، وبأمانةٍ عالية، فنحظى مع ذلك بالبركات من الله "سبحانه وتعالى"، وهذه ميزة لا تتوفر حتى عند أعدائنا، هم يشتغلون بدافع الطمع والغريزة، والاحتياج.

عندما نأتي إلى معوقات الإنتاج، يمكن أن نستعرض بعضاً منها، للحديث أيضاً عن معالجاتها، من أكبر ما يهدد عملية الإنتاج الداخلي، سواءً على مستوى القطاع الزراعي، أو الثروة الحيوانية، هو النزوح والهجرة الكبيرة من الأرياف إلى المدن، وهذه مشكلة خطيرة جداً، وكثيرٌ من الأسر التي تنزح وتهاجر من الريف إلى المدينة ليست بحاجة إلى ذلك، هناك البعض لهم ظروف استثنائية، مثلاً: في ظل العدوان هناك أسر اضطرت بسبب ما يحصل في مناطقها، أو سيطرة الأعداء على مناطقها، أو مشاكل وخطر يهدد حياتها، أو نحواً من ذلك، أو بعضهم لهم ظروف عملية، أو ظروف صحية فرضت عليهم ذلك، لكن الكثير من الأسر نزحت من غير ضرورة؛ إنما بهدف الراحة في المدينة، والحصول على فرصة التعليم والخدمات؛ لأنها متوفرة بأكثر من الريف، طبعاً نحن نسعى، وسنحرص بشكلٍ مستمر، أن تتجه الجهات المعنية بالاهتمام بالأرياف بشكلٍ أكبر، على مستوى الخدمات في مسألة الطرق، في مختلف بقية الخدمات: الخدمات الصحية، الخدمات التعليمية، خدمات المياه... إلى غير ذلك، وهذا- إن شاء الله- سيستمر العمل عليه، إضافةً إلى أملنا أن يركز المستثمرون، الأهالي في المبادرات المجتمعية التي يتعاونون فيها مع الجهات الرسمية، الكثير من الجهود تصب نحو العناية بالأرياف.

من الخطأ الفاحش الاستراتيجي التوجه نحو التكدس في المدن، هذا يسبب الكثير من المشاكل الاقتصادية، والمشاكل الصحية، والمشاكل الاجتماعية، والمشاكل الأخلاقية، ويترتب عليه مفاسد كبيرة جداً، هذا التكدس الهائل في صنعاء وفي مختلف المدن أمر سلبي جداً، يعطل- إلى حدٍ كبير- عملية الإنتاج الزراعي، الكثير يتكدسون في شقق، لم يعد باستطاعتهم أن ينتجوا على المستوى الزراعي، تركوا مزارعهم، وتركوا أيضاً ما كان لديهم سابقاً من المواشي، كان بإمكان الإنسان في الريف أن يزرع، بإمكانه أن يربي الثروة الحيوانية، بإمكانه أن ينتج، وهذا يفيده، ولاحظوا بمجرد أن تصل أسرة إلى المدينة وتستأجر في شقة تواجه أعباء كبيرة اقتصادية: كلفة الإيجار، متطلبات المعيشة اليومية التي تضغط بشكلٍ كبير، حق الماء، حق الكهرباء، أشياء وتكاليف إضافية تمثل عبءً عليها، وفي مقابل موارد للدخل محدودة، موارد محدودة للدخل.

بينما يمكن حتى في بعض المناطق التي لها ظروف تستدعي الهجرة منها، ممكن أيضاً تفعيل الهجرة من الريف إلى الريف، إلى مناطق أفضل على المستوى الزراعي مثلاً، قد يكون البعض مثلاً في قرية معلقة في رأس جبل، لديهم ظروف صعبة جداً، وبحاجة إلى أسباب للمعيشة، ولكن يمكنهم بدلاً من الهجرة إلى المدينة، الهجرة إلى الريف، إلى منطقة زراعية، يشتري له مزرعة، أرض يستصلحها كمزرعة، وفي مناطق لا تزال الأراضي فيها، الأراضي الزراعية رخيصة، يستطيع البعض أن يشتري أرضاً صالحة للزراعة، وأن يزرعها، وأن يكون منتجاً، وأن يربي الثروة الحيوانية، إلى جانب المزرعة يقتني أبقار، أو أغنام، أو ماعز، أو غير ذلك، البعض إبل، ويصبح لديه ثروة زراعية، وثروة حيوانية، ودخل مريح، فيواجه مشكلة الفقر بهذه الطريقة الصحيحة، بطريقة عملية.

فالهجرة من الريف إلى المدن من أكبر الأخطاء، مسألة سلبية جداً، لها آثار سلبية جداً، حتى على المستوى الأخلاقي والديني الفساد ينتشر في المدن، وكثيرٌ من الظواهر السلبية، وكثيرٌ من القيم تتضاءل وتتلاشى في المدن، فالبقاء في الأرياف، وحتى عند الضرورة الهجرة من الريف إلى ريفٍ أحسن، هذه مسألة مهمة جداً، مع الاتجاه بالعناية بالخدمات في الأرياف لمساعدة الناس على البقاء فيها.

هذه مسألة يجب أن تستمر فيها التوعية، أن تأخذ الاهتمام اللازم في المناهج التعليمية، في الأنشطة الإعلامية، وأن يكون هناك اهتمام بها من الجميع.

من العوامل التي تضعف الإنتاج: غياب الإرادة، والقرارات، والتسهيلات على المستوى الرسمي سابقاً، يعني: في المراحل الماضية الدولة لم يكن عندها اهتمام بهذه المسألة، لم يكن عندها حرص على أن تساعد الناس على البقاء في الأرياف، فكانت لا تهتم بالأرياف في أي شيء، اهتمام ضعيف جداً بالأرياف، والناس في الريف بحاجة إلى اهتمام رسمي، وتعاون من المستثمرين في ذلك أيضاً.

أيضاً من الأسباب المعوقة للإنتاج الداخلي: ضعف الحوافز والدوافع والوعي، إضافةً إلى التثقيف الخاطئ، لم يكن هناك امتلاك لهذا التوجه الديني الإيماني، الذي يجعل من إعداد القوة الاقتصادية ضمن التزاماتنا الدينية والإيمانية، ولا إدراك لأهمية المسألة على مستوى الاستقلال والكرامة والحرية، والعيش بكرامة، ولم يكن هناك ترسيخ لهذه المسألة، ونشر الوعي عنها، ولذلك حتى على مستوى المرحلة الحالية، يجب أن يكون هناك نشاط توعوي واسع لأهمية هذه المسألة على المستوى الإيماني والديني، وعلى مستوى الاستقلال والكرامة، والعيش بكرامة، والعيش بكرامة، يكون هناك نشاط، وتدخل هذه المسألة ضمن الاهتمامات التعليمية، والتوعوية، والإعلامية، والأنشطة المتنوعة، وتصاحب الأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى معالجة التثقيف الخاطئ الذي يصور المسألة إلى أنه: ليس بإمكاننا أن ننتج شيئاً، وأننا بلد ليس له موارد، وبلد فقير، وكتب عليه الفقر المدقع، وليس بإمكاننا أن ننتج، وليس بإمكاننا إلا أن نستجدي الآخرين وأن نشحت لدى الدول من أعدائنا، وهكذا، ما كان يأتي من تثقيف خاطئ.

أيضاً من الأشياء الخطيرة جداً في المرحلة الراهنة: طريقة التعامل مع المنظمات بالاكتفاء على ما تقدمه، من المهم الضغط على المنظمات أن يكون ما تقدمه مما يساعد على الإنتاج، وليس فقط يكتفي الإنسان بأنه يحصل على سلة غذائية، فيترك العمل، ولم يعد يقوم بأي نشاط ولا عمل، ويبقى في حالة من البطالة والفراغ، هذه مسألة خطيرة جداً.

