الجمعة، 29 أبريل 2022

المحاضرة الرمضانية السابعة والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1443هـ

المحاضرة الرمضانية السابعة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 28 رمضان 1443 هـ 29-04-2022
موقع المسيرة
    
المحاضرة الرمضانية السابعة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 28 رمضان 1443هـ 29-04-2022
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

بدايةً نتوجه بالشكر إلى جماهير شعبنا العزيز في استجابتهم الواسعة، وحضورهم الكبير، لإحياء مناسبة يوم القدس العالمي.

نسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يكتب أجر الحاضرين جميعاً، وأن يتقبل منهم.

التحرك في إطار موقف الحق، وإعلان كلمة الحق، ومباينة الأعداء، أعداء الله، أعداء المسلمين، أعداء الإنسانية، هو من الأعمال العظيمة، من الأعمال الصالحة، من أعظم القرب التي يتقرَّب بها الإنسان إلى الله "سبحانه وتعالى".

كما أنَّ حضور الأمة في هذه المناسبة، ليكون لها صوتها المسموع، وموقفها المعلن، أمرٌ في غاية الأهمية؛ لأن حالة، الركود، والجمود، والسكوت، والصمت التام، والتوقف عن فعل أي شيءٍ تجاه العدو، وعن قول أي شيء، هو حالة ليست صحيحةً بكل الاعتبارات، لا هو أسلوبٌ ولا هي طريقةٌ تنسجم مع القرآن الكريم، توافق توجيهات الله "سبحانه وتعالى"، وأوامره في كتابه الكريم، ولا هي اقتداءٌ برسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، ولا هي الأسلوب المنطقي الصحيح، الذي يعتمده الناس فطرياً في طريقتهم في التعامل مع الأعداء، الذين يتحركون ضدهم بكل ما أوتوا من قوة، وبشكلٍ مكثف، وفي كل المجالات.

أن يكون الإحياء ليوم القدس العالمي إحياءً على مستوى واسع، في بلدانٍ متعددة، ومناطق متعددة، وأوساط واسعة هنا وهناك في العالم الإسلامي، فهذا أيضاً أمرٌ مهمٌ جدًّا، وإن كانت هناك مثلاً بعض البلدان تعيش الشعوب فيها وضعيةً مقهورةً، مغلوبةً على أمرها، لا تتحرك أي تحرك؛ نتيجةً لمواقف سلطاتها، وحكوماتها، وأنظمتها.

من المؤكد أنَّ الحالة الشعورية والوجدانية، وحالة التعاطف هي قائمة مع الشعب الفلسطيني، في مختلف شعوب هذه الأمة وبلدانها، ولكن التعبير عن ذلك، والتعبير عن الموقف من العدو الإسرائيلي، الذي يشكِّل خطراً على المسلمين، لا يقتصر خطره وشره وضره على بقعة فلسطين، والأجزاء العربية التي استولى عليها من الدول المجاورة لفلسطين، ضره وخطره شامل، وكما قلنا: كيانٌ فاسدٌ مفسد، موبوء، مُصدِّر للفساد، ينشر الفساد، ولذلك يفترض أن يكون موقف الأمة تجاهه، وتجاه القضية التي هي واضحةٌ جدًّا لا التباس فيها لدى الجميع، ومحل إقرارٍ قد سبق من الكل، عن أنه عدو، وأنَّ الموقف الصحيح منه هو التحرك ضده، وأنَّ الشعب الفلسطيني جزءٌ من الأمة، وفلسطين وطنٌ وبلدٌ من بلدان الأمة الإسلامية، فالموقف الصحيح، الموقف الطبيعي، الموقف الحق هو واضح، لا التباس فيه أصلاً، والذين يرتدون عنه إلى تبني مواقف مختلفة، متباينة، تتحالف مع العدو الإسرائيلي تحت عنوان التطبيع، توالي العدو الإسرائيلي، هم في حالة ارتدادٍ عن الثوابت الواضحة، والحقائق الواضحة، التي سبق أن كانوا هم من يعترفوا بها فيما مضى، وقد يتظاهرون في بعض الأحيان أنهم يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني، أنهم ضمن الأمة في موقفها العام المعلن، في مراحل كثيرة مما قد مضى.

العدو الإسرائيلي، وإن كان الكثير من أبناء الأمة، نتيجةً لأسباب متنوعة، بين من يعيشون حالة المخاوف، والكبت، والقهر، بين من قد اتجهوا في حالة الانحراف نحو الولاء للعدو الإسرائيلي والتأثر به، بين من لديهم نقص كبير في استشعار المسؤولية، وتقوى الله "سبحانه وتعالى"، وإدراك خطورة التفريط، والإهمال، والتقصير، أسباب متفاوتة جعلت الكثير من الناس مع ما يعيشه عالمنا الإسلامي من ضغطٍ كبير، وراءه أعداؤنا من اللوبي اليهودي الصهيوني العالمي، والعدو الإسرائيلي، في كثيرٍ من المشاكل والفتن والأزمات، الضاغطة، المشوشة لذهنية الكثير، والتي تهدف إلى زعزعة كيان هذه الأمة، ألَّا تكون أمةً مستقرة، بل أن تكون في وضعيةٍ مضطربةٍ بشكلٍ دائم، ومضغوطةٍ بشكلٍ مستمر، وأن تتحقق للعدو من خلال طبيعة المؤامرات، الفتن التي يخطط لها، الأزمات التي يستثمر فيها ويفاقم منها، المشاكل التي يغذيها ويدرس كيف يستفيد منها، كل هذا أراد منه العدو أن يحقق له أهدافه الرئيسية: في إضعاف هذه الأمة، في تشتيتها، في بعثرتها، في إفقادها كل عناصر القوة المعنوية، والعملية، والإيمانية، والمادية، وصولاً إلى السيطرة التامة عليها، والاستغلال التام لها، في واقعٍ سيء، سيطرة من واقعٍ عدائي، بدافعٍ عدائي، يريد لهذه الأمة أن تكون- وهو مسيطرٌ عليها- في وضعية سيئة جدًّا، وضعية سيئة بكل الحالات: على المستوى الأخلاقي، والإيماني، والقيمي، وعلى مستوى الدين والدنيا، في كل شيء.

فهذه الحالة جعلت الكثير من الناس يغفلون عن واجباتهم، عن مسؤولياتهم، تجاه هذه المسألة: القضية الفلسطينية، الخطر الإسرائيلي على المسلمين جميعاً، الخطر الذي مصدره اللوبي الصهيوني العالمي، الذي يتحرك على نطاق واسع، من خلال أمريكا، من خلال بريطانيا، من خلال دول غربية تنفذ سياساته، تتحرك وفق مؤامراته.

وهذه الغفلة والتجاهل لدى الكثير من أبناء الأمة، هي مصدر ضررٍ على الأمة نفسها؛ لأنها لا تجدي شيئاً، لا تجدي شيئاً لا في دفع الشر، ولا في دفع الخطر عن الأمة، ولا تعفي من المسؤولية، لو كانت حالة الغفلة والتجاهل، وعدم الاهتمام بما علينا أن نقوم به، بما علينا أن نهتم به، تنفعنا بشيء، لكانت قد نفعت المسلمين إلى أقصى حد؛ لأنها السمة الغالبة في واقع العالم الإسلامي، في واقع الشعوب، ولكان واقع الأمة قد صلح إلى أقصى حد، لو كانت تفيد شيئاً، لكن الواقع يثبت أنها تخدم الأعداء، تضر بالأمة، وتفيد أعداء الأمة، تفيد اليهود، اللوبي الصهيوني العالمي، تفيد العدو الإسرائيلي، تفيد الأعداء بشكلٍ عام؛ لأنهم يتمكنون من العمل على تنفيذ مؤامراتهم ومخططاتهم في داخل الأمة، وهي في وضعية ليست في حالة استعداد، في حالة تصدٍ، في حالة ردة فعلٍ لمواجهة ذلك الخطر، بل الكل في وضعية جامدة، راكدة، بيئة مفتوحة، مسرح مفتوح، تنجح فيه المخططات، تنجح فيه المؤامرات.

من الحقائق القرآنية المهمة جدًّا، والجديرة بالالتفات إليها، والتأمل لها، والاهتمام بها: أن نشوء العدو الصهيوني الإسرائيلي في وطنٍ من أوطان المسلمين، بالقهر، والغلبة، والإجرام، والكيد، والمكر، والعدوان، وتحويله- لذلك الموطن الذي هو من بقاع المسلمين، وفيه مقدسات من أهم مقدساتهم- إلى قاعدة وأرضية ومنطلق يتحرك من خلاله، لنشر فساده وشره في أوساط الأمة، هذا الأمر- بحد ذاته- يعبِّر عن خللٍ كبير حصل في واقع الأمة، حتى أمكن للعدو أن يحقق مثل هذا الاختراق، في بلدٍ من بلدان العالم الإسلامي، أن يأتي، فيأخذ على المسلمين بلداً من بلدانهم، موطناً من أوطانهم، ثم أن يسيطر عليه، بالقهر، بالجريمة، بالاضطهاد، بالظلم، بالعدوان، بارتكاب أبشع وأفظع الجرائم، وأن ينكِّل بشعبٍ هو من هذه الأمة، جزء من هذه الأمة، من المسلمين، من العرب، ثم أن يبني كيانه، ويحوِّله إلى كيان يمتلك جيشاً، وقوةً عسكرية، ثم يتحرك من خلال ذلك إلى العدوان على بقية البلدان في العالم العربي آنذاك، ثم يبقى أيضاً منطلقاً للتآمر على العالم الإسلامي، ويطمح إلى أن يسيطر عليهم بأساليبه، ليس فقط بالحرب العسكرية، وإنما أيضاً بالحرب الناعمة، بالحرب التي يشتغل فيها بأسلحةٍ أخرى أيضاً إلى جانب الحرب العسكرية.

الله "سبحانه وتعالى" قال عن اليهود في القرآن الكريم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}[آل عمران: من الآية112]، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}، {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} تعبِّر عن كل زمانٍ ومكان، وهي وضعية تؤثر عليهم في أن يتحركوا لقهر أمة، لضرب أمة، للسيطرة على أمة بحجم الأمة الإسلامية، بحجم العالم الإسلامي، ولذلك عندما قال: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}، هذه المسألة المهمة جدًّا، التي على المسلمين أن ينتبهوا لها، لم يتمكن العدو الإسرائيلي أن يفرض له وجوده في بقعةٍ من بقاع العالم الإسلامي، فيها مقدساتٌ من أهم مقدساتهم، وأن يضطهد شعباً من أبناء هذه الأمة، وأن يتحول هو إلى مصدر لنشر الفساد في هذه الأمة، والإضلال لهذه الأمة، إلَّا نتيجة خللٍ كبيرٍ في واقع الأمة؛ لأن منهجية الإسلام في كل جوانبها: على المستوى التربوي، على المستوى العملي، على مستوى نتائجها عندما تسير الأمة عليها، هي تحصن الأمة من الاختراق، تبني الأمة لتكون في مستوى مواجهة أعدائها، تحظى الأمة من خلالها بالنصر من الله، وبالمنعة، وبالعزة، وبالقوة، فتكون في مستوى مواجهة التحديات، ومواجهة الأعداء، فكيف يأتي الأعداء الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، فيذلوا الأمة الإسلامية، يذلوها، ويتمكنوا من تحقيق أهداف كبيرة وخطيرة، ويتحدوا هذه الأمة لزمنٍ طويل، لعقودٍ من الزمن، هذه حالة خطيرة، هذه حالة سلبية، تستدعي من أبناء الأمة أن يلتفتوا إلى واقعهم؛ لاكتشاف كل جوانب الخلل، كل جوانب القصور، كل جوانب التقصير، التي فقدوا فيها النصر والتأييد من الله "سبحانه وتعالى"، وكانت سبباً في أن يتمكَّن أعداؤهم الأذلاء- الذين قد ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة- من هزيمتهم.

عندما يقول الله: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ}، الحبل من الله هو: التسليط، هو أن يترك لهم هذه الفرصة نتيجة تقصيرٍ كبير، وخللٍ كبير، من الجانب الآخر، من جانب المسلمين، مثلاً: في واقعنا الإسلامي.

{وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}، ما يأتي مثلاً من جانب الآخرين من مساندة، مثلما هو حال الغرب، الذي وقف مسانداً للعدو الإسرائيلي الصهيوني، وتفريط وتقصير أيضاً- حبل آخر- من جانب الناس بشكلٍ عام، من جانب المسلمين أيضاً، من جانب المسلمين، في تقصيرهم، في تفريطهم، ببترولهم، بإعلامهم، بكل ما يفيد العدو، ويصبح وسيلةً لخدمة العدو، ودعم العدو من جانبهم.

فهذه المسألة تبين خطورة الغفلة عن هذا الموضوع؛ لأن جانباً منه يعود- وهو جانبٌ رئيسيٌ وأساسيٌ تجاه ما حصل- يعود إلى واقعنا، ويبين لنا عندما نريد أن نتحرك مثلاً تحت عنوان التصدي لهذا العدو، أنَّ جزءاً كبيراً من المهام، من الأعمال، من المسؤوليات، تتصل بتصحيح واقعنا، تحت عنوان التصدي لهذا العدو، التصدي لهذا الخطر، التصدي لهذا الشر، الذي هو شرٌ كبيرٌ علينا كأمةٍ إسلامية، جزءٌ كبيرٌ منه يعود إلى العناية بواقعنا الداخلي؛ لتصحيحه، ولتحصينه، وهذا ما لا يستوعبه الكثير من الناس؛ لأنهم يرون المعركة فقط معركةً عسكرية، الجانب العسكري جزءٌ أساسيٌ ورئيسيٌ فيها، لابدَّ أن يكون محط اهتمامٍ كبير، وسنتحدث عن ذلك، ولكن من ضمن ذلك، ومع ذلك، وإلى جانب ذلك: الجوانب الأخرى المتصلة بواقع حياتنا في بقية المجالات، ذات التأثير الكبير في هذه المعركة، وفي نفس الوقت يجب أن يكون العنوان حاضراً: عنوان القيام بالمسؤولية في التصدي لذلك العدو، العداء لذلك العدو، أن نتخذه عدواً، وهذا جانبٌ يهدي إليه القرآن الكريم، وهو يبين لنا طبيعة هذه المعركة، أسباب وحيثيات تطوراتها.

عندما نأتي مثلاً لندرس كيف نشأ هذا الكيان على بقعةٍ من بقاعنا الإسلامية، في مراحل متعددة، بدءاً بعصابات يهودية توافدت إلى أرض فلسطين، كيف كان موقف الأمة بشكلٍ عام؟ كيف كان مستوى اهتمامها بهذه المسألة آنذاك في وقتٍ مبكر، هل تعاطت مع الموضوع كما ينبغي؟ بالتأكيد لا، بالتأكيد لا، ولا زالت هذه الروحية سارية في واقع الأمة، وقائمة تجاه مختلف الأخطار.

لا يستوعب الكثير أهمية التحرك المبكر كما ينبغي للتصدي للخطر، ويريدون أن يكتمل الخطر في الواقع؛ لكي يصدِّقوا بأنه خطر، ولكي يصدِّقوا بأن مستوى خطة العدو تهدف إلى أن يصل الوضع إلى ما يصل عليه، هذا هو الحال عندما نقول: هناك فعلاً مؤامرات واضحة لأعداء الأمة للسيطرة على كل العالم الإسلامي، على كل بلداننا، للسيطرة علينا جميعاً في هذه الأمة، على كل الشعوب، لا يستوعب البعض هذه الحقيقة، لا يدرك أنَّ أولئك- بالتأكيد- لهم أطماعهم، لهم نزعاتهم ودوافعهم العدائية، وإذا وجدوا الظروف مهيَّأة، ووجدوا هذه الأمة مهيَّأة، لا تمتلك المنعة، العزة، القوة، لا تمتلك المشروع، الذي تتصدى به لمؤامرات أعدائها، فلن يترددوا في اغتنام هذه الفرصة، التي وصفها النبي "صلوات الله عليه وعلى آله" فيما روي عنه، عندما قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها))، كأنهم يتداعون إلى وليمة، وليمة دسمة، وليمة مغرية، وليمة جذَّابة، يتداعون إليها من هنا وهناك، ((قالوا: أمن قلةٍ نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل))، هذه الحالة السلبية التي تصاب الأمة فيها- وهي أمة كبيرة، بمقدرات ضخمة، ورقعة جغرافية كبيرة- بالوهن، بالوهن، عندما قال: ((ويزرع الوهن في قلوبكم))، هذه الحالة الخطيرة جدًّا، غثاء كغثاء السيل، تحول الأمة تفقد القيمة لإمكاناتها، وعددها، وعدتها، الفاعلية اللازمة لذلك، فلا تكون قويةً بمقدار ما تمتلك، أو ما يتهيَّأ لها وما هو متاحٌ لها من عناصر القوة، والإمكانات اللازمة، مما هو متوفر، أو متاح، متاحٌ بين أيديها؛ إنما هي لا تقبل على ذلك؛ لأنها غافلة عن الموضوع من أساسه.

فأن تكون الأمة في وضعية من التفريط، والتقصير، والعصيان، والغفلة، والبعد عن منهج الله الحق، تسبب لنفسها التسليط عليها، تمكين أعدائها منها، هذا- بحد ذاته- أمرٌ خطيرٌ للغاية.

ثم عندما نأتي إلى طبيعة الصراع مع هذا العدو، كما نشوؤه حالة تدل على واقعٍ غير سليم في أمتنا، وخللٍ حصل، حتى حدث ما حدث، فكذلك هو وجود حالة المسارعة من البعض من أبناء الأمة لتولي ذلك العدو، للتحالف معه، للتعاون معه، ونحن قلنا بالأمس: إنما هم يمكِّنون ذلك العدو من السيطرة عليهم، وإضلالهم، وإفسادهم، واستغلالهم، لن يتحول إلى صديقٍ حقيقيٍ لهم، مهما فعلوا له، مهما قدَّموا له، لن يتحول إلى صديق حقيقي، لا للسعودي، ولا للإماراتي، ولا لآل خليفة... ولا لأي عربيٍ، أو مسلم، من أي بلدٍ يتجه هذا الاتجاه الخاطئ في الولاء للإسرائيلي، يبقى عدوٌ، لكن يستغل الفرصة، يتمكن أكثر من السيطرة بتلك الطريقة الناعمة، من أجل الإضلال، والإفساد، الإضلال في كل شيء، بما في ذلك في المواقف والتوجهات، وأيضاً الإفساد، الإفساد لهم، والإفساد داخل شعوبهم؛ لأنهم يفتحون كل الأبواب أمام العدو الإسرائيلي، يفتحون له كل شيء، ويعطونه الامتيازات ليتمكَّن أكثر، وكل التسهيلات اللازمة التي يتمناها هو، ليتمكن من خلالها أن ينشط بدون قيود، ولا عوائق، ولا حواجز، لتنفيذ مؤامراته في الإضلال، والإفساد، والاستغلال، في نهاية المطاف يبقى أولئك بالنظر له، في نظره يبقون مجرد بقرات حلوبة، وأتانات مركوبة... وغير ذلك، حيوانات لا قيمة لها، تستغل إلى غاية الاستغلال، وأقصى مستوى من الاستغلال، هذا الذي يحدث.