من أكبر معوقات الإنتاج مشكلتان: مشكلة الجودة، في كثيرٍ من الأحيان، عملية الإنتاج في البلد، كما هي ربما لدى كثيرٍ من البلدان، في كثيرٍ من الأحيان تحتاج إلى تحسين مستوى الجودة؛ لأن هناك مشاكل في عملية الإنتاج نفسها، مثلاً: الله "سبحانه وتعالى" هيأ لنا أن تكون المحاصيل الزراعية في أصلها ذات جودة ممتازة في بلدنا، يعني: البن اليمني من أحسن أنواع البن، الفواكه في البلد من أحسن أنواع الفواكه، في مذاقها، في أصنافها، في قيمتها الغذائية، في... فالله "سبحانه وتعالى" قد خلق لنا الأشياء على أحسن ما يكون، وبجودة عالية، ولكن عندما نأتي إلى مرحلة الإنتاج، ما بعد ذلك مرحلة التسويق، عندما نجني الفواكه، عندما نعلبها، عندما نسوقها... كل هذه المراحل في عملية الإنتاج تأتي فيها سلبيات كثيرة، تجعل هذا المنتج يواجه مشاكل في جودته، وفي إمكانية تسويقه لفترات طويلة، ونقله، وهذا يؤثر على مستوى القيمة، على مستوى الاستهلاك، على مستوى القابلية والتسويق.

فهذه مشكلة الجودة من المشاكل الكبيرة جداً، التي جودة الإنتاج؛ أما الجودة في أصل المحاصيل مثلاً فهي متوفرة، لكن جودة الإنتاج.

أيضاً ارتفاع الكلفة، الإنتاج الداخلي يأتي أحياناً بوسائل بدائية، وبوسائل مكلفة، وتصبح الكلفة كبيرة جداً، المزارع- في نهاية المطاف- يكون قد تحمل غرامات كبيرة، حتى وصل إلى إنتاج محاصيله الزراعية، وهذه الكلفة لا يحصل عليها عندما يسوق محاصيله الزراعية، لا يحصل عليها، هذا يجعله يعزف عن الزراعة، ويرى المسألة مكلفة، ويرى أنه خسر وخرج بغرامة.

هناك وسائل مساعدة تجعل عملية الإنتاج بكلفةٍ أقل، مع الترشيد، مع الترشيد، المسألة تحتاج إلى رشد ووسائل مساعدة، وهذه مسألة اشتغل عليها الخارج، اشتغلت عليها الدول الصناعية، الدول النامية، اشتغلت؛ حتى تقلل من مستوى الكلفة وترفع مستوى الإنتاج، وهذا جعلها تربح أرباحاً كبيرة، وتكون مداخلها ضخمة؛ لأن كلفة الإنتاج تكون أقل، ومع ذلك مستوى الإنتاج يكون أكبر.

فالكلفة والجودة من المشاكل القائمة، ولكنها مشاكل قابلة للحلول، قابلة للحلول، عندما تقوم الدولة بمختلف مؤسساتها بمسؤولياتها، ويأتي أيضاً النشاط الإرشادي، وتأتي التعاونيات الزراعية والجهات المعنية، فتسعى إلى تحسين مستوى الجودة، ومعالجة المشاكل المتصلة بهذا الجانب مشكلةً مشكلة، تدرسها مشكلة مشكلة وتعمل على معالجتها، إضافةً إلى مسألة التكاليف، التكاليف التي يتحملها المزارع، أو المنتج في أي مجال من المجالات، وكيف تتخفف هذه الكلفة ببعضٍ من الوسائل المعينة، بترشيد للإنفاق والعمل بطريقة صحيحة، هذا أيضاً بحد ذاته يساعد على تخفيف التكاليف، ورفع مستوى الإنتاج، وبالتالي زيادة الدخل والربح.

مشكلة التسويق ووعي المستهلك، هذه من المشاكل التي تعيق الإنتاج، حتى أحياناً وهو بجودة جيدة، كيف يتم تسويقه إلى الأسواق، وإيصاله على المستهلكين، يواجه الكثير من المزارعين هذه المشكلة بشكل كبير جداً، وفي مختلف القطاعات، يعاني المنتج من هذه المسألة مسألة التسويق، أضف إلى ذلك الوعي لدى المستهلكين البعض، والكثير من المستهلكين، أصبح عنده فهم خاطئ، وعدم اهتمام بالمنتج المحلي، ويتجه تلقائياً، ويفضل تلقائياً أن يشتري المنتج الخارجي بدلاً من المنتج المحلي، يجب أن يكون هناك وعي عام لدينا بأهمية الإقبال على المنتجات المحلية، ويواكب ذلك عناية برفع مستوى الجودة فيها، حتى تنافس المنتج الخارج في جودتها، ولكن يكون عندنا اهتمام بالإقبال عليها، بالإقبال عليها.

مشكلة التسويق، إذا اتجهت الجهات الرسمية إلى الموازنة بين الوارد من خارج البلاد، والمنتج المحلي، وفرضت للمنتج المحلي أن يأخذ حيزه، وأن يبقى له الفرصة الكافية له، فهذا سيعالج هذه المشكلة، لكنه لا بدَّ من أن يكون لدينا وعي كمستهلكين، المستهلك نفسه، أن يكون لديه وعي بأهمية الإقبال على المنتجات المحلية، وشرائها، وإعطائها أولوية في الشراء، بدلاً من المنتج الخارجي، والموازنة بين الاستيراد والإنتاج ستحل هذه المشكلة أيضاً، وتعطي فرصة للمنتج المحلي ليأخذ مكانته في السوق، بدلاً من أن يغطي المنتج الخارجي كل الأسواق، ويغلق الفرصة على المنتج المحلي.

من أهم الأمور العناية بوسائل الإنتاج، وسائل الإنتاج في هذا الزمن تطورت وتوفرت، وسهلَّت عملية الإنتاج، ووفرت مستوى الإنتاج، يعني: ماكينة معينة أحياناً تساعدك على إنتاج كبير، وسائل معينة ترشد لك الكلفة في عملية الإنتاج، فتسهل لك مسألة الإنتاج بشكلٍ كبير، وهذه من الأمور التي يجب العمل عليها بشكلٍ واسع، سواءً من الجهات الرسمية، من المستثمرين، وغير ذلك.

من أهم المتطلبات الأساسية التي تعالج مشكلة الإنتاج، هي تجميع رؤوس الأموال، هذه مسألة مهمة جداً، تجميع رؤوس الأموال، الكثير من أبناء بلدنا فقراء برأس ماله الشخصي لا يستطيع أن يمتلك وسائل معينة، قدرة معينة على الإنتاج، إمكانيات معينة للإنتاج، ولكن عندما تتجمع مجموعة رؤوس أموال في إطار شركة، أو في إطار مؤسسة، أو في إطار تعاونية، أو جمعية استثمارية، تجميع رؤوس الأموال هذه يمكن أن يؤسس من خلالها شركة تنتج، أو مؤسسة تنتج، أو تعاونية تنتج، أو تسوِّق، وهكذا، هذه مسألة من أهم المسائل، التي نهضت بها بقيت البلدان، عملوا هكذا، اتجهوا، كل البلدان التي نمت، والتي أصبحت بعضها في مستوى ومصاف الدول الصناعية الكبرى، هي نمت تدريجياً، واتجه أبناؤها للعمل، وطوروا عملية الإنتاج، وكانت عملية الإنتاج متدرجة، متدرجة مرحلة بعد مرحلة، لكنها كانت تتطور باستمرار، مسارها مسار متطور، فتجميع رؤوس أموال، مع الحذر من النصابين والمستغلين الذين يخدعون الناس تحت عناوين استثمارية وينصبون عليهم، يجب أن تكون المسألة وفق إجراءات مضمونة وموثوقة، وإذا ظهرت نماذج ناجحة فهذا سيكون من أهم العوامل التي تشجع الناس، فلدينا سوق استهلاكية ضخمة جداً، يمكن لأي منتج، كل المنتجات مطلوبة في هذه الأسواق، في أسواقنا، المنتجات الغذائية، المنتجات الطبية، مختلف المنتجات، ولكنها تذهب إلى جيوب الخارج.