الحالة- بحد ذاتها- هي حالة غير سليمة أبداً، ليست مجرد رأي سياسي، وخيار سياسي، ليقول لك: [أنا بلد حر، أتخذ أي خيار سياسي في علاقاتي الدولية]! هذا ليس من هذا القبيل، الولاء للعدو، الذي هو عدوٌ لك، ولأمتك، ولدينك، ولرسولك، ولكتابك، عدوٌ لكل شيء، لكل ما هو عزيزٌ ومقدَّس لديك بحسب انتمائك الإسلامي، وإن لم يبق لديك شخصياً، لكن بحسب انتمائك، ليست مسألةً بسيطة.

ولهذا يقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، فتصبح المسارعة في توليهم، المسارعة والعمل النشط- وهذا ظاهرٌ في واقع المطبعين- العمل النشط السريع في خدمة أولئك، فيما يخدمهم، في تقديم التسهيلات لهم، في الانتقال بقفزات إلى الأمام في العلاقات معهم، قفزات غريبة، غريبة جدًّا، هذه الحالة تكشف عن حقيقةٍ مهمة ذكرها الله في القرآن الكريم، عندما قال: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}، {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}، حالة ليست سليمة على المستوى الأخلاقي، على المستوى الفطري السليم، أولئك فقدوا الإيجابيات للفطرة، القيم الفطرية، وفقدوا أيضاً القيم الإسلامية، فقدوا القيم الإسلامية، لم يعد لديهم إيمان، ولا تقوى، ولا عزة، ولا كرامة، ولا إباء... ولا أي شيءٍ من القيم الفطرية والأخلاقية، الإسلامية أيضاً.

وهذه الحالة من الخلل الكبير التي تحدث، فتبنى عليها مواقف، هي تعبِّر عن انحراف حقيقي عن مبدأ الإسلام، ودخول في حالة النفاق، وجزءٌ أساسيٌ من خطة العدو الإسرائيلي هو الاختراق لهذه الأمة إلى الداخل؛ ولذلك هو يركِّز- ومعه اللوبي الصهيوني بشكلٍ عام من ورائه- يركِّز على الولاء والتطويع، كأسلوب أساسي يعتمد عليه في السيطرة على أبناء هذه الأمة، أن يكسب ولاءهم، وأن يحولهم إلى مطيعين له، ينفذون هم مؤامراته عليهم، وهو يقدمها بشكل سياسيات، وبشكل خطط، تحت عناوين مخادعة، ينخدع بها الكثير منهم؛ فيتجهون هم يمولون تنفيذها، وينفذون ما فيها، وهي تضعفهم، تفسدهم، تضلهم، وهي تُمَكِّنه منهم، وهي تبعدهم عن تأييد الله "سبحانه وتعالى".

ولذلك عندما يبقى الحس العدائي غائباً، وتحل محله الغفلة؛ تظهر هذه السلبية إلى حدٍ كبير، عندما يركِّز العدو يركِّز على أن ينشر حالة الولاء له، وأن يفقد الأمة شعورها العدائي تجاهه، الشعور العدائي نحوه كعدو، والتعبئة العدائية نحوه كعدو، من أهم ما ركز عليه القرآن الكريم، ومن أهم ما فرَّط فيه المسلمون، إلى درجة أن البعض يعارض ذلك، يعتبر هذا الأمر لا داعي له، لا ضرورة له، ويظهر انزعاجه، عندما يكون هناك نشاط تعبئة عدائية ضد ذلك العدو، وهي الحالة التي تحصِّن من الولاء له، التعبئة العدائية الشديدة، التي تترجمها مواقف، تترجمها أنشطة، تترجمها هتافات، تترجمها شعارات، ولا تبقى حالة مخفية، لا يعبَّر عنها حتى بالكلام، أمر سخيف للغاية، البعض من الآراء آراء سخيفة، لا تنسجم بأي حالٍ من الأحوال لا مع القرآن، ولا مع الواقع أيضاً.

فلذلك عندما يركز العدو على التطويع، ويركز على الولاء، ويركز على بيئة مفتوحة أمامه، لا يوجد فيها أي تعبئة عدائية تجاهه، يجدها بيئةً سهلة، قابلة للاختراق، قابلة لأن تنجح فيها مخططاته ومؤامراته؛ بينما إذا كان هناك نشاط يتمثل في تعبئة عدائية، وفي نشرٍ للوعي من خلال القرآن الكريم؛ لأن الله "سبحانه وتعالى" ركَّز في القرآن الكريم أن يحذر من الولاء للعدو، وتحذير واسع ومتكرر في القرآن وبشدة، وهذا يجب أن يكون عبارة عن نشاط قائم في واقع الأمة، في التثقيف، في التعليم، في الإعلام، وليس أمراً مسكوتاً عنه، إذا لم يكن هناك داعٍ للكلام حول ذلك، فلماذا يتحدث الله عنه في القرآن الكريم، ويركز عليه، ويأتي له بأهم العبارات، وبلهجة قوية، يعني: بعبارات قوية جدًّا، بالتحذير الشديد جدًّا؟ إلا لأهمية المسألة، وأنها تتطلب الحديث عنها في واقع الأمة.

والله "سبحانه وتعالى" حذَّر من طاعتهم، هو القائل: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: من الآية100]، يردوكم كافرين، هذه الحالة التي يسعون فيها في واقع الأمة، من خلال التطويع للأمة، أن يسيروا بالأمة في حالة الارتداد، الارتداد عن قيم هذا الدين، عن مبادئ هذا الدين، عن أخلاق هذا الدين، شيئاً فشيئاً بأسلوبهم الترويضي، وهذه حالة واضحة في واقع الذين اتجهوا للولاء لهم تحت عنوان التطبيع، يرتدون عن مبادئ الدين، عن قيمه، عن أخلاقه، عن تشريعاته، وبشكلٍ مستمر ومتسارع، بخطى متسارعة، وهذه مسألة معروفة لمن يرصد حالهم.

من أهم ما يرشد إليه القرآن في ذلك، هو: الاعتصام بالله، الالتجاء إلى الله تعالى، والانطلاقة الإيمانية، التي لابدَّ منها في الارتقاء بالأمة، لتكون في مستوى مواجهة هذا التحدي والخطر، والاهتداء بالقرآن الكريم، والاقتداء برسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، وأن تسير الأمة على منهجية الهدى بشكلٍ موحد، في إطار قيادةٍ موحدة، وتوجهٍ موحد، وأن تعتصم بحبل الله جميعاً، وأن تحذر من الفرقة، وأن تحذر من الخلاف، وأن تتجه على أعلى مستوى من الإحساس بالمسؤولية، ومن التقوى، {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: من الآية102]، تتجه هذا التوجه بجدية، تستشعر الخطورة الرهيبة للتفريط في أدائها لمسؤولياتها، وفي اهتمامها بهذه القضية، وهو الموقع الوحيد في القرآن الذي أتى فيه ذلك التعبير القرآني: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}؛ ليدل على الخطورة البالغة والرهيبة في التفريط تجاه هذه القضية، وأنه لابدَّ أن تكون الانطلاقة فيها بأعلى مستوى من التقوى، من الجدية، من الاهتمام، من الحذر من التفريط.

ثم يأتي الأمر في القرآن الكريم، في الآيات المباركة من سورة آل عمران، في هذا السياق نفسه، ليتحدث عن أهمية الأخوّة، والتعاون، أن تنطلق الأمة متكاتفة للنهوض بمسؤوليتها في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كل هذا يرشد إليه في القرآن الكريم في سياق رسم خطةٌ للأمة في التصدي لذلك العدو، فالمسألة في غاية الأهمية.

يبين كذلك في الآيات المباركة من سورة المائدة ما يتعلق بهذه المسألة، وما يحصِّن الأمة منها، وأن الواقع الذي ستعيشه الأمة أمام هذا التحدي هو لا يخلو من حالتين: إمَّا حالة ارتداد وتراجع، أو حالة توجه وفق المواصفات التي رسمها الله في القرآن الكريم، في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54].

لو كانت المسألة مجرد ناس يرتد عن الإسلام، وناس يبقى مسلماً عادياً، لكان قال: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يسلمون، ويصلون، ويصومون، ولا يفطرون في رمضان... إلى آخر الروتين المعتاد)، لكن المسألة أكبر من ذلك، مستوى الالتزام الإيماني والديني يمتد أيضاً ليشمل جوانب المسؤولية، فيأتي بتلك المواصفات في مقابل من؟ في مقابل حالة الارتداد، وهذا التقابل لهذه الآية من أهم ما يهز ضمير الإنسان، ويحرِّك مشاعره، ويجعله يدرك أهمية المسألة؛ لأنه إن لم يكن متجهاً ليكون ضمن تلك المواصفات، فالحالة البديلة هي: حالة الارتداد عن مبادئ من هذا الدين، عن قيم أصيلة وأساسية من هذا الدين، عن مسؤوليات ومهام رئيسية، هي من صميم هذا الدين الإلهي، فهذا التقابل مهمٌ للغاية: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

ثم يتحدث القرآن الكريم قبل ذلك مبيناً خسارة الذين يسارعون في الأعداء، بأي شكلٍ كانت أشكال المسارعة، وهي في الاتجاه المنحرف، الاتجاه الذي يخدم الأعداء، يفيد الأعداء، يستغله الأعداء، فيبين كيف سيصبحون نادمين وخاسرين، {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: من الآية53]، تذهب آمالهم، تتلاشى آمالهم تلك، التي خططوا لها من وراء مسارعتهم، فيصبحوا نادمين.

هذه حقائق أكد عليها الله في القرآن الكريم، ولذلك نحن نلحظ مثلاً في واقع الأمة إيجابية، ثمرة ونتيجة ملموسة للتحرك في الاتجاه الصحيح، ضمن الروحية الجهادية، ضمن تحمل المسؤولية، والنهوض بها، رأينا الثمرة الإيجابية، النجاح يتحقق في فلسطين في واقع المجاهدين هناك، النموذج الراقي والمميز والكبر والناجح جدًّا في حزب الله في لبنان، رأينا هذه النماذج، رأينا النجاح الكبير عندنا ضمن هذا التوجه الإيجابي في اليمن، هو توجهٌ يرضي الله "سبحانه وتعالى"، ويبني الأمة، يبني الأمة في وعيها، يبني الأمة لتكون قوية، ينتشلها من حالة الضعف، ينتشلها من حالة الوهن، ينتشلها من الحالة التي تخدم أعداءها، تمكِّن أعداءها منها، يبنيها في كل المجالات، لتكون بمستوى التحديات، هذا هو الخير للأمة، والمصلحة الحقيقية للأمة، هو المفيد للأمة، هو الذي يحفظ لها دينها، ويحفظ لها دنياها، وهو الذي يفيدها في مستقبلها، وهو الذي يصلها بالله "سبحانه وتعالى"، برحمته، بنصره، بعونه، بتأييده.

نكتفي بهذا المقدار...

ونسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛

الأربعاء، 27 أبريل 2022

المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1443هـ

المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرون للسيد عبدالملك الحوثي 1443 هـ -2022م
نشر في أبريل 26, 2022
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

في سياق الحديث عن المبدأ الإسلامي العظيم: الاعتصام بحبل الله جميعاً، والأخوة الإيمانية، والحديث عن خطورة الفرقة بين المؤمنين، تجلَّى لنا أهمية هذا المبدأ، وأهمية تلك الفريضة العظيمة، بالاعتبار الإيماني، فلا يمكن أن تكون متقياً لله، مؤمناً كامل الإيمان، صادق الإيمان، مستجيباً لله “سبحانه وتعالى”، ملتزماً بدين الله “سبحانه وتعالى”، إلَّا وتهتم بهذا المبدأ، وتسعى للالتزام به، وتسعى لتطبيق تلك الفريضة، التي هي: الأخوة الإيمانية.

وتبيَّن إلى جانب الأهمية الإيمانية لهذه المسألة، أهميتها أيضاً على مستوى الواقع، في أن تكون الأمة قويةً في مواجهة أعدائها، وفي النهوض بمسؤولياتها، وفي إنجاز أهدافها المقدَّسة، وفي الاهتمام بمصالحها الكبرى، كل هذا لابدَّ فيه من وحدة الكلمة، من التعاون على المستوى العام، الأمة الإسلامية بشكلٍ عام، أو على مستوى أي مجتمع من مجتمعات أمتنا، يريد أن يستجيب لله “سبحانه وتعالى”، وأن يتحرك على أساس هذا المبدأ العظيم، الذي ثمرته معلومةٌ، ومعروفةٌ، ومؤكَّدة.

وكما قلنا في سياق الحديث في المحاضرات الماضية: هذا المبدأ يلقى أشد المحاربة من الشيطان، ومن أعداء المسلمين بشكلٍ عام؛ لأنهم يعون أهميته، يعون كم أنه يشكِّل عائقاً أمام مؤامراتهم، وأهدافهم، وأحقادهم، ومساعيهم للسيطرة على هذه الأمة، أو على أي مجتمع من أبناء هذه الأمة، يسعى وفق ذلك المبدأ العظيم، وينطلق على أساسه، هم يدركون أنه يمثِّل عامل قوة للأمة بشكلٍ عام، أو لبعضها، من يتحرك على أساسه من أبناء هذه الأمة، وهم يريدون أن يزيحوا من أمامهم كل ما يمكن أن يشكِّل عائقاً لهم في تحقيق أهدافهم، في السيطرة على أمتنا الإسلامية، وعلى أوطانها وثرواتها، وحتى على ثروتها البشرية، فهم يتحركون لمحاربة هذا المبدأ العظيم بكل الوسائل، وتحت كل العناوين، ومنذ زمنٍ طويل، ليست حربهم على هذا المبدأ، واستهدافهم للأمة في هذا المبدأ العظيم شيئاً جديداً، إنما يتطور مع الوقت، وتتطور أساليبهم فيه، ووسائلهم لتحقيقه.

من المعروف أنَّ أعداء الأمة سعوا إلى تقسيم العالم الإسلامي الكبير إلى دويلاتٍ متفرقة، ففصَّلوه جغرافياً وسياسياً، وأطَّروا كل بقعةٍ منه على المستوى الجغرافي والسياسي؛ ليفصلوها عن البقعة الأخرى، فهم كانوا وراء هذا التقسيم الذي عليه بلاد المسلمين، وفيما سبق كان العالم الإسلامي عالماً واحداً، ولكنهم سعوا إلى تجزئته، وتقطيع أوصاله؛ لإضعاف أبنائه، وهذا شيءٌ معروف، عُقِدَّت له مؤتمرات، وكانت لها مخرجات، ووثائق معينة، إلى درجة أنَّ أبناء العالم الإسلامي إذا اختلفوا، وتنازعوا أحياناً على الحدود، هم يحتكمون- البعض منهم- إلى العدو الذي فرَّقهم، وقسَّم أوطانهم، وجزَّأ بلدانهم؛ لأنهم يعتبرونه هو الأعرف كيف فعل، كيف قسم هذه المنطقة عن تلك المنطقة، وهذا البلد عن ذلك البلد، وكيف قطَّع أوصال ذلك الوطن، فيحتكمون إليه، يحتكمون عند البريطاني، ليقول لهم كيف قسم أوطانهم، أين هي الحدود وفق تقسيمه.

لم يكتفوا بذلك، أن قسموا العالم الإسلامي إلى أوطان مؤطَّرة سياسياً وجغرافياً، وفرقوا بين أبنائه على هذا الأساس، بل عملوا بكل جهد إلى توسيع الفرقة المذهبية، وإلى استنساخ مذاهب إضافية، وإلى إحداث الفرقة حتى داخل كل مذهب؛ ليشتتوا الأمة فكرياً، وثقافياً، ودينياً.

وأكثر من ذلك: يحاولون أن يزرعوا في العالم الإسلامي من جديد أقليات دينية، يعملون على إنشاء أقليات دينية، بديانات جديدة غير الإسلام، ثم إلى فرضها سياسياً، إلى أن يفرضوا لها حقوقاً سياسية، وأن يؤقلموا الوضع العام في البلد على مستوى النظام، وعلى مستوى ما يعتمد عليه أبناء البلد في نظم شؤون حياتهم، إلى أن يكون وفقاً لذلك لإزاحة الإسلام وشريعة الإسلام من شؤون الحياة، فعملوا على أن يزرعوا في كثيرٍ من العالم الإسلامي ديانات جديدة غير الإسلام، ويعملون على أن يوسعوا دائرتها بكل جهد، واستغربنا في الآونة الأخيرة حينما جلبوا إلى اليمن البهائية، والأحمدية، وأصبحوا يجلبون أيضاً عناوين أخرى، ويحاولون أن ينشروها، وأن يوسعوا دائرتها.

أمَّا على مستوى ما هو محسوبٌ على الإسلام من مذاهب، وأفكار، وتوجهات ثقافية وفكرية مشتتة، فهم يشتغلون باستمرار، وتحريف المفاهيم، وتغييرها، والشتات الفكري والثقافي الذي يسعون من ورائه بعثرة الأمة؛ حتى لا تعتصم بحبل الله جميعاً، تتوجه على أساسٍ واحد، ورؤيةٍ واحدة، وهم يشتغلون بشكل مستمر، ويستفيدون في هذا العصر من الإمكانات التقنية، وبالذات من الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع على الإنترنت، ويحاولون أن يستغلوا فقدان المنعة الثقافية لدى الكثير من أبناء الأمة، والضعف الثقافي لدى الكثير من أبناء الأمة، والفراغ الثقافي لدى الكثير منهم، في التأثير عليهم، وهم يعملون في هذا الاتجاه عملاً واسعاً.