من أهم الأشياء التي تساعد أيضاً على كل هذا: العناية بالتعليم بشكلٍ صحيح، وأن يتجه التعليم للملائمة والمواكبة للتوجه النهضوي في البلد، فعندما نتجه إلى الإنتاج الداخلي، أن تكون العملية التعليمة مرتبطة بهذا بشكلٍ تام: في مضمونها، وفي مخرجاتها، وفي استيعاب مخرجاتها، سواءً على مستوى المدارس أو المعاهد الفنية والمهنية، أو الجامعات، هذه مسألة مهمة جداً، وأن ترتبط الجامعات بنفسها، ترتبط الجامعات بالعملية الإنتاجية، والعملية النهضوية، وهذا مهمٌ جداً، سيصحح المسار التعليمي، ويجعله على نحوٍ صحيحٍ ومفيد، وسيدعم العملية الإنتاجية بنفسها، هذه مسألة مهمة جداً.

نصل إلى نقطة تتعلق بالإنتاج المنزلي: الإنتاج المنزلي، هذا حاصل في كثير من الدول، يعني تسعى الكثير من الأسر إلى أن تنتج في المنزل الكثير من الأشياء، تنتج الكثير من المواد الغذائية، تنتج الكثير أيضاً من مواد التنظيف، تنتج أشياء كثيرة من احتياجاتها الأساسية، وبالتالي تكون في عملية إنتاجها محققةً للاكتفاء الذاتي في توفير أكثر الأشياء، يعني: يمكن أن يكون لديك بقرة، وأن تنتج من حليبها الزبادي، وأن تنتج من حليبها الزبدة، وأن تنتج من حليبها الجبنة، وأن تنتج مختلف المنتجات، يعني: حتى الحلويات ممكن أن يكون لديك مزرعة، وتنتج منها أشياء كثيرة، بل يمكن أن تشتري بعض المحاصيل الزراعية، وتنتج منها في المنزل المربيات، ومختلف الأشياء، أشياء كثيرة، عملية الإنتاج يجب أن تدخل حتى إلى الاهتمامات المنزلية، وهذا سيوفر الكثير للأسر، يوفر للكثير من الأسر.

الأعمال المتنوعة، البعض من الأسر مثلاً: تنتج أغراض أخرى غير المواد الغذائية، أغراض أخرى، وتمثل مصدر دخل لها، نحتاج إلى أن يتوفر التوجه، ومع التوجه تأتي الرؤى، الأفكار، المبادرات، الورش، هناك في بلدنا- إن شاء الله- على المستوى الرسمي سنشهد المزيد من الاهتمام بهذه الأمور، على مستوى أيضاً مؤسسات، مثل: مؤسسة بنيان وغيرها، تساعد الناس، مؤسسات رسمية- إن شاء الله- تنشأ وتساعد الناس في ذلك، نحن ندفع مع الجانب الرسمي إلى أن يكون هناك اهتمام بهذه المسألة، ولكن يجب أن يكون هناك اهتمام من الناس أنفسهم أيضاً بهذه المسألة، وأن يشهد العام القادم بإذن الله، ما بعد شهر رمضان المبارك، اهتماماً بعملية الإنتاج الداخلي على كل المستويات، مع اهتمام الناس بالتخلص من الربا، بالتخلص من المعاصي الكبيرة جداً، المعاصي في الجانب الاقتصادي، وسعي الناس للاعتماد على الله، والتوكل على الله، والثقة بالله "سبحانه وتعالى"، والرجوع إليه وإلى فضله الواسع الكريم.

نكتفي بهذا المقدار.

ونسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفقنا وإياكم لما يرضه عنا، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

الاثنين، 3 مايو 2021

وحبط ما صنعوا وباطلٌ ما كانوا يعملون

وحبطَ ما صنعوا وباطلٌ ما كانوا يعملون 

ـــــ ــ مرتزقة كانوا وأذناب ويهُودٌ وأعراب ومنافقين وأقزام 
حشدوا الحشود وسخّروا كامل إمكاناتهم محياهم ومماتهم.
سعوا بكل جهدهم خدمةً وولاءً للشيطان والشيطان الأكبر في أمريكا وربيبته في إسرائيل يهُودٌ ونصارى 
وبأماني فرض الوصاية والتبعية والهيمنة والاستكبار وإلزامية التطبيع والطاعة 
شنُّوا حربهم وفرضوا حصارهم على شعب الحكمة والإيمان  وعلى امتداد الجغرافيا يعملون للانبطاح للسياسة والعقيدة الصهيونية الخبيثة.
أسرفوا قتلاً وأثخنوا جراحاً في الروح والإنسان اليمني 
ولسبعة أعوام يواصلون عدوانهم ويفرضون حصارهم ويمعنون في الهدم والتدمير الممنهج والمدروس بغرض إخضاع الشعب اليمني الذي يأبى الذل ويرفض الانبطاح ويمقت العمالة ويكفّر التطبيع ويعتبرها خيانةٌ لله وللدين والعروبة.
وفي سبعة أعوام هي عمر الحرب والحصار لم يجني أولئك غير الضياع والخسران وما كانت هذه السنون إلَّا سنيّ صبرٌ ورباط جهادٌ وثبات وثقة بالله وتوكل عليه وانتصار وبفضل الله تم تحرير مناطق واسعة ومحافظات كانت وبفعل الخيانة والارتزاق قد سقطت تحت الاحتلال 
والذي لم يُوفرّ أي قبيحة أو سيئةٌ من سيئاته بحق الأهالي وساكني تلك المناطق التي وبفضل الله عادت إلى الحضن الوطني وعادت الروح اليمنية واللُّحمة الوطنية الشعبية المناطقية والقبلية وبات شرفاء اليمن يتكاتفون جنباً إلى جنب وفي صفٌّ واحد وهدف معيّن يتقاسمون الحزن والسعادة والمشرب والمأكل وفي سبيل الله يواجهون المعتدين ويرسلون رسائل تحذيرية يناشدون المرتزقة والمغرر بهم بالعودة الصادقة للحضن الوطني والوقوف بحزم لطرد المحتل وتطهير ما بقي من الأرض اليمنية رازحة تحت الغزو والاحتلال.
لنُحسن جميعنا النوايا وليدرك الجميع بما فيهم من يقفون مع العدو الخطر الذي يتهدد اليمن الارض والإنسان دون تمييز بين فئة وأُخرى.
وبالنسبة لمصير العدوان والمتحالفين معه فهو إلى زوال طالت الحرب أو قصرت فهو لم يحقق شيئاً في السبعة الأعوام الماضية ولن يتحقق له شيئاً كذلك في قادم الأعوام حتى قيام الساعة.
فهو وبعون الله وبيقظة وجهاد الصادقين رجال الجيش واللجان الشعبية آئلٌ للسقوط ويخطو خُطوات الهزيمة  وما جمعه من عُدةٌ وعتاد فتحمية سقوطه من يديه قائمة مع كل عملية يقوم بها فدائماً ما تكون غنائم لمجاهدينا الأبطال وصناديد الرجال المؤمنة الصابرة والمحتسبة لله وفي سبيله وليس لأُولئك المعتدين في الدنيا إلاّ الخسارة وحبطَ ما صنعوا وجمعوا وباطلٌ ما كانوا يعملون. 
ولعلّنا رأينا ضخامة السلاح والعتاد والإمكانات التي أغتنمها مجاهدو الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات والعمليات الكبرى التي حققها فيها المجاهدين انتصارات قصمت ظهر العدو ودحرته من مناطق وجبهات واسعة ومتفرّقة.
وبإذن الله تعالى ستشهد اليمن والمنطقة العربية متغيّرات لا يُخطر للظلمة بالٌ بها وستقلبُ الدنيا رأساً على عقب المعتدين والمطبعين وسنعيش الانتصار قريباً كما وعدنا من لا يخلف وعده وهو القادر عليه والناصر لجُنوده وأولياءه  ومنه العون والمدد وهو الملاذ والملجأ . . 