من أبرز ما عملوه لإثارة الفرقة، تحت العنوان الديني، في أوساط المجتمع الإسلامي، هو: المد التكفيري، هم وراء إنشاء المد التكفيري، وزرعه في أوساط الأمة، وتوسيعه وتوسيع نطاقه في أوساط الأمة، الظاهرة التكفيرية هي تكررت في الواقع الإسلامي مع الزمن، لكنهم في هذا الزمن استغلوها، ووظفوها إلى أقصى حد، ودعموها، ووفروا لها الدعم الكبير من عملائهم من المنافقين، من الأنظمة التي هي مواليةٌ لهم، والحكومات التي تُمَوِّل مخططاتهم ومؤامراتهم، فاتجهوا إلى توسيع رقعته، ليمتد إلى مختلف بلدان العالم الإسلامي، وليتحرك لإثارة الفتن بين أبناء العالم الإسلامي بشكلٍ كبير وعنيف جدًّا، لإثارة الفتن، والقتل، والجرائم، والإبادات الجماعية، وتوسيع دائرة الفرقة على أشد ما تكون، لتكون فرقة عقائدية بشدة، ينظر إلى أخيه من أبناء الأمة الإسلامية إلى أنه كافر يجب ذبحه على الفور وبدون تأخير، أو تمزيقه إلى أشلاء، من خلال التفجيرات الإجرامية، كما رأيناه مؤخراً في أفغانستان، وتكرر مثله كثيراً في العراق، وفي اليمن… وفي بلدانٍ كثيرة.

فهم يعملون على إثارة الفرقة، وتدمير الأمة الإسلامية، وخلخلتها من الداخل، ويبذلون في ذلك كل جهد، هذا بالنسبة لهم هو توجهٌ أساسيٌ، يعملون عليه بكل اهتمام، وبكل جد، ويوظفون له كل الجهد والإمكانات اللازمة، وهذا ما يجب أن نعيه جيداً، وأن نستوعبه بحجم أهميته وتأثيره، هذا مما يعملون عليه.

يعملون على الاستثمار في كل المشاكل والأزمات والخلافات، أي خلاف يظهر في هذا البلد الإسلامي، أو ذلك البلد، سواءً في الوطن العربي، أو غيره، فهم يتجهون إلى استغلاله، إلى تغذيته، إلى أن يزداد أكثر وأكثر، وأن يتوسع أكثر وأكثر، إلى أن يخدم أهدافاً لهم محددة هنا أو هناك، وهذا مما يعملون عليه، ويشتغلون فيه بشكلٍ جاد.

يتجهون حتى في الاستثمار في المشاكل الاجتماعية، المشاكل بكل أشكالها في عالمنا الإسلامي يستثمرونها.

يتجهون حتى على مستوى الفرز الاجتماعي، فهم وراء العمل على أن يفصلوا المرأة ككيانٍ لوحده، والشباب ككيانٍ لوحده، هذا ما يعملونه عندنا في العالم الإسلامي، ثم يتجهون بالمرأة إلى أن تفهم أنها كيان لحالها، ولديها اهتمامات سياسية، ولديها معركتها مع الرجل، في الصراع على الحقوق، وما إلى ذلك؛ لأنهم يسعون حتى إلى تفكيك الأسرة، لا تبقى الأسرة التي هي اللبنة الأساسية في الإسلام في داخل المجتمع، المجتمع لبناته الأسر، يتكون من الأسر، الاستقرار على مستوى الأسرة له أهمية في الاستقرار على مستوى المجتمع، فهم يسعون بكل جهد، والبعض من النساء السذج يستجبن لهذه التوجهات، وهذه الأنشطة، ويغفلن عن أنها أنشطة استهدافية؛ لأن قوة المجتمع في أن يكون أبناؤه في حالةٍ من الوحدة، قوة الأسرة في أن تكون متوحدة، قوة المجتمع كذلك.

فيتجهون على مستوى المرأة، على مستوى الشباب، على مستوى الطفل… وهكذا، تقسيمات وبعثرة، كما قلنا في مناسبة من المناسبات: لو استطاعوا أن يبعثروا الإنسان نفسه إلى عدة اتجاهات، ويجعلوا كل يدٍ من يديه تخاصم الأخرى، وكل شيءٍ فيه يخاصم الآخر، لفعلوا، هم يعملون على تجزئة هذه الأمة إلى أنهى حد، إلى أقصى ما يمكن، هذا ما يعملون له، ويلقون بيئةً مهيأةً لذلك إلى حدٍ كبير.

فاشتغلوا في كل هذه الاتجاهات، وفي الأزمات، وفي تفرقة الأمة في المواقف والسياسات، تجاه أي موقف مهم يسعون إلى أن يكون واقع الأمة تجاهه في حالة اختلاف وتشتت، السياسات كذلك، في كل الاتجاهات.

وعانا المسلمون من هذه الفرقة، ضعفوا، تجرأ عليهم أعداؤهم في كل مكان، في كل اتجاه، اطمأن أعداؤهم إلى حدٍ كبير، من أن تكون ردة الفعل العامة من كل المسلمين تجاه ما يفعله ببعضهم هنا، أو هناك، مع أن تربية الإسلام تربيهم على الشعور بأنهم أمة واحدة ((كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تتداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى))، أن يعملوا على أن يكونوا كالبنيان المرصوص، والذي يربي على الشعور بالمسؤولية تجاه كل المسلمين من كل فردٍ منهم، ((من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن سمع منادياً ينادي يا للمسلمين، فلم يجبه، فليس بمسلم)) وفي بعض الروايات ((فليس من المسلمين)).

هكذا عملوا داخل بلدان العالم الإسلامي، يعني: عملوا على المستوى العام كأمة، ثم داخل كل بلد من بلدان العالم الإسلامي، يشتغلون بعد أن فككوا الأمة إلى دويلات، يتجهون داخل كل بلد، كل دولة، بنفس العمل، بنفس الاتجاه؛ لتمزيق صف أبناء ذلك الوطن، للتفرقة بينهم إلى أقصى حد، تحت كل العناوين، لتشتيتهم في كل شيء، لبعثرتهم في كل شيء، لزرع التباين بينهم في كل الأمور وفي كل المجالات: المجالات السياسية، والمجالات الاجتماعية… وفي كل شيء، ويعملون على ذلك بشكلٍ مستمر ومنظم، ووفق خطط، وهذا أمرٌ واضح، هذا ليس أمراً خفياً، وليس افتراءً عليهم، أو ادعاءً عليهم بغير حقيقةٍ، هم يعملون ذلك، لديهم خطط منظمة، معلنة، وأنشطة واضحة، ويشتغلون على ذلك بكل جد، وبكل اهتمام.

من ضمن ما يعملون على استهدافه، ولمحاربته، هو: عندما يتحرك أيٌّ من أبناء هذه الأمة في الاتجاه الصحيح، الذي فيه التبني للموقف الصحيح، سواءً تجاه قضايا الأمة بشكلٍ عام، أو تجاه أي بلدٍ من البلدان، فعندما يتجه البعض من أبناء هذا البلد، أو ذاك، في اتجاه أن يكون بلدهم حراً، مستقلاً، كريماً، مستقلاً من التبعية لأعدائه، وأن يحظى بالحرية والكرامة من سيطرتهم، ومن نفوذهم، والانعتاق من هيمنتهم، ويتجه إلى أن يتكامل إيجابياً مع أبناء أمته، وأن يتبنى قضايا أمته، فهم يستهدفونه على أشد مستوى من الاستهداف: الاستهداف العسكري، الاستهداف الاقتصادي، الاستهداف بهذا المجال نفسه، بهذا الجانب نفسه، لتفكيكه من الداخل، وأيضاً لبعثرة الأمة من حوله أن تتجه نفس التوجه الصحيح.

وهذا ما حصل عندنا في اليمن، عندما اتجه شعبنا على هذا الأساس، ضمن هذا التوجه الصحيح الإيجابي، المنسجم مع مبادئه، مع انتمائه للإسلام، مع هويته الإيمانية، يريد ألَّا يخضع لسيطرة أعدائه من الكافرين والمنافقين، توجه الاستهداف له عسكرياً، واقتصادياً، وتوجه الاستهداف له تحت كل عناوين التفرقة بين أبنائه، واستهداف الأحرار فيه بكل شكلٍ من أشكال الاستهداف.

وهذا ما حصل في فلسطين، في استهداف المجاهدين هناك، هذا ما يحصل في لبنان، ضد حزب الله في لبنان، هذا ما حصل في العراق، هذا ما حصل في مختلف البقاع الإسلامية، أيُّ توجهٍ صحيحٍ بنَّاءٍ، يتجه نحو عزة الأمة، وكرامتها، وحريتها من أعدائها، والتصدي لأعدائها، والتصدي لطغيانهم وشرهم، والعمل على إعاقة مخططاتهم ومؤامراتهم، يتوجه نحوه الاستهداف بشكلٍ مكثف، وهذا أيضاً أمرٌ معلن، وأمرٌ واضح، وليس خفياً.

ويستغلون من ضمن ما يستغلونه في تحقيق هذا الهدف، وفي إطار هذا الاستهداف: مواقع التواصل الاجتماعي، بحملات التشويه المنظَّم، سواءً التشويه العام، مثلاً: عندنا في اليمن يتوجه بشكلٍ رئيسي التشويه ضد أنصار الله؛ لدورهم مع بقية أحرار هذا البلد في الاتجاه الصحيح، في التصدي لأعداء هذا البلد، في السعي لحرية وكرامة أبناء هذا البلد، ويتجه أيضاً ضد الآخرين الذين يتجهون معهم في هذا الموقف: الموقف الصحيح.

في فلسطين ضد المجاهدين، في لبنان ضد حزب الله… وهكذا في بقية العالم الإسلامي، حملات منظَّمة، حملات دعائية، مشحونة بالافتراءات، ومشحونة أيضاً بتوظيف أي إشكاليات، وتكبيرها، وتضخيمها، وتعميمها، وتحويلها إلى عناوين أساسية تملأ كل مواقع التواصل الاجتماعي، حملات للتشويه؛ لهدف صد الناس عن تبني الموقف الصحيح، وصرف أنظارهم عن العدو الحقيقي، وصرف اهتماماتهم عن النهوض بمسؤولياتهم في الاتجاه الصحيح، والموقف الحق، الذي ينبغي أن يكون محط اهتمامهم.

إضافةً إلى توظيف أي خلافات، وأي إشكالات، وأي سلبيات، إلى أقصى حد، مهما كانت السلبية جزئية، أو محدودة، تتحول إلى قضية رئيسية، وتتحول إلى موضوع أساسي، يطغى على كل شيء، ويتحول هو محط كل الاهتمام، والأخذ والرد، وتبنى عليه المواقف، والأحكام العامة، وتبنى عليه توجيه الإساءات إلى أقصى حد، حتى لتتحول الجزئية البسيطة من الإشكالات، أو السلبيات، أو حتى قضية لا أساس لها من الصحة، هي مجرد افتراء، وكأنها قضية القرن الحادي والعشرين، التي ينبغي أن يتحول كل اهتمام الناس حولها، وأن يبنى عليها كل الأحكام، والمواقف، والإساءات، وكل الإجراءات، وكل شيء، وكل العداء، وكل السخط يبنى على أساسها، على نحوٍ غير طبيعي، على نحوٍ هستيري، جنوني، على نحوٍ فيه إفراط، وفيه مبالغات غريبة جدًّا.

أيضاً على مستوى استغلال أي خلافات، سواءً خلافات في الرأي، خلافات في الواقع العملي، خلافات تظهر كخلافات شخصية، أي خلافات، فتأتي معها الحملات الدعائية، التي تجعل منها أمراً كبيراً، ورئيسياً، كل هذا بهدف: التفرقة، توسيع الفجوة، زرع حالة التباينات، تفكيك الناس عن الموقف الصحيح، عن الاتجاه الصحيح، وأيضاً إشغال الناس وصرف اهتمامهم عن القضايا المهمة فعلاً، عن القضايا الحقيقية، عن القضايا الأساسية، عن الأخطار الحقيقية، عن العدو الحقيقي، عن المسؤوليات المهمة، وحتى عن معالجة أمورهم على المستوى العملي بشكلٍ صحيح، يصرفونك عن الأسلوب الصحيح، عن التوجه الصحيح، إلى الأسلوب غير الصحيح، الهدَّام، المدمِّر، المسيء، الذي يفاقم المشاكل أكثر، ولا يسهم في حلها أصلاً… وهكذا.

يبرز مع نشاط الأعداء المنظَّم في ذلك، والذي يشتغل ضمن خطط واضحة، وحملات بعد كل فترة وأخرى، حملة معينة يطلقونها، ينسجم ويتلاقى معه دور بقية المنافقين، بقية الذين في قلوبهم مرض، مثلاً: على مستوى واقعنا في اليمن، من هم في إطار الصف الوطني، ولكنهم ليسوا جادين، ليسوا صادقين، ليس لهم اهتماماتهم الحقيقية الصادقة، أو لديهم بعض الاهتمامات الشكلية والمحدودة جدًّا، والموضوع بالنسبة لهم في مستوى هامشي وعادي، ليس توجهاً جاداً، صادقاً، له شواهده في الواقع، له مداليله في الأداء العملي؛ إنما هو مجرد كلام عادي، ولكن يبرز اهتمامهم الكبير، عنايتهم الفائقة، تركيزهم الكبير، شدتهم، جرأتهم، وقاحتهم، في الاتجاه السلبي، المناوئ، المعارض، الذي يصرف الناس عن الاهتمام بالأمور المهمة، بالقضية الأساسية، بالموقف الصحيح، فينسجمون مع أي حملة معادية، عندما يطلق الأعداء حملة، سواءً تستهدف أشخاصاً محددين، أو تستهدف الاتجاه بكله، الاتجاه الذي يتصدى للأعداء، الذي ينهض بالمسؤولية، الذي يقف الموقف الحق، فينسجمون ويتماهون مع ذلك.

والبعض أيضاً من ذوي العقد، أو المشاكل الشخصية، لديه مشكلة شخصية، لديه أهداف شخصية لم تتحقق، لم يحصل عليها، يتبنَّى بالنتيجة موقفاً سلبياً معادياً، لكنه يتجه مع الموجه، موجه من جانب الأعداء، فيها نشاط عدائي، فيها إثارة للسخط، فيها تحريض عدائي، فيتماهى معها من منطلق أن لديه عقدة شخصية، ومشكلة شخصية، وهذا أسلوبٌ خاطئٌ، ولا أخلاقي، ولا إنساني، وأي شيءٍ لا يبرر للإنسان مهما كان أن يتماهى مع الأعداء، أن يتجه مع الأعداء من أجل شفاء غيظه، أو من أجل عقده الشخصية.

الأعداء يشتغلون بشكلٍ مكثف، ويصبون نشاطهم نحو الاتجاه الداخلي؛ لتفكيك الناس من الداخل، إلى درجة أن يوظِّفوا في ذلك ما يفعلونه هم؛ بهدف صرف ردة الفعل، وتوجيه ردة الفعل بالاتجاه الخاطئ، فمثلاً: عندنا في اليمن، عندما يحاصرون شعبنا، عندما يرتكبون بحقه أبشع الجرائم، يحاولون أن يؤلِّبوا الناس حتى تجاه ما فعلوه هم، ضد من؟ ضد من يتصدى لهم، ضد من يقف بوجههم، ضد من يحاربهم، ضد من ينتقم منهم لشعبه، فيتَّجهون بتوجيه اللوم تجاه ما حصل، تجاه ما يرتكبونه من جرائم، تجاه ما يعملونه من حصار، ضد أنصار الله، وضد من يقف معهم من أحرار هذا البلد في التصدي للعدوان، ويحمِّلونهم المسؤولية، واللائمة، ويتحرك معهم الطابور الخامس، والمعقَّدون، والسيئون، ممن لا يمتلكون الضمير، والأخلاق، والقيم، ولا يكترثون لأن يقولوا أي شيء، فيتماهون معهم في ذلك، فتأتي المحاولات لأن تتوجه حالة السخط تجاه ما فعله العدو ضد الصديق، ضد الذي يقف بوجه العدو، ضد من يتصدى للعدو، ونفس هذا التصرف، نفس هذه السياسة، نفس هذا الأسلوب يفعلونه في فلسطين.

يقوم العدو الإسرائيلي باعتداءاته على الشعب الفلسطيني، وأحياناً بتصعيد كبير، مثلما حصل في العام الماضي بتصعيده على غزة، وفي أعوام سابقة، حملات وحرب شاملة مفتوحة، وحصار شديد، ثم يحرِّض الأهالي والشعب الفلسطيني ضد المجاهدين تجاه جرائمه، هو يقتل، ويدمِّر، ويحاصر، ويريد من الناس ألَّا يسخطوا عليه تجاه ما فعل، وأن يسخطوا على الذين يقفون بوجهه من أبناء شعبهم، الذين يتصدون لجرائمه من أبناء شعبهم، الذين يقفون بوجه عدوانه وإجرامه من أبناء شعبهم، الذين يسعون لإنقاذ شعبهم، لتحرير شعبهم، يريد منهم (من الفلسطينيين) أن يعادوهم هم، بدلاً من أن يعادوه هو على جرائمه، وعلى حصاره.

نفس المسألة عندنا في اليمن، يأتي تحالف العدوان ليقتل، ويريد من الناس ألَّا يغضبوا منه هو لأنه قتل، لأنه ارتكب الإبادات الجماعية، يحاصر، ويعذِّب المجتمع اليمني في قوته، وفي معيشته، وفي اقتصاده، لكن يريد من الناس ألَّا يسخطوا منه هو لأنه فعل بهم ذلك، ألَّا يغضبوا منه لأنه يعذبهم، يضطهدهم، يحاصرهم، أن يغضبوا ممن يقفوا بوجهه، ممن يتصدى له، ممن يحاربه، ممن يقف بوجه عدوانه، ممن ينتقم للشعب منه، أن يبغضوه هو.

في لبنان كذلك حملات كبيرة دعائية ضد حزب الله في لبنان، ومطالبات مستمرة بنزع سلاحه؛ لأنه حرر لبنان من أعدائه، لأنه تصدى للعدو الإسرائيلي، الذي يعتدي على لبنان، الذي سعى إلى احتلال لبنان، الذي سعى إلى مصادرة الحرية على الشعب اللبناني، والاستقلال والكرامة، الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب اللبناني، وعند كل حربٍ مفتوحة مع حزب الله، يرتكب أبشع الجرائم، يقوم بتنفيذ عمليات وحشية وإجرامية، لكن- في نفس الوقت- يطلب من اللبنانيين ألَّا يبغضوه على ذلك، وألَّا يكرهوه على ذلك، ألَّا تكون ردة فعلهم تجاهه تجاه ذلك؛ إنما أن يبغضوا حزب الله؛ لأنه يقف بوجهه، لأنه يحاربه، وحصل هذا في العراق، وحصل… يحصل بشكلٍ عام في واقع الأمة الإسلامية.

المسألة هذه مسألة واضحة، حملات الأعداء فيها عادةً ما تكون واضحة، وسياساتهم في ذلك سياسات مكشوفة، لكن عندما يكون لدى البعض حالة من العقد، تسبب لهم العمى، عمى البصيرة، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: من الآية46]، أو البعض أيضاً مفلسون إنسانياً، وأخلاقياً، وقيمياً، فيتجهون نفس الاتجاه الذي يريده العدو، وهو اتجاه خاطئ، وغبي، وظالم؛ لأنك عندما تتوجه بسخطك، وكرهك، ولومك، وتحميلك المسؤولية، إلى من هو بريءٌ، وتناصر المعتدي الذي يرتكب الجريمة، تقف مع ذلك الذي يقتل، ويحاصر، ويرتكب الجرائم البشعة، والإبادة الجماعية، تؤيِّد سياساته، تتبنى منطقه، تتبنى ما يقوله، وتوجِّه اللوم إلى من يقف بوجهه، توجِّه اللوم فيما فعله ذاك، هذا افتراء، وبهتان، وظلم، وإجرام، وانحراف، وغباء، ويجمع كل الأوصاف السيئة والمقيتة.

في الواقع الداخلي عادةً ما يكون هناك استهداف في اتجاهات متعددة، فمن يقف في وجه الأعداء، من يتبنى الموقف الحق، كجزءٍ من أبناء هذه الأمة، يتوجه الاستهداف له حتى لتفرقته من الداخل، وحتى في استهداف بيئته الشعبية، والحاضنة، وجمهوره، عادةً ما يكون هناك نشاط مكثف في هذا الاتجاه، وشغل لتوظيف أي إشكالات، أو أي خلافات، أو أي تباينات إلى أقصى حد، كما شرحنا في بداية الحديث.

وفي الواقع العملي هناك سنَّة من سنن الله “سبحانه وتعالى” مع عباده المنتمين للحق، المتجهين على أساس الاتجاه الإيماني، هي: سنَّة الاختبار، التي تبيِّن الصادق عن غيره، الوفي عن الخائن، والصادق عن الكاذب، الله “سبحانه وتعالى” قال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]، ومن أهم ما يأتي فيه الاختبار، ويجلِّي الناس هو: في الموقف الحق، في تبني الموقف الحق، وفي الثبات على ذلك، في الثبات على ذلك، والاستمرار على ذلك.

في مسيرة الحياة في كل زمن، يأتي الفرز، ويأتي نتيجةً لذلك الاختبار من ينكشف زيغهم، من يتجهون على نحوٍ آخر، من ينحرفون عن الموقف الحق، من ينحرفون عن الاتجاه الحق، هذا حصل حتى في عهد الأنبياء “عليهم الصلاة والسلام”، وحصل في كل زمن، هي سنَّة الله “سبحانه وتعالى”، {مَا كَانَ}، يعني: أنها سنَّة مستمرة، {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، فيأتي البعض مثلاً في مرحلة من المراحل فيزيغ ويخرج عن تبني الموقف الحق، والاتجاه الحق، ويصبح منطقه منطق الأعداء، اتجاهه اتجاه الأعداء، يتخلى نهائياً وبشكلٍ تام عن تبني الموقف الحق، والتوجه الحق، ويتبنى موقفاً مغايراً سلبياً، تجاه من؟ تجاه الذين يتبنون موقف الحق، يتحول إلى مخاصم لهم، إلى مسيء إليهم، إلى معادٍ لهم، إلى محرضٍ ضدهم، إلى مسيءٍ إليهم، إلى مفترٍ عليهم، ويتبين أنه أصبح موقفه موقفاً مغايراً، قد تخلى عن الموقف الحق، وتخلى عن القضية الحق، وتخلى عن الاتجاه الحق، وبقي اتجاهه متماهٍ تماماً مع اتجاه الأعداء.

يحصل هذا في كل زمن، الزائغون الذين ينحرفون عن تبني الحق، ثم يتحول نشاطهم إلى نشاطٍ من أجل الفرقة، يكونون دعاةً للفرقة، دعاةً للخلاف، يسعون إلى خلخلة الصف الداخلي، يسعون إلى صرف اهتمام الناس عن القضايا الرئيسية، عن الموقف الحق المهم، عن القضية الأساسية، يسعون إلى صرف أنظار الناس عن ذلك نهائياً؛ حتى لا تبقى قضيةً للناس، ولا تبقى محط اهتمامهم، وأن يتجهوا بالناس إلى تبني مواقف عدائية مختلفة، تنسجم مع توجهات الأعداء، وهذا يحصل في كل زمن.

الذين يتجهون هذا الاتجاه المنحرف، فيزيغون عن الموقف الحق، والاتجاه الحق، ويتحولون إلى دعاةٍ للفرقة، يصفهم الله في القرآن الكريم بـ(الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).

يعني: البعض من الناس قد ينطلق في الاتجاه الحق، ويتبنى الموقف الحق، وقد يبرز في ذلك، أو يلقى شيئاً من السمعة والشهرة، ولكنه في حقيقته، في داخله، في ضميره، في وجدانه، في قلبه، بقي لديه مرض، ما هو المرض هذا؟ هو مرض معنوي، مرض تربوي، إمَّا أنه بقي مرتاباً تجاه شيءٍ من الحق، لم يؤمن به في الواقع، أظهر اقتناعه بالحق، لكنه بقي مرتاباً تجاه شيءٍ من الحق، لم يؤمن به حقاً، لم يؤمن به حقيقةً، واحتفظ بحالة الريب تلك، بقية معه، لم يتخلص منها، لم يستنر بنور الله، لم تكتمل بصيرته، ولم يتم يقينه، فبقي ذلك الريب فيه، يكبر، يعظم، يصطدم باختبارٍ معين، فيتجلى في موقفه، ويظهر مثلاً تنكره لمبدأ من مبادئ الحق، أو لمبادئ من الحق، أو لشيءٍ من الحق، أو حتى للموقف الحق بكله، وهذا يحصل للكثير من الناس على مدى التاريخ وفي كل زمن، وسيبقى إلى قيام الساعة.

والبعض أيضاً إلى جانب ارتيابه باتجاه شيءٍ من الحق لم يؤمن به، يحتفظ أيضاً بخللٍ تربوي، لا يتزكى، لا يتزكى في طريق الحق، لا يتخلص من الشوائب الخبيثة، فهو يحتفظ في قلبه بشيءٍ من الخبث: إمَّا كبر، إمَّا حقد، إمَّا العجب والغرور، إمَّا شيءٌ من الخلل التربوي الذي لا يستقيم معه الإيمان، لا يكتمل معه الإيمان، يبقى متعارضاً مع الحالة الإيمانية، ويعظم لدى الإنسان، فيصطدم في مرحلة من المراحل باختبارٍ معين؛ فيتجلى لدى الإنسان ذلك الخبث، فيظهر ويتبين في موقفه المغاير، في زيغه وانحرافه.

وهذه أيضاً من سنن الله “سبحانه وتعالى”، وقد يتفاجأ الناس من البعض، كيف تغيَّر تماماً، كيف تبنى موقفاً معادياً، كيف أصبح موقفه منسجمٌ مع الأعداء، متماهٍ مع الأعداء، مغايراً لما كان عليه في الماضي، فانحرافه واضحٌ عمَّا كان عليه سابقاً.

الله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}[محمد: 29-30]، فالله “سبحانه وتعالى” من سنته أن من يحتفظ في قلبه بالمرض، المرض على مستوى الارتياب والشك في شيءٍ من الحق، لا يؤمن به، يحتفظ بارتيابه ذلك، أو معه أيضاً اختلالات تربوية، لا تنسجم مع الإيمان، شيءٌ من الخبث، أن يظهر ذلك، أن يتجلى؛ لأن الله لا يقبل من عباده إلا الصدق، يريد من عباده أن يكونوا صادقين في إيمانهم، صادقين حتى في تبنيهم للموقف الحق، لا يقبل إلَّا الصدق، وإلَّا الصادقين، فمن يتمسك معه بشيءٍ من الارتياب، لا يتركه، لا يستبصر، لا يتم يقينه، لا تكتمل بصيرته، أو أنه يحمل شيئاً من الخبث ولا يتزكى، تأتيه الفرص التربوية والإيمانية والعملية، التي تساعده على أن يتزكى، فلا يتزكى، فهو يصل إلى مرحلة معينة، يصطدم فيها بالاختبار الإلهي، ويفضحه الله، ويكشفه الله، ضمنن سنته في أن يميز الخبيث من الطيب في الواقع الإيماني نفسه.

مثل هذه الحالة يجب أن يكون الجميع على وعيٍ تجاهها، أولاً: من أجل أن يحذر الإنسان هو نفسه، ألَّا يحتفظ بشيءٍ من الريب، وأن يضل متمسكاً به، وألَّا يحتفظ بشيءٍ من الخبث، ليسعى الإنسان إلى أن تكتمل بصيرته، إلى أن يتم يقينه، إلى أن يكون على وعيٍ كبير، على وعيٍ تام، وأن يتزكى، يسعى دائماً في أن يتزكى، يسعى دائماً في صلاح النفس، يستفيد من كل الفرص التربوية.

ثم لا يتفاجأ الإنسان، أو يتأثر سلباً عندما يشاهد شيئاً من هذه الحالات، التي حصلت في كل زمن، وتحصل في كل عصر، فإذا وجد شيئاً من هذه الحالات، وجد من يزيغ، من ينحرف، من يتبنى الاتجاه المغاير، من يصبح منسجماً مع الأعداء، يتبنى اتجاههم، معادٍ لأمته، معادٍ لمن يتجهون الاتجاه الحق، ويتبنون الموقف الحق، أن ينظر إليه نظرة القرآن، يمكن أن ينصحه، يمكن أن يذكره، إذا لم يقبل، إذا أصبح مخذولاً، قد خذله الله “سبحانه وتعالى”، وسلبه التوفيق، فلا يبالي به، لا يعطيه أي قيمة، لا يتأثر به، لا يهزه هو في موقفه، يعرف أن هذه سنة الله في الأولين والآخرين، وأنها على مرِّ الزمن، وفي كل عصر، ومع كل أمة، وفي كل قومٍ مؤمنين، يأتي هذا الاختبار، يميز الله الخبيث عن الطيب منهم؛ حتى يتجلى كُلٌّ من الصادق والكاذب، إلى غير ذلك.

ثم ليكن مثل هذا النوع من الناس منبوذاً، لا قيمة له لدى الناس، لا قيمة لموقفه لدى الناس، وعادةً ما يكونون أيضاً حتى عند الأعداء لا قيمة لهم، إذا أصبح لديهم لهم ولو قليلٌ من الأهمية، فهي بحساب ما كانوا عليه، العدو ينظر إليهم فقط من هذا المنظور: بحساب ما كانوا عليه، وإلَّا فلا شأن لهم ولا قيمة لهم عند أحد.

يجب أن يكونوا منبوذين، ثم ألَّا تتحول هذه الحالة إلى ظاهرة تتوسع دائرتها كظاهرة تخلخل الصف من الداخل، يجب أن يكون الداخل دائماً محصناً بالوعي، بالإيمان، بالبصيرة، باليقين، ألَّا يكون ساحةً مريضة، تنشط فيها الفئات الذين في قلوبهم مرض، فتلقى القابلية، تلقى التأثير، تلقى التجاوب، يجب أن تكون مثل هذه الحالة منبوذة؛ لأنها خرجت عن الموقف الصحيح، عن الاتجاه الصحيح، فلا يكون لها أي قابلية، ولا أي تأثير.

الله “سبحانه وتعالى” يقول في القرآن الكريم: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: الآية115]، من يتبع غير سبيل المؤمنين، بعد أن قد تبين له الهدى، وكان في الاتجاه الإيماني، وكان يتبنى الموقف الحق، ثم انحرف عن ذلك، وزاغ عن ذلك، وأصبح له موقفٌ مغاير، فهو إنسانٌ مخذول، خذله الله “سبحانه وتعالى”، ويسلبه التوفيق، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}، يتركه الله في اتجاهه الخاطئ، في اتجاهه الذي انحرف إليه وزاغ إليه، ويخذله، ويسلبه أسباب التوفيق، وهو الخاسر، عاقبته جهنم، {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

كيف هي سبيل المؤمنين؟ سبيل المؤمنين يتبنون المواقف الحق، يثبتون عليها، مواقفهم من أعداء الله مواقف ثابتة، مبدئية، أساسية، مواقفهم الإيمانية مواقف ثابتة، لا يزيغون عنها، لا يتزحزحون عنها.

فمثل هذا النوع من الناس يجب أن نحمل الوعي تجاهه، وألَّا يلقى أي قيمة، وألَّا نكترث به، يبقى منبوذاً، لا قيمة له، لا أثر له، وننظر إليه النظرة القرآنية.

من الحالات التي قد تكون حالةً سلبية، تتطور أحياناً لتصل إلى مستوى الفرقة: حالات التذمر، والاستياء، والمشاكل العملية:

يعني: هناك حالات ليست بعد حالات زيغ، وخروج عن الموقف الحق، لكنها مشاكل عملية في الإطار الداخلي في الموقف، أو في العمل، أو في إطار المسؤولية، أو في الإطار العام، مشاكل تحصل، واقع الحياة هكذا: يحصل فيه أحياناً إشكالات معينة، أو اختلافات في الرؤى، أو سوء تفاهم في بعض الأمور، لا يجوز أن تتحول مثل هذه الحالة إلى حالة فرقة، إلى حالة ينشر فيها البعض ويعمم حالة التذمر، والاستياء، والعقد، بما يؤثر سلباً على الاتجاه العام، على الاهتمام بالقضايا الأساسية، بالقضايا المهمة، بالقضايا العظيمة، التي مسؤولية الناس فيها مسؤولية مقدسة، مسؤولية إيمانية، مسؤولية جهادية، فيجعل البعض من إشكالية جزئية معينة ما يصد عن الاهتمام بكل ذلك، أو يؤثر سلباً على كل ذلك.

هذه الحالات يجب التوجه لمعالجتها بأسلوبٍ عمليٍ، مجدٍ، سليمٍ، صحيحٍ، أخوي، هذا ما يجب، هذا ما يجب في مثل هذه الحالات، بدلاً من أن تصبح الحالة حالة يتحدث الناس عنها بطريقة سلبية، يعملون على أن تزداد كمشكلة، على أن تتفاقم كمشكلة، على أن تكبر كمشكلة، ثم تأتي عنها الاجتماعات واللقاءات التي هي في هذا الاتجاه، الاتجاه السلبي، الذي يفاقم من المشاكل، الذي يُكَبِّر السلبيات، الذي يزيد من الفجوة ومن حجم المشكلة.

الله “سبحانه وتعالى” حذَّر في القرآن الكريم من أن يتحول الأسلوب تجاه ذلك، أو تجاه حتى الأمور الشخصية والعقد الشخصية، إلى أسلوبٍ تخريبي، يُخَرِّب حالة الأخوّة، يصرف الناس عن الاهتمام بالقضايا المهمة والأساسية والمقدسة، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[المجادلة: الآية9]، أحياناً تصبح هناك ظواهر منعزلة، يجتمع هؤلاء ويجتمع هؤلاء، ليتدبروا قضيةً معينة، أو يتحدثوا عن قضية معينة، لكن بطريقة سلبية، تصبح مثل تلك الاجتماعات الخاصة اجتماعات يتم فيها الحديث بطريقة سلبية، فيها الإثم، أو فيها العدوان.

البر هو في صلاح ذات البين، التقوى هي في صلاح ذات البين، البر والتقوى في كل ما يساهم على الحفاظ على وحدة أصحاب الموقف الحق، على أخوتهم، على تعاونهم، على تظافر جهودهم، على تطوير وتحسين أعمالهم، على حلِّ مشاكلهم بطريقةٍ مجديةٍ، أخويةٍ، نافعةٍ، مفيدة، فالبر والتقوى يجب أن يكون هو القاعدة الأساسية، العنوان الأساس، الأرضية التي ننطلق منها لمعالجة كل مشاكلنا، وكل همومنا، وكل خلافاتنا، فنصل إلى ما يرضي الله “سبحانه وتعالى”، وإلى ما فيه الخير والصالح العام.

نكتفي بهذا المقدار…

ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، إنه سميع الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛

الثلاثاء، 26 أبريل 2022

المحاضرة الرمضانية الرابعة والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدين للحوثي 1443هـ

المحاضرة الرمضانية الرابعة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1443 هـ -2022م
نشر في أبريل 26, 2022 
موقع انصار الله
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

تحدثنا عن الأخوّة الإيمانية، ومبدأ الوحدة والاعتصام بحبل الله جميعاً، كمبدأٍ عظيمٍ من أهم المبادئ الإسلامية، وباعتبار الأخوة الإيمانية من الفرائض الإيمانية الدينية الإلزامية، وتحدثنا عمَّا يرتبط بذلك، وعن أسسه، التي هي متمثلة: بالاعتصام بحبل الله جميعاً، باجتماع الكلمة على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى”، والتحرك وفق ذلك في مسيرة الحياة، بقيادةٍ واحدةٍ على هذا الأساس، وأيضاً من خلال القيم التي تساعد على التزام الأخوّة الإيمانية، وتنمِّي حالة الإخاء بين المؤمنين، مما يعود فيها إلى حسن التعامل، إلى كظم الغيظ، إلى المواصفات المهمة جداً، في مثل قوله تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]… إلى غير ذلك.

ومجمل ما يفيد في ذلك، هو: أنَّ الثمرة المهمة التي هي قائمةٌ على تعاملهم فيما بينهم بالصدق، والوفاء، والأخوة، وتلك القيم القرآنية، تثمر فيما بينهم الثقة، الثقة ببعضهم البعض، الاعتماد على بعضهم البعض، الاطمئنان إلى بعضهم البعض، وهذا له أثره الكبير جداً في الواقع العملي، في أن ينطلقوا معاً في مختلف المهام والمسؤوليات والأعمال، وفي مواجهة التحديات والأخطار مهما كانت، وبفاعليةٍ عالية، كلما كانت الثقة قوية، والاطمئنان كبير؛ كلما كانت الفاعلية في ميدان العمل، في النهوض بالمسؤوليات، في مواجهة التحديات والأخطار عالية جداً، وهذه مسألة معروفة في الواقع البشري.

فالموضوع في أساسه كما هو موضوعٌ يرتبط بالجانب الإيماني للإنسان، بتحقيق التقوى، بقبول العمل عند الله “سبحانه وتعالى”، له أيضاً جاذبيته الكبيرة من حيث نتائجه في واقع الحياة، ما يترتب عليه في واقع الحياة، ما يتحقق به في واقع الحياة.