الأحد، 2 مايو 2021

المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 19رمضان 1442هـ 01-05-2021

المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 19رمضان 1442هـ 01-05-2021
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

تحدَّثنا على ضوء قول الله "سبحانه وتعالى" في الآية المباركة: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151]، عن رزق الله الواسع، ونعمه العظيمة التي أسبغها على عباده ظاهرةً وباطنةً، وأنَّه "سبحانه وتعالى" مع ما خلق من أرزاقٍ، وما وهبه من نعم، وما سخَّره للبشر، أيضاً قدَّم مع ذلك الهداية والتعليمات والتشريعات، التي على ضوئها يتمكَّن الإنسان من حسن استثمار هذه النعم، ومن حسن التصرف فيها، ومن حسن الاستخدام لها، بطريقةٍ صحيحة، تنسجم مع التكامل الإنساني، وتصلح بها، وتستقيم بها، وتستقر بها حياة الإنسان.

فالإنسان هو يتجه بشكلٍ غريزي للاهتمام بهذه النعم بدافع الحصول على متطلبات حياته، وتوفير احتياجاته الأساسية، فإذا لم يترافق مع ذلك: الأخذ بعين الاعتبار هذه التعليمات من الله "سبحانه وتعالى"، وهذه الهداية الإلهية؛ فإنه سيتصرف بشكلٍ عشوائي، وبشكلٍ مضر، وبشكلٍ يؤثِّر سلباً على تكامله الأخلاقي والإنساني والقيمي، وبشكلٍ ينتج عنه الكثير من الضرر، والكثير من المظالم، والكثير من المفاسد، وهذا هو الذي يحصل في واقع البشر على مستوى دول، وكيانات، وحضارات، أعرضت عن هدى الله "سبحانه وتعالى"، وتجاهلت تعليماته، وعصت أوامر الله "سبحانه وتعالى"؛ وبالتالي نتج عن طريقتها في الأسلوب الحضاري، في الاتجاه إلى عمران هذه الحياة، في الإنتاج لمتطلبات هذه الحياة، في العمل فيما استخلف الله البشر فيه، اتجهت بطريقة خاطئة، وعملت بطريقة خاطئة، فنتج عن ذلك الكثير من المفاسد والأضرار على الإنسان، على حياته، على البيئة من حوله.

فالله "سبحانه وتعالى" أنعم علينا بالنعم المادية، وأنعم علينا وخلق لنا الأرزاق، وسخَّر لنا لنستفيد منها على نحوٍ واسعٍ، وبأشكالٍ متعددة، وكيفياتٍ متعددةٍ ومتنوعة، ولأغراض كثيرة في شؤون حياتنا، كلها تلبِّي حاجةً لهذا الإنسان، وتمثل منفعةً حقيقيةً له في حياته، ولكن إلى جانب هذه النعمة، قدَّم هذه الإرشادات والهداية والتعليمات، وهي نعمةٌ كبيرةٌ جداً، هي نعمةٌ بحد ذاتها، وهي في نفس الوقت ترتبط بالنعم المادية، على ضوئها يتمكَّن الإنسان من الاستثمار بشكلٍ صحيح لهذه النعم المادية.

نجد في واقعنا في الحياة، والإنسان في حركته الإنتاجية عندما ينتج سلعاً معينة، يصنِّع أشياء معينة مما مكَّنه الله فيه، وسخَّره له، عادةً ترفق المنتجات والمصنوعات بتعليمات معينة، كتالوج معين تتضمن إرشادات وتعليمات تتعلق بحسن الاستخدام، طريقة الاستخدام، الصيانة لذلك المنتج، هكذا هي نعم الله "سبحانه وتعالى"، وقد أرفقها لنا بالتعليمات المفيدة والمهمة جداً، منها ما يتجه إلى كيف ننطلق في تعاملنا مع هذه النعم، بدءاً من المنطلقات، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأن الإنسان قد يتجه بدافع الطمع، بدافع البطر، بدافع الشهوات فقط، يريد أن يصل إلى منتهى وأقصى ما يشتهيه، وبطريقة فوضوية وغير منضبطة، وليس لها حد معين عند قيم، ولا أخلاق، ولا ضوابط معينة، وهذا يترك أثراً كبيراً وضرراً كبيراً في شتى مناحي الحياة: في الجانب الصحي، في الجانب الأمني في الجانب الاقتصادي نفسه... في جوانب كثيرة تؤثِّر على الإنسان، إضافةً إلى الجانب الأخلاقي، والسمو الأخلاقي والروحي، فالقرآن الكريم يصحح لنا المنطلقات، كيف نتعامل مع هذه النعم، فنرى فيها ابتداءً أنها نعم من الله "سبحانه وتعالى"، تفضَّل بها علينا، وأنعم بها علينا، فلا ننسى المنعم.

البعض من الناس تتجه كل اهتماماتهم نحو هذه النعم، ولكنهم ينسوا الله "سبحانه وتعالى" المنعم الكريم العظيم، الذي وصلتنا منه هذه النعم، خلقنا، وخَلَق لنا هذه النعم، هذا يشد الإنسان إلى الله "سبحانه وتعالى" بالشكر، بالمحبة لله، بالاستشعار لفضل الله، عندما ندرك هذه النعم، وقيمتها، وقدرها، وأهميتها لنا في حياتنا، فوائدها ومنافعها لنا في حياتنا، وعندما نتحرك وفق مبدأ التسخير، الله سخَّر لنا ما في السماوات وما في الأرض، ما في السماء والأرض، والتسخير فيه تهيئة لتلك المخلوقات، لتلك النعم، أن نستفيد منها بأشكال متنوعة، أن نبتكر فيها عبر وسائل وأساليب وننتج منها منتجات متنوعة، نستفيد منها في حياتنا على نحوٍ واسع.

عندما ننطلق من هذا المنطلق الإيماني، هذا يشدنا إلى الله، يزيدنا إيماناً، وكلما ابتكرنا أكثر، اكتشفنا أكثر ما سخَّره الله لنا في هذه النعم من المنافع المتنوعة والواسعة؛ كلما ازددنا إيماناً بالله "سبحانه وتعالى"، وتجلت لنا مظاهر قدرته، تجلت لنا آيات حكمته وإبداعه، تجلت لنا مظاهر عن رحمته "سبحانه وتعالى"، نرى رحمته الواسعة بنا، عن علمه بهذا الإنسان، بحياته، بمتطلباته، بما يناسبه، بما يحتاج إليه، بما يفيده، بما ينتفع به، والله "سبحانه وتعالى" هو واسعٌ، وفضله واسع، جعل فيما خلق لنا وأسبغ علينا من النعم منافع واسعة جداً جداً، وكيفيات للاستغلال والاستثمار والانتفاع بتلك النعم على نحوٍ واسعٍ جداً، وعُرِف هذا في هذا القرن بشكلٍ أكبر مع التطور العلمي والتكنولوجي، كيف أصبح وهناك وسائل كثيرة ينتفع بها الإنسان في حياته، اكتشف أشياء كثيرة ينتفع منها في حياته، وتقرِّب له المسافة في أشياء كثيرة، وتقوِّي له عملية الإنتاج في أشياء كثيرة، الإنسان استفاد على نحوٍ كبير من الوسائل، من الإنتاج نفسه في شكليات وكيفيات متنوعة وواسعة جداً، كل ما يصل إليه الإنسان، وما اكتشفه الإنسان، إنما هو وسائل خلقها الله، منافع سخَّرها الله "سبحانه وتعالى"، كلما عَرَف كيفية الاستفادة منها على نحوٍ أفضل، واكتشف ما فيها من المنافع؛ كلما استفاد في حياته أكثر، فعندما يكون المنطلق إيمانياً، فالإنسان سيزداد إيماناً من كل ما اكتشفه، من كل ما وصل إليه من كل ما لاحظه فيما سخَّره الله له من المنافع، يرى فيها دلائل واضحة على قدرة الله، على حكمته، على رحمته، على فضله، على علمه الواسع، يتجلى له كرم الله الواسع، وكيف أسبغ علينا نعمه على نحوٍ واسعٍ وعجيب.

هذا لا يحصل عندما لا ينطلق الإنسان من منطلقٍ إيماني، إنما ينطلق من منطلق غريزي، من منطلق الحاجة فقط، إذا غاب هذا المنطلق؛ تأتي تلك السلبيات الكثيرة التي تحدثنا عنها في المحاضرة الماضية، يتعامل الإنسان مع النعمة بطريقة تبعده عن الله، يستخدم نعم الله في معصية الله، يسيء إلى المنعم الكريم؛ وبالتالي يستخدمها عندما يستخدمها في معصية الله، هو يستخدمها فيما يضره هو، يضره هو على المستوى النفسي والروحي والأخلاقي، يضره هو على المستوى الصحي، يضره هو على كافة المستويات، يضره كمجتمع، ضرر كمجتمع في واقعه الأمني والاقتصادي والاجتماعي... في أشياء كثيرة، وتظهر الكثير من المفاسد في طريقة الاستخدام للنعم.

ولهذا يأتي أيضاً في القرآن الكريم الحث على استثمار هذه النعم بطريقة صحيحة، ومن منطلقٍ إيماني، فيقول الله "سبحانه وتعالى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة: الآية172]، فليس المطلوب من الذين آمنوا- تحت مفهوم الزهد- أن يتركوا كل ما في هذه الحياة، وألا يعملوا، وألا يتحركوا وألا... بل المطلوب أن يتحركوا من منطلقٍ إيماني، وهنا يأتي الزهد في إطار المنطلق الإيماني، ليس بالمفهوم السائد الذي معناه الإهمال، معناه ترك كل شيء، عدم الاهتمام بأي شيء.

{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، هذا حث، حثٌ من الله "سبحانه وتعالى" على استثمار هذه النعم، طيِّبات الرزق، {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}، لتكن دافعاً إلى الشكر لله "سبحانه وتعالى"، وحافزاً إلى الشكر، الشكر الذي يدخل إلى الواقع العملي في التصرف بهذه النعم، في كيفية استثمارها، والعمل فيها، فيما يرتبط بذلك من قيم، من أخلاق، من مسؤوليات، من تشريعات إلهية.

يقول الله "سبحانه وتعالى": {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الأعراف: من الآية32]، فالذين آمنوا من المطلوب منهم أن يتحركوا لاستثمار هذه النعم؛ لأن عليهم في هذه الحياة مسؤوليات واسعة، جزءٌ منها يرتبط بالجانب المالي، وجزءٌ منها كذلك يتعلق بشؤون حياتهم ومتطلبات حياتهم، فالدين ليس حرماناً، الإيمان ليس حرماناً من الطيِّبات، حتى ينظر إليه الإنسان بأنه يمثِّل مشكلةً عليه في حياته، وعبءً عليه في حياته، لا، هو ينظِّم للإنسان عملية الاستثمار للنعم على نحوٍ صحيح، سليمٍ من المفاسد والأضرار، ويربطه بالله "سبحانه وتعالى".

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}، الذين آمنوا عليهم أن يكونوا هم الروَّاد في المجتمع البشري، في التفاعل مع نعم الله "سبحانه وتعالى" من واقع إيمانهم، من واقع علاقتهم بالله "سبحانه وتعالى"، ثم يتحركوا لدورهم في الاستخلاف في الأرض على أساس توجيهات الله "سبحانه وتعالى"، فيعملوا على بناء حضارةٍ إيمانية؛ لأن الإنسان هو مستخلف في هذه الارض، والمطلوب منه أن يؤدِّي دوره في الاستخلاف على نحوٍ صحيح، هو سيؤدِّي دوره في الاستخلاف على كل حال، ولو بدافع الحاجة والغريزة، ولكن دافع الحاجة والغريزة ينتج عنه ويأتي معه الكثير من السلبيات والإشكاليات، تحدَّثنا عن بعضها في المحاضرة الماضية.

أمَّا إذا أدَّى دوره في الاستخلاف في الأرض على نحوٍ صحيح، وفق توجيهات الله، وتعليمات الله، وانطلق للتعامل مع النعم مستشعراً أنها نعم من الله "سبحانه وتعالى"، فهذا له آثاره المهمة والمفيدة والنافعة.

يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً وهو يؤكِّد على أهمية الشكر، والشكر مسألة مهمة جداً، وعنوان رئيسي بالنسبة للإنسان، يقول الله "جلَّ شأنه" مخاطباً لآل داوود: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}[سبأ: من الآية13]، بعدما أنعم عليهم بتلك النعم العجيبة، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: من الآية13]؛ لأنه يدخل الشكر في أدائك العملي، في تعاملك مع النعم نفسها، يدخل الشكر هنا: في الانشداد إلى الله "سبحانه وتعالى".

يقول "جلَّ شأنه" عن نبيه سليمان "عليه السلام" وقد مكَّنه تمكيناً واسعاً وعجيباً، فكان نموذجاً للشاكرين، لكيفية التعامل مع نعم الله، مع التمكين في الأرض، لم يبطر، مع أنَّ الله مكَّنه تمكيناً عجيباً، وأعطاه ملكاً عجيباً، ووسائل، وإمكانيات، وعلوم لتسخير مظاهر هذه الحياة على نحوٍ عجيبٍ جداً، ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، مع ذلك لم يبطر بالنعمة، لم يتكبر، لم يظلم، لم يفسد، إنما تعامل مع النعمة من منطلق ماذا؟ عندما وصل إلى ذروة التمكين، وكان من مظاهر ذروة التمكين هذه في الواقع البشري: قصة نقل عرش بلقيس من مأرب إليه في طرفة عين، في وقتٍ وجيزٍ جداً، أمر مدهش للغاية، وتمكين عجيب، وتسخير عجيب جداً، فماذا قال؟ {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}[النمل: من الآية40]، لاحظوا هذا المستوى العالي جداً من الوعي والإيمان، فهو لم تُسْكِره تلك النعمة، وذلك التمكين العجيب، لم يبطر بسبب ذلك، لا، هو عرف أنَّ المسألة اختبار، هو يحمل هذه الرؤية، هذا المنطلق: أننا مختبرون بهذه النعم، أنَّ الله يختبرنا بما أنعم علينا في كيفية تعاملنا مع هذه النعم، هل سنشكر أم سنكفر النعمة، كفران النعمة يدخل فيه سوء الاستخدام لهذه النعمة، من خلال معصية الله "سبحانه وتعالى"، ويترتب عن ذلك مضار ومفاسد للعباد أنفسهم في حياتهم، وهذه نقطة مهمة؛ لأن الله لا يتضرر هو بالمعصية، المعصية ضرها على البشر، ضرها على حياتهم، على أمنهم، على استقرارهم، على معيشتهم، على واقعهم الاجتماعي والأمني، ولذلك الله "سبحانه وتعالى" هو يحمينا بتوجيهاته من المضار والمفاسد الناتجة عن سوء الاستخدام للنعم، هذه هي الخلاصة المهمة جداً.

الله "سبحانه وتعالى" يقول "جلَّ شأنه" عن أنبيائه، مثلاً عن نبيه نوح "عليه السلام": {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}[الإسراء: من الآية3]، الشكر عنوان رئيسي ومهم جداً في الدين الإلهي، وأول القدوة والأسوة هم الأنبياء والرسل في الشكر للنعمة، حتى يصبح هنا عنواناً بارزاً من مواصفات الرئيسية، من مواصفاته البارزة هذا النبي العظيم نبي الله نوح "عليه السلام": {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، يشكر نعم الله المادية والمعنوية.

قال عن نبيه إبراهيم "عليه السلام": {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ}[النحل: من الآية121]، ونبي الله إبراهيم "عليه السلام" كذلك تصبح هذه من المواصفات البارزة: الشكر، أنه شاكراً لأنعم الله، النعم المعنوية أولاً، والنعم المادية، نعم الله بشكلٍ عام، ينظر إلى النعم، كل هؤلاء نظروا إلى النعم إلى أنها ذات قيمة، ذات أهمية، وأنَّ الله "سبحانه وتعالى" أسبغ بها فضله علينا، فيتجهون بالشكر لله "سبحانه وتعالى"، هذا من حيث المنطلقات الإيمانية، وما يتعلق بمسألة الشكر.