ولهذا يحرص الآخرون من غير المسلمين على أن يتكتلوا في تكتلات كبرى، وأن يتحالفوا، وأن يتعاونوا، وأن تتظافر جهودهم في مواقف معينة، تجاه تحديات معينة، في مواجهة خصمٍ، أو عدوٍ معين، حتى ضد الإسلام والمسلمين، هم يحرصون على أن تتظافر جهودهم، وأن ينسِّقوا تحالفات كبرى، كما هو حاصلٌ في هذا العصر بقيادة أمريكا، ويتحركون كذلك على مستوى واسع في أمورهم الأخرى، المتمثلة بالجوانب الحضارية، والاقتصادية… وغيرها.

الأكثر غبناً في كل هذا، وتفريطاً في هذا الجانب، هم المسلمون، وعندما يتحرك البعض من المسلمين على أساس التوجه الصحيح، وعلى أساس المبادئ الإيمانية العظيمة، ويسعون إلى أن تجتمع كلمتهم على أساس هدى الله، وفي الموقف الحق، وفي الاتجاه الصحيح، فعليهم أن يكونوا مرسِّخين في واقعهم لهذا الجانب، وأن يكونوا على الدوام حذرين من حالة الفرقة والاختلاف.

تحدثنا في كلامنا بالأمس وما قبله عن الوعيد الإلهي على التفرق والاختلاف، عندما قال الله “سبحانه وتعالى”: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: الآية105]، فمن الخطورة الكبيرة على الإنسان أن يدخل ضمن هذا الوعيد، الوعيد الشديد: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، هذا- بحد ذاته- كافٍ بالنسبة للإنسان المؤمن أن يسعى بكل جد إلى الحذر من الفرقة، من الاختلاف في داخل صف المؤمنين، وأن يسعى دائماً إلى أن يبقى في حالة الاعتصام بحبل الله جميعاً، وأن يرعى الأخوّة الإيمانية بكل ما تبنى عليه، بكل لوازمها، بكل العوامل المساعدة عليها، وأن يحذر- في نفس الوقت- من أسباب الفرقة.

هناك عوامل وأسباب تؤدي إلى الفرقة، ويجب الحذر منها، وسنتحدث عن البعض منها باختصارٍ إن شاء الله:

في مقدِّمة العوائق التي تؤثِّر سلباً على الأخوّة الإيمانية، وعلى الاعتصام بحبل الله جميعاً، وتسبب للفرقة، والاختلاف، والتباين، وتؤثِّر على مستوى الانسجام والتفاهم: العوامل النفسية:

وفي مقدِّمتها: الكبر:

الكبر هو من أسوأ الصفات، ومن أكبر الذنوب والمعاصي، وخطورته على الإنسان في كل دينه، وفي كل واقعه، خطورته كبيرةٌ على الإنسان، يستحيل معه الاستقامة على أساس هدى الله، ويبعد الإنسان عن القابلية لهدى الله “سبحانه وتعالى” في كثيرٍ من الأمور المهمة، وله تأثيره الخطير في مسألة الأخوّة الإيمانية، والاعتصام بحبل الله جميعاً؛ لأن الإنسان المتكبر، الذي يصبح متكبراً، يربط الأمور في الواقع العملي بهذا الجانب، هو يرى نفسه أكبر من الحق، وترتبط الأمور في جوانبها الثلاثة:

أولها الموقع:

ترتبط الأمور العملية بالموقع، وأكثر الناس عرضةً لهذا الجانب هم أصحاب المواقع الاعتبارية على المستوى الاجتماعي، أو على المستوى العلمي، أو على المستوى الثقافي، أو على مستوى السلطة، من لهم مناصب، أو وجاهة، أو يرون أنفسهم أصحاب كفاءة معينة، أو مهارة معينة، أو مقام معين، أو ألقاب معينة، هم من أكثر الناس عرضةً لخطورة الكبر، ومشكلة الكبر.

فتجاه أي عمل من الأعمال، أو تحرك في أي مهمةٍ من المهام، أو مسؤوليةٍ من المسؤوليات، المعيار عند الإنسان المتكبر، هو: كبره، هل هذا العمل، هل هذه المسؤولية، هل هذا الدور، هو بمستوى الموقع الذي أفترضه لنفسي، هو يلبِّي الطموح الشخصي؟ ويرى نفسه مثلاً متطابقاً مع مستواه، مع موقعه، مع أهميته، مع شخصيته، وإلَّا فقد لا يقبل به أصلاً، مهما كان عظيماً، مهما كان مهماً، مهما كانت فيه مرضاة الله “سبحانه وتعالى”، مهما كان له من أثرٍ في الواقع، فهنا تكون استجابته ليست مرتبطةً بالغاية الإيمانية العظيمة، التي هي رضوان الله، والقيمة العملية الفعلية بهذا المعيار: معيار مرضاة الله “سبحانه وتعالى”.

المعيار عنده معيارٌ آخر، المعيار هو: كبره، هل هذا العمل يتوافق مع كبره، مع الموقع الذي له في نفسه، وإلَّا فلن يلتفت إليه مهما كان عظيماً، ومهما كان مهماً.

على مستوى التقبل:

سواءً في ميدان التوجيهات العملية، أو في مقام النصح والتذكير، أو في مقام الأخذ والرد والنقاش للمواضيع العملية، المتكبر من أكثر الناس أنفةً، وأبعدهم عن التقبل، يصر ويعاند على رأيه، حتى لو كان خاطئاً، حتى لو لم يكن سليماً ولا صائباً، لكن ارتبطت المسألة عنده بالاعتبار الشخصي، فتصبح المسألة فوراً مسألة شخصية، يتشبث بوجهة نظره الخاطئة، أو بتوجهه الخاطئ، أو بموقفه الخاطئ، لا يريد أن يتراجع عنه أبداً، ولا يقبل نصحاً، ولا يقبل نقاشاً، ولا يقبل أن يُذَكَّر أبداً، وبالذات إذا كان التذكير يأتي له ممن يراه أدنى مرتبةً منه، أو أقل شأناً في نفسه منه، فيصبح الكبر أيضاً عائقاً كبيراً أمام تقبل التوجيهات، التي يصبح المعيار عند الإنسان تجاهها هي كبره، هل هي تتناسب، أم لا تتناسب، من معيار الكبر فقط، على مستوى النصح، على مستوى التذكير… وهكذا، وهذه جوانب خطيرة جداً، ومؤثرة إلى حدٍ كبير.

ثم مما يؤثِّر في مسألة الكبر، هو: سلبية الإنسان في تعامله:

المتكبر عادةً ما يكون سلوكه وأسلوبه في التعامل أسلوباً مطبوعاً بالتكبر، لا يتواضع في تعامله، يبرز كبره وتعاليه وغطرسته في أسلوبه في التعامل مع الآخرين:

سواءً وهو في موقع مسؤولية، فهذا أكثر، سيجعله أكثر سلبيةً في طريقته في التعامل مع الآخرين من موقع مسؤوليته المعينة.

أو حتى باعتداده بنفسه، ومقامه، واعتباره الشخصي، فهو يتعامل مع الآخرين بتكبر، بتعالٍ، بغطرسة، يبرز في أسلوبه حالة التكبر والتعالي.

وهذا منفرٌ جداً في واقع الأمة، يستحيل مع هذه الحالة أن يكون هناك انسجام تام، تعاون، وقرب، قرب في المشاعر، وقرب أخوي، وتحقيق لحالة الأخوّة الإيمانية كما ينبغي.

فالكبر في هذه الاتجاهات الثلاثة، والإنسان يربط الأمور بموقع معين، لا يتحرك إلَّا إذا كان سيحصل على ذلك الموقع، ومن ذلك الموقع موقفه مما يأتي من الآخرين، سواءً على مستوى توجيهات عملية، أو نصح، أو مناقشة للأمور بشكلٍ عملي، حتى لو كان بطريقة أخوية، لا يتقبل أصلاً، وفيما يتعلق بالتعامل، فالكبر خطيرٌ من كل هذه الجوانب، وكلها تؤثر سلباً على الأخوّة الإيمانية، تأثيرها سيءٌ جداً، وكلها تؤدي إلى الفرقة، فهو يؤدي إلى الفرقة من كل جوانبه الثلاثة.

ولذلك أتى في القرآن الكريم قوله “سبحانه وتعالى”: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[السجدة: الآية15]، {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}، هم خاضعون لله، همهم ما يرضي الله “سبحانه وتعالى”.

والإنسان المؤمن هو يعي جيداً أنَّ قيمته ليست بالتكبر، وأنَّ منزلته المهمة التي يسعى للحصول عليها هي عند الله “سبحانه وتعالى”، ويسعى لمرضاة الله، لأن يرضى الله عنه، وهو يعلم أنَّ العزة لله جميعاً، وأنَّ الله يعز عباده المؤمنين، لا يحتاج لكي يكون عزيزاً، ولكي يحظى بالعزة من الله “سبحانه وتعالى” إلى التكبر.

بل في الواقع، واقع الناس، المتكبر مذموم، وغير محترم، لا يحظى بالاحترام، حتى لو داراه الناس، ليس على أساس احترام وتقدير من أعماق قلوبهم، بل إنَّ الإنسان الذي له دوره، أو له مقامه، أو له شيءٌ معين، كفاءة معينة علمية، أو ثقافية… أو أي اعتبار، إذا كان متواضعاً، مع ما منحه الله ووهبه الله إياه، من دورٍ معين، أو جاهٍ معين، أو جهدٍ معين، أو إسهامٍ معين بارز، فالله أولاً: سيمنحه العزة، ثانياً: الناس يحترمونه، يقدِّرونه، عندما يلمسون تواضعه وقربه، يحترمونه أكثر.

من أهم العوامل المؤثرة سلباً، والمؤدية إلى التفرق حتماً، هي: النظرة الشخصية، والمقاصد الشخصية، والتمحور حول الذات:

إذا فقد الإنسان إخلاصه لله تعالى، لم يعد يعمل من أجل الله، من أجل مرضاة الله، وهذا كل همه، هذا الأساس في انطلاقته، وهذا هو الدافع الرئيسي له ليعمل، بل أصبح يريد من وراء ما يعمل، حتى لو كان جهاداً في سبيل الله، حتى لو كان أداءً لمسؤوليةٍ معينة، حتى لو كان عملاً خيرياً وعملاً اجتماعياً لمصلحة الناس، فيه الخير للناس، أصبح ينطلق من منطلق شخصي، يريد الاعتبار الشخصي:

إمَّا يريد لنفسه الموقع المعنوي، يريد منصباً معيناً، مقاماً معيناً، ويسعى للسمعة الكبيرة بين أوساط المجتمع.

ويسعى أيضاً مع ذلك، أو بدونه، إلى مكاسب مادية.

إذا أصبحت المكاسب الشخصية على المستوى المعنوي، أو على المستوى المادي، أو على المستوى المعنوي والمادي، هي الدافع الرئيسي للعمل، هي المؤثر الكبير في انطلاقة الإنسان، فالإنسان هنا يتغير، وهذا يؤثر على سلوكه، على تعامله، على تفاعله، على مدى استجابته، على مدى إنجازه؛ لأنه يربط الأمور العملية بهذا الجانب، [هل وراء هذا العمل سمعة شخصية، مكسب شخصي، وإلا فليس عملاً مهماً، أنا لا أريده، لا أريد الاستمرار فيه]، عندما ينطلق في عملٍ معين، هل تحققت هذه المكاسب الشخصية، وإلا تثور ثائرته، يشاقق، يعاند، يعارض، يحتج، يثير الضجة، يؤثر سلباً على الواقع العملي؛ لأن هذا هو الأساس الذي يؤثر فيه، وفي أدائه، وفي مستوى تفاعله، وحتى في مستوى التزامه.

وبالتالي تتكون عنده في نفسه هذه الحالة السلبية، التي ينظر من خلالها حتى إلى الآخرين، هل هم يقدِّرون جهده؟ هل هم يعتبرون له دوره، مقامه الشخصي، اعتباره الشخصي؟ هل يهتمون بذلك إلى حدٍ كبير؟ وإلا فقد أحياناً يتهمهم أنهم لا يقدِّرون له ذلك كما ينبغي؛ وبالتالي يمقتهم، يكرههم، يؤثر هذا على علاقته بهم، لم يعد ما يجمعه بهم هو ذلك العمل الصالح، العمل العظيم، أصبحت المقاصد الشخصية، وإذا تصور أنهم لا يعطونه في ذلك ما ينبغي، فلديه موقف منهم، ويستاء منهم كثيراً، وهذه من الحالة الخطيرة جداً، الإخلاص عاملٌ مهم في الحفاظ على الوحدة والأخوّة الإيمانية.

من أهم ما يؤثِّر سلباً على الأخوة الإيمانية، ويؤدِّي إلى التفرق، هو: حالة العجب والغرور لدى الإنسان:

وهي حالةٌ خطيرةٌ جداً، وقد تعرض للإنسان في مرحلة من مراحل العمل في سبيل الله، والعمل الصالح، قد ينطلق الإنسان في بداية الأمر بإخلاصٍ لله “سبحانه وتعالى”، وتوجهٌ نحو الله “سبحانه وتعالى”، وفيما بعد نتيجةً لإنجازات عملية معينة وفَّقه الله لها، أو نتيجةً لأنه وصل إلى موقع عملي معين، أو منصب معين، أو مسؤولية معينة؛ أصبح معجباً بنفسه، ومغروراً بنفسه، وبالذات عندما يترافق مع ذلك أن يحظى بالمديح والثناء من الآخرين كثيراً، فإذا أحيط أيضاً بالبعض من الأصدقاء والأصحاب المتملِّقين، أو استخدم كأسلوبٍ معه لتوطيد العلاقة معه، وللوصول إلى مكاسب من جانبه، كما هو الأسلوب الحاصل بالذات عندما يكون الناس في مواقع مسؤولية، يتقرب البعض إليهم بأسلوب التملق، والإكثار من المديح، والثناء الكثير، والإشادة المتكررة… وهكذا، على نحوٍ يصنع لدى البعض عجباً بنفسه، وغروراً تجاه نفسه، فينظر إلى نفسه أنه أصبح إنساناً عظيماً ومهماً، وأنَّ منزلته عالية، ثم يتهم الآخرين بأنهم لا يقدِّرونه كما ينبغي، لا يهتمون به كما ينبغي، لا يحترمونه كما ينبغي، لا يعطونه ما يستحق بحسب مقامه، ودوره، وأهميته… وما إلى ذلك، ويغرق في هذا التفكير، وهذا التوجه؛ حتى ينسى الله، ينسى العمل الصالح، ينسى كل شيء، ينسى أن يكون مبتغاه من الله، وأن تكون وجهته إلى الله.

ثم مهما عمل، مهما قدَّم، يعظم هو عند نفسه، لا يشعر بتوفيق الله “سبحانه وتعالى”، ولا يتجه إلى الله “سبحانه وتعالى”؛ وبالتالي تكثر نقمته، يصبح ناقماً، ناقماً على الناس، ناقماً على الواقع من حوله، من هذا الاعتبار: [أنه إنسانٌ عظيمٌ مهمٌ جداً، وأنه إنسانٌ خارقٌ للغاية، وأنه وأنه وأنه…]، فهو دائم التسبيح بحمد نفسه، يفكِّر في نفسه، يسبِّح بحمد نفسه، وهو يتذكر أنه عظيم، وأنه مهم، وأنه الذي يفعل، وأنه الذي يعمل، وأنه المهم جداً، وأنه العبقري، وأنه لو الذي حصل على ما يستحق من الاهتمام والعناية به، لفعل، ولكان، ولـ… ثم يبدأ في حالة التذمر من الآخرين، والاستياء من الآخرين، والتعقد على الآخرين.

حالة العجب والغرور بالنفس هي حالةٌ خطيرةٌ على الإنسان، وهي تتنافى مع الإيمان، الله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء: من الآية36]، المغرور بنفسه، المعجب بنفسه هو المختال، الفخور، كثير الافتخار، فهو يتحدث عن نفسه أنه وأنه وأنه وأنه… كثيراً كثيراً، ينسى الله، بل قد لا ينظر حتى إلى جهود الآخرين، ولا يعتبرها ذات قيمة ولا أهمية، لا يرى إلَّا نفسه، ولا يرى إلَّا جهده، ولا يرى إلَّا إنجازه، ولا يرى إلَّا عمله، ويعظم عنده ما يفعله كثيراً، حتى الشيء البسيط الذي قد يعمله، أو الإنجاز البسيط الذي قد يحققه؛ لأنه منه، يراه شيئاً عظيماً، شيئاً مهماً، وينتظر دائماً في مقابل ذلك من الآخرين أن يثنوا عليه، أن يسبحوا بحمده، أن يعظِّموه، وينتظر في مقابل ذلك المزيد من الألقاب، والاستحقاقات، والمقاصد الشخصية، والحسابات الشخصية، والمكاسب الشخصية، وهذه حالةٌ خطيرةٌ جداً على الإنسان.

وأيضاً هذه من الحالات التي تصنع فجوةً ما بين الإنسان وبين الآخرين، يصعب مع الإنسان إذا أصبح على هذا النحو التفاهم معه، التعاون معه، العمل سوياً معه، المناقشة للأمور العملية معه، يتعقَّد جداً من النصح له، يستاء جداً من التذكير له، يصبح في الواقع العملي من الصعب التنسيق في عملٍ معه، يكاد يكون مستحيلاً؛ لأنه دائماً غارقٌ في هذه العقد الشخصية، والحالات الشخصية، فهي من الحالات الخطيرة جداً جداً، وتعرض للبعض من الناس بعد مرحلة عملية معينة، يتغير تماماً، يتغير تماماً، ثم يتلو بعد ذلك التعقد الشديد، والكره الشديد، وحتى الوحشة، ((العجب وحشة)) كما روي عن الإمام عليٍّ “عليه السلام”، المغرور بنفسه، المعجب بنفسه يشعر- في نهاية المطاف- بالوحشة، ولا يشعر بالانسجام مع الآخرين، وينفر من الآخرين، ينفر منهم إلى حدٍ كبير.

من أهم عوامل الفرقة: الطمع والأنانية، الطمع المادي:

عندما تصبح أطماع الإنسان هائجةً، تحكم توجهاته، وتؤثِّر عليه في أعماله، وتمثل هي الدوافع لتحركه؛ فهو بالتالي يتجه على حساب الأعمال الأساسية والمسؤوليات المهمة، يصبح المهم عنده أن يجمع، إذا لم يحصل على ما يبتغيه من الأطماع المادية، تقوم القيامة، يكره الآخرين، يسخط عليهم، يمقتهم، ولا ينسجم معهم، ولا يتفاهم معهم، رضاه عنهم مرتبطٌ بمقدار ما يتحقق له معهم من المكاسب المادية، {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}[التوبة: من الآية58]، فرضاه وسخطه يرتبط بالجانب المادي، هذه حالة خطيرة جداً.