أمَّا فيما يتعلق أيضاً بالموجِّهات وما يتعلق بالقيم الأساسية التي نتعامل معها أو من خلالها مع نعم الله "سبحانه وتعالى"، أتى الكثير في القرآن الكريم فيما يتعلق بهذا الشأن، أول عنوان يحضرنا هو الحكمة، الله "سبحانه وتعالى" يريد لنا أن نكون حكماء، أن نتصرف بحكمة في كل شؤون حياتنا، أن نتصرف مع نعمه ومع ما مكننا فيه بحكمة، بحسن تصرف، بدون عبث، بدون فوضى، بدون تصرفٍ لا مسؤول، ولا أخلاقي، ولهذا يقول الله "سبحانه وتعالى" في سياق الآيات القرآنية التي تحدَّثت عن المال والإنفاق، وما يتصل بذلك، في نفس السياق، بين وسط تلك الآيات يقول "سبحانه وتعالى": {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[البقرة: الآية269].

الإنسان بحاجة إلى الحكمة في التصرف مع نعم الله "سبحانه وتعالى"، على المستوى الشخصي: فيما مكَّنك الله فيه، وفيما أعطاك، وفيما يرزقك، على المستوى العام: المجتمع، الدولة، الموارد العامة، وكيفية التصرف فيها بحكمة.

العرب فقدوا الحكمة إلى حد مدهش، ومذهل جداً، ومؤسف للغاية، فقدوا الحكمة في التصرف المالي، الموارد لديهم هي من أضخم الموارد في الدنيا، ثروات ضخمة جداً في بلدانهم، ثروات هائلة جداً، من مختلف الثروات: المعادن في الأرض، النفط، الخيرات الواسعة، الأراضي الزراعية الواسعة، القابلة للزراعة، المتنوعة أيضاً في بيئتها، التي يمكن أن تنتج مختلف المحاصيل الزراعية، منحهم الله "سبحانه وتعالى" نعماً واسعةً جداً، موارد ضخمة، موارد وثروات بحرية أيضاً، وتجدهم في وضعية غريبة جداً، كأن الله لم يعطهم شيئاً أبداً، يعيشون حالة رهيبة جداً من الفقر والإملاق، أو وضع اقتصادي هش، مثلما هو الوضع الاقتصادي في دول الخليج، هو هش بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأنهم جعلوا من بلدانهم فقط منطقة سوق للبضائع الأجنبية، يستوردون إليها البضائع الأجنبية، لم يتجهوا ليكونوا دولاً منتجة، غابت مسألة الإنتاج وحسن الاستخدام لهذه الموارد العامة، لهذه الثروات الضخمة، الثروات العامة الموجودة لديهم، ليس هناك إنتاج لها ولا حسن تصرف فيها، ولا هناك رشد حتى في مسألة الاستهلاك، هناك تبذير، هناك عبث، وليس هناك أولويات، وليس هناك سياسات مرسومة حكيمة في الوضع الاقتصادي، غابت الحكمة كرؤية عند العرب في وضعهم الاقتصادي، ولذلك عندهم مشكلة كبيرة، وأزمات غير طبيعية يعيشون منها، غابت الحكمة كرؤية اقتصادية سليمة، يبنى على ضوئها إنتاج اقتصادي، استثمار لهذه النعم على نحوٍ صحيح، وعلى نحوٍ نافع، وعلى نحوٍ مفيد، والحكمة مهمة جداً من الواقع الفردي للشخص، لو ما معك إلَّا ألف ريال، أنت بحاجة إلى حكمة كيف تتصرف فيه، إلى هذا المستوى العام كدول وكيانات، يحتاج الناس إلى الحكمة.

يحتاجون إلى الرشد، وهو توأم الحكمة، الرشد توأم الحكمة، ويعود إلى حسن التصرف، التصرف الواعي، التصرف الناضج، التصرف الصحيح، والله "سبحانه وتعالى" يركِّز على موضوع الرشد في الجانب المالي إلى حدٍ عجيب، إلى حد أنه وردت في التعليمات القرآنية في سورة النساء في قوله "سبحانه وتعالى": {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا}[النساء: 5-6]، فنجد أولاً في حديثه عن السفهاء، والسفيه هو لا يمتلك الرشد، يعني: إنسان غير ناضج، على حسب التعبير المعاصر: غير ناضج عقلياً، يعني: مداركه، فهمه، إنسان طائش، تافه، ليس عنده النضج العقلي الكافي، الإدراك الصحيح، حسن التصرف، ولذلك هو يمكن أن يخدع، يمكن أن يكون ساذجاً في تصرفاته، عابثاً في تصرفه بالمال، فالله يقول: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}، حتى في ممتلكاتهم الخاصة يجب أن يكون هناك عليهم إشراف وصرف بشكل رشيد، بحسن تصرف في ممتلكاتهم، لا تعطى لهم اليد في ممتلكاتهم؛ لأن هذا يؤثِّر على المجموع العام، المال العام، المسألة في القرآن نظرة عامة، يأتي على ضوئها تفصيل الواقع الشخصي.

{الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}؛ لأن بها قوام حياتكم، أنتم بحاجة إليها في مختلف شؤون حياتكم، لا مجال للعبث، والهدر، والسفه، والطيش، والتعامل التافه في المال والممتلكات، {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا}، يعني: أشرفوا عليهم، اصرفوا عليهم بشكل صحيح حسب متطلباتهم واحتياجاتهم الحقيقية، {وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}.

ثم ينتقل إلى الحديث عن اليتامى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى}، اختبروهم، وأهِّلوهم، وساعدوهم على أن يكتسبوا الرشد في التصرف المالي بطريقة متدرجة، وبمراحل منظَّمة، وطريقة مناسبة، {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، لاحظ، على مستوى المال الشخصي الإنسان بحاجة إلى الرشد، إلى أن يكون لديه رشد، وحسن تصرف، وفهم، ومعرفة صحيحة للتصرف، وتوازن نفسي يساعده على حسن هذا التصرف، إذا اختلت هذه الأشياء، وكان طائشاً، عابثاً، مستهتراً، وإذا اجتمع مع ذلك أيضاً مشكلة في النضج العقلي، في الإدراك، في الفهم، فهذا يؤثر على الإنسان، ويجعله عابثاً ويضيع ممتلكاته في أتفه الأشياء، أو يخدع، وببساطة وسذاجة يمكن أن يخسر كل شيء.

على المستوى العام الأمة بحاجة إلى الرشد كمجتمع، كدولة، ككيانات كبرى، بحاجة إلى الرشد، الذين هم في مواقع مسؤولية، وفي أيديهم إمكانات، قد تكون إمكانات كثيرة، قليلة، بأي مستوى، بحاجة إلى الرشد، من هم في مسؤوليات مالية، من تحت أيديهم إمكانات، إذا فقدوا الرشد ينتج عن ذلك: سوء التصرف، الإهمال، العبث، التبذير، الضياع، وهذا من النكران للنعمة، هذا سوء تصرف في النعمة، إساءة إلى النعمة، عدم تقدير للنعمة، وما أكثر ما يحصل ذلك، خاصة في الواقع العربي للأسف الشديد، وهذه مسألة مهمة جداً، هذا معيار قرآني في من هم على مسؤوليات فيها أموال، فيها إمكانات، أن يمتلكوا الرشد، إذا كانوا عابثين، مستهترين، ولو أبسط إمكانية، ولو أي مستوى من الإمكانيات، يتعامل بطريقة عابثة، يضيع، ويهدر، ويحطم، وينتج عن ذلك أشياء سلبية جداً، فالرشد مسألة مهمة جداً، والتعامل بالرشد، يساعد على المستوى العام بشكل كبير حتى في السياسات العامة، هذه مسألة مهمة جداً.