من الأسباب المؤدِّية للفرقة، والعوامل الخطيرة المؤدِّية إليها: الغضب والانفعال المنفلت:

كل إنسان يغضب، وكل إنسان ينفعل، لكن الله قال عن عباده المؤمنين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}[آل عمران: من الآية134]، وقال عنهم: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: من الآية37]، وقال عنهم: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية134]، من القيمة الإيمانية، ومن المميزات التي تعود إلى التقوى: أنَّ الإنسان في حالة الغضب يضبط نفسه، يسعى- بالاستعانة بالله “سبحانه وتعالى”- إلى كظم غيظه؛ وبالتالي يسعى إلى السيطرة على ردة فعله، أن تكون ردة فعله متوازنة، وفق ما يرضي الله “سبحانه وتعالى”، ألَّا يتجاوز فيها الحق، بل أكثر من ذلك: أحياناً إلى أن يكظم غيظه بالكامل، وألَّا يظهر غضبه أصلاً، ألَّا يترجم حالة الغضب في ردة فعلٍ سلبية، بل يصبر، ويكظم غيظه، ويصرف ذهنيته، وهذه مسألة مهمة جداً، وتحتاج إلى تقوى، إلى إيمان.

الله قال عن هذه الحالة، التي وصف البعض من خيار عباده بها، الذين يدرؤون السيئة بالحسنة: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت: الآية35]، يعني: مرتبة إيمانية عالية جداً، من يصل ليس فقط إلى أن يكظم غيظه، بل أن يدرأ السيئة بالحسنة، مقامه عظيمٌ عند الله، وشأنه كبيرٌ عند الله “سبحانه وتعالى”، ومرتبته عالية، {ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، وأجره كبيرٌ جداً، وهي تعبِّر عن زكاء نفسٍ إلى حدٍ كبير، وعن توجهٍ عظيمٍ إلى الله “سبحانه وتعالى”، وعن اهتمام عظيم بأمر الدين، وأمر الأمة، يجعل الإنسان يصبر من أجل ذلك على كل شيء، مهما كان صعباً على نفسه، مهما كان شاقاً على نفسه.

الحساسية المفرطة لدى الإنسان التي تجعله غير متوازن في انفعالاته، قد يكون أحياناً وراءها العجب، ووراءها الغرور، أو الكبر… أو نحو ذلك، عندما يكون الإنسان حسَّاساً جداً، بمجرد كلمة بسيطة، وقد تكون غير حسَّاسة جداً الكلمة في أصلها، مستفزة بعض الشيء، وجِّهت إليه؛ فيغضب أشد الغضب، يعني: لو هدمت الكعبة، لَمَا غضب كذلك، لو دُمِّر الأقصى، لَمَا انفعل كذلك، لو سُحِقَت الأمة الإسلامية، لَمَا انفعل بذلك المقدار، لو حصل ما حصل في الشأن العام، لَمَا انفعل بذلك المقدار.

الحساسية المفرطة جداً لدى الإنسان إلى درجة أن ينفعل تجاه أبسط موضوع، أو قضية، أو استفزاز، إلى أنهى حد، إلى حالة رهيبة جداً، والبعض يتورَّط: إمَّا بالقتل، أو يتورَّط في الجرح، أو يتورَّط في أن يتكلم بكلام سيئ جداً، فيه السب، فيه الإساءات، فيه الافتراءات، فيه الاتهامات الباطلة، فيه التجريح المبالغ فيه، فيحمِّل نفسه الوزر والآثام، وهذا يؤدِّي إلى الفرقة، يؤدِّي إلى الفرقة.

حالة الغضب أحياناً تجعل البعض من الناس إما يسيء إساءات بالغة، أو يحصل من جانبه ردود أفعال ظالمة، مدمِّرة، تخرِّب تخريباً كبيراً، تمزِّق الصف، والوحدة، والأخوة، والتفاهم، ولها آثار سيئة جداً، حالة خطيرة جداً، أو يتخذ قراراً سلبياً في ردة فعله، بأن يترك طريق الحق أصلاً، أن يتنصَّل عن العمل العظيم، عن العمل الذي فيه رضا لله “سبحانه وتعالى”؛ لأنه غضب وانفعل.

فحالة الغضب والانفعال حالة خطيرة جداً، والإنسان عليه أن يعوِّد نفسه على أن يتوازن في ردود أفعاله، أن يضبط نفسه، وأن يستعين بالله في ذلك، وإذا كان بطبعه إنساناً انفعالياً، فليطلب من الله أن يشرح صدره، وليسعَ أن يرسِّخ أهمية هذه المسألة في نفسه، وأن يستعين بالله في ذلك؛ حتى يضبط ردة فعله.

من العوامل السلبية المؤدِّية إلى التفرق: سوء الظن:

والله نهى عن ذلك، الله “جلَّ شأنه” قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}[الحجرات: من الآية12]، والعجيب أنَّ البعض يكون سريعاً إلى سوء الظن، يعني: أول ما يحمل أي موضوع، أو أي قضية تلتبس عليه، أو أي شيء يسمعه فلا يعجبه، يبنيه على أساسٍ من سوء الظن، من أول لحظة، يسيء ظنه سريعاً، جاهز لأبسط موضوع ليفسِّره بأسوأ تفسير، وليحمله على أسوأ الاحتمالات، وهذه حالة سلبية لدى الإنسان.

سوء الظن يمثل خطورة كبيرة على الإنسان، في تعامله مع الآخرين، في علاقاته بالآخرين، لا تستقيم مسألة العلاقات الأخوية الإيمانية مع وجود سوء الظن، يفكك العلاقات، ويؤثِّر عليها سلباً.

أضف إلى ذلك، إذا كان الإنسان في موقع مسؤولية، وهذه المسألة خطيرة جداً؛ لأن البعض من الناس يبني على سوء ظنه تصرفاته، مواقفه، يبني عليها مواقف، فيتخذ موقفاً سلبياً من الآخرين، بناءً على سوء ظنه، بل البعض يجعل من مجرد هواجسه دليلاً قاطعاً، يعني: كما لو كان شيئاً رآه، وتحقق منه، كما لو كان شيئاً يقينياً، يكفي أن يحصل لديه هواجس، فيبني عليها تصرفات، يبني عليها ردود أفعال، يبني عليها مواقف، وهذه حالة خطيرة، إذا كان الإنسان في موقع مسؤولية يظلم، يظلم، يبني على سوء ظنه موقفاً معيناً، أو قراراً معيناً، فيظلم، يظلم الآخرين، أو يُصدِر أحكاماً عليهم، ويطلق عليهم التوصيفات التي يرغب بها، فيظلم.

سوء الظن حالة خطيرة جداً، يجب التخلص منه، يجب الحذر منه، يجب الانتباه منه، في تأثيره السلبي على مستوى العلاقة والأخوة، وفي تأثيره السلبي في موقع المسؤولية والأداء العملي، {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.

مما يؤدِّي إلى الفرقة وهو من عوامل الفرقة: الحسد:

والحسد من أسوأ الصفات، ومن أذمها، الحسد: عندما تغتاظ من شخصٍ آخر؛ لأن الله أنعم عليه بنعمةٍ معينة، تراه مثلاً: له مكانة معينة، أو له مقام معين، أو يحظى باحترام، أو… تكرهه؛ من أجل أنَّ الله منحه شيئاً معنوياً، أو مادياً، فتغتاظ منه على ذلك، وتكرهه لذلك، لِمَا منَّ الله به عليه، تغتاظ أشد الغيظ عندما تسمع الآخرين يشيدون به، أو يثنون عليه، أو يعجبون به، فتتجه إلى ذمه، إلى الانتقاص منه، أو يكون لك ردة فعلٍ تجاهه.

الحسد لا ينسجم مع الإيمان أبداً، الحسد هو ردة فعلٍ، هي في عمقها ردة فعلٍ نحو الله، قبل أن تكون نحو عبده، وهي حالةٌ خطيرةٌ جداً على الإنسان، ولهذا يقول الله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق: الآية5].

مما يؤثِّر على مستوى التصرفات والسلوكيات على الأخوّة الإيمانية، ومما يؤدِّي إلى الفرقة: الهمز، واللمز، والسخرية، والاغتياب:

هذه تعود إلى اللسان، إلى اللسان، إذا كان الإنسان هَمَّازاً لمَّازاً، {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة: الآية1]، البعض يصبح من عاداته من سلوكياته أن يطلق لسانه، أو قلمه وكتاباته، في هذا الزمن أصبحت الكتابة أحد اللسانين، ذات حضور بارز، أن يطلقه في الطعن في أعراض الناس، في تناول هذا، وتناول ذاك، والكلام على فلان، والكلام على فلان الآخر، ينتقص منه، يطعن في عرضه، يسيء إليه، يتكلم عليه بالكلمات الجارحة، ما كان منها في وجهه ومحضره، وهو أذيةٌ له، وظلمٌ له، وما كان منها في غيابه، كل هذا محرَّم، الإنسان عندما يكون على هذا النحو، هو ليس بمؤمن، ليس بمؤمن، من يصبح هذا جزءاً من سلوكه، جزءاً من سلوكه الذي يعتاده، {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}[القلم: الآية11].

همَّاز: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}، يتكلم على الناس، يجرح مشاعرهم، يتناولهم، وقد يكون كل يوم ولديه ضحية، يتكلم على فلان وعلى علان بكل جرأة ووقاحة، وإساءة بالغة، البعض قد يتخير وينتخب الكلمات الأكثر إساءة، والجارحة أكثر، فإذا كان لديه مَلَكَة، وقدرة تعبيرية وبيانية، أو بلاغة، قد يُسَخِّرها على نحوٍ أسوأ، ليجلب المزيد من الأوصاف السيئة، والكلمات الجارحة.

وفي هذا الزمن عَظُمَ هذا الوزر في مواقع التواصل الاجتماعي، ومع وجود هذه الإمكانيات، يأتي البعض ليشنِّع، وليجرح، ولسيء، وليطعن في عرض إنسان في بيئةٍ مفتوحة، في نادي إعلامي، مواقع للتواصل الاجتماعي، أو غيرها، على مرأى ومسمع الكثير من الناس، يحاول أن يعمم إساءته إلى أوسع نطاقٍ ممكن.

الله يقول: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ}[الحجرات: من الآية11]، أنتم كمجتمعٍ مؤمنٍ واحد، عندما تلمز الآخرين، أنت تلمز نفسك، أنت تسيء إلى نفسك، أنتم كالجسد الواحد، أنتم أمةٌ واحدة، حافظوا على أخوتكم، {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ}.

الغيبة كذلك: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات: من الآية12]، حالة خطيرة جداً، ينزِّه الإنسان لسانه، حتى يكون في تعبيره نظيفاً سليماً من الوزر والإثم، عن الاعتياد لهذا الأسلوب.

السخرية: الله قال: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}[الحجرات: من الآية11]، السخرية التي فيها استهزاء، واحتقار، وإساءة بأي اعتبار: باعتبار اجتماعي… أو بأي اعتبار من الاعتبارات التي هي باطلة، لا يبنى ولا يجوز أن يبنى عليها سخرية من أحد، لا على المستوى الشخصي، ولا على المستوى الجماعي، فأن تصبح المسألة إلى هذا المستوى: {قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}، يأتي البعض ليسخر من أهل بلد بأكملهم، أو منطقة معينة بأكملهم، أو قبيلة معينة، أو عرق معين، لا يجوز أبداً السخرية والاستهزاء بأي تصنيف وبأي مستوى أبداً، لها آثارها السيئة في التفكيك بين المجتمع.

الله جعل العلاقة والأخوّة الإيمانية قائمة على أساس: أن يرعى الإنسان الكرامة الإنسانية للآخرين، وأن يرعى الاحترام المتبادل مع الآخرين، قائمة على قاعدة الاحترام المتبادل، الصدق، الوفاء، العطف، الإحسان، إرادة الخير للآخرين.

من العوامل المؤدية إلى الفرقة: سوء الخلق، والفظاظة والغلظة:

البعض من الناس لا يجسِّد الذلة على المؤمنين، والرحمة بين المؤمنين، في أسلوبه في التعامل، في طريقته في التخاطب مع الآخرين، فهو سيء الخلق، فظ، غليظ، عُتُل، جافي، يطبع أسلوبه في التخاطب مع الآخرين، والكلام مع الآخرين، والتعامل مع الآخرين، الجلافة، الفظاظة، الغلظة، الكلمات الجارحة، الجرأة، الوقاحة، قلة الأدب، عدم الاحترام، وهذا يؤدي إلى التفرق، هذا يؤدي إلى التفرق، ويصبح عائقاً حقيقياً عن التعاون، الانسجام، المحبة، الأخوّة في معناها الحقيقي.

وهذه حالة مذمومة، سواءً على مستوى العلاقة، تأثيرها السلبي على العلاقة حتى فيما بين الأفراد، أحياناً تؤدي إلى مشاكل كثيرة، ومشاكل خطيرة، أو في موقع المسؤولية، إذا كان الإنسان في موقع مسؤولية، أو في منصبٍ معين، وهو سيء الخلق، وهو فظٌ غليظ، وللأسف الشديد انتشرت هذه الظاهرة السلبية في أوساط المجتمع المسلم، من أصبح- خاصةً المقامات والأعمال والمسؤوليات- من أصبح لديه عمل مهم، الكثير منهم يصبح فظاً، غليظاً، سيء الخلق، تعبيراته، أسلوبه في التعامل، مستفز، وسيء، وجارح.

انتشرت حتى في المستشفيات، حتى لدى الممرضات، حتى لدى الأطباء، الكثير منهم- من الأطباء- تراه سيء الخلق، هناك منهم نماذج راقية جداً، تجسِّد الرحمة، والإحسان، والعطف، وأسلوبها جزءٌ من المعالجة للمريض، البعض منهم سيء الخلق.

في المناصب والمسؤوليات، وبالذات الحكومية، والمواقع الرسمية، والمقامات الشخصية، وكما سبق عن المتكبرين، والمعجبين بأنفسهم، والمغرورين بأنفسهم، هم أيضاً من أكثر الناس المتصفين بهذه الطريقة في التعامل، في سوء خلقهم، في فظاظتهم، في غلظتهم، وهي ظاهرة سيئة جداً، يجب التخلص منها.

مهما كان منصب الإنسان، أو موقعه، أو مسؤوليته، أو مهارته، أو كفاءته، مهما كان اعتداده بنفسه، فينبغي له أن يتخلق بالخلق العظيم، وأن يكون حسن الخلق، حسن التعامل، وأن يتعامل مع الناس باحترام، كبيرهم وصغيرهم، يتعامل باحترام مع الجميع، مع الجميع، يكون الاحترام هو الأساس الذي يبني عليه أسلوبه في التعامل، في التخاطب مع الآخرين.

في مواقع المسؤولية بكلها، مهما كان موقع المسؤولية، يجب على الإنسان أن يتعامل باحترام، أن يكون متواضعاً، أن يكون مؤدباً في عباراته، في أسلوبه في التخاطب، حتى لو غضب، البعض قد يكون مؤدباً محترماً إذا كان راضياً؛ أما إذا سخط، أو غضب، أو انفعل، أو استاء، ينقلب على موجة أخرى، بسرعة بسرعة، ولو كلمة بسيطة، موجة ثانية، فيظهر قليل الأدب، جريئاً في الإساءة والوقاحة، لا يتحرج من إطلاق أي كلمة، أو أي تعبير مهما كان سيئاً، يسيء تعامله جداً، وهذا ما لا ينبغي.

الله قال لنبيه، وهو خاتم النبيين، وسيد الرسل “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: من الآية159]، يعني: لَمَا صبروا عليه وهو رسول الله، لَمَا قدَّروا له أنه رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، لَمَا تحمَّلوه.

وفعلاً البعض في موقع مسؤولية معينة، قد يكون لديه مهارات في مجال العمل، وإنساناً ناجحاً من حيث خبرته العملية في عمل معين، لكن لا يطيقه الناس، ليتواجدوا معه، ليتكاتفوا معه، لينشطوا معه، ليكونوا ضمنه، ضمن عمله، لماذا؟ لأنه سيء الخلق، لأنه فظ، غليظ، في أسلوبه في التعامل، وإذا انفعل، لا يتحرج من أي إساءة، وسريع الغضب، وسريع الانفعال، وبطيء الرضا، وكثير الجفاء.

الإمام عليٌّ “عليه السلام” قال كلمة جميلة: ((مَنْ لَانَ عُودُه، كَثُفَت أَغصَانُه))، الإنسان المتواضع، المحترم للآخرين، الصبور، الحليم، يحبه الناس، يألفه الناس، يجتمع عليه الناس، حتى عندما يكون في إطار مسؤولية، يرتاح الناس للعمل معه، والبعض يكون حتى العمل معه متعباً.

إذا كان الحال أن الناس ما كانوا ليتحملوا حتى رسول الله لو كان فظاً غليظ القلب، لكن {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}[آل عمران: من الآية159]، فكيف بالإنسان في أي موقع من مواقع المسؤولية؟! فأمَّا البعض يلوم الآخرين، أو يتهمهم، هو منفِّر بطبيعته، منفِّر بأسلوبه، منفِّر بفظاظته، بغلظته، بسوء خلقه، ثم يشك في الآخرين أنهم السبب في ألَّا يرغب الناس في أن يبقوا حوله، في أن يكونوا معه، في أن يكونوا ضمن مهامه، أو عمله، في أن ينسجموا معه، مع أنَّ الحقيقة أن الناس ينسجمون تلقائياً أصلاً، إذا كان الإنسان وبالذات إذا جمع بين مهارة عملية في مجال عملٍ معين، وبين حسن خلقٍ، يرتاح الناس له كثيراً.

من العوامل المؤدية إلى الفرقة، وهي ذات خطورة كبيرة جداً: النميمة:

النميمة ظاهرة سيئة جداً، وهي عندما يسمع الإنسان كلاماً جارحاً، أو كلاماً معيناً يسيء إلى شخص معين، فيذهب لينقله ويشيئ به، وكذلك إذا حاول الإنسان كذلك أن يسعى للفرقة بين هذا وذاك، سواءً بما ينقله من الكلام الجارح، وقد يزيد عليه، وقد يختار أسلوب التقديم له بطريقة مستفزة جداً، وهذا الأسلوب من أخطر الأساليب، ومن أقذر الأساليب، ومن أكبر المعاصي، النميمة هي من الكبائر، ((لا يدخل الجنة قتات)) في الحديث النبوي الشريف، القتات: النمام.