أيضاً التعامل بمسؤولية وأمانة: في المال، بدءاً مما في يدك أنت، والمال تدخل فيه معاملة، الممتلكات تدخل فيها معاملة، الإنتاج والنعم يدخل فيها معاملة، بحاجة إلى أن تكون أميناً في تعاملك، في تصرفاتك، فيما تنتجه، في الكميات عندما تقدم على أساس كميات معينة، أن تكون أميناً في ذلك في مستوى الجودة، أن تكون أميناً في ذلك، وهكذا الأمانة مسألة مهمة جداً، فيما أنت مؤتمنٌ عليه من إمكانات لغيرك، أو عامة، هنا تحتاج إلى الأمانة، والله حذر من الخيانة: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال: 27-28]، فالأمانة مسألة مهمة جداً، الإنسان إذا تعامل بأمانة وهو يبيع، وهو يشتري، وهو مسؤول، وهو مؤتمن على شيءٍ عنده، يتعامل بأمانة، ينتج عن هذه القيمة المهمة جداً، أهمية كبيرة، وأثر إيجابي في الواقع الاقتصادي للناس، في المعاملة فيما بينهم، والمسؤولية كذلك، بمعنى: أن علينا أن ندرك أنه يرتبط بالمال وبالنعم، وبما أعطانا الله ومكننا فيه، مسؤوليات كثيرة، مسؤوليات كثيرة، منها مسؤوليات عملية، تتصل بأدائنا العملي في الحياة، أشياء كثيرة تحتاج إلى المال، نقدم فيها المال، والالتزامات المالية هي واسعة، الالتزامات المالية، الله "سبحانه وتعالى" يقول في القرآن الكريم وهو يتحدث عن الإنفاق: {وَآتَى الْمَالَ} في سياق الحديث عن البر {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}[البقرة : 177]، نجد هنا التزامات واسعة، يعطي الإنسان لها من المال.

يقول الله "سبحانه وتعالى": {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: من الآية111]، يقول الله "سبحانه وتعالى": {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية41]، يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: من الآية195]، فالله لم يعطينا عبثاً، الله "سبحانه وتعالى" أنعم علينا، وقرن هذه النعم بمسؤوليات، يقترن بها مسؤوليات، ونجد في المسؤوليات المالية هذه القائمة: الإنفاق:

{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} في محيطك الأقرب، بدءاً من أسرتك، عندك اهتمامات بالإنفاق على أسرتك، عليك مسؤولية الإنفاق على أسرتك.
ثم كذلك المحتاجين، وصلة الأرحام في محيطك الأسري أيضاً، على مستوى أوسع.
ثم اليتامى.
المساكين.
ابن السبيل.
السائلين.
في الرقاب.
يكون عندك اهتمام بالإسهام المالي، اهتمام والتفات إلى هذه الفئات المحتاجة من أبناء المجتمع

إضافة إلى الزكاة، {وَآتَى الزَّكَاةَ}، {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}.
فيما يتعلق بالإنفاق في سبيل الله، في خدمة قضايا الأمة الكبرى: في الدفاع عن دينها، وقيمها، وأخلاقها، وممتلكاتها، وأوطانها، وأعراضها.
الله "سبحانه وتعالى" جعل الجهاد في سبيله عنواناً لذلك، وهو يتصل بالمال، {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}، هناك كثير من الأعمال التي تحتاج إليها الأمة للجهاد في سبيل الله "سبحانه وتعالى"؛ لتذود عن عرضها، وأرضها، واستقلالها، وكرامتها، ومبادئها، وقيمها، وتدفع الخطر عن نفسها، كثير من الأمور تحتاج إلى مال، تحتاج إلى نفقات، تحتاج إلى تمويل، كثير من الأعمال، من الاهتمامات، من الأنشطة، من المواقف، من الاحتياجات لذلك، على المستوى القتالي كم هناك من احتياجات مالية تحتاج إليها الأمة في ذلك، {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فنجد هنا الجهاد بالمال، الجهاد بالمال، لتمويل الأعمال التي هي في إطار الجهاد في سبيل الله "سبحانه وتعالى" وفق المفهوم القرآني.

يقول "جل شأنه": {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}؛ لأن بخل الأمة عن الإنفاق في سبيل الله "سبحانه وتعالى"، وهذا يأتي إلى قضاياها الكبرى، إلى دفع المخاطر عنها، إلى دفع شر عدوها، إلى الحفاظ على أمنها، واستقرارها، واستقلالها، وكرامتها، والحفاظ على أوطانها، وشعوبها، وممتلكاتها، إذا لم تنفق من أجل ذلك، فمعنى ذلك: هو التمكين للعدو منها؛ لأنه لا يمكن أن يكون هناك تحرك فاعل لحماية الأمة والدفاع عنها، إلا وهناك تمويل مالي، بدون المال لا يمكن أن يكون هناك تحرك، لا عسكري، ولا غيره، فالمسألة تحتاج إلى تمويل، إذا لم يكن هناك تمويل، فالنتيجة هي الهلاك، البخل نتيجته الهلاك؛ لأن العدو سيتمكن، والعدو يهتم بالإنفاق في سبيل استهداف هذه الأمة، كم ينفق على مؤامرات، كم يعد من إمكانات، وتجهيزات، وخطط، وبرامج، وأنشطة، تستهدف هذه الأمة، وينفق عليها مليارات كثيرة، ينفق في الاستهداف العسكري لهذه الأمة مليارات الدولارات، ينفق في الاستهداف الإعلامي، في الاستهداف الاقتصادي، في كل المجالات، فالأمة لا بد أن تكون منفقة.

يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: من الآية24]، حتى الزكاة هي تأتي مرتبطةً بموضوع المال، وتساهم في معالجة مشكلة الفقر لدى الفقراء.

على مستوى آخر أيضاً وهو مهمٌ جداً جداً: أن هذه النعم الإلهية التي أنعم الله بها علينا، واستخلفنا فيها، إذا انطلقنا فيها من منطلقٍ إيماني، فإنها ستمثل عاملاً مهماً في النهضة والقوة:

عندما نلحظ أن من مسؤولياتنا أن نكون أمةً مستقلةً، لا تخضع للطاغوت، لأعدائها المضلين من الطواغيت المجرمين، المتسلطين، المستكبرين، وأن تبني مسيرة حياتها على أساس هدي الله وتعليماته "سبحانه وتعالى"، وهذا الذي يحقق لها الاستقلال الفعلي والحقيقي، معنى ذلك: أنها ستدخل في صراع مع أعدائها، ولا بدَّ لها بأن تسعى لأن تكون أمةً قوية، والله "سبحانه وتعالى" قال في القرآن الكريم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، هذا يشمل إضافةً إلى الجانب المعنوي: قوة الإيمان، قوة الوعي، قوة الرشد...إلخ. يشمل أيضاً الجانب المادي: الإمكانات، الوسائل، أن تتجه الأمة لإعداد القوة على كل المستويات: القوة العسكرية، القوة الاقتصادية.

الاقتصاد في موضوع القوة المادية يدخل كعنوان أولي ورئيسي، فالأمة تحتاج إلى العناية باقتصادها، وأن تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن تستثمر ما أعطاها الله من النعم على نحوٍ يجعلها أمةً قوية، يتوفر لها احتياجها الرئيسي: من غذاء، من دواء، من سلاح، من كافة الاحتياجات الطبية، والملابس، وما يدخل في عمرانها، ما يدخل في مختلف احتياجاتها، أن تسعى لأن تكون أمة تصنع وتزرع وتنتج، وأن تمتلك أيضاً ما تحتاج إليه من خبرة في هذه المجالات، من علم ومعرفة في هذه المجالات، أن تسعى هي لأن تكون أمة تحقق التقدم التكنولوجي، والتقدم على كل المستويات، هذا أمرٌ مطلوب، ومن منطلقٍ إيماني، من منطلقٍ إيماني، من أجل أن تكون أمةً قوية، تجاهد في سبيل الله، تدفع عن نفسها خطر الأعداء، تحقق لنفسها الاستقلال الحقيقي، فلا تبقى مرهونةً ورهينةً تحت سيطرة الأعداء وتحكمهم في كل أمورها.

عندما تكون الأمة معتمدةً في توفير غذائها واحتياجاتها الأساسية من بلدان أخرى، هذا نقص حتى في موضوع أمنها القومي، البلدان الأخرى تحسب في حساب أمنها القومي أن توفر احتياجاتها الأساسية الضرورية داخلياً، وأن تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي في ذلك.