البعض ماهرون في هذا الأسلوب: أسلوب الإثارة لهذا على ذاك، والتفرقة بين هذا وذاك، وكثيراً ما تحصل هذه الأمور في مقام المسؤوليات، ومن جانب المتملقين الانتفاعيين، الوصوليين، المستغلين، يتملقون إلى هذا، أو ذاك، بتحريضه ضد الآخرين، بتحسيسه منهم، بمحاولة أن يشعروا الشخص بأنه محسود من الكل، وأنه وأنه وأنه، يكون أسلوبهم في التملق أسلوباً يثير الفرقة، يسبب الشتات.

إضافةً إلى أن الأعداء يستغلون هذا الجانب؛ لأنهم يعملون دائماً، ومن أهم الأعمال الرئيسية لديهم هي إثارة الفرقة من الداخل، عمل رئيسي من الأعمال التي يسعى لها الأعداء دائماً، يسعى لها الشيطان، ويسعى لها أولياء الشيطان.

فالنميمة هي ظاهرة سيئة جداً، الإنسان إذا كان متعاطفاً مع شخص معين، وسمع شخصاً أساء إليه، بإمكانه أن يرد هو، أن يقول: [يا أخي احترم نفسك، هذا الكلام غيبة، هذا إساءة إلى فلان]، عندما يذهب بذلك الكلام، أو يقول له: [اتق الله، هذا وزر، هذا ذنب…]، لكن عندما يذهب لينقل ذلك الكلام الجارح إلى الشخص الآخر، وقد تكون أحياناً طريقة النقل مبالغاً فيها، أو يضاف إليها، أو نحواً من ذلك.

أو كذلك من أصبح هذا طبعه، يعجبه أن يثير الفرقة، أن يثير الحساسيات، أن يثير العقد، أن يعقد هذا على هذا، وهذا على ذاك، يرتاح للإنسان المشاقق والمسيء، يشجعه على إساءته، يشجعه على شقاقه، ينمِّي العقد، يغذي حالة التذمر، هذه ظاهرة سيئة جداً، هي عملٌ بعيدٌ عن التقوى والإيمان كل البعد، معصية وذنب، ووزر، وتخدم الشيطان، الشيطان هو الذي يتجه على هذا الأساس: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}[الإسراء: من الآية53].

فالإنسان الذي يعمل هكذا، يعجبه إثارة التذمر، والعقد، والحساسيات، والفرقة، والخلافات، والبغضاء، والكراهية، وتعقيد هذا على هذا، وتعقيد هذا على ذاك، يصبح عمله في خدمة الشيطان، ومع الشيطان، ينزغ الشر، ينزغ الفساد، ينشر الفرقة، وهو عملٌ سيء بكل ما تعنيه الكلمة، ومن كبائر الذنوب، فيصبح الإنسان كما قال الله عنه: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}، متحرك ينشر، ينشر، {بِنَمِيمٍ}، نمام، نمام.

نكتفي بهذا المقدار…

ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

ونسأله أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛

الاثنين، 25 أبريل 2022

المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون للسيد عبد الملك بدر الدبن الحوثي 1443هـ

المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1443 هـ 
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

في سياق الحديث عن المبدأ الإسلامي العظيم: الاعتصام بحبل الله جميعاً، ووحدة الكلمة على أساس ذلك، والأخوّة بين المؤمنين؛ باعتبار ذلك من أهم المبادئ الإسلامية، والفرائض الدينية الإلزامية، التي أتى الأمر بها في القرآن الكريم، وتكرر كثيراً، وأتى الحديث عنها واسعاً من جوانب متعددة.

تحدثنا بالأمس عن بعضٍ من النقاط، في بدايتها: أنَّ هذا هو من المبادئ الأساسية، عندما قال الله "سبحانه وتعالى": {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: من الآية103]، عندما قال "جلَّ شأنه": {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: من الآية10]، هذا المبدأ العظيم لأهميته وما يترتب عليه لابدَّ منه في إقامة الدين، في إقامة القسط، لا يتهيَّأ للأمة أن تتحرك ضمن استجابتها لله "سبحانه وتعالى" لإقامة الدين إلَّا بذلك.

كما هو أيضاً فريضةٌ إلزاميةٌ على المستوى الإيماني، لا يتحقق الإيمان، وكمال الإيمان بين المؤمنين، إلَّا به، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، أمرٌ ملازمٌ لإيمانهم، إذا كان الإنسان مفرِّطاً في ذلك، ولا يهمه ذلك، ويتجه اتجاهاً فردياً، وعلى قطيعةٍ مع إخوانه المؤمنين، فهو بعيدٌ عن الالتزام الإيماني، ومخلٌّ بإيمانه، ومذنبٌ بذلك.

لأهمية المبدأ العظيم في الاعتصام الجماعي بحبل الله "سبحانه وتعالى"، لابدَّ منه أيضاً في أن تحظى الأمة بالاستقلال عن التبعية لأعدائها، وأن تتحصن من اختراقهم، ولذلك أتى هذا الأمر الإلهي في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}، ضمن ما هدى الله إليه فيما يحمي الأمة ويحصِّنها من سيطرة أهل الكتاب عليها، من سيطرة اليهود عليها، ومن اختراقهم لها، فأتى هذا المبدأ من المبادئ والأعمال الأساسية التي تحصِّن الأمة، وتحفظ الأمة، وتحمي الأمة من اختراق أعدائها، ومن سيطرة أعدائها عليها، ومن تمكُّنهم من التطويع لها واستغلالها، فهو مبدأ له هذه الأهمية بالنسبة للأمة في دينها، في كرامتها، في عزتها، له هذه الأهمية في تحصينها، وحمايتها، والحفاظ عليها، ليس أمراً عادياً، يمكن أن يهتم الإنسان به، أو لا يهتم، فإذا لم يهتم كانت النتائج عادية، أو بسيطة، أو الأضرار طفيفة، أو التبعات محدودة.

نتائج التفريط بهذا المبدأ العظيم: أن يتمكن أعداء الأمة، أعداء المؤمنين، من السيطرة عليهم، من الإذلال لهم، من فرض ما يريدون عليهم، من التطويع لهم، من الاستغلال لهم، ولذلك المسألة في غاية الأهمية.

كما أنه مرتكزٌ أساسٌ للنهوض بالمسؤوليات الجماعية، المسؤوليات الجماعية التوجه الإلزامي فيها على المستوى الفردي هو مؤكد، بمعنى: أن كل شخصٍ عليه أن يسعى للتوحد مع إخوته المؤمنين، والتعاون معهم في النهوض بتلك المسؤولية الجماعية، لا أن يتجه للتحرك على نحوٍ فردي، بشكلٍ شخصي، وعلى أساسٍ فردي، يقول: [أنا سأتحرك بمفردي، لا شأن لي بالآخرين، وسأعمل في سبيل الله لوحدي، وسأتحرك لوحدي، ولا يهمني الآخرون]، ليست المسألة على مزاج الإنسان، عندما تريد أن تتحرك وفق توجيهات الله، وفق تعليمات الله "سبحانه وتعالى"، من منطلق الاستجابة لله "سبحانه وتعالى"، فالله "سبحانه وتعالى" قد وجَّهك إلى كيف تتحرك، عندما قال في الآية المباركة: {وَاعْتَصِمُوا}، وقال: {جَمِيعًا} وقال: {وَلَا تَفَرَّقُوا}، عندما قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}[التوبة: من الآية71].

احداث اليمن, [٢٤‏/٤‏/٢٠٢٢ ١١:٥٧ م]
[نشره ⁨ابو الحسن⁩]
وأتت هذه المواصفات لتقابل المواصفات النقيضة لها عن المنافقين، قبل ذلك بعدة آيات قال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة: من الآية67]، في مقابل أنَّ المنافقين يجمعهم، وإن اختلفت دوافعهم، من حيث الأطماع، والأهواء، والرغبات، لكن يجمعهم قاسمٌ مشترك: هو العداء للمؤمنين، هو الكره للمؤمنين، هو التوجهات التخريبية في الأمر بالمنكر، في النهي عن المعروف، في تخريب الساحة الإسلامية من الداخل، ففي المقابل لابدَّ أن يكون تحرك المؤمنين، سواءً في التصدي لتحرك المنافقين، أو من وراء المنافقين، من الكافرين وأعداء الإسلام والمسلمين، لابدَّ أن يكون تحركاً كما رسمه الله، كما وجّه الله إليه: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، صفٌ واحد، توجهٌ واحد، موقفٌ واحد، والله قد هيَّأ الأرضية الصلبة الملائمة، التي يقوم عليها هذا التوجه، عندما هيَّأ أن يكون هناك منهجية واحدة، هي كتابه، هي هديه، هي نوره، وقيادةٌ واحدة تتحرك بالأمة على ذلك الأساس، تتحرك بالمؤمنين على ذلك الأساس، وموقفٌ واحد، وهيأ أيضاً من جوانب كثيرة- سنتحدث عن البعض منها في سياق الحديث- ما يساعد على ذلك.

من جانبٍ آخر، إلى جانب أن المسألة مسألة إيمانية، إذا لم يلتزم الإنسان بها، فليس بمؤمنٍ صادق الإيمان، وكامل الإيمان، وهو مخلٌّ بما هو من الفرائض الإيمانية الإلزامية، المهمة جدًّا، فقد تكون بقية أعماله لا قيمة لها، ليست مقبولةً منه؛ لأنه مخلٌ بما هو من الأساسيات، في الالتزامات الإيمانية، وفي تحقيق التقوى.

من أهم ما هو معروفٌ عن هذا المبدأ العظيم، وهذه الفريضة المقدسة: أنه عامل قوة، عامل قوةٍ في كل شيء: في التصدي للأخطار، للأعداء، للتحديات، عامل قوة في مستوى إنجاز الأعمال العظيمة والأمور الكبيرة في كل المجالات، عندما يكون هناك تعاوناً، توجهاً جماعياً، تظافراً للجهود، تكاتفاً، هذا يتحقق به الأشياء الكبيرة، والأمور المهمة والعظيمة.

هناك درسٌ كبيرٌ وواضحٌ جدًّا من واقع الأمة الإسلامية، الأمة التي هي كثيرة العدد، بأكثر من مليار مسلم، في بعض التقديرات بأكثر من مليار ونصف مليار مسلم، بأكثر من المليار والنصف مليار، الأمة التي هي تمتلك رقعةً جغرافيةً واسعةً ومهمة، في مناطق من أهم المناطق في العالم، في موقعها الاستراتيجي، الأمة التي تمتلك الثروات والإمكانات الاقتصادية، وفي باطن الأرض، والثروات التي لم تستثمر بعد بشكلٍ هائل جدًّا، واقعها ضعيف على نحوٍ عام، مقارنةً ببقية الأمم، من الأمم الأخرى على وجه الأرض، ومهما زاد عدد المسلمين، ومهما كانت إمكاناتهم، ومهما... وهم على هذا النحو من الفرقة والشتات؛ فذلك يؤثر عليهم، يؤثر عليهم.

بينما إذا اتجه البعض من المسلمين؛ لأن الانتظار للجميع حتى يتوحدوا لا ينبغي أبداً، هو انتظارٌ للمستحيل، عندما يتجه البعض من أبناء هذه الأمة ليتوحدوا، وتجتمع كلمتهم على أساسٍ صحيح، في الموقف الصحيح، تظهر قوتهم، فاعليتهم في الساحة، أثرهم الكبير، إنجازاتهم الضخمة.

عندما نرى مثلاً كنموذج من أحسن النماذج وأرقاها: حزب الله في لبنان، مجموعةٌ من المؤمنين تحركوا، اجتمعت كلمتهم على أساسٍ صحيح، في الموقف الصحيح، في الاتجاه الصحيح، حققوا نتائج كبيرة، وكانت قوتهم في التصدي للعدو الإسرائيلي، وفاعليتهم واضحةٌ جدًّا، وعاليةٌ جدًّا، وهكذا في أي بقعةٍ من بقاع العالم الإسلامي، يجتمع المؤمنون، وتتوحد صفوفهم، وتتظافر جهودهم؛ تظهر النتائج الكبيرة والمهمة.

فهو عامل قوة، وهذا دافعٌ مهم، الوعي بهذه الحقيقة، وحرص المؤمنين، حرص الناس ذوي الوعي، والبصيرة، والرشد، والحكمة، أن يكونوا أقوياء في موقفهم، أقوياء في عملهم، أقوياء وناجحين في مهامهم، فالجهد الجماعي، والتعاون، وتظافر الجهود، والأخوّة الحقيقية، الأخوّة الإيمانية التي هي أرقى أخوّة، وأرقى الروابط، وأسمى الروابط، التي تعزز حالة التعاون، المبنية على انسجام، وتفهم، وتراحم... إلى غير ذلك، فهو عامل قوة في التصدي للعدو وللأخطار في كل المجالات، ولهذا أتى التشبيه في الآية المباركة للمؤمنين المقاتلين في سبيل الله صفاً واحداً، بتعاونٍ، بتوجهٍ واحد، بأخوّةٍ حقيقية، قال عنهم: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: من الآية4]؛ ولذلك يتحتم على الإنسان المؤمن أن يسعى لأن يكون لبنةً صالحةً تدخل ضمن هذا البنيان المرصوص.

كما هو- كما أشرنا بالأمس- عامل استقرار مهم في الوضع الداخلي، في إطار التحرك العملي لابدَّ من توفير حالةٍ من الاستقرار والهدوء، تساعد على أن تتوجه كل الطاقات، كل الاهتمامات، إلى الموقف المهم في التصدي للعدو، في الاهتمام بالأعمال المهمة، في إنجاز ما ينبغي إنجازه.

احداث اليمن, [٢٤‏/٤‏/٢٠٢٢ ١١:٥٨ م]
[نشره ⁨ابو الحسن⁩]
إذا فسد الواقع الداخلي، وشابته الخلافات، المشاكل، النزاعات، التباينات، العقد، يؤثِّر هذا إلى حدٍ كبيرٍ جدًّا، جزءٌ كبيرٌ من التفكير، إن لم يكن كله، وجزءٌ كبيرٌ من الجهد العملي، من الكلام، يتجه لخدمة فساد ذات البين، لخدمة الشقاق والنزاع، لخدمة الخلافات، والبعض يكون في ذلك أنشط منه في الاتجاه الرئيسي، الاتجاه الصحيح، في النهوض بالمسؤولية، إذا تحوَّلت المسألة مسألة خلافات، وسوء تفاهم، وشقاق، يكون نشيطاً، حاد اللسان، متحركاً، متابعاً، معمماً، نشطاً في الاتجاه السلبي، بأكثر منه في الاتجاه الصحيح، وحاداً، وأكثر جرأة، أكثر جرأةً، لأكثر منه في الاتجاه الصحيح.

ثم يتحول الحال في الانشغال، والعوائق، والتأخير، إلى نحوٍ سلبي، وذلك مما يبين جرم وإثم وذنب هذا السلوك، هذا التصرف، الذي هو في إطار الفرقة، وليس في إطار جمع الكلمة، وترسيخ الأخوّة، وتعزيز الأخوّة الإيمانية.

عندما ينشط الإنسان فيما يفرِّق، فيما يبعثر، فيما يوسِّع الفجوة، فيما يعزز حالة الصراع الداخلي، الشقاق الداخلي، فهو يتجه الاتجاه الشيطاني، مع إبليس، هذه هي وظيفة إبليس، وظيفة الشيطان، دور الشياطين، ودور أوليائهم، الذين يعملون دائماً على التفكيك، على إثارة النزاع، على البعثرة، على تعزيز حالة الكراهية والبغضاء بين المؤمنين، ويعملون على ذلك بأهداف شيطانية، بأهداف شيطانية، فالمسألة سلبيتها كبيرةٌ جدًّا، تؤثِّر على الواقع العملي، تؤثر على النفوس، تتفرع عنها الكثير من المعاصي: النميمة، الغيبة، الكذب، الافتراء، البهتان، سوء الظن... كم تتفرع عنها من المعاصي، وسنتحدث- إن شاء الله- عن ذلك بالتفصيل.

فمن أهمية هذا المبدأ العظيم: أنه يمثِّل عامل استقرار وسلامة من كثيرٍ من الفتن، والمشاكل، والهموم، لصالح ما ينبغي توجيه الطاقات والقدرات، وحتى المشاعر الساخطة نحوه، مشاعر الغضب، والسخط، والانفعال، والشدة، وكذلك الجرأة، كل هذا يمكن توجيهه في الاتجاه الصحيح، حيث تؤجر، وحيث تشكر، وحيث يكون لذلك إيجابياته الكبيرة، ضد أعداء الأمة، ضد أعداء المؤمنين، الاتجاه الصحيح.

مما يدل عليه أيضاً هذا المبدأ العظيم في اهتمام الإنسان به، وسعيه للالتزام به: أنه يدل على الوعي لدى الإنسان، يدل في واقع الإنسان نفسه، في حالة التزامه، اهتمامه، سعيه لذلك، أنه إنسانٌ واعٍ، يدرك أهمية هذا الأمر من كل الجوانب، ويدل على تحليه بالمسؤولية، أنه من المهتمين بالنهوض بالمسؤولية، لديه حرص كبير، أنه بالفعل إنسانٌ مجاهدٌ حقاً، يدرك أهمية المسألة، وقيمتها، وما يترتب عليها من النتائج، وأنه مخلص.

يدل أيضاً على زكاء النفس، وسلامتها من الأنانية، والضغائن... وكثيرٍ من الآفات التربوية، التي هي وراء ألَّا يكون لدى الإنسان تقبُّل للأخوة، للتعاون، للانسجام، حتى للصبر من أجل ذلك.

فهذه جوانب مما يدل على أهمية هذا الأمر العالية، أهميته الكبيرة، وشأنه العظيم، ومسيرة الإسلام قامت على هذا الإساس، مسيرة الإسلام بكلها قامت على مبدأ الأمة الواحدة، التي تتحرك وفق مسؤوليةٍ واحدةٍ، ومنهجٍ إلهيٍ عظيم، وفي إطار قيادةٍ واحدةٍ، تتحرك على أساس هدى الله "سبحانه وتعالى"، والأخوّة الإيمانية، والتحلي بالمسؤولية في إطار ذلك، وقدَّمت نموذجاً راقياً وناجحاً، حلَّ مشكلة العرب آنذاك في الفرقة والشتات إلى حدٍ كبير، ووجَّه طاقاتهم في الاتجاه الصحيح.