فهذا المفهوم هو مفهوم مهم جداً، كفيلٌ- إذا استوعبته الأمة وانطلقت على أساسه- أن يكون عاملاً مهماً للنهضة.

لاحظوا، العرب باردين، لم يهتموا بهذا المجال، لم يهتموا بهذا المجال، عندهم برودة عجيبة، ولا مبالاة، ولا اكتراث في أن يكون كل شيء يحتاجون إليه حتى من الأعداء، من بلدان تحت سيطرة أعدائهم، أو من بلدان بعيدة يمكن لأعدائهم أن يحاصروهم ويمنعوا عنهم وصول تلك الاحتياجات في أي لحظة يتخذون القرار بذلك، وبالفعل أصبح من الوسائل الرئيسية التي يستخدمها أعداء الأمة في محاربتها: هو الحظر الاقتصادي والحصار الاقتصادي؛ لاستهداف أي بلد، ويؤثر هذا على بلداننا، لماذا؟ لأنها فرطت في الاعتماد على هذا المفهوم المهم والتحرك على أساسه، أن تعد ما تستطيع من قوة، وأن تكون أمة قوية، بلدان قوية، منتجة، مصنعة، تنتج احتياجاتها كافة، لا تحتاج أن تذهب إلى الصين لتوفر ملخاخ، إلى إيطاليا لتوفر صلصة، إلى أوروبا لتوفر أبسط الأغراض، أبسط الأشياء، إلى هنا أو هناك، إلى أستراليا، إلى آخر الدنيا، لتوفر لك القمح، لا، لتوفر لك مختلف احتياجاتك من بلدانك.

وهذا للأسف الشديد غاب عن أمتنا، فكان غيابه كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، ومأساة، وارتبطت حركة التجارة بتوفير كل الاحتياجات من خارج هذه البلدان، بالذهاب إلى أوروبا، إلى شرق آسيا، إلى مختلف البلدان البعيدة هناك، لتوفير أبسط الأشياء، وتعطلت عملية الإنتاج حتى لما كان ينتجه الآباء والأجداد، بدلاً من أن نتجه إلى تطوير عملية الإنتاج لدينا فيما كان منتجاً منذ البداية، لم نعد نوفر في بلداننا حتى ما كان يتوفر لدى الآباء والأجداد، أولئك الذين يقول الكثير عنهم أنهم كانوا متخلفين وبائسين، وأنهم وأنهم، كم كان ينتج في اليمن من أشياء؟

الغذاء كان يتوفر في اليمن، الغذاء، وأكثر الناس يقتنون، وبالذات أن الغالبية كانوا يقطنون في الأرياف، ويتوفر لهم مختلف الاحتياجات الغذائية، عنده في المنزل، وبجوار منزلة: البقر، الغنم، الدجاج، عنده مزارع ينتج فيها القمح، وهناك تتفاوت هذه المسألة من شخص إلى آخر، وهناك تكامل فيما بين البشر، الآن كل شيء يأتي من الخارج من الخارج من الخارج، من الملخاخ الذي يحتاجه الإنسان بعد طعامه، إلى الصلصة، إلى أبسط الأشياء، ولا يزال الكثير يتجهون لتوفير كل الأشياء من الخارج، ويلعب التجار- نتيجةً لعوامل كثيرة- دوراً سلبياً في ذلك، بدلاً من الاتجاه للاستثمار في الداخل، وهناك مشاكل كثيرة، يمكن- إن شاء الله- نتحدث عن هذه المسألة في سياق حديثنا- إن شاء الله- في المحاضرات القادمة.

على العموم، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، يجعل من اهتمامنا بالقوة الاقتصادية مسألةً إيمانيةً ضمن التزاماتنا الإيمانية، وهذا أمر مهم وشيق وعظيم؛ لأنك من هذا المنطلق ستتحرك على أساس التكامل في الجهاد، وأنت تتحرك في الجانب الاقتصادي، وأنت تتحرك في أي مجال من مجالات الجانب الاقتصادي: زراعة، أو غيرها، يمكنك أن تتجه من منطلق تحظى فيه حتى بالفضل والأجر عند الله "سبحانه وتعالى".

هذه على مستوى القيم الأساسية التي تمثل عاملاً مهماً في حسن التصرف مع نعم الله "سبحانه وتعالى"، أتت في القرآن الكريم، في الشريعة الإسلامية، تشريعات كثيرة، تنظم لنا الجانب الاقتصادي على أساس العدل، على أساس هذه القيم العظيمة على أساس محاربة الظلم والفساد، كم من التشريعات التي تنظم لنا المعاملات الاقتصادية، والاهتمامات الاقتصادية، وحسن التصرف في الموارد الاقتصادية على نحوٍ صحيح، على نحوٍ صحيح، هذا مجال واسع جداً، لا يمكن الحديث عنه في محاضرة، الحديث عنه واسعٌ جداً جداً، ومعروف هذا في القرآن الكريم.

أيضاً من الأشياء التي تكون حافزاً للاهتمام بالنهضة الاقتصادية هي: أن الدنيا مزرعة الآخرة، هذه كلمة معروفة الدنيا مزرعة الآخرة، الإمام عليٍّ "عليه السلام" نبَّه على ذلك، الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" كان يؤكد على ذلك كثيراً، في القرآن الكريم وردت الآيات الكثيرة التي تلفت نظرنا إلى أن الدنيا مزرعة الآخرة، حسن تصرفنا في هذه النعم، حسن تحركنا في هذه الحياة، هو الذي نؤمِّن من خلاله مستقبلنا الدائم في الآخرة، ونصل به إلى الجنة، عندما نقرأ في قوله "سبحانه وتعالى": {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، لاحظ كيف المال هنا مزرعة للآخرة، تدفع، لكن مقابل ذلك الجنة تعطى، الدنيا مزرعة الآخرة.

عندما نقرأ عن الإنفاق والمنفقين، فيقول الله "سبحانه وتعالى": {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: من الآية274]، عندما يقول: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل: من الآية20]، هنا كل هذا يفيدك أن الدنيا مزرعة للآخرة، تعمل هنا، تحصل على مكاسب عظيمة في تلك الحياة الأبدية.

يركز القرآن على الربط ما بين الحياتين: الدنيا، والآخرة، فمن يحمل هذه الرؤية القرآنية هو الذي سيتصرف بشكل صحيح، علمنا الله أن نقول: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة: من الآية201]، من يفصل موضوع الآخرة عن الدنيا كلياً، يرى أنه سيفقد الكثير من الوسائل التي يعمل من خلالها في سبيل الله "سبحانه وتعالى"، ويبتعد حتى عن المفهوم القرآني في الاستخلاف للإنسان في الأرض، ويترك المجال للأعداء في كل شيء.

ومن يفصل أيضاً موضوع الآخرة عن الدنيا يتجه كل اهتمامه إلى هذه الدنيا: يفسد، يظلم، يبطر، يتكبر، يرتكب الجرائم، لا يشكر النعم، بل يستخدمها في معصية الله، فيما يضر ويسيء، فيما ينتج عنه الضرر والمفاسد.

نجد من خلال هذه الرؤية القرآنية: في كيفية استثمار النعم، وأن التحرك وفق تعليمات الله "سبحانه وتعالى" سيمثل حلاً للمشاكل الاقتصادية، والأزمات الاقتصادية، وفي سياق قولة "سبحانه وتعالى": {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}.

إن شاء الله نتحدث عن الموارد العامة في المحاضرات القادمة، على نحوٍ تفصيليٍ أوسع، بما يلفت النظر إلى ما أعطى الله فيها من الفرص الكبيرة التي تعالج مشاكلنا في هذه الحياة.

نسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

هل يعي النظام السعودي الخطر القادن

هل يعي النظام السعودي الخطر القادم ✍ أبو يحيى الجرموزي  النظام السعودي ومن خلال المراوغة والهدنة القاصرة يبدوا انه استغل التواضع والحكمة ال...