كان العرب مشتتين، متفرِّقين، وكانوا مختلفين في كل شيء، وكان العرب شديدين في خلافاتهم، وفي صراعاتهم، يمكن أن يقتتلوا حتى على عقال بعير (مربط الجمل)، معركة حامية جدًّا تقوم على ذلك، ويمكن لكلمة تبدر من شاعرٍ في تلك القبيلة، أو خطيبٍ فيها، أن يفتح صراعاً ساخناً، ومعركةً على أشدها، ويمكن لأي خلاف أن يفسد ذات بينهم، وأن يوسِّع الفجوة بينهم، وأن يفتح صراعاً ساخناً فيما بينهم... وهكذا غرقوا في صراعات كثيرة، كثيرة جدًّا، جزءٌ كبيرٌ منها، وعددٌ كبيرٌ منها، على قضايا تافهة، شيءٌ منها لا يستحق أصلاً أن يفتح الإنسان من أجله أي مشكلة، يمكن أن يتجاهله، أن يتغاضى عنه، وجوانب منها يمكن أن تحل، أن تحل بشكلٍ صحيح، بطريقةٍ إيجابية، على أساسٍ من الحق، والعدل، والإنصاف، أو على أساسٍ من التصالح والتراضي، وبقيت هذه المشكلة في الواقع العربي، عادت إليه فيما بعد، كان رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله" في حركته بالإسلام يتجه بالمسلمين أن يتوحَّدوا بالإسلام، يتجه بالمؤمنين أن يتآخوا في إيمانهم، وكان يرسِّخ هذا الجانب، ويؤاخي بينهم، ويعزز الروابط فيما بينهم، وكان يحثهم على ذلك، وكان يسعى إلى ذلك بكل جهد، وإذا حصل التوجه؛ حصل معه التدخل الإلهي.

وهذا ما حصل مثلاً في قصة الأوس والخزرج، وكان بينهم قبل الإسلام خلافٌ شديد، ونزاعٌ شديد، واقتتالٌ شديد، وعداءٌ شديد، ثم بالإسلام اجتمعت كلمتهم، وتوجهوا توجهاً واحداً، في موقفٍ واحد، في إطار منهجيةٍ واحدة، تحت قيادةٍ واحدة، فألَّف الله فيما بينهم، وذكَّرهم بهذا، قال "جلَّ شأنه": {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ

احداث اليمن, [٢٤‏/٤‏/٢٠٢٢ ١١:٥٨ م]
[نشره ⁨ابو الحسن⁩]
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران: من الآية103]، ولاحظوا فيما قاله الله "سبحانه وتعالى" في هذا النص المبارك، ذكر أنَّ الأخوة نعمة لمرتين، {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، وفعلاً، وفعلاً الأخوة الإيمانية هي من أعظم النعم، آثارها الإيجابية على النفس، على المشاعر، على الحياة، على الواقع، آثارها عظيمةٌ جدًّا.

الإنسان المشاقق، المعقَّد، هو يعيش حالة الغربة، حالة الوحشة، سوء ظنه، سوء نظرته، عقده تجاه الآخرين، تجعله ينظر إلى كل شيء نظرة سلبية، {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، وهذا ترتب عليها نتائج عظيمة، ونتائج كبيرة.

فالإسلام في منهجيته العظيمة، وفيما يترتب على الانطلاقة الصادقة في مبادئه المهمة، هو صلةٌ بالله "سبحانه وتعالى"، يحظى من يتجهون على أساس مبادئه بالرعاية الإلهية، التي تصل إلى درجة أن يؤلِّف الله بين قلوبهم، لكن هذا لابدَّ فيه من الأخذ بالأسباب، والأسباب أساسها الاستجابة لله "سبحانه وتعالى" في توجيهاته هذه، والتوجه الصادق الذي يعلمه الله، وهو يتدخل، ويجبر القلوب، ويساعد الإنسان حتى في السيطرة على مشاعره؛ لأن البعض من الناس في طبيعته شديد التعقد، سريع الانفعال، بطيء الرضا، سريع الغضب، وبطيء الرضا، فالإسلام قام على هذا الأساس، فكان له أثره العظيم.

أضافةً إلى أنَّ منهجه التربوي يساعد ذلك، هو يزكي النفس، يصلحها من كثيرٍ من الشوائب التي تؤثر على الإنسان؛ لأن جذور السلوك، جذور سلوكيات الإنسان، وتصرفاته، ومواقفه، في أعماق نفسه، جذورها في أعماق النفس: الأنانية، كذلك- مثلاً- الهلع، الكبر... مواصفات معينة، أشياء وسلبيات معينة، إذا كانت متجذِّرةً في نفسية الإنسان، تؤثر عليه؛ فلا يرى في نفسه التقبل لمسألة الأخوّة الإيمانية، والاعتصام بحبل جميعاً، لا يطيق ذلك، هو كثير الاحتكاك، كثير العناد، كثير الإشكالات، لا يستطيع أن ينضبط وفق توجيهات الله "سبحانه وتعالى"، التي تعود إلى تعاملاته كيف تكون بما يفيد ذلك، بما يعزز من حالة الأخوة الإيمانية.

فالتربية الإيمانية هي تربية تزكي النفوس، تصلحها، تطهر مشاعر الإنسان، فتكون مشاعر صافية، نقية، سليمة، ليست مشحونة بالأنانيات، والعقد، والكبر، والغرور، والسلبيات الأخرى، التي تغيِّر سلوك الإنسان، أسلوبه في التعامل، طريقته في المعاملة مع الناس، تصوِّب اهتمامات الإنسان، فتكبر؛ لأنها تتجه نحو الأمور العظيمة، الأمور المهمة، الأمور المقدَّسة، الغايات لديه: رضوان الله، الجنة، السلامة من عذاب الله، تسيطر على مشاعره، على دوافعه، ثم على أسلوبه، على عمله، على طريقته، يصبح متقبلاً، متفهماً، مستجيباً، فلذلك المنهج التربوي هو يساعد على ذلك.

ثم مع ذلك، مع المبادئ، مع المنهج التربوي، مع ما يرتبط بالوعي في هذه المسألة، أرشد الله في القرآن الكريم إلى أسلوب التعامل، كيف يكون أيضاً على النحو الذي يساعد على الأخوّة الإيمانية، من ضمن ذلك قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء: الآية53].

قلنا في بداية المحاضرة بالأمس: أن مبدأ الأخوّة الإيمانية، والتوحد، والاعتصام بحبل الله جميعاً، مما يلقى محاربةً شرسة من الشيطان وأوليائه، حربهم شديدة على هذا الموضوع، يركِّزون عليه تركيزاً كبيراً، يبذلون كل جهد، ويسعون بكل جد إلى إثارة الفرقة، إلى إثارة الخلاف، إلى تشتيت شمل المؤمنين، ولذلك أرشد الله في هذه الآية المباركة إلى ما يساعد على تعزيز الأخوّة الإيمانية، عندما قال: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فيما يقولون، فيما يتخاطبون فيما بينهم، فيما يتحاورون فيه في إطار مسؤولياتهم، هذا موضوعٌ يحتاج الإنسان إليه في المعاملة بشكلٍ عام، وفي أداء الأعمال، وفي أداء المسؤوليات، أن يراعي هذا، أن يقول التي هي أحسن، وأن يترك الكلمات السيئة، المستفزة، الجارحة، التي لها آثار سلبية على مشاعر الآخرين؛ لأن البعض من الناس حاد اللسان، جريء اللسان، والبعض تصل جرأته إلى حد الوقاحة، وقد- أحياناً- قد يكون الإنسان من موقع أنه يرى نفسه مهماً، أو في موقع مسؤولية معينة، يرى لنفسه الحق في أن يقول أي شيء، وأن يتكلم بأي كلام مهما كان مسيئاً، هذا المعيار المهم في الآية المباركة: {يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، من المهم الالتزام به.

احداث اليمن, [٢٤‏/٤‏/٢٠٢٢ ١١:٥٨ م]
[نشره ⁨ابو الحسن⁩]
{يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}[الإسراء: من الآية53]، فالشيطان يستغل، عندما تكون طريقة التخاطب والكلام طريقة مستفزة، مستفزة بالفعل، البعض من الناس كل شيء يصبح عنده مستفزاً، حتى الكلام الطبيعي، حتى الكلام العادي، حتى الكلام المسؤول، ما الذي ينبغي أن يستفزك؟ مثلاً: التواصي بالحق، النصيحة، التنبيه على الخطأ بطريقة محترمة، لا ينبغي أن يستفزك، الكلمات التي هي بالفعل كلمات مسيئة، موبخة، جارحة، مهينة، البعض من الناس، إما لأنه حساسٌ جدًّا جدًّا، أو متكبر، أو مغرور، يجعل أي كلمة مهما كانت كلمة محترمة، يجعلها وكأنها جارحة جدًّا، وكأنها من أسوأ ما يمكن أن يقال، وعندما يسمعها الناس، أو تعرض عليهم، الكل يعرف أنها كلمة عادية، لا ينبغي أن يستفز منها إلى تلك الدرجة.

{يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}، فهو يستغل الموضوع، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء: من الآية53]، ولذلك هو يجعل من أهم ما يسعى له: أن يثير الفتنة والمشاكل بين بني آدم، هذا بدافعه العدائي بالنسبة للشيطان.

تحدثنا بالأمس عن قوله تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]، وكيف أن التراحم الذي يأتي إلى كل الواقع، إلى كل الظروف، إلى كل الحالات التي تستدعي الالتفاتة الإنسانية، أن له أهميته الكبيرة في ذلك، له أهميته الكبيرة في تعزيز الروابط والأخوّة، وفي تعزيز المشاعر الأخوية.

التواضع كذلك، في قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية54]، من أهم ما يفيد ويؤثر هو التواضع، والتواضع من الجميع، ممن هم في مقامات المسؤولية، ومواقع المسؤولية، بأي صفة، وبالأولى هم أن يكونوا أكثر تواضعاً، أو في مختلف الأعمال، أو بشكلٍ عام، التواضع من الجميع مطلوب، ومهمٌ جدًّا أن يكون سلوكاً قائماً.

الله قال حتى للنبي "صلوات الله عليه وعلى آله": {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الحجر: من الآية88]، خفض الجناح هو تعبير عن حالة التواضع، وحسن التعامل مع الآخرين، وهذه مسألة مهمة جدًّا، أسلوب التكبر، والتعالي، والاحتقار، أو الترفع على الآخرين، السلوك الذي يعبِّر عن ذلك عادةً ما يكون مستفزاً، ويصنع الفوارق؛ بينما التواضع يعزز من حالة الإخاء.

كظم الغيظ، كما مرَّ بنا بالأمس في قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}[آل عمران: من الآية134]؛ لأن الناس ليسوا بمعصومين، قد يصدر هفوة من هنا أو هناك، تأتي كلمة مستفزة من هنا أو هناك، أو تصرف مستفز، فالإنسان يكظم غيظه، ولا ينفجر، يتحول إلى قنبلة مشحونة بالعقد، أبسط كلمة مستفزة وانفجر بشكلٍ كامل، وإذا هو ذلك المملوء سخطاً، المملوء عقداً، المشحون عقداً، فيثور بالكلام السيء، أو التصرفات السيئة، أو يتهور بارتكاب جريمة عدائية، البعض يقتل، البعض يضرب، البعض يرتكب جريمة من الجرائم، يسيء إساءة بالغة تبطل عمله، تحبط أجره وثوابه حتى على جهاده وعمله، الإنسان يكظم غيظه، والقضايا التي تحتاج إلى معالجة، تعالج بروح عملية، بدلاً من ردة الفعل غير الواعية، ردة الفعل التي تتجاوز التقوى، تتجاوز الضوابط الأخلاقية، والإيمانية، والإنسانية حتى.

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، فكظم الغيظ هو مما يساعد على الحفاظ على الأخوّة، إذا لم يكن هناك كظم غيظ، وكان هناك على أبسط إشكالية، أو أبسط كلمة، أو أي استفزاز، أو أي شيء يغضب الإنسان، ردة فعل، ردة فعل، ردة فعل، تتحول الظروف العملية، وظروف الحياة، حتى على مستوى الأسرة الواحدة، أو القرية الواحدة، أو الحي الواحد، أو الحارة الواحدة، إلى ساحة مشحونة بالصراعات، والتوترات، والنزاعات، وبيئة مليئة بالقلق، مليئة بالتوتر، مليئة بالانزعاج، هذا لا ينبغي أبداً.

العفو {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية134]، صفة مستمرة؛ لأن كثيراً من الأمور لا ينبغي أن تبقى مشكلة، تحل، أو بعض الأمور قد يتجاوزها الإنسان وتنتهي، والتي قد لا يفيد حتى تجاوزها في أن تنتهي، يمكن معالجتها لتنتهي.

طبيعة البعض من الناس أن يجمع المشكلة عند المشكلة، والكلمة عند الكلمة، وتكون ذاكرته في ذلك ذاكرة نشطة، يحفظ ولا ينسى، طالما والمسألة مسألة عقد فهو لا ينسى، يمكن أن يذكرك بما قلت قبل سنوات طويلة، [أنك قلت في يوم كذا، في ساعة كذا، كلمة كذا]، وأنها لا زالت تَحُزُّ في نفسه، والكلمة عند الكلمة، حتى التي ليست في أصلها كما فهم؛ إنما بحسب سوء فهمه، سوء ظنه، سوء تقديره للأمور، جعل منها مشكلة، والبعض قد تكون إشكاليةً حقيقية، ولكنه ليس ممن يعفو، ليس ممن: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: من الآية37]، لا يغفر، ولا يعفو، ولا يسامح، ولا... وكثيرٌ من الأمور التي لا تستحق أصلاً أن تمثل إشكالية وعقدة، يحتفظ بها الإنسان ويراكمها، ويبني عليها ردود أفعاله.

احداث اليمن, [٢٤‏/٤‏/٢٠٢٢ ١١:٥٨ م]
[نشره ⁨ابو الحسن⁩]
والبعض من الناس إذا كان في إطار عمل، حتى في إطار العمل في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله، تؤثر عليه حتى في عمله في سبيل الله، وفي جهاده في سبيل الله، حتى في هذه المسألة: مسألة الاستجابة لله في الأخوّة الإيمانية، في الاعتصام بحبل الله جميعاً، هو لا يطيق أن يتوحد مع إخوته الآخرين، أن يوآخيهم؛ لأنه معقدٌ جدًّا على ذلك الذي قد قيل له عنه أنه قال كذا، ومعقدٌ جدًّا ومستاءٌ من ذلك الذي كان قد صدر بينه وبينه حدث سوء تفاهم... وهكذا.

فالعفو، المغفرة، {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، هل أنت هكذا؟ قيِّم نفسك، هل أنت ممن يغفر، ممن يسامح، ممن يتجاوز عن كثير من الأمور، لله وفي سبيل الله، من أجل الأمور المهمة، لاهتماماتك الكبرى، لصالح القضايا الكبرى، أو لست ممن هم كذلك؟ هل أنت ممن يعفو؟ قيم نفسك أنت، قيم نفسك على أساس كتاب الله، آيات الله، وأصلح نفسك، ووجّه نفسك على هذا الأساس، والله وعد في القرآن بأن يعفو عن العافين، أنت عندما تعفو عمَّن بدرت منه زلةٌ إليك، يقابلها أن يعفو الله عنك في زلةٍ بدرت منك كانت ستحسب عليك ما بينك وبين الله، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}[النور: من الآية22]، هكذا قال عن العفو في سورة النور، هذا مرغِّب بشكل كبير جدًّا.

مما أرشد إليه الله في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: من الآية1]، عندما يحدث سوء تفاهم، عندما يحصل إشكال في الواقع، ما بين هذا وذاك من المؤمنين، وأثَّر على العلاقة فيما بينهم، عليهم أن يسعوا لصلاحه، هذا من تقوى الله ومن الإيمان.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، أطيعوه واتقوه في صلاح ذات بينكم، هذا يدخل ضمنه السعي أصلاً للمحافظة على صلاح ذات البين، أن يسعى الإنسان ابتداءً كيف يحافظ على علاقته بإخوته المؤمنين أن تكون علاقة صالحة، وأن يسود ما بينه وبينهم الأخوّة الإيمانية، ويدخل ضمنه أيضاً: إصلاح ما فسد، إصلاح ما فسد من ذات البين، عندما يحصل سوء تفاهم، أو إشكالية معينة تؤثر سلباً، يسعى الإنسان قدر الاستطاعة لمعالجة ذلك؛ لأن البعض يحتفظ بفساد ذات البين، والعجيب أن البعض وكأنه يعجبه ذلك، كأنه يرتاح، مع أنه دائماً ليس في واقع الأمر في راحة، هو في تعب؛ لأن العقد متعبة، الشحناء، والبغضاء، والغيظ المستمر، والكراهية التي تتأجج في مشاعر الإنسان، كلها مشاعر سلبية، هي مشاعر سلبية، لها تأثيراتها السيئة على نفس الإنسان، متعبة، ليست مريحة، صفاء النفس هو الراحة، صفاء القلب والمشاعر ونقاؤها هو الراحة، هو السعادة.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، فلا يجوز للإنسان أن يكون سريعاً إلى فساد ذات البين، عجَّال يفسد ذات البين، أو البعض لا يكفيه في واقعه هو أنه ليس ممن يتوجه هذا التوجه؛ إنما يحاول أن يشجع الآخرين على الإساءة، على فساد ذات البين، على خلخلة الصف الداخلي، على الفرقة، والذين يعملون هذا العمل هم في صف الشيطان، هم يعملون عمل الشيطان، هم تأبلسوا، عمل خطير، من أسوأ الأعمال مقتاً عند الله، من أسوئها مقتاً عند الله "سبحانه وتعالى"، ورد في الحديث النبوي الشريف: ((ولا يحلَّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام))، هجر القطيعة، ليست مجرد الغياب، أو الانشغال، هجر القطيعة، المباينة، الإساءة، الإعراض، عندما يطول الوقت، تتسع الفجوة، يكبر التباين حتى في أعماق النفوس، حتى الوصول إلى نتائج سيئة.

أيضاً من أهم ما يفيد في ذلك: استيعاب الإنسان للوعيد الإلهي: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: الآية105]، الآية تستحق من الإنسان أن يفكر كثيراً، أن يتأمل جيداً، أن يستوعب خطورة الأمر عليه؛ لأن الوعيد بالعذاب العظيم هو وعيدٌ من الله، فالمستهتر بهذا الأمر، والمتجه اتجاهاً سلبياً تجاه هذه المسألة هو موعود من الله بالعذاب العظيم.

نكتفي بهذا المقدار...

ونسأل الله "سبحانه وتعالى" أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، إنه سميع الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛

هل يعي النظام السعودي الخطر القادن

هل يعي النظام السعودي الخطر القادم ✍ أبو يحيى الجرموزي  النظام السعودي ومن خلال المراوغة والهدنة القاصرة يبدوا انه استغل التواضع والحكمة ال